مؤامرة كونية على الثورة

11 اغسطس 2015
+ الخط -
امتلأت، أخيراً، صفحات المواقع الإخبارية والاجتماعية بصورة شاب أسمر بلحية خفيفة، يرتدي "تي شيرت" أسود وبنطالاً مموهاً، وبارودة على كتفه وفي يده مسدس، يدعى سليمان هلال الأسد. الخبر كما بات معروفاً هو مقتل حسان الشيخ، العقيد في الجيش السوري، بينما كان في إجازة مع أسرته، على يد هذا الشاب الأسمر. 
قرأتُ الخبر على صفحة شاب موالٍ، يقيم في اللاذقية، ويدير موقعاً إعلامياً لنشر أخبار (انتصارات) الجيش السوري، ونشر الأمل وتلوين حياة سكان الساحل، على طريقة سعاد حسني، باللون "البامبي"، لكن أسلوب نقل هذا الخبر كان مختلفاً عن خط الموقع الإعلامي، فأتى مستاءً غاضباً واستخدم أول مرة وصف "شبيح" على أحد أقرباء الرئيس السوري بشار الأسد.
تلت ذلك تعليقات وطرائف، بعضها لمؤيدي النظام والجيش السوريين، ملأت مواقع التواصل الاجتماعي، استوحى أحدها من حادثة عقاب الخليفة عمر بن الخطاب أحد أبناء الأكرمين الذي جذع أنف رجل، بزَّه في أحد السباقات، فقال التعليق: "أتدوبِلُني وأنا ابن هلال الأسد؟" ورسم آخر لائحة عقوبات جديدة لمخالفات السير، وضمَّنها العقوبة بالقتل لفعل "الدوبلة"، أي تجاوز سيارة تسبقك بالالتفاف عليها، في إشارة إلى ما قام به العقيد المغدور مع ابن "شيخ الجبل" سليمان الأسد. وشاهدنا مقاطع فيديو تمثل الحادثة بطرائق طريفة، بعضها استخدم ألعاب سيارات، رفض سائقها إفساح الطريق للشبيح، فقتله الأخير، وأخرى مثلت مكالمات هاتفية بين بشار وابن عمه، ذكَّرت بتضامن الأسد مع ابن خالته، عاطف نجيب، الحدث الذي أدى إلى اندلاع الثورة الشعبية في درعا، ثم في عموم سورية.
بعد ذلك، نشرت قناة سما الفضائية، التابعة للنظام، خبراً اعتبرت فيه العقيد المغدور شهيداً، من دون لفت النظر لهوية القاتل. زاد هذا التغاضي من غضب الشارع، فخرجت مظاهرات بالمئات سألت: من يحاكم آل الأسد؟، وطالبت برأس القاتل، وذهب بعضها إلى التهديد بالانتقال إلى الجهة الأخرى من القتال في الحرب السورية، ومساندة "المسلحين" ضد النظام. أغرتْ هذه الأحداث، التي جرت في عقر دار النظام، بعض العقول المتفائلة، وبدأ شكل جديد من التحليلات، يلون مجالس المعارضين. وفي غمرة انشغال الناس والإعلام بتظاهرات اللاذقية، وبينما أصبحت متابعة أخبار الصفحات الموالية على أشدها، أطلق قائد جيش الإسلام في ريف دمشق، زهران علوش، تهديداً غير مفهوم التوقيت، بإغراق مدينة القرداحة بالصواريخ! وبعده بساعتين، سمعنا عن بيان لجيش الفتح، يبشر فيه الناس بأنه "سيحرر" قريتي الفوعة وكفريا الشيعيتين وسيدخلهما قريباً.
وكانت قرية الفوعة قد هُددت بالتحرير مرات من جبهة النصرة وكتائب أخرى، وباءت تلك التهديدات و"البشائر" بالفشل، حتى مل الناس خبر تحرير الفوعة وتناسوه، ولا يخفى على أحد الحماية الدولية التي تتمتع بها القريتان تحت مسمى "حماية الأقليات"، فإذا أضفنا إلى أقليات الفوعة وكفريا الأقلية العلوية في القرداحة، المتمتعة مع كامل مدن الساحل وقراه بحماية روسية أميركية غير معلنة، فسنستنتج أننا أمام حرب كلامية من جهة زهران علوش وبعض فصائل جيش الفتح، لن تلقى سمعاً إلا في آذان مؤيدين بدأوا بالتململ من تصرفات شبيحة آل الأسد في الساحل، لتذكّرهم أن عليهم نبذ الخلافات التافهة، والتسامح مع قاتلهم الداخلي، ليواجهوا معاً خطر صواريخ علوش ومتطرفي النصرة..
نستطيع أن ندرج تلك التصريحات في خانة الغباء السياسي، ونستطيع، أيضاً، أن نفلت لخيالنا المؤامراتي العنان، لينطلق إلى ما هو أبعد، ونتصور أن الجميع يعمل ضد ثورة الحرية والمواطنة التي سعى إليها الشعب السوري منذ نصف عقد ولا يزال.
فاطمة ياسين
فاطمة ياسين
كاتبة سورية، صحفية ومعدة ومنتجة برامج سياسية وثقافية