المغرب والجزائر .. حرب الرمال مستمرة
عندما طرح الوسيط الأممي الأسبق في ملف الصحراء الغربية، جيمس بيكر، خيار الحل الثالث، أدرج الجزائر طرفاً مباشراً، عليه أن يوقع التزاماً لضمان حل قضية الصحراء. وسار في الاتجاه نفسه، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، خافيير دي كويلار، فقد رأى في كتابه "الحج إلى السلام" أن عقدة الموقف في نزاع الصحراء تكمن في عدم التفاهم بين المغرب والجزائر. وتحدث، في السياق نفسه، مسؤولون أميركيون، وأكدوا أن التفاهم المغربي الجزائري ضروري لتوطيد السلام في المنطقة.
الوصول إلى هذه الحقيقة، والاقتناع الدولي والأممي بأن المشكل الجوهري في قضية الصحراء قائم بين دولتين، هما المغرب والجزائر، يعد خطوة أساسية لإنهاء نزاع عمر عقوداً، وتقدماً مهماً ومساراً لا محيد عنه، علماً أن الجزائر حرصت دوماً على التمسك بأطروحة تقرير المصير لما تسميه "الشعب الصحراوي"، بينما يعتبر المغرب جبهة بوليساريو صنيعة النظام الجزائري الذي ولدت في رحمه، ودعمها عسكرياً ومالياً ودبلوماسياً وإعلامياً ولوجستيكيّاً، وأنه من دون الجزائر ما كان لبوليساريو أن توجد أصلاً.
وعلى مدى عقود من الاحتقان المدمر والاستفزاز السلبي، استنتج المغاربة أن للمؤسسة العسكرية في الجزائر أطماعاً قوية في التوسع الجغرافي نحو المحيط الأطلسي، عبر التراب المغربي، والتقطت الجزائر أطروحة انفصال الصحراء عن الوطن الأم، أي المغرب، لتقنع عناصر بالاصطفاف إلى جانبها، بهدف التآمر على السيادة المغربية، وعندما تم إعلان وقف إطلاق النار في 1991، وبدأ السعي إلى تسوية سياسة، وإمكانية إجراء محادثات مباشرة، أو غير مباشرة، بين المغرب وجبهة البوليساريو، عمدت الجزائر إلى التخفي وراء الجبهة المذكورة، وإن كانت، في الواقع، هي القوة الحقيقية الموجهة والمخططة لأطروحة الانفصال، والمدافعة عنه في المنتديات الدولية. وظلت، حسب المسؤولين المغاربة، تعرقل كل محاولة للتسوية، تتعارض مع مصالحها، وكشف الحل القاضي بتقسيم الصحراء بين المغرب والجزائر، والذي اقترحته الأمم المتحدة حلاً وسط مجموعة حلول لقضية الصحراء، وقبلته الجزائر من دون تردد، كشف عن التوجه الحقيقي، والأطماع الصريحة للجزائر، وفق مواقف المراجع الرسمية والحزبية والشعبية في المغرب.
وجاء التأكيد على أن حل نزاع الصحراء عبر حوار مباشر بين الجزائر والمغرب كذلك على لسان أكثر من مسؤول أميركي، وتكفي، هنا، الإشارة إلى أن وليام بيرنز، مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في جولته في الجزائر والمغرب وتونس، دعا المغرب والجزائر إلى بدء حوار لإيجاد حل لقضية الصحراء، لا سيما وأن واشنطن تشجع باستمرار الحوار بين البلدين، وتراهن عليها الرباط لتفعيل خطة عادلة تضمن مصالح المغرب وحقوقه السيادية، ولا سيما وأن الولايات المتحدة تقيم علاقات شراكة مع المغرب، توجت بالتوقيع على اتفاق التبادل الحر، واعتبار المغرب الشريك المفضل للحلف الأطلسي، وتعتبر هذا البلد صديقاً قديماً وحليفاً تقليدياً، على الرغم من انتفاء أسباب الحرب الباردة، وانهيار جدار برلين واختفاء المعسكر الاشتراكي، وهي عوامل كانت كافية لتضع المغرب في موقع الأفضلية في علاقته بالولايات المتحدة.
ويجمع المغاربة على أن الشعب الأقرب إليهم في كل شيء هو الجزائري، غير أنهم يرون في اندفاع الحكم في الجزائر، وانفعاله، كلما تدخل المغرب للإسهام في حل أزمة إقليمية، كما هو الشأن في مالي وليبيا، والدخول على الخط في مجموعة ملفات يباشرها المغرب، موقفاً عدائيّاً غير مفهوم، وغير مبرر، كما أن تعبئة قطاع عريض من وسائل الإعلام، وأحزاب ونخب وشرائح من المجتمع، من السلطة الفعلية الحاكمة والماسكة زمام الأمور في الجزائر، وتحريضها على قصف المغرب والتهجم عليه وتشويه سمعته والتشفي فيه، يعكس سلوكاً لم يتخلص من سلطة المناطق المظلمة وسطوتها في تاريخ البلدين الجارين، في إشارة إلى حرب الرمال بينهما عام 1963. وهو ما يتطلب من مراكز صناعة القرار في الجزائر، حسب الرباط ، بذل مجهود نفسي واتخاذ قرار جريء بأفق مستقبلي، والكف عن خيار النفاق الإعلامي والسياسي الذي يسهم في خلط الأوراق، وتوسيع مساحة الخلافات والاحتقانات، علماً أن التاريخ المشترك ليس كله صراعاً وجراحاً، بل فيه من العناصر لو استحضرت، بحسن نية وصفاء طوية، من الطرفين، بعيداً عن الحسابات التأزيمية، لتم تجاوز صعوبات كثيرة، وتذليل عقبات عديدة.
مؤكد أن ملف الصحراء دخل منعطفاً حاسماً، منذ طرح المغرب مقترح الحكم الذاتي الذي وصفته قوى وازنة في مجلس الأمن الدولي بأنه جدي وواقعي وذو مصداقية. وعلى الرغم من انطلاق مسلسل المفاوضات المباشرة منذ سنوات بين المغرب وجبهة بوليساريو، تحت رعاية الأمم المتحدة، وبحضور دول ملاحظة، فإن متابعين عديدين للملف يجمعون على أن النزاع قد لا تحسم فيه الإجراءات القانونية للأمم المتحدة، ولا تعقيدات موازين القوى داخل مجلس الأمن، ما يحتّم أن تتحرك مسارات أخرى من التفاوض المباشر بين المغرب والجزائر، على اعتبار أن جذور نزاع الصحراء عنوان كبير لإشكالية علاقة بين بلدين جارين، طبعت بالتوتر والاحتقان، أكثر من أربعة عقود، لكن السؤال الذي طرح نفسه بحدة هو إلى أي حد يمكن أن تنجح المفاوضات السياسية المباشرة في تحقيق ما أخفقت فيه آلية القانون الدولي في الأمم المتحدة؟ ثم هل أصبحت الشروط ناضجةً نفسيّاً وسياسيّاً وأمنيّاً لإطلاق مثل هذه المفاوضات؟ وهل يوجد في الجزائر مخاطب رسمي مسؤول مستعد للإنصات والتفاوض، وله صلاحيات فرض النتائج المحتملة؟ هناك قناعة راسخة لدى المغاربة في أن الجزائر رأس الرمح في نزاع الصحراء.
ويعي المغاربة أن الجزائر إذا بذلت الجهود الضرورية، يمكن تجاوز كل الصعوبات، ويشدد المسؤولون في الرباط على أهمية وضع قضية الصحراء في سياقها الحقيقي التاريخي والجيو-ستراتيجي، فبوليساريو التي تأسست في 1973 سوقت أطروحاتها ورسخت وجودها، بفضل احتضان الجزائر لها، وقد يكون هناك من راجع موقفه، واقتنع بضرورة الانفتاح على المغرب، واستبعاد إيجاد كيان جديد في المنطقة، لكن عدم اتضاح الصورة وضبابية المشهد السياسي في الجزائر لا يشجعان على تعزيز هذه القناعات، وقد سبق للجنرال المتقاعد، خالد نزار، والذي كان وزيراً للدفاع، صرح لأسبوعية مغربية، قبل سنوات، أن بلاده ليست في حاجة إلى دولة على حدودها، وهو تصريح اعتبر سابقة غير مألوفة من الجيش الجزائري الذي التزم، معنوياً ومبدئياً، بالدفاع عما يسميه حق تقرير المصير للشعب الصحراوي. ويروي نزار في مذكراته، والتي صدرت عن منشورات جريدة الخبر"، إنه علم بلقاء الرئيس الجزائري (الأسبق) الشاذلي بن جديد مع ملك المغرب، الحسن الثاني (الراحل)، ولم يفهم وقتها ما الذي سيناقشانه، بينما لا يزال مشكل الصحراء الغربية حجر عثرة في كل نقاش في وضعية عالقة. وأضاف "الأكثر من ذلك، تم اللقاء بعد أن قدمت، أنا والمقدم محمد التواتي، إلى الشاذلي مذكرة نعلمه فيها قبل ستة أشهر أن المغرب يحضر لبناء جدار في الصحراء، وهو الحل الوحيد الذي يجعل قواته وعتاده في منأى عن الهجومات الصحراوية".
وعلى الرغم من ارتباط هذه الشهادة بسياق تاريخي معين، إلا أنها، معنوياً وسياسياً، تظهر، حسب المسؤولين المغاربة، أن استمرار السلطات الجزائرية الحالية في معاكستها مطالب المغرب، يرتبط أساساً بحسابات بعض الرموز، كما أن لهذه المعاكسة علاقة بالأزمة الداخلية التي يبحث المتسببون فيها، عن متنفس خارجي لتبرئة ساحتهم، والتنصل من مسؤولياتهم، ولا أدل على ذلك الانتفاضات والاحتجاجات الشعبية التي شهدتها وتشهدها مناطق جزائرية، على الرغم من عائدات النفط المغرية.