09 نوفمبر 2024
ترامب والصين
ليس معلوماً بعد ما إذا كان الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، سيمضي فعلاً في تنفيذ الخطوط العامة للسياسة الخارجية التي أعلنها في حملته الانتخابية، والتي تضمنت ما يفضي إلى خفض الشراكات التجارية الخارجية للولايات المتحدة، خصوصاً مع المكسيك والصين، وفرض ضرائب إضافية على الواردات منها، بشكلٍ يعيد نقل الصناعات الأميركية المهاجرة إلى الداخل الأميركي، بهدف توفير فرص عمل للأميركيين، فقدوها على مدار سنوات "العولمة"، في خضم بحث تلك الصناعات عن أيدٍ عاملة رخيصة، تخفّض كلف الإنتاج، في الخارج.
ليس معلوماً ما إذا كان مثل هذا الكلام يمكن تطبيقه من حيث المبدأ، أو أنه يمكن أن يحل المشكلات الاقتصادية لدى الأفراد الأميركيين، لكنه من دون شك يعبّر عن اتجاه عام للانكفاء عن العولمة التي فرضتها الولايات المتحدة على العالم، عقب انهيار المعسكر الاشتراكي، وانتصارها في الحرب الباردة، لكن دولاً أخرى استغلتها واستفادت منها، خصوصاً في شرقي آسيا.
وإذا كانت الخطوط العامة لسياسة ترامب الخارجية المعلنة يمكن أن تمسّ الاقتصاد الصيني الذي يعتمد، من دون شك على الصادرات الكبيرة إلى الولايات المتحدة، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في العام 2014 نحو 555 مليار دولار، تجاوز الفائض التجاري للصين منها 237 ملياراً، فضلاً عن اعتماده على الصناعات والشركات العالمية العاملة في الصين لتشغيل العمالة الصينية الكبيرة، إلا أن المسألة الأكثر أهمية، في نظر كاتب هذه السطور، ليس ما ستفعله الولايات المتحدة تجاه الصين في عهد دونالد ترامب، بل ما ستفعله الصين تجاه العالم في هذا العهد!
والمسألة أن انسحاب الولايات المتحدة من "العولمة"، وانكفاءها على ذاتها اقتصادياً، سيعطي فرصةً كبيرة للصين لأن تسعى في تطبيق "عولمتها" التي تبشّر بها هذه الأيام، والمسماة "خطة الطريق والحزام"، والتي تهدف إلى إقامة علاقات اقتصادية تشاركية مع دول العالم عبر مسارين: يتتبع الأول طريق الحرير التاريخية، ويعبر وسط آسيا نحو أوروبا. ويضم الثاني دول شرقي آسيا. يمكن أن يكون انسحاب الولايات المتحدة اقتصادياً خبراً سارّاً للصين، فالطبيعة تكره الفراغ!
ولن ينحصر الأمر بالطبع في مربع الاقتصاد، فالصين لم تعلن خطتها تلك من أجل الحفاظ على نموها الاقتصادي، أو في سياق سعيها إلى تحقيق مكانةٍ اقتصادية في العالم فحسب، بل كذلك لأغراضٍ استراتيجيةٍ تتعلق بحضور الأمة الصينية في العالم، استكمالاً لخطة نهوضها التي بدأتها العام 1978 تحت مسمى "الإصلاح والانفتاح"، ووضعت سياقاتها حتى 2049، العام الذي يصادف الذكرى المئوية لإقامة جمهورية الصين الشعبية، ونجحت حتى الآن في تحقيق مفرداتها نجاحاً منقطع النظير.
ما يجب ملاحظته إن اندماج الصين في الاقتصاد العالمي ضمن آليات "العولمة"، عقب تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح، قام أصلاً على أساس "الاعتماد المتبادل" بين الاقتصادات العالمية، وليس "التبعية" التي تقع فيها الاقتصادات الضعيفة، وهذا ما جعل "العولمة" فعلياً، مطلباً صينياً، ويتضح ذلك من سعيها الحثيث إلى الانضمام مبكّراً إلى منظمة التجارة العالمية، كي توظف آليات "تحرير التجارة" في تعزيز نموها الاقتصادي، مستعينةً بقدراتها التصديرية الهائلة، فضلاً عن جذب استثماراتٍ أجنبية أكبر. وكان رفض الولايات المتحدة ما أخّر، حتى العام 2001، حصول الصين على عضوية المنظمة التي تأسّست، بصيغتها تلك، في العام 1995.
أما الفرق بين العولمتين، الأميركية والصينية المنتظرة، فيمكن استخلاصها من أن الصين حين قامت بـ"إصلاح" الاقتصاد، باتجاه اعتماد أنواعٍ من آليات السوق، من تلك التي استوجبتها "العولمة"، وحثّت عليها المؤسسات المالية الدولية، فإن اقتصادها ظل موجّهاً من الدولة، أي بقي "تحت السيطرة" التي تخدم مقتضيات نموها. ومن المؤشرات على ذلك أن الحكومة راحت تدعم مؤسسات القطاع الخاص الصيني مالياً، لكي تمكّن منتجاتها من المنافسة في الأسواق العالمية، من خلال تقليل تكلفتها، ومن ثم سعرها، قياساً إلى البضائع المناظرة لها، المنتجة في أوروبا أو أميركا أو اليابان. وقد حافظت الصين على دعم تلك المؤسسات، حتى على الرغم من الضغوط الكبيرة التي تعرّضت لها من الدول الكبرى المستورِدة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، ما يعني أن الصين ستكون حذرةً لتتمكّن هي، لا منافسوها، من الإفادة من التطورات الاقتصادية في العالم، بينما تنكفئ الولايات المتحدة على "ترامبها".
ليس معلوماً ما إذا كان مثل هذا الكلام يمكن تطبيقه من حيث المبدأ، أو أنه يمكن أن يحل المشكلات الاقتصادية لدى الأفراد الأميركيين، لكنه من دون شك يعبّر عن اتجاه عام للانكفاء عن العولمة التي فرضتها الولايات المتحدة على العالم، عقب انهيار المعسكر الاشتراكي، وانتصارها في الحرب الباردة، لكن دولاً أخرى استغلتها واستفادت منها، خصوصاً في شرقي آسيا.
وإذا كانت الخطوط العامة لسياسة ترامب الخارجية المعلنة يمكن أن تمسّ الاقتصاد الصيني الذي يعتمد، من دون شك على الصادرات الكبيرة إلى الولايات المتحدة، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في العام 2014 نحو 555 مليار دولار، تجاوز الفائض التجاري للصين منها 237 ملياراً، فضلاً عن اعتماده على الصناعات والشركات العالمية العاملة في الصين لتشغيل العمالة الصينية الكبيرة، إلا أن المسألة الأكثر أهمية، في نظر كاتب هذه السطور، ليس ما ستفعله الولايات المتحدة تجاه الصين في عهد دونالد ترامب، بل ما ستفعله الصين تجاه العالم في هذا العهد!
والمسألة أن انسحاب الولايات المتحدة من "العولمة"، وانكفاءها على ذاتها اقتصادياً، سيعطي فرصةً كبيرة للصين لأن تسعى في تطبيق "عولمتها" التي تبشّر بها هذه الأيام، والمسماة "خطة الطريق والحزام"، والتي تهدف إلى إقامة علاقات اقتصادية تشاركية مع دول العالم عبر مسارين: يتتبع الأول طريق الحرير التاريخية، ويعبر وسط آسيا نحو أوروبا. ويضم الثاني دول شرقي آسيا. يمكن أن يكون انسحاب الولايات المتحدة اقتصادياً خبراً سارّاً للصين، فالطبيعة تكره الفراغ!
ولن ينحصر الأمر بالطبع في مربع الاقتصاد، فالصين لم تعلن خطتها تلك من أجل الحفاظ على نموها الاقتصادي، أو في سياق سعيها إلى تحقيق مكانةٍ اقتصادية في العالم فحسب، بل كذلك لأغراضٍ استراتيجيةٍ تتعلق بحضور الأمة الصينية في العالم، استكمالاً لخطة نهوضها التي بدأتها العام 1978 تحت مسمى "الإصلاح والانفتاح"، ووضعت سياقاتها حتى 2049، العام الذي يصادف الذكرى المئوية لإقامة جمهورية الصين الشعبية، ونجحت حتى الآن في تحقيق مفرداتها نجاحاً منقطع النظير.
ما يجب ملاحظته إن اندماج الصين في الاقتصاد العالمي ضمن آليات "العولمة"، عقب تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح، قام أصلاً على أساس "الاعتماد المتبادل" بين الاقتصادات العالمية، وليس "التبعية" التي تقع فيها الاقتصادات الضعيفة، وهذا ما جعل "العولمة" فعلياً، مطلباً صينياً، ويتضح ذلك من سعيها الحثيث إلى الانضمام مبكّراً إلى منظمة التجارة العالمية، كي توظف آليات "تحرير التجارة" في تعزيز نموها الاقتصادي، مستعينةً بقدراتها التصديرية الهائلة، فضلاً عن جذب استثماراتٍ أجنبية أكبر. وكان رفض الولايات المتحدة ما أخّر، حتى العام 2001، حصول الصين على عضوية المنظمة التي تأسّست، بصيغتها تلك، في العام 1995.
أما الفرق بين العولمتين، الأميركية والصينية المنتظرة، فيمكن استخلاصها من أن الصين حين قامت بـ"إصلاح" الاقتصاد، باتجاه اعتماد أنواعٍ من آليات السوق، من تلك التي استوجبتها "العولمة"، وحثّت عليها المؤسسات المالية الدولية، فإن اقتصادها ظل موجّهاً من الدولة، أي بقي "تحت السيطرة" التي تخدم مقتضيات نموها. ومن المؤشرات على ذلك أن الحكومة راحت تدعم مؤسسات القطاع الخاص الصيني مالياً، لكي تمكّن منتجاتها من المنافسة في الأسواق العالمية، من خلال تقليل تكلفتها، ومن ثم سعرها، قياساً إلى البضائع المناظرة لها، المنتجة في أوروبا أو أميركا أو اليابان. وقد حافظت الصين على دعم تلك المؤسسات، حتى على الرغم من الضغوط الكبيرة التي تعرّضت لها من الدول الكبرى المستورِدة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، ما يعني أن الصين ستكون حذرةً لتتمكّن هي، لا منافسوها، من الإفادة من التطورات الاقتصادية في العالم، بينما تنكفئ الولايات المتحدة على "ترامبها".