04 أكتوبر 2024
السيد قانون
لدينا في مصر سلطةٌ بارعة في تفصيل القوانين، سواء سلطة تنفيذية أو تشريعية، فلا فارق كبيراً فالمحرّك واحد، ولدينا كذلك عقيدة أن حل أي مشكلة مستعصيةٍ يكون باختراع قانون جديد أو تشديد عقوبات قانون قائم، أما عن عدالة القانون، أو تحديثه، أو تطبيقه، أو عدالة تطبيقه، فلا تحاول أن تسأل.
يوضع القانون في مصر وفيه ثغرات، حتى يمكن لأولي الأمر استغلالها بعد ذلك عند الحاجة. ولذلك، رأينا عديدين من رجال حسني مبارك تمت تبرئتهم بعد الثورة، أو تم الإفراج عنهم، لأن ثرواتهم الطائلة قد حصلوا عليها طبقا للقوانين التي قاموا بتفصيلها، عندما تولوا السلطة. إنه الفساد المقنن، والثغرات التي يتم وضعها من أجل المجاملة أحياناً، أو التنكيل أحياناً أخرى.
نحن دولة القانون، ولا بد من احترام سيادة القانون، عبارة كثيراً ما نسمعها في مصر، يتم تكرارها عند التنكيل أو الانتقام أو التعسّف في تطبيق القانون. ولكن، لا يختلف أحد على سيادة القانون وضرورتها، فبدونها لا تكون هناك دولة، هذا صحيح. ومن المعروف أن مبدأ سيادة القانون أحد أهم المؤشرات على قوة الدولة، فالدولة التي "تعمل فعلاً" بمبدأ "سيادة القانون"، وتستطيع تطبيق القانون على "الجميع"، يتم تصنيفها دولة قوية آمنة جاذبة للسياحة والاستثمار.
ولذلك، هناك فارق بين مصطلحي "سيادة القانون" و"حكم القانون"، فالأول يعني أن القانون هو السيد، وهو الذي يتم تطبيقه بدون استثناء على جميع الأفراد وجميع المؤسسات وجميع السلطات، أما حكم القانون فيمكن أن يكون على سلطةٍ ويغيب القانون على أخرى، أو يتم تطبيقه على فئة واستثناء الأخرى، أو يتم الحكم بالقانون في وقتٍ أو ظرفٍ، ويتم عمل استثناءاتٍ في أوقاتٍ أو ظروف أخرى.
تعني سيادة القانون أن القانون هو السيد، والحاكم الذي ينتهك القانون اليوم يرسّخ أن يأتي غيره، وينتهك القانون في الاتجاه المعاكس غداً. لذلك لا عجب أن البلدان التي كانت فيها
إصلاحات تدريجية "حقيقية" اعتمدت على مبدأ سيادة القانون، وكذلك الدول التي حدثت فيها ثورات هادئة بمسارات متدرّجة هي البلدان التي فيها الآن ديمقراطية راسخة، ورخاء ورفاهية وشفافية ومحاسبة للجميع، من دون محاباة، في حين أن البلدان التي قام الحاكم فيها بتطبيق إجراءات استثنائية، أو عنيفة بذريعة إنقاذ الوطن، أو إبطال المؤامرة، أو التطهير أو الإسراع بالإصلاح و التغيير، فستجد أن معظمها دولٌ لا تزال تعاني من التقلبات وعدم الاستقرار.
إذا انتهك الحاكم القوانين اليوم سيتم انتهاك القوانين ضده غداً، وجوهر سيادة القانون أن تكون هناك قيود على الحاكم، وجوهر الديمقراطية أن يتم اقتسام السلطة بين المؤسسات وأن تراقب كل مؤسسة الأخرى.
ولا يقتصر مفهوم سيادة القانون على أبعاد أو مقاومة أو إنهاء الاستبداد فقط، ولكن سيادة القانون هي التي تُحدث قواعد متوارثة، وعادات حميدة، تضمن عدم عودة الاستبداد في صورة أخرى. فإذا تم تطبيق القانون "العادل" بشكل "عادل" على "الجميع"، لن يستطع فردٌ أو مجموعةٌ بعد ذلك اختراق القانون. ولذلك، هناك علاقاتٌ وثيقةٌ بين سيادة القانون والتعدّدية وتكافؤ الفرص، فعندما يشعر المواطن بأن هناك قوانين "عادلة"، وأن سيادة القانون تجعله يطبق على الجميع بدون محاباةٍ أو إجراءات استثنائية، وأن هناك مساواة وتكافؤاً في الفرص، سيكون هناك رضًى عام ولجوء للقانون، ورغبة في الإنتاج، من دون خوفٍ من ضياع المجهود.
وغياب مبدأ سيادة القانون في بلادنا هو السبب الرئيسي في إهدار الطاقات وضياع الوقت والمجهود وتكرار التجارب الفاشلة، فهناك في بلادنا مؤسساتٌ وأفرادٌ وتجمعاتٌ تعتبر أنها فوق القانون، بحجة أنها هي دولة، ولا أحد يحاسب الدولة، لأن الدولة هي التي تطبق القانون على الآخرين، وهذا أحد نتائج الخلط المتعمد بين الدولة والسلطة الحاكمة للدولة.
وعلى الوتيرة نفسها، فالتفسير النظري لمبدأ سيادة القانون يعني أن القانون هو السيد. ولذلك، لن تسمع عن مصطلح "الجهات السيادية" إلا في الدول الاستبدادية المتخلفة، فهي الجهات التي تعتقد في امتلاكها السيادة وامتلاكها الحقيقة المطلقة والسلطات المطلقة، ولأنها هي الجهات المنوط بها تطبيق القانون، فهي تعتبر أنها هي صاحبة السيادة. ولذلك، هي جهات فوق القانون وغير قابلة للمحاسبة.
وإذا اعتبرنا أن الكنيست الإسرائيلي مثالٌ لمؤسسةٍ تشريعيةٍ منتخبة، فهل يمكن أن القوانين التي تصدر والتي تبيح قتل الفلسطينيين لمجرد الاشتباه بذريعة الحفاظ على الأمن القومي، أو القوانين التي تسمح باعتقال الفلسطينيين، بعد المظاهرات السلمية، أو القوانين التي تسمح بهدم منازل الفلسطينيين أو مصادرة الممتلكات.
قرأت قديما ما معناه أن التشريع يجب أن يكون عادلاً، ويراعي المصلحة العامة، وأن يكون هناك تدرّج في العقوبة، وألا يكون بهدف تمييز فئة أو مجموعة، وألا يكون بهدف قمع أو اضطهاد فئة أو مجموعة ما. أعتقد أنه لو تم قياس ذلك على الحالة المصرية، سنجد أن معظم القوانين يحتاج للنسف من الأساس، وليس فقط التعديل.
هل يمكن أن نتساءل عن درجة تطبيق القوانين وكيفيته، مثل قوانين المرور وقوانين البناء واشتراطات الدفاع المدني في المخازن والأماكن التجارية، وماذا عن الوجود الأمني في المدن الجديدة، وماذا عن الانضباط والأمن الجنائي في الشارع المصري، وماذا عن قانون التظاهر؟
(ناشط مصري معتقل)
يوضع القانون في مصر وفيه ثغرات، حتى يمكن لأولي الأمر استغلالها بعد ذلك عند الحاجة. ولذلك، رأينا عديدين من رجال حسني مبارك تمت تبرئتهم بعد الثورة، أو تم الإفراج عنهم، لأن ثرواتهم الطائلة قد حصلوا عليها طبقا للقوانين التي قاموا بتفصيلها، عندما تولوا السلطة. إنه الفساد المقنن، والثغرات التي يتم وضعها من أجل المجاملة أحياناً، أو التنكيل أحياناً أخرى.
نحن دولة القانون، ولا بد من احترام سيادة القانون، عبارة كثيراً ما نسمعها في مصر، يتم تكرارها عند التنكيل أو الانتقام أو التعسّف في تطبيق القانون. ولكن، لا يختلف أحد على سيادة القانون وضرورتها، فبدونها لا تكون هناك دولة، هذا صحيح. ومن المعروف أن مبدأ سيادة القانون أحد أهم المؤشرات على قوة الدولة، فالدولة التي "تعمل فعلاً" بمبدأ "سيادة القانون"، وتستطيع تطبيق القانون على "الجميع"، يتم تصنيفها دولة قوية آمنة جاذبة للسياحة والاستثمار.
ولذلك، هناك فارق بين مصطلحي "سيادة القانون" و"حكم القانون"، فالأول يعني أن القانون هو السيد، وهو الذي يتم تطبيقه بدون استثناء على جميع الأفراد وجميع المؤسسات وجميع السلطات، أما حكم القانون فيمكن أن يكون على سلطةٍ ويغيب القانون على أخرى، أو يتم تطبيقه على فئة واستثناء الأخرى، أو يتم الحكم بالقانون في وقتٍ أو ظرفٍ، ويتم عمل استثناءاتٍ في أوقاتٍ أو ظروف أخرى.
تعني سيادة القانون أن القانون هو السيد، والحاكم الذي ينتهك القانون اليوم يرسّخ أن يأتي غيره، وينتهك القانون في الاتجاه المعاكس غداً. لذلك لا عجب أن البلدان التي كانت فيها
إذا انتهك الحاكم القوانين اليوم سيتم انتهاك القوانين ضده غداً، وجوهر سيادة القانون أن تكون هناك قيود على الحاكم، وجوهر الديمقراطية أن يتم اقتسام السلطة بين المؤسسات وأن تراقب كل مؤسسة الأخرى.
ولا يقتصر مفهوم سيادة القانون على أبعاد أو مقاومة أو إنهاء الاستبداد فقط، ولكن سيادة القانون هي التي تُحدث قواعد متوارثة، وعادات حميدة، تضمن عدم عودة الاستبداد في صورة أخرى. فإذا تم تطبيق القانون "العادل" بشكل "عادل" على "الجميع"، لن يستطع فردٌ أو مجموعةٌ بعد ذلك اختراق القانون. ولذلك، هناك علاقاتٌ وثيقةٌ بين سيادة القانون والتعدّدية وتكافؤ الفرص، فعندما يشعر المواطن بأن هناك قوانين "عادلة"، وأن سيادة القانون تجعله يطبق على الجميع بدون محاباةٍ أو إجراءات استثنائية، وأن هناك مساواة وتكافؤاً في الفرص، سيكون هناك رضًى عام ولجوء للقانون، ورغبة في الإنتاج، من دون خوفٍ من ضياع المجهود.
وغياب مبدأ سيادة القانون في بلادنا هو السبب الرئيسي في إهدار الطاقات وضياع الوقت والمجهود وتكرار التجارب الفاشلة، فهناك في بلادنا مؤسساتٌ وأفرادٌ وتجمعاتٌ تعتبر أنها فوق القانون، بحجة أنها هي دولة، ولا أحد يحاسب الدولة، لأن الدولة هي التي تطبق القانون على الآخرين، وهذا أحد نتائج الخلط المتعمد بين الدولة والسلطة الحاكمة للدولة.
وعلى الوتيرة نفسها، فالتفسير النظري لمبدأ سيادة القانون يعني أن القانون هو السيد. ولذلك، لن تسمع عن مصطلح "الجهات السيادية" إلا في الدول الاستبدادية المتخلفة، فهي الجهات التي تعتقد في امتلاكها السيادة وامتلاكها الحقيقة المطلقة والسلطات المطلقة، ولأنها هي الجهات المنوط بها تطبيق القانون، فهي تعتبر أنها هي صاحبة السيادة. ولذلك، هي جهات فوق القانون وغير قابلة للمحاسبة.
وإذا اعتبرنا أن الكنيست الإسرائيلي مثالٌ لمؤسسةٍ تشريعيةٍ منتخبة، فهل يمكن أن القوانين التي تصدر والتي تبيح قتل الفلسطينيين لمجرد الاشتباه بذريعة الحفاظ على الأمن القومي، أو القوانين التي تسمح باعتقال الفلسطينيين، بعد المظاهرات السلمية، أو القوانين التي تسمح بهدم منازل الفلسطينيين أو مصادرة الممتلكات.
قرأت قديما ما معناه أن التشريع يجب أن يكون عادلاً، ويراعي المصلحة العامة، وأن يكون هناك تدرّج في العقوبة، وألا يكون بهدف تمييز فئة أو مجموعة، وألا يكون بهدف قمع أو اضطهاد فئة أو مجموعة ما. أعتقد أنه لو تم قياس ذلك على الحالة المصرية، سنجد أن معظم القوانين يحتاج للنسف من الأساس، وليس فقط التعديل.
هل يمكن أن نتساءل عن درجة تطبيق القوانين وكيفيته، مثل قوانين المرور وقوانين البناء واشتراطات الدفاع المدني في المخازن والأماكن التجارية، وماذا عن الوجود الأمني في المدن الجديدة، وماذا عن الانضباط والأمن الجنائي في الشارع المصري، وماذا عن قانون التظاهر؟
(ناشط مصري معتقل)