09 نوفمبر 2024
مع التعاون العربي الصيني
يجول سفير الصين الجديد إلى منتدى التعاون العربي الصيني، لي شينغ ون، المنطقة هذه الأيام لاستكشاف آفاق توسيع التعاون بين الجانبين. التقيته في عمّان، وتحدثنا نحو ساعتين عن العلاقات العربية الصينية؛ حاضرها ومستقبلها، على مستوى الشعوب، فضلاً عن مستوياتها الرسمية.
السفير لي، دبلوماسي مخضرم، عمل سفيراً لبلاده في السعودية والسودان، ودبلوماسياً في سفاراتها في اليمن ومصر وتونس والأردن وعُمان، تلفتك الطريقة التي اختار أن يعمل بها: لقد قرأ، في بكين، كتابي "العرب ومستقبل الصين" الذي نُشر بالعربية والصينية والإنكليزية. حين بدأنا الحديث، بدا لي أنه يحفظ كتابي، لا أنه قد اطلع عليه وحسب، فناقشني في أدق تفاصيله، مبدياً وجهات نظره المؤيدة أو المعارضة للأفكار التي وردت في الكتاب، ثم استمع باهتمام لوجهات نظري حول آفاق تطوير العلاقات العربية الصينية، وحول ضرورة التفات الصين للعلاقات مع الشعوب العربية، فضلاً عن اهتمامها الحالي بالعلاقات الرسمية، وأجاب بوضوح حين استفسرت منه عن تجاربه الدبلوماسية في البلدان العربية، كما تحدثنا طويلاً عن الأوضاع الراهنة في المنطقة، وتأثيرها المتوقع على العلاقات العربية الصينية.
اهتم هذا الدبلوماسي المخضرم بالدراسات والمعلومات ووجهة النظر البحثية حول الصين وعلاقتها مع العرب، وأفرد لذلك وقتاً طويلاً نسبياً من زيارته التي استمرت يومين، ولم يركز جلّ وقته للقاءات الرسميين. لا أجد عجباً بعد ذلك أن تنهض الصين وتتقدم، فالأمر عند مسؤوليها لا يقوم على المجاملات والعلاقات الرسمية، بل على البحث عن الحقيقة من مصادرها المختلفة.
سألني السفير لي، عن وجهة نظر الشعوب العربية تجاه خطة "الطريق والحزام" الصينية، وهي خطتها الجديدة للتواصل مع العالم، فقلت له إنهم بالكاد يعرفونها! لو صدرت تلك الخطة من الولايات المتحدة لسمع بها كل الناس، لكن العرب، كما الصينيين، محكومون تجاه بعضهما بالانطباعات المحدودة: يعرف العرب عن الصينيين أنهم مصدر البضاعة الرخيصة ضعيفة الجودة، ويعرف الصينيون عن العرب، إن عرفوا، أن لديهم النفط وجماعات القتل، وكانت لديهم يوماً "ألف ليلة وليلة"!
من أجل علاقات أفضل، على الصين، كما على العرب، أن يكون لديهما الاهتمام الحقيقي بالتواصل الحضاري فيما بينهما، خارج مربع "النفط والتجارة" الذي يحكم تواصلهما حالياً، ويؤدي إلى حصر العلاقات بينهما في الجانب الرسمي، مع حضور خجول للعلاقات الشعبية، وهو اهتمام ليس موجوداً حالياً، والسبب الجوهري لغيابه، برأيي، أن العرب لا يتوفرون على خطة استراتيجية نهضوية كما لدى الصين.
منتدى التعاون العربي الصيني منظمة تجمع الصين بالدول العربية، لتعزيز تعاونهما في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والإنسانية والأمنية، تأسست العام 2004 بعد لقاء الرئيس الصيني السابق هو جينتاو، بالأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، في القاهرة. وقد نشط المنتدى في بناء علاقات متعددة الأوجه بين الجانبين، حيث ينعقد سنوياً على مستوى وزراء الخارجية، بالتبادل بين الصين وإحدى الدول العربية، وتنبثق عنه ندوة تجارية واقتصادية تقام سنوياً في مدينة ينتشوان الصينية، عاصمة مقاطعة نينشيا ذاتية الحكم لقومية "هوي" المسلمة (تقول هذه القومية إنها من سلالة التجار العرب الذين كانوا يذهبون إلى الصين عبر طريق الحرير)، كذلك مؤتمر لرجال الأعمال، ونشاطات ولقاءات أخرى في مجالات سوى السياسة والاقتصاد، أبرزها الطاقة.
لكن ما يمكن أخذه على المنتدى، حتى اليوم، أن نشاطه متركّز في المستويات الرسمية دون الشعبية، وهو بذلك لم يساهم بعد في توضيح صورة الصين للعرب، ولا صورة العرب للصينيين، وظلت أهم ثماره توسيع المجالات الاقتصادية الحكومية بين الجانبين. وبينما كان يفترض بالمنتدى أن يقيم تواصل الصين مع العرب مجتمعين، أي باعتبارهم كتلة واحدة من خلال جامعة الدول العربية، فإن تركيز العلاقات بين الجانبين في مجال توقيع الاتفاقيات التجارية، استدعى أن تنفرد كل دولةٍ عربيةٍ بصلتها الخاصة مع الصين، وهو أمر لا يخدم العرب في المحصلة، لأن دولة قوية، مثل الصين، يمكن أن تعطي لكتلة عربية قوية، أكثر مما تعطي لدول عربية متفرقة، أقل قوة.
السفير لي، دبلوماسي مخضرم، عمل سفيراً لبلاده في السعودية والسودان، ودبلوماسياً في سفاراتها في اليمن ومصر وتونس والأردن وعُمان، تلفتك الطريقة التي اختار أن يعمل بها: لقد قرأ، في بكين، كتابي "العرب ومستقبل الصين" الذي نُشر بالعربية والصينية والإنكليزية. حين بدأنا الحديث، بدا لي أنه يحفظ كتابي، لا أنه قد اطلع عليه وحسب، فناقشني في أدق تفاصيله، مبدياً وجهات نظره المؤيدة أو المعارضة للأفكار التي وردت في الكتاب، ثم استمع باهتمام لوجهات نظري حول آفاق تطوير العلاقات العربية الصينية، وحول ضرورة التفات الصين للعلاقات مع الشعوب العربية، فضلاً عن اهتمامها الحالي بالعلاقات الرسمية، وأجاب بوضوح حين استفسرت منه عن تجاربه الدبلوماسية في البلدان العربية، كما تحدثنا طويلاً عن الأوضاع الراهنة في المنطقة، وتأثيرها المتوقع على العلاقات العربية الصينية.
اهتم هذا الدبلوماسي المخضرم بالدراسات والمعلومات ووجهة النظر البحثية حول الصين وعلاقتها مع العرب، وأفرد لذلك وقتاً طويلاً نسبياً من زيارته التي استمرت يومين، ولم يركز جلّ وقته للقاءات الرسميين. لا أجد عجباً بعد ذلك أن تنهض الصين وتتقدم، فالأمر عند مسؤوليها لا يقوم على المجاملات والعلاقات الرسمية، بل على البحث عن الحقيقة من مصادرها المختلفة.
سألني السفير لي، عن وجهة نظر الشعوب العربية تجاه خطة "الطريق والحزام" الصينية، وهي خطتها الجديدة للتواصل مع العالم، فقلت له إنهم بالكاد يعرفونها! لو صدرت تلك الخطة من الولايات المتحدة لسمع بها كل الناس، لكن العرب، كما الصينيين، محكومون تجاه بعضهما بالانطباعات المحدودة: يعرف العرب عن الصينيين أنهم مصدر البضاعة الرخيصة ضعيفة الجودة، ويعرف الصينيون عن العرب، إن عرفوا، أن لديهم النفط وجماعات القتل، وكانت لديهم يوماً "ألف ليلة وليلة"!
من أجل علاقات أفضل، على الصين، كما على العرب، أن يكون لديهما الاهتمام الحقيقي بالتواصل الحضاري فيما بينهما، خارج مربع "النفط والتجارة" الذي يحكم تواصلهما حالياً، ويؤدي إلى حصر العلاقات بينهما في الجانب الرسمي، مع حضور خجول للعلاقات الشعبية، وهو اهتمام ليس موجوداً حالياً، والسبب الجوهري لغيابه، برأيي، أن العرب لا يتوفرون على خطة استراتيجية نهضوية كما لدى الصين.
منتدى التعاون العربي الصيني منظمة تجمع الصين بالدول العربية، لتعزيز تعاونهما في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والإنسانية والأمنية، تأسست العام 2004 بعد لقاء الرئيس الصيني السابق هو جينتاو، بالأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، في القاهرة. وقد نشط المنتدى في بناء علاقات متعددة الأوجه بين الجانبين، حيث ينعقد سنوياً على مستوى وزراء الخارجية، بالتبادل بين الصين وإحدى الدول العربية، وتنبثق عنه ندوة تجارية واقتصادية تقام سنوياً في مدينة ينتشوان الصينية، عاصمة مقاطعة نينشيا ذاتية الحكم لقومية "هوي" المسلمة (تقول هذه القومية إنها من سلالة التجار العرب الذين كانوا يذهبون إلى الصين عبر طريق الحرير)، كذلك مؤتمر لرجال الأعمال، ونشاطات ولقاءات أخرى في مجالات سوى السياسة والاقتصاد، أبرزها الطاقة.
لكن ما يمكن أخذه على المنتدى، حتى اليوم، أن نشاطه متركّز في المستويات الرسمية دون الشعبية، وهو بذلك لم يساهم بعد في توضيح صورة الصين للعرب، ولا صورة العرب للصينيين، وظلت أهم ثماره توسيع المجالات الاقتصادية الحكومية بين الجانبين. وبينما كان يفترض بالمنتدى أن يقيم تواصل الصين مع العرب مجتمعين، أي باعتبارهم كتلة واحدة من خلال جامعة الدول العربية، فإن تركيز العلاقات بين الجانبين في مجال توقيع الاتفاقيات التجارية، استدعى أن تنفرد كل دولةٍ عربيةٍ بصلتها الخاصة مع الصين، وهو أمر لا يخدم العرب في المحصلة، لأن دولة قوية، مثل الصين، يمكن أن تعطي لكتلة عربية قوية، أكثر مما تعطي لدول عربية متفرقة، أقل قوة.