28 أكتوبر 2024
عن المشهد الميداني السوري
أكدت التطورات الميدانية السورية، في الأشهر الماضية، استحالة الحسم العسكري لأي من الأطراف المتصارعة، وأكدت اللعبة الدولية المرسومة حيال سورية، فالحرب ليست امتداداً للسياسة بوسائل أخرى، أي ليس مسموحاً لأي طرف تحقيق نصر عسكري، يمكن ترجمته سياسياً.
منذ بداية عام 2012 وحتى منتصف 2013، أخافت انتصارات المعارضة المسلحة وتضعضع النظام المجتمع الدولي من اليوم التالي لسقوط النظام، فبدأت عملية تخفيف الدعم العسكري للمعارضة مقابل غض الطرف عن دعم النظام، ومنذ منتصف 2013 مع سيطرة النظام على القصير، بدأ تحول ميداني لصالح النظام، استمر سنة ونصفاً حتى مطلع 2015. وشكل 2014 حالة من الستاتيكو العسكري، حاول كل طرف إحكام سيطرته على المناطق الخاضعة له، مع هامش عسكري بسيط في مناطق الاشتباك، لا يسمح بتغير المعادلات القائمة، غير أن تشبث النظام بمقولاته ورفضه اعتماد لغة السياسة حلاً للأزمة، والتمدد الكبير الذي أحدثه تنظيم داعش، من جهة ثانية، وسيطرة الإسلاميين على معظم فصائل المعارضة ثالثاً، دفعت صناع القرار الدولي والإقليمي إلى تغير المعادلة على الأرض، في محاولة لإيجاد توازن خارج معادلة داعش والنظام.
هكذا شهد العام الجاري تغيرات ميدانية سريعة في أطراف سورية، بدأت في إدلب، مع تشكيل جيش الفتح الذي سرعان ما سيطر على المحافظة التي تشكل موقعاً مهما لجهة الإمداد من تركيا، شمالاً وغرباً، ولجهة حدودها الجنوبية الغربية مع محافظة اللاذقية، ولجهة خطوط الإمداد مع حلب في الشمال الشرقي. وفي حلب، استطاعت الجبهة الشامية وبعض الفصائل، خرق خطوط دفاع للنظام، والمعارك مستمرة في ريف حلب الجنوبي، ثم امتدت التغيرات لتشمل الجنوب السوري مع سيطرة الفصائل المسلحة على مواقع مهمة في درعا والقنيطرة (مدينة بصرى، معبر النصيب، اللواء 52، مطار ثعلة العسكري قبل الانسحاب منه)، وتمنح السيطرة على مطار الثعلة المعارضة المسلحة القدرة على نقل العمليات إلى منطقة أزرع، أحد أهم معاقل النظام في الجنوب.
سمح هذا الواقع الجديد للمعارضة المسلحة بفتح معارك في جبهات كانت مقفلة، أو في حالة هدوء، كما حدث في الغوطة الشرقية مع استهداف اللواء 39، وكما حدث، أخيراً، في ريف حماة الشمالي، حيث أطلقت عدة فصائل معركة "فتح من الله"، وكما يحدث في القلمون منذ أكثر من شهر، ومعركة القلمون بين الفصائل المسلحة وحزب الله تجري خارج المعادلة اللبنانية، فلا علاقة لها بالدفاع عن الأرض اللبنانية (باستثناء المعارك مع داعش) وإنما مرتبطة بتطورات الوضع الميداني السوري، حيث يؤدي خروج القلمون من سيطرة النظام إلى سهولة ربط المنطقة بالجنوب والشمال، ويجعل محيط دمشق مهدداً. ولذلك، يعيد النظام وحلفاؤه عملية انتشار منظمة في عدة مناطق، لا سيما التي يستطيع الحفاظ عليها (القلمون، حماة، اللاذقية، السويداء)، وترك الأطراف ريثما يعيد تنظيم صفوفه، أو تجري تغيرات دولية، تحول دون تقدم المعارضة المسلحة. ومن هنا، يمكن فهم دفع النظام أهالي هذه المناطق إلى تشكيل قوات محلية (لواء درع الساحل في اللاذقية، درع الوطن في السويداء، قوات دفاع في حماة، قوات إيرانية لحماية دمشق ومحيطها) للدفاع عن هذه المناطق، في حال قررت المعارضة المسلحة اقتحامها.
لا يجب أن تدفعنا هذه التطورات الميدانية بعيداً في بناء أوهام ذهب إليها بعضهم بالحديث عن اقتراب سقوط النظام، فمعادلة الصراع الميداني تخضع لمقتضيات إقليمية ودولية، لا تسمح، حتى الآن، ليس في إسقاط النظام فحسب، بل في إحداث معارك في المناطق المختلطة طائفياً، كاللاذقية مثلاً، وهذا ما عبّر عنه صراحة العميد الركن مصطفى الشيخ، رئيس المجلس العسكري الأعلى للجيش الحر، حين قال إن الدول الداعمة ترفض اقتحام المعارضة محافظة اللاذقية، أو في العاصمة دمشق ومحاولة اقتحامها.
ليس المطلوب إسقاط النظام، وإنما تغير المعادلة الميدانية، لإيصال رسائل سياسية، لكل أطراف الصراع، مفادها بأن تغيير التوازنات العسكرية على الأرض مرتبط بقرار دولي. وبالتالي، على الجميع الامتثال للمجتمع الدولي، في حال قرر التوجه نحو تسوية سياسية، بعدما اعتقد النظام سنوات أن نجاحاته على الأرض تمكّنه من فرض مقولاته السياسية، واعتقاد بعض الفصائل المسلحة أنها تستطيع رفض أي تسوية سياسية، لا تتماشى مع أيديولوجياتها.
لذلك، المسموح به الآن للمعارضة المسلحة هو السيطرة على المناطق الطرفية، كإدلب وحلب ودرعا، التي تمتلك عمقا استراتيجيا تؤمنه تركيا في الشمال، والأردن في الجنوب، وبعض المناطق في القلمون بشقيه الغربي والشرقي، مع ترك داعش في الشمال والشرق، شرط عدم السماح لها بالتمدد كثيراً في المناطق التي قد تشكل تهديداً لمعادلة التوازن القائمة.
هكذا شهد العام الجاري تغيرات ميدانية سريعة في أطراف سورية، بدأت في إدلب، مع تشكيل جيش الفتح الذي سرعان ما سيطر على المحافظة التي تشكل موقعاً مهما لجهة الإمداد من تركيا، شمالاً وغرباً، ولجهة حدودها الجنوبية الغربية مع محافظة اللاذقية، ولجهة خطوط الإمداد مع حلب في الشمال الشرقي. وفي حلب، استطاعت الجبهة الشامية وبعض الفصائل، خرق خطوط دفاع للنظام، والمعارك مستمرة في ريف حلب الجنوبي، ثم امتدت التغيرات لتشمل الجنوب السوري مع سيطرة الفصائل المسلحة على مواقع مهمة في درعا والقنيطرة (مدينة بصرى، معبر النصيب، اللواء 52، مطار ثعلة العسكري قبل الانسحاب منه)، وتمنح السيطرة على مطار الثعلة المعارضة المسلحة القدرة على نقل العمليات إلى منطقة أزرع، أحد أهم معاقل النظام في الجنوب.
سمح هذا الواقع الجديد للمعارضة المسلحة بفتح معارك في جبهات كانت مقفلة، أو في حالة هدوء، كما حدث في الغوطة الشرقية مع استهداف اللواء 39، وكما حدث، أخيراً، في ريف حماة الشمالي، حيث أطلقت عدة فصائل معركة "فتح من الله"، وكما يحدث في القلمون منذ أكثر من شهر، ومعركة القلمون بين الفصائل المسلحة وحزب الله تجري خارج المعادلة اللبنانية، فلا علاقة لها بالدفاع عن الأرض اللبنانية (باستثناء المعارك مع داعش) وإنما مرتبطة بتطورات الوضع الميداني السوري، حيث يؤدي خروج القلمون من سيطرة النظام إلى سهولة ربط المنطقة بالجنوب والشمال، ويجعل محيط دمشق مهدداً. ولذلك، يعيد النظام وحلفاؤه عملية انتشار منظمة في عدة مناطق، لا سيما التي يستطيع الحفاظ عليها (القلمون، حماة، اللاذقية، السويداء)، وترك الأطراف ريثما يعيد تنظيم صفوفه، أو تجري تغيرات دولية، تحول دون تقدم المعارضة المسلحة. ومن هنا، يمكن فهم دفع النظام أهالي هذه المناطق إلى تشكيل قوات محلية (لواء درع الساحل في اللاذقية، درع الوطن في السويداء، قوات دفاع في حماة، قوات إيرانية لحماية دمشق ومحيطها) للدفاع عن هذه المناطق، في حال قررت المعارضة المسلحة اقتحامها.
لا يجب أن تدفعنا هذه التطورات الميدانية بعيداً في بناء أوهام ذهب إليها بعضهم بالحديث عن اقتراب سقوط النظام، فمعادلة الصراع الميداني تخضع لمقتضيات إقليمية ودولية، لا تسمح، حتى الآن، ليس في إسقاط النظام فحسب، بل في إحداث معارك في المناطق المختلطة طائفياً، كاللاذقية مثلاً، وهذا ما عبّر عنه صراحة العميد الركن مصطفى الشيخ، رئيس المجلس العسكري الأعلى للجيش الحر، حين قال إن الدول الداعمة ترفض اقتحام المعارضة محافظة اللاذقية، أو في العاصمة دمشق ومحاولة اقتحامها.
ليس المطلوب إسقاط النظام، وإنما تغير المعادلة الميدانية، لإيصال رسائل سياسية، لكل أطراف الصراع، مفادها بأن تغيير التوازنات العسكرية على الأرض مرتبط بقرار دولي. وبالتالي، على الجميع الامتثال للمجتمع الدولي، في حال قرر التوجه نحو تسوية سياسية، بعدما اعتقد النظام سنوات أن نجاحاته على الأرض تمكّنه من فرض مقولاته السياسية، واعتقاد بعض الفصائل المسلحة أنها تستطيع رفض أي تسوية سياسية، لا تتماشى مع أيديولوجياتها.
لذلك، المسموح به الآن للمعارضة المسلحة هو السيطرة على المناطق الطرفية، كإدلب وحلب ودرعا، التي تمتلك عمقا استراتيجيا تؤمنه تركيا في الشمال، والأردن في الجنوب، وبعض المناطق في القلمون بشقيه الغربي والشرقي، مع ترك داعش في الشمال والشرق، شرط عدم السماح لها بالتمدد كثيراً في المناطق التي قد تشكل تهديداً لمعادلة التوازن القائمة.