08 نوفمبر 2024
أوباما ونتنياهو.. الاعتراف المهين
في مقابلته، يوم الأحد الماضي، مع الإعلامي الأميركي في قناة "سي إن إن" ، فريد زكريا، قال الرئيس الأميركي، باراك أوباما، إنه لا يتذكّر زعيم دولة أجنبية تدخل في شؤون السياسة الخارجية الأميركية بالقوة التي يتدخل فيها، اليوم، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، فيما يتعلق بالاتفاق النووي مع إيران. غير أن أوباما "المستاء" من تدخلات نتنياهو، لم ينس أن يتحفنا، في المقابلة نفسها، بتلك اللازمة، محل التوافق الكبير بين السياسيين الأميركيين، عن العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والتزام الأولى المطلق بأمن الثانية.
لا نضيف جديداً إذا قلنا إن العلاقة الشخصية بين الرجلين متوترة، منذ اعتلائهما سدة الحكم في مطلع عام 2009. فوعود أوباما وطموحاته أن يكون الرئيس الذي سيحقق حلم "السلام" بين الفلسطينيين والإسرائيليين تبخرت أمام عناد نتنياهو. ولم تعدم العلاقة، سواء على المستوى الشخصي أم الحكومي، في عهديهما، احتكاكات ومناكفات كثيرة، وصلت إلى حد أن يغادر أوباما، عام 2009، اجتماعاً مع نتنياهو في البيت الأبيض، بحجة تناول العشاء مع عائلته، وتدخل نتنياهو في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2012 لصالح المرشح الجمهوري، ميت رومني.
وضاعف من توتر العلاقة بين الرجلين، وبين إدارتيهما، الملف النووي الإيراني. فأوباما، وبغض النظر عن تسويغاته أهمية الاتفاق مع إيران، وأنه "مصلحة" إسرائيلية، فإنه مضى فيه من دون كثير اكتراث للاعتراضات الإسرائيلية، في حين رد نتنياهو بالتحالف مع الحزب الجمهوري المعارض، والذي يملك أغلبية في مجلسي الكونغرس الأميركي، النواب والشيوخ، وقبل دعوة من الناطق باسم مجلس النواب، وألقى خطاباً في الكونغرس في مارس/آذار الماضي، على الرغم من امتعاض البيت الأبيض، حرّض فيه على معارضة أي اتفاق مع إيران.
صحيح أن إدارة أوباما تحدّت الموقف الإسرائيلي، وتجاوزت اعتراضات نتنياهو وتحريضه المستمر على الاتفاق الذي أبرم الشهر الماضي، فأوباما يرى في نجاح الاتفاق مع إيران جزءاً من إرثه الرئاسي، غير أن الجهود "التخريبية" الإسرائيلية، وجهود حلفائها في واشنطن، لم تتوقف إلى اليوم عن محاولات وأد الاتفاق في الكونغرس. من ذلك، مثلاً، الزيارة التي قام بها إلى إسرائيل، أخيراً، أكثر من 58 عضواً في مجلس النواب الأميركي، ومن الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، الذي ينتمي إليه أوباما، بترتيب من لجنة الشؤون العامة الأميركية-الإسرائيلية "إيباك"، ذراع إسرائيل الأقوى في واشنطن. وقد التقى هؤلاء النواب مع نتنياهو لمناقشة الاتفاق النووي مع إيران. أيضاً، أنفقت "إيباك"، ومنظمة أخرى مرتبطة بها، إلى اليوم، أكثر من 40 مليون دولار على حملة إعلانات في 35 ولاية أميركية، من أصل 50، لمعارضة الاتفاق النووي. ويتمثل هدف إسرائيل ولوبيها في أميركا من كل هذه الجهود في تحشيد أغلبية الثلثين في مجلسي النواب والشيوخ الأميركيين، لتجاوز أي "فيتو" رئاسي ضد تصويت متوقع في مجلسي الكونغرس ضد الاتفاق. فالأغلبية الجمهورية في مجلسي النواب والشيوخ سترفض، كما هو متوقع، الاتفاق، لكنها لا تستطيع وحدها أن تتجاوز "فيتو" أوباما، وبالتالي، فإنها بحاجة إلى أصوات من حزب الرئيس، الديمقراطي، وهذه المهمة يبدو من الواضح أنها أوكلت إلى إسرائيل وحلفائها وأذرعها في واشنطن.
يعيدنا ما سبق إلى حقيقة يقر بها كثيرون في الولايات المتحدة، لكن قليلين يجرؤون على قولها علناً، وهي أن العلاقة الأميركية-الإسرائيلية مختلة لصالح الأخيرة، فعلى الرغم من أن إسرائيل هي من تعتاش على أميركا، وهي مدينة لها بوجودها وتفوقها وأمنها، غير أنها دوماً "تعض" اليد الأميركية الممدودة إليها، ومن ذلك، مثلاً، تجسسها على أميركا، وبيعها، غير مرة، كثيراً من الأسرار التكنولوجية الأميركية المتقدمة، المدنية والعسكرية، للمنافس الصيني.
في كتابه "إنهم يجرؤون على الكلام" (صدر عام 1989)، يشرح عضو الكونغرس السابق، بول فيندلي، كيف تخنق "إيباك" وأذرع اللوبي الصهيوني الأخرى في الولايات المتحدة، أي نقاش حول اختلال العلاقة الأميركية-الإسرائيلية، وتأثير هذا اللوبي الرهيب على السياسات الأميركية في الشرق الأوسط. وفيندلي هذا أحد السياسيين الأميركيين الذين خسروا مناصبهم، بسبب ضغوط اللوبي الصهيوني وألاعيبه. وقد أعاد المرموقان، جون ميرشيامر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو، وستيفن والت، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد، تأكيد المعطيات نفسها في كتابهما "اللوبي الإسرائيلي والسياسة الأمريكية الخارجية" (صدر عام 2007)، وقد دفعا ثمناً كبيراً جراء حملة التشهير الشرسة التي شُنِّتْ عليهما.
لم يسلم أوباما نفسه، من حملة التشهير تلك، فحلفاء إسرائيل وأنصارها في أميركا اتهموه، غير مرة، بأنه ليس صديقاً وفياً لإسرائيل، على الرغم من تأكيداته المستمرة عكس ذلك، وهو ما أكده عبر سياسات الدعم والعسكرية والأمنية غير المسبوقة لإسرائيل. بل وصل الأمر بميت رومني، المرشح الرئاسي الجمهوري عام 2012، أن يتهمه بأنه يريد أن "يرمي إسرائيل تحت عجلات الحافلة"، في حين سارع الطامح الجمهوري بالرئاسة، مايك هكوبي، إلى اتهام أوباما بأنه يقود إسرائيل إلى "باب الفرن" عبر الاتفاق النووي مع إيران.
باختصار، يبقى اعتراف أوباما، على الرغم من أهميته، اعتراف الضعيف، وهو اعتراف مهين. إنه اعتراف العاجز عن وقف "البلطجة" الإسرائيلية في الولايات المتحدة. صحيح أنه تحدى إسرائيل كثيراً، وتجاوز إعاقاتها غير مرة، غير أن ذلك لا ينفي أن إسرائيل تبقى "عبداً متمرداً" على سيده. فما دام كثيرون من ساسة أميركا وقادتها يضعون ولاءهم لإسرائيل قبل ولائهم لأميركا، فلا تنتظر تغييراً سريعاً وجذرياً في أميركا نحو إسرائيل، حتى ولو حكمها شخص، مثل بوب فيندلي.
وضاعف من توتر العلاقة بين الرجلين، وبين إدارتيهما، الملف النووي الإيراني. فأوباما، وبغض النظر عن تسويغاته أهمية الاتفاق مع إيران، وأنه "مصلحة" إسرائيلية، فإنه مضى فيه من دون كثير اكتراث للاعتراضات الإسرائيلية، في حين رد نتنياهو بالتحالف مع الحزب الجمهوري المعارض، والذي يملك أغلبية في مجلسي الكونغرس الأميركي، النواب والشيوخ، وقبل دعوة من الناطق باسم مجلس النواب، وألقى خطاباً في الكونغرس في مارس/آذار الماضي، على الرغم من امتعاض البيت الأبيض، حرّض فيه على معارضة أي اتفاق مع إيران.
صحيح أن إدارة أوباما تحدّت الموقف الإسرائيلي، وتجاوزت اعتراضات نتنياهو وتحريضه المستمر على الاتفاق الذي أبرم الشهر الماضي، فأوباما يرى في نجاح الاتفاق مع إيران جزءاً من إرثه الرئاسي، غير أن الجهود "التخريبية" الإسرائيلية، وجهود حلفائها في واشنطن، لم تتوقف إلى اليوم عن محاولات وأد الاتفاق في الكونغرس. من ذلك، مثلاً، الزيارة التي قام بها إلى إسرائيل، أخيراً، أكثر من 58 عضواً في مجلس النواب الأميركي، ومن الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، الذي ينتمي إليه أوباما، بترتيب من لجنة الشؤون العامة الأميركية-الإسرائيلية "إيباك"، ذراع إسرائيل الأقوى في واشنطن. وقد التقى هؤلاء النواب مع نتنياهو لمناقشة الاتفاق النووي مع إيران. أيضاً، أنفقت "إيباك"، ومنظمة أخرى مرتبطة بها، إلى اليوم، أكثر من 40 مليون دولار على حملة إعلانات في 35 ولاية أميركية، من أصل 50، لمعارضة الاتفاق النووي. ويتمثل هدف إسرائيل ولوبيها في أميركا من كل هذه الجهود في تحشيد أغلبية الثلثين في مجلسي النواب والشيوخ الأميركيين، لتجاوز أي "فيتو" رئاسي ضد تصويت متوقع في مجلسي الكونغرس ضد الاتفاق. فالأغلبية الجمهورية في مجلسي النواب والشيوخ سترفض، كما هو متوقع، الاتفاق، لكنها لا تستطيع وحدها أن تتجاوز "فيتو" أوباما، وبالتالي، فإنها بحاجة إلى أصوات من حزب الرئيس، الديمقراطي، وهذه المهمة يبدو من الواضح أنها أوكلت إلى إسرائيل وحلفائها وأذرعها في واشنطن.
يعيدنا ما سبق إلى حقيقة يقر بها كثيرون في الولايات المتحدة، لكن قليلين يجرؤون على قولها علناً، وهي أن العلاقة الأميركية-الإسرائيلية مختلة لصالح الأخيرة، فعلى الرغم من أن إسرائيل هي من تعتاش على أميركا، وهي مدينة لها بوجودها وتفوقها وأمنها، غير أنها دوماً "تعض" اليد الأميركية الممدودة إليها، ومن ذلك، مثلاً، تجسسها على أميركا، وبيعها، غير مرة، كثيراً من الأسرار التكنولوجية الأميركية المتقدمة، المدنية والعسكرية، للمنافس الصيني.
في كتابه "إنهم يجرؤون على الكلام" (صدر عام 1989)، يشرح عضو الكونغرس السابق، بول فيندلي، كيف تخنق "إيباك" وأذرع اللوبي الصهيوني الأخرى في الولايات المتحدة، أي نقاش حول اختلال العلاقة الأميركية-الإسرائيلية، وتأثير هذا اللوبي الرهيب على السياسات الأميركية في الشرق الأوسط. وفيندلي هذا أحد السياسيين الأميركيين الذين خسروا مناصبهم، بسبب ضغوط اللوبي الصهيوني وألاعيبه. وقد أعاد المرموقان، جون ميرشيامر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو، وستيفن والت، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد، تأكيد المعطيات نفسها في كتابهما "اللوبي الإسرائيلي والسياسة الأمريكية الخارجية" (صدر عام 2007)، وقد دفعا ثمناً كبيراً جراء حملة التشهير الشرسة التي شُنِّتْ عليهما.
لم يسلم أوباما نفسه، من حملة التشهير تلك، فحلفاء إسرائيل وأنصارها في أميركا اتهموه، غير مرة، بأنه ليس صديقاً وفياً لإسرائيل، على الرغم من تأكيداته المستمرة عكس ذلك، وهو ما أكده عبر سياسات الدعم والعسكرية والأمنية غير المسبوقة لإسرائيل. بل وصل الأمر بميت رومني، المرشح الرئاسي الجمهوري عام 2012، أن يتهمه بأنه يريد أن "يرمي إسرائيل تحت عجلات الحافلة"، في حين سارع الطامح الجمهوري بالرئاسة، مايك هكوبي، إلى اتهام أوباما بأنه يقود إسرائيل إلى "باب الفرن" عبر الاتفاق النووي مع إيران.
باختصار، يبقى اعتراف أوباما، على الرغم من أهميته، اعتراف الضعيف، وهو اعتراف مهين. إنه اعتراف العاجز عن وقف "البلطجة" الإسرائيلية في الولايات المتحدة. صحيح أنه تحدى إسرائيل كثيراً، وتجاوز إعاقاتها غير مرة، غير أن ذلك لا ينفي أن إسرائيل تبقى "عبداً متمرداً" على سيده. فما دام كثيرون من ساسة أميركا وقادتها يضعون ولاءهم لإسرائيل قبل ولائهم لأميركا، فلا تنتظر تغييراً سريعاً وجذرياً في أميركا نحو إسرائيل، حتى ولو حكمها شخص، مثل بوب فيندلي.