21 ابريل 2022
في واقعة اغتيال عربية
لا تزال تداعيات تصفيّة الكاتب الأردني ناهض حتّر في عمّان تتوالى، ولنا هنا أن نشير إلى أن مناقشة آرائه، على نزوعها العنصريّ والطائفيّ والشوفينيّ والاستعلائيّ والذكوريّ، في هذا السياق المتطرّف والاستقطابيّ الذي وصل إلى حد المحاكمة على كاريكاتير، وإلى التصفية الجسديّة، لا يمكنها أن تخرج عن ذلك الاستقطاب، بل، واقعاً، هي تزيد من عنفه؛ فكل مناقشةٍ لآراء حتّر تخدم خطاب العنف الذي أدى إلى قتله، وبالذات لو كان رافضًا لها (تلك الآراء)، فذلك يغدو كأنه تبرئة غير مباشرة وتفهم للقتل والتصفيّة. لذا، وجب التعامل مع ذلك بدرجةٍ عالية جدًا من الحذر والوضوح، والتفكيك.
لم يعد ناهض حتر موجودًا ليدافع عن آرائه، بل إن استحضار تلك الآراء في سياق اغتيال وتصفية جسديّة عليها يكاد يكون لا أخلاقيًا، في غياب حقّ الرد من صاحبها، إذ ليس الموت هو الرد الفعلي على تلك الآراء. وبالذات، قبل أن يرى صاحبها تهافت آرائه، وضعفها وانهزامها أمام الحق السوري مثلًا. أما الآن وهكذا، فالقتل جعل منه شهيدًا وبطلاً، وأعطى، في هذا الجو الاستقطابي، قوة وزخمًا لآرائه من جهة، ولرافضيها على تنوعهم من جهة، لكنهما غير موضوعيّين.
فلندن الاغتيال والتصفية على الرأي والتعبير عنه، فهذا حقنا اتجاه أنفسنا وإنسانيتنا قبل كل شيء. ولكن، لا ينبغي أن يكون الشخص و/ أو آراؤه، في هذه الحالة، أهم من القتل ذاته، الإنسان قبل الشخص. كما أن نقاش الحدث/ القتل ذاته من داخل دينامية الخطاب الديني، حيث سؤال: هل يقبل الدين بذلك أم لا؟ أم هل هذا القتل ديني أم لا؟ هو في حد ذاته انتصار للقاتل والقتل، بأن حوَّل البؤرة من قتل الإنسان المختلف، أيًا كان اختلافه، إلى ما إذا كان قتلاً مشرعنًا أم لا؟ بغض النظر عن الأدلة الشرعيّة الواردة في هذا السياق، وبعيدًا عن تاريخانيّة الدم والجسد لدى الأديان عموماً.
هذه الأحداث الاستقطابيّة العنيفة، تُخرج ما فينا من كوامن العنف والتشفّي والصور النمطيّة المصاحبة لها، فقد ضجّت صفحات الشبكات الإجتماعيّة، بعد مقتل المذكور، بنقيضين لا موضوعيين، من حيث سؤال الدين/ الذات الإلهيّة من ناحية، وسؤال الرأي/ وحرية التعبير من ناحية أخرى، وإن كان كلا الفريقيّن يدّعيان استحواذهما الرأي والذات الإلهيّة معًا. فعلى سبيل المثال، أعلن محامون/ محاميات على صفحاتهم/ن الخاصة تطوّعهم للدفاع عن القاتل بلا أجر (باعتبار القتل "مطلبا شعبيا" وبالتالي الدفاع عن القاتل "مطلب شعبي"، كما سمته إحدى صفحات "فيسبوك"). هنا، ثمّة مشكلة لا تقل وطأة عن القتل والعنف، وهو اختلال منظومة القيم لبعض الأفراد العاملين ضمن منظومة العدالة في الدولة، وهي التي يجب أن تحافظ على تماسك المجتمع قيميًّا. وبعيدًا عمّا إذا كان من الممكن أن يكون مستبطنًا في تلك الدعوات من رغبةٍ في الاشتهار وغيرها، إلا أنها دعواتٌ تشير إلى مشكلةٍ في مأسسة العدالة والقيمة في المجتمع، ولا نراها منفصلةً عن توجه المؤسسة/ النظام لمحاكمة ناهض حتّر على أفكاره وآرائه، ولعل لموقع اغتيال الجسد/ ناهض على عتبات المحكمة في فضاء عام دلالته أيضًا!
وعلى الناحية الأخرى، فإن هذا التطرّف وهذه الحالة الاستقطابيّة لا عقلانيّان ولا موضوعيّان
في ذاتهما، وإن كانا يتلبسان لبوس الفكر والرأي وحرية التعبير، فكما كان القتل في حالة مجلة شارلي إيبدو الفرنسيّة كافيًا لجعلها مجلة "تنويرية"، وصاحبة خطاب "تحريري" بشكل اعتباطي مُسلّم ومفهوم ضمنًا، إلى درجة تواتر رؤساء العالم للتعزية ومناهضة الإرهاب، في صورةٍ أنتجتها المركزيّة الغربيّة عن التنوير والحرية والإرهاب، في حين أنها مجلةٌ منحطة أخلاقيًا، وعنصرية الخطاب، وتنشر خطاب الكراهية. كان يكفي لناهض حتر وآرائه عدة رصاصات، لتصبح آراؤه تضاهي آراء روسو وفولتير، إذ سرعان ما غرقت شبكات التواصل الاجتماعي بالكاريكاتير الذي نشره، وتم تقديمه في سياق تنويري، على عكس ما هو عليه من صورةٍ نمطيّةٍ مبتذلة في أقل أوصافها (تمامًا كما حدث مع "شارلي إيبدو" ورسومها المبتذلة)، وبات مجرد رفض الكاريكاتير، أو حتى نقده، كعينة من آراء الفقيد، كافيًا لتصنيفٍ عنيف، لا يختلف، من حيث موضوعيته عن "التكفير"، كآليّة عنيفة للتصنيف وامتلاك المعنى/ الحقيقة. وبالذات إن الكاريكاتير، إذا ما جاز لنا أن نعتبره "خطابًا"، لم يقدّم تفكيكاً لمفاهيم تتعلق بالذات الإلهية لدى "داعش"، أو غيرها. هو كاريكاتير استشراقي مبتذل وبذيء، لا أكثر لا أقل (بعيدًا عن تهافت فكرة الذات الإلهيّة التي تتهدّد بكاريكاتير!).
في ظل هذا الزخم الأفقي لحادثة الاغتيال (فلان قتل فلانًا لكذا)، وما يمتلئ به من صور نمطيّة، وعنف تصنيفي وجسدي أحيانًا، ولا موضوعيّة ولافكر دائمًا، تدور الدوائر، ويصبح النقاش دائريًا مفرغًا (على نمط أفلام عادل إمام وخطاب إعلام عبد الفتاح السيسي، في تناولهما الإسلاميين)، وبالذات أن الحديث عن الداعشيّة، باعتبارها كليشيه إعلاميّا نمطيّا صوريّا في أغلبه، يستبطن تبرئةً للمؤسسة الدينية والسياسية من الحدث. وبالتالي، تبرئةً ما للمؤسسة/ الدولة التي تبنّته لصالحها في أحيان كثيرة.
ولكن، بشكل رأسي/ عمودي، لا يمكننا إلا أن ندين مؤسسة الدولة وخطابها الرسمي، باعتبارها على لسان رموز كثيرة فيها أول من حشد ضد الكاتب وآرائه بشكل مباشر. وعلينا ألا ننسى أن الكاتب كان يُحاكم على آرائه وكاريكاتوره حين اغتيل، أي أن رأي ناهض كان خاضعًا لمنظومتين رقابيتين متواطئتين، ولا موضوعيتين (تصنيفيتيّن)، وهما منظومة الدولة/ المؤسسة ومنظومة الدين/ الأيديولوجيا في الوقت نفسه. وكلتاهما كانتا تتسابقان لعقوبة الرأي وصاحبه بآليات مختلفة. وعلينا هنا أن نذكر تصريحًا سابقًا للجهة الرقابيّة في الأردن (2014) تساوي بين "الأحذية والكتب والبلاط في الخضوع للرقابة والمنع".
وإذا ازداد بنا الصعود رأسياً بشكل منظوري، بات علينا أن نتساءل، باعتبار "الذات الإلهية" كيانًا خطابياً دينياً، لا يقول ولا يتحدّث إلا بقدر تأويلنا له وحوارنا معه، ألم يكن من الأوْلى بمنظومة القيم التي تكلمت باسم الذات الإلهية أن ترفض، بالدرجة نفسها، حفريات الاحتلال الإسرائيلي تحت المسجد الأقصى ومحاولات هدمه؟ ألا تستحق الصورة الاستشراقيّة للإسلام والمسلمين التي تفرضها وسائل إعلام عربيّة قبل الأجنبيّة موقفًا من أجل الذات الإلهيّة؟ أو ليست التعديلات على مناهج المدارس في بلادنا بما يتناسب مع ديناميّات السلطات الحاكمة وعلاقاتها الإقليمية، وأنماط العنف الذكوري ثقافيًا، أوْلى بموقف رافض؟ وعلى الناحية الثانية، ألم تستثر مسابقة في الجامعة الأردنيّة بعنوان "كيف تردّ على ملحد في دقيقتين؟" عقول من يدافعون عن حرية الفكر والتعبير، والذين غرقت صفحاتهم/ن بالكاريكاتير البذيء إياه؟
وإذا أكملنا صعودنا الرأسي، ألا يجب أن نرى تداعيات القتل، باعتباره حدث في دولة قانون مدني وعشائري، حيث إن ثقافة السلاح جزءٌ أصيلٌ من الثقافة العشائرية والبدوية في الأردن (ولها ضحاياها)؟ وبالذات، إذا أشرنا إلى نقطتين مهمتين: أولاً أن السلاح ها هنا يخرج عن مفهوم العشيرة والقبيلة والبداوة، ويدخل في رحاب مفهوم مشترك بشكل أكبر من العشيرة والقبيلة، هو "الذات الإلهيّة". وثانيًا، أن جسد ناهض يمكننا القول إنه بات جسدًا قربانيًا على التخوم بين ديانتين وذاتين إلهيتين: الذات المسيحيّة والذات الإسلاميّة، فإلى أي ذاتٍ إلهيّة سيتم احتسابه، دفاعاً وهجومًا؟ وبالذات أن الجريمة، في ذاتها، ليست طائفيةً، لكنها في جو استقطابي كهذا سرعان ما تحوّلت إلى ذلك الوسم.
وإذا أطلنا النظر والتأمل قليلاً، سنجد أن جسد ناهض أيضاً تم استخدامه من المؤسسة، فهو مفتاح حملات الرقابة على حرية التعبير على شبكات التواصل الاجتماعي. وهو أيضاً ثيمةٌ كانت كافيةً لإضعاف زخم الحراك الشعبي الرافض اتفاقيّة الغاز بين الحكومة الأردنية ودولة الاحتلال الإسرائيلي، حيث كان كافياً أن يرد اسم الفقيد لتدبّ الفرقة والشد بين المتظاهرين في المسيرة، وتفقدهم منطقهم الجامع، في دلالةٍ واضحةٍ على موقع جسد ناهض التخومي بين الدين والمؤسسة والجمهور (بعيدًا عن الأصوات المتعاليّة بأن دس اسم ناهض في الهتاف والمسيرة تم قصدًا من الدولة، وبشكل غير مباشر).
بات لدينا جرائم شرف، يقوم بها من لا شرف لهم، وجرائم دين يقوم بها من لا دين لهم، وجرائم فكر يقوم بها من لا فكر له، والضحية دوماً هو الإنسان، بالمعنى المادي للإنسان: الجسد، والمعنى المتعالي: الفكر.
لم يعد ناهض حتر موجودًا ليدافع عن آرائه، بل إن استحضار تلك الآراء في سياق اغتيال وتصفية جسديّة عليها يكاد يكون لا أخلاقيًا، في غياب حقّ الرد من صاحبها، إذ ليس الموت هو الرد الفعلي على تلك الآراء. وبالذات، قبل أن يرى صاحبها تهافت آرائه، وضعفها وانهزامها أمام الحق السوري مثلًا. أما الآن وهكذا، فالقتل جعل منه شهيدًا وبطلاً، وأعطى، في هذا الجو الاستقطابي، قوة وزخمًا لآرائه من جهة، ولرافضيها على تنوعهم من جهة، لكنهما غير موضوعيّين.
فلندن الاغتيال والتصفية على الرأي والتعبير عنه، فهذا حقنا اتجاه أنفسنا وإنسانيتنا قبل كل شيء. ولكن، لا ينبغي أن يكون الشخص و/ أو آراؤه، في هذه الحالة، أهم من القتل ذاته، الإنسان قبل الشخص. كما أن نقاش الحدث/ القتل ذاته من داخل دينامية الخطاب الديني، حيث سؤال: هل يقبل الدين بذلك أم لا؟ أم هل هذا القتل ديني أم لا؟ هو في حد ذاته انتصار للقاتل والقتل، بأن حوَّل البؤرة من قتل الإنسان المختلف، أيًا كان اختلافه، إلى ما إذا كان قتلاً مشرعنًا أم لا؟ بغض النظر عن الأدلة الشرعيّة الواردة في هذا السياق، وبعيدًا عن تاريخانيّة الدم والجسد لدى الأديان عموماً.
هذه الأحداث الاستقطابيّة العنيفة، تُخرج ما فينا من كوامن العنف والتشفّي والصور النمطيّة المصاحبة لها، فقد ضجّت صفحات الشبكات الإجتماعيّة، بعد مقتل المذكور، بنقيضين لا موضوعيين، من حيث سؤال الدين/ الذات الإلهيّة من ناحية، وسؤال الرأي/ وحرية التعبير من ناحية أخرى، وإن كان كلا الفريقيّن يدّعيان استحواذهما الرأي والذات الإلهيّة معًا. فعلى سبيل المثال، أعلن محامون/ محاميات على صفحاتهم/ن الخاصة تطوّعهم للدفاع عن القاتل بلا أجر (باعتبار القتل "مطلبا شعبيا" وبالتالي الدفاع عن القاتل "مطلب شعبي"، كما سمته إحدى صفحات "فيسبوك"). هنا، ثمّة مشكلة لا تقل وطأة عن القتل والعنف، وهو اختلال منظومة القيم لبعض الأفراد العاملين ضمن منظومة العدالة في الدولة، وهي التي يجب أن تحافظ على تماسك المجتمع قيميًّا. وبعيدًا عمّا إذا كان من الممكن أن يكون مستبطنًا في تلك الدعوات من رغبةٍ في الاشتهار وغيرها، إلا أنها دعواتٌ تشير إلى مشكلةٍ في مأسسة العدالة والقيمة في المجتمع، ولا نراها منفصلةً عن توجه المؤسسة/ النظام لمحاكمة ناهض حتّر على أفكاره وآرائه، ولعل لموقع اغتيال الجسد/ ناهض على عتبات المحكمة في فضاء عام دلالته أيضًا!
وعلى الناحية الأخرى، فإن هذا التطرّف وهذه الحالة الاستقطابيّة لا عقلانيّان ولا موضوعيّان
في ظل هذا الزخم الأفقي لحادثة الاغتيال (فلان قتل فلانًا لكذا)، وما يمتلئ به من صور نمطيّة، وعنف تصنيفي وجسدي أحيانًا، ولا موضوعيّة ولافكر دائمًا، تدور الدوائر، ويصبح النقاش دائريًا مفرغًا (على نمط أفلام عادل إمام وخطاب إعلام عبد الفتاح السيسي، في تناولهما الإسلاميين)، وبالذات أن الحديث عن الداعشيّة، باعتبارها كليشيه إعلاميّا نمطيّا صوريّا في أغلبه، يستبطن تبرئةً للمؤسسة الدينية والسياسية من الحدث. وبالتالي، تبرئةً ما للمؤسسة/ الدولة التي تبنّته لصالحها في أحيان كثيرة.
ولكن، بشكل رأسي/ عمودي، لا يمكننا إلا أن ندين مؤسسة الدولة وخطابها الرسمي، باعتبارها على لسان رموز كثيرة فيها أول من حشد ضد الكاتب وآرائه بشكل مباشر. وعلينا ألا ننسى أن الكاتب كان يُحاكم على آرائه وكاريكاتوره حين اغتيل، أي أن رأي ناهض كان خاضعًا لمنظومتين رقابيتين متواطئتين، ولا موضوعيتين (تصنيفيتيّن)، وهما منظومة الدولة/ المؤسسة ومنظومة الدين/ الأيديولوجيا في الوقت نفسه. وكلتاهما كانتا تتسابقان لعقوبة الرأي وصاحبه بآليات مختلفة. وعلينا هنا أن نذكر تصريحًا سابقًا للجهة الرقابيّة في الأردن (2014) تساوي بين "الأحذية والكتب والبلاط في الخضوع للرقابة والمنع".
وإذا ازداد بنا الصعود رأسياً بشكل منظوري، بات علينا أن نتساءل، باعتبار "الذات الإلهية" كيانًا خطابياً دينياً، لا يقول ولا يتحدّث إلا بقدر تأويلنا له وحوارنا معه، ألم يكن من الأوْلى بمنظومة القيم التي تكلمت باسم الذات الإلهية أن ترفض، بالدرجة نفسها، حفريات الاحتلال الإسرائيلي تحت المسجد الأقصى ومحاولات هدمه؟ ألا تستحق الصورة الاستشراقيّة للإسلام والمسلمين التي تفرضها وسائل إعلام عربيّة قبل الأجنبيّة موقفًا من أجل الذات الإلهيّة؟ أو ليست التعديلات على مناهج المدارس في بلادنا بما يتناسب مع ديناميّات السلطات الحاكمة وعلاقاتها الإقليمية، وأنماط العنف الذكوري ثقافيًا، أوْلى بموقف رافض؟ وعلى الناحية الثانية، ألم تستثر مسابقة في الجامعة الأردنيّة بعنوان "كيف تردّ على ملحد في دقيقتين؟" عقول من يدافعون عن حرية الفكر والتعبير، والذين غرقت صفحاتهم/ن بالكاريكاتير البذيء إياه؟
وإذا أكملنا صعودنا الرأسي، ألا يجب أن نرى تداعيات القتل، باعتباره حدث في دولة قانون مدني وعشائري، حيث إن ثقافة السلاح جزءٌ أصيلٌ من الثقافة العشائرية والبدوية في الأردن (ولها ضحاياها)؟ وبالذات، إذا أشرنا إلى نقطتين مهمتين: أولاً أن السلاح ها هنا يخرج عن مفهوم العشيرة والقبيلة والبداوة، ويدخل في رحاب مفهوم مشترك بشكل أكبر من العشيرة والقبيلة، هو "الذات الإلهيّة". وثانيًا، أن جسد ناهض يمكننا القول إنه بات جسدًا قربانيًا على التخوم بين ديانتين وذاتين إلهيتين: الذات المسيحيّة والذات الإسلاميّة، فإلى أي ذاتٍ إلهيّة سيتم احتسابه، دفاعاً وهجومًا؟ وبالذات أن الجريمة، في ذاتها، ليست طائفيةً، لكنها في جو استقطابي كهذا سرعان ما تحوّلت إلى ذلك الوسم.
وإذا أطلنا النظر والتأمل قليلاً، سنجد أن جسد ناهض أيضاً تم استخدامه من المؤسسة، فهو مفتاح حملات الرقابة على حرية التعبير على شبكات التواصل الاجتماعي. وهو أيضاً ثيمةٌ كانت كافيةً لإضعاف زخم الحراك الشعبي الرافض اتفاقيّة الغاز بين الحكومة الأردنية ودولة الاحتلال الإسرائيلي، حيث كان كافياً أن يرد اسم الفقيد لتدبّ الفرقة والشد بين المتظاهرين في المسيرة، وتفقدهم منطقهم الجامع، في دلالةٍ واضحةٍ على موقع جسد ناهض التخومي بين الدين والمؤسسة والجمهور (بعيدًا عن الأصوات المتعاليّة بأن دس اسم ناهض في الهتاف والمسيرة تم قصدًا من الدولة، وبشكل غير مباشر).
بات لدينا جرائم شرف، يقوم بها من لا شرف لهم، وجرائم دين يقوم بها من لا دين لهم، وجرائم فكر يقوم بها من لا فكر له، والضحية دوماً هو الإنسان، بالمعنى المادي للإنسان: الجسد، والمعنى المتعالي: الفكر.