02 نوفمبر 2024
تونس وعوائد مؤتمر الاستثمار
مثّل المؤتمر الدولي لدعم الاقتصاد والاستثمار "تونس 2020"، الذي عقد نهاية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المنقضي في العاصمة التونسية، نقطةً فارقةً في مسيرة الاقتصاد التونسي بعد الثورة، فقد شهد حضوراً مكثفاً من رجال الأعمال، وأعلام السياسة، وصنّاع القرار في بلدان عربية وأجنبية عديدة، وشاركت فيه 14 بعثة من الأمم المتحدة، فضلاً عن ممثلي جهات مانحة وازنة، ومصارف عالمية مهمّة، وبلغ عدد الحاضرين قرابة 2000 مشارك. واكتسب المؤتمر أهمّيته البالغة من أنّه جاء في وقتٍ كانت فيه تونس في حاجة أكيدة إلى إسناد اقتصادي دولي، يُخرجها من ضائقتها المالية، ويعيدها إلى المشهد الدولي، بعد ما عرفته من حركات احتجاجية مطلبية، وما شهدته من عمليّاتٍ إرهابية دامية هزّت السلم الاجتماعي، وأربكت الاقتصاد، وضربت السياحة في مقتل، ما أدّى، على مدى ستّ سنوات من الثورة إلى تراجع نسب النموّ بسبب نفور المستثمرين، وانحسار الصادرات مقابل ارتفاع النفقات، ونسب المديونية والبطالة. فكان انعقاد المؤتمر فرصةً لتجديد الثقة في تونس، باعتبارها جهةً جاذبةً للاستثمار، لما تتمتع به من موقع استراتيجي مطلّ على البحر الأبيض المتوسّط وأوروبّا، ومنفتح على العمق الأفريقي، ولما تتميّز به من موارد بشرية مختصّة، ذات كفاءةٍ عاليةٍ وغير مكلفة، ولما بذلته، أخيراً، من جهود مهمّة في مستوى إصلاح قانون الاستثمار، وتأمين الإنتاجية والتنافسية في كنف الشفافية والنزاهة. وهو ما أغرى المستثمرين والمانحين بالتوجه من جديد قِبلة تونس التي وجدت خلال المؤتمر دعما سخيّاً من أصدقائها التقليديين في أوروبا (ألمانيا، سويسرا، بلجيكيا، تركيا...)، وفي الخليج العربي (قطر، المملكة العربية السعودية، الكويت، البحرين)، وقد تصدّرت دولة قطر موقعاً متقدّماً في مستوى حضورها التمثيلي البارز في المؤتمر، وحرصها على إنجاحه فتكفّلت بمصاريف انعقاده، ووجهت مبلغ مليار و250 مليون دولار لخزينة الدولة التونسية، وكلّفت صندوق قطر للتنمية بإدارة جملة من المشاريع الاستثمارية في البلاد، من المتوقع أن تستقطب عدداً معتبراً من اليد العاملة.
والواقع أنّ المؤتمر وجّه عدّة رسائل إيجابية للمجتمع الدولي عموماً، ولمجتمع المال والأعمال خصوصاً. الأولى، بعث رسالة طمأنة إلى الفاعلين الاقتصاديين، مفادها بأن البلاد توفّر المناخ الأمني والسياق السياسي والإطار القانوني والتسهيلات اللوجيستية المشجعة على الاستثمار.
والثانية بيان نجاعة الدبلوماسية الاقتصادية التونسية، وقدرتها على استقطاب رجال الأعمال وإقناعهم بجدوى بعث مشاريع في تونس الجديدة. والثالثة الإخبار بأنّ دول الخليج العربي لم تتخلّ عن تونس بعد الثورة، على خلاف ما تروّجه وسائل إعلام مشبوهة في الداخل والخارج. والرابعة الإفادة بأن تونس نجحت، على الرغم من العقبات في تأمين مرحلة الانتقال السياسي بعد الثورة، فرسّخت قواعد التداول السلمي على السلطة، وركّزت المؤسسات الدستورية للدولة، وهي تتّجه إلى كسب معركة الانتقال الاقتصادي، حتّى يُكتب للتجربة الديمقراطية الوليدة الاستقرار والازدهار والاستمرار. ذلك أنّ التغيير التاريخي، الذي شهدته تونس بعد الثورة يبقى غير مكتمل، ومحدود المردودية، ما لم تواكبه استجابةٌ لتطلّعات المواطنين، وشوقهم إلى حياة أفضل ونموّ أحسن، وما لم يؤدّ إلى إبداع منوالٍ تنموي جديد، يأخذ في الاعتبار تنويع مسالك الإنتاج والتصدير، ومبدأ العدالة في توزيع الثروة، والعمل على بعث مشاريع ذات طاقةٍ تشغيليةٍ عالية، والنهوض بالمناطق الطرفية المهمّشة في الوسط والجنوب والشمال الغربي، حيث يكابد الناس شظف العيش، ويفتقرون إلى المرافق الأساسية (المستشفيات المجهّزة، الطرق المعبّدة، المؤسّسات التعليمية...).
وتبقى عوائد مؤتمر الاستثمار ودعم الاقتصاد "تونس 2020"، على أهمّيتها، في حاجة إلى حسن التدبير والصرف والتسيير، إذ يخشى مواطنون وملاحظون (مراقبون) كثيرون من أن تقع الأموال الواردة في أيدي مافيات الفساد أو لوبيات الولاء الحزبي أو الجهوي، فتُصرف في غير محلّها، ويُحال بينها وبين مستحقّيها. لذلك من المهمّ أن تقوم الدولة التونسية والجهات المانحة بتشكيل هيئات فنية ورقابية من الخبراء وأهل الاختصاص، تتولّى متابعة سير المشاريع التنموية وتنفيذها ضماناً لأكبر قدرٍ من الشفافية والحوكمة. كما أنّه من المهم تطوير الإدارة التونسية ورقمنتها، والتخفيف من العراقيل البيروقراطية، المفروضة على رجال الأعمال، والتي كثيراً ما تحول دون انطلاق مشاريعهم الاستثمارية. وفي السياق نفسه، من المفيد أن تتوصّل الحكومة إلى توافقاتٍ طويلة المدى مع الهيئات النقابية والمهنية، تضمن حقوق الأجراء وسيرورة المرافق العموميّة والخاصّة، وتوفّر السلم الاجتماعي الضامن لوفرة الاستثمار ولحركة المال والأعمال.
يمكن القول ختاماً إنّ مؤتمر الاستثمار مثّل خطوةً مهمّة على درب الانتقال الاقتصادي في تونس، ومن الضروري تحويل مخرجاته إلى منجزاتٍ، ووعوده إلى واقع، حتّى تكتمل صورة الربيع التونسي.
والواقع أنّ المؤتمر وجّه عدّة رسائل إيجابية للمجتمع الدولي عموماً، ولمجتمع المال والأعمال خصوصاً. الأولى، بعث رسالة طمأنة إلى الفاعلين الاقتصاديين، مفادها بأن البلاد توفّر المناخ الأمني والسياق السياسي والإطار القانوني والتسهيلات اللوجيستية المشجعة على الاستثمار.
وتبقى عوائد مؤتمر الاستثمار ودعم الاقتصاد "تونس 2020"، على أهمّيتها، في حاجة إلى حسن التدبير والصرف والتسيير، إذ يخشى مواطنون وملاحظون (مراقبون) كثيرون من أن تقع الأموال الواردة في أيدي مافيات الفساد أو لوبيات الولاء الحزبي أو الجهوي، فتُصرف في غير محلّها، ويُحال بينها وبين مستحقّيها. لذلك من المهمّ أن تقوم الدولة التونسية والجهات المانحة بتشكيل هيئات فنية ورقابية من الخبراء وأهل الاختصاص، تتولّى متابعة سير المشاريع التنموية وتنفيذها ضماناً لأكبر قدرٍ من الشفافية والحوكمة. كما أنّه من المهم تطوير الإدارة التونسية ورقمنتها، والتخفيف من العراقيل البيروقراطية، المفروضة على رجال الأعمال، والتي كثيراً ما تحول دون انطلاق مشاريعهم الاستثمارية. وفي السياق نفسه، من المفيد أن تتوصّل الحكومة إلى توافقاتٍ طويلة المدى مع الهيئات النقابية والمهنية، تضمن حقوق الأجراء وسيرورة المرافق العموميّة والخاصّة، وتوفّر السلم الاجتماعي الضامن لوفرة الاستثمار ولحركة المال والأعمال.
يمكن القول ختاماً إنّ مؤتمر الاستثمار مثّل خطوةً مهمّة على درب الانتقال الاقتصادي في تونس، ومن الضروري تحويل مخرجاته إلى منجزاتٍ، ووعوده إلى واقع، حتّى تكتمل صورة الربيع التونسي.