20 سبتمبر 2020
مسألة الشرعية في مصر.. قراءة هادئة
إعادة النظر في مسألة الشرعية في مصر، واستمرار ربطها بالمطالبة بعودة الدكتور محمد مرسي إلى الحكم (على ما فيها من صعوبات عملية واضحة) أمر ضروري لتحرير الثورة والتوقف عن مصادرة المستقبل. ويُظهر تناول هذه المسألة، بأبعادها المبدئية/ الأخلاقية والدستورية والسياسية، حجم تعقيداتها، والحاجة الماسّة لحسمها، حتى لا نستمرّ في القذف بأغلى ما في مصر في مفرمة الحراك الجزئي والتسويات السياسية.
مبدئياً، مسألة الشرعية من المسائل الجوهرية لأي نظام سياسي لديه احترام لإرادة الشعب وسيادته كمصدر للسلطة، فالشرعية هي القاعدة التي يرتكز عليها قبول المحكومين ورضاهم سلطة من يحكمهم، وتؤطرها مدة محددة للحكم، كعقد مبرم بين أطرافه. كما أن الشرعية تمس مبدأ أساسياً، وهو حق الشعب الأصيل في اختيار من يمثله، وحقه في ممارسة إرادته الحرة. وهذا الجانب هو الأصعب، لما يمثله تجاوز المطالبة بعودة الرئيس المنتخب، تعلق هذا الأمر بالدكتور مرسي الآن أم بغيره مستقبلاً، من معضلةٍ مبدئية. فلا نريد أن نجعل من الاستيلاء على السلطة بالقوة، والعصف باختيار الشعب مبدأً مشروعاً، ولا نريد أن نسوّغ لأي جنرال، كائناً من كان، القفز على الحكم بالدبابة والرصاص، وإلا أصبح طريقنا إلى الديمقراطية ولتداول السلطة عن طريق الانتخاب الحر مسدوداً.
ولصعوبة هذا الجانب وتعقيداته، يمكن أن نفكّر في تكييفٍ يسمح بالحفاظ على مبدأ التمسك بالشرعية، وفي الوقت نفسه، لا تجعل مناصريها يبدون وكأنهم يصادرون الثورة، والمستقبل السياسي لمصر. وقد أصبح، أخيراً، كثيرون من "الإخوان المسلمين" مستعدين لمناقشة هذا الأمر، وهو تطور يمكن البناء عليه، والتفاعل معه بإيجابية من القوى السياسية الاخرى. فقد دفع "الإخوان" ثمناً باهظاً في هذا الصراع الجنوني الدائر، وهم أصحاب مظلومية كبيرة. وبالتالي، تخليهم عن ورقة الشرعية تنازل، ومخاطرة كبيرة لا يمكن أن يفرضها عليهم أحد، كما يجب أن تقابلها خطوات عملية وشجاعة من القوى السياسية الأخرى، أقلها وقف الاتهامات غير المبررة، في أحيانٍ كثيرة، للجماعة، وفتح قنوات للحوار معها، وإعادة بناء الثقة، والمشاركة بجدية في تكتل وطني، وفي الحراك.
ما نحتاج إلى القيام به في مصر ضخم، ويحتاج إلى إجماع وطني وتوافق على أرض صلبة، نقف جميعا فوقها. وكما أن عبد الفتاح السيسي يمثل رمزاً للاستقطاب، بتقسيمه المصريين إلى شعبين، فكذلك مسألة عودة الشرعية والإصرار عليها بالصيغة الحالية، تفرّقنا وتصادر الثورة والمستقبل بأكمله. يعلم نظام الثورة المضادة، علم اليقين، أن الاستقطاب بين معارضي الانقلاب سيبقى ما بقي فريقٌ يصر على عودة الرئيس مرسي هدفاً مركزياً للثورة، وفريق آخر لا يريد أن يثور من أجل هذا المطلب الذي لا يمثل طموحاته.
يثير الإصرار على عودة الدكتور مرسي عدة مشكلات، جانب منها أخلاقي، فعلى الرغم من شرعية هذا المطلب ومبدئيته لدى كثيرين، إلا أنه يضرب بمبدأ المحاسبة عرض الحائط. لا يمكن إنكار أن مرسي فاز في انتخابات حرّة، وهو رئيس جاء إلى الحكم بانتخابات حرة، وأن ما ارتكبه من أخطاء لا يستوجب الانقلاب عليه أو تخوينه. ولكن، يستدعي على الأقل المحاسبة، وتحمل مسؤولية ما حدث، ليس لأنه أخطأ من دون قصد أو بسبب قلة الخبرة، ولكن لأن كثيرين نصحوه بضرورة أن ينحاز للثورة ومطالبها، ويأخذ صف الثوار، وأن يعتصم بالشعب كله، ويصارحه ويكاشفه، وألا يراهن على الجيش أو الدولة، وأنْ ينفتح على القوى السياسية شريكاً فعلياً، ويبدأ في التطهير، وإدارة مسار انتقالي عادل وناجز، وألا يرهب المعارضة، ولا يُلجئها إلى العنف والتمرد، فمآلات الأمور كانت واضحة تماماً آنذاك بالوضوح نفسه لطريق الخروج من الأزمة التي نمر بها الآن.
ويثير الإصرار على عودة الشرعية معضلاتٍ دستورية وقانونية أيضاً، فلا يمكن للمطالبين بعودة مرسي حل مسألة الشرعية، من دون أن يقعوا في تناقضاتٍ صريحةٍ، يستحيل معها الاستمرار في التمسك بهذا المطلب. فإذا افترضنا أن الإصرار على هذه العودة مصدره الالتزام بالحق القانوني والدستوري والشرعي، فمن الاتساق، إذن، الإصرار أيضاً على عودة كل المواثيق والمؤسسات التي وجدت معه، بما في ذلك دستور 2012 الذي كرّس سلطات المؤسسة العسكرية، وجعلها فوق الدولة، وكذلك مجلس الشورى الذي انتخب بـ 7% وجاء ثلث أعضائه بالتعيين المباشر من مرسي، وعودة كل نواب حزب النور السند السلفي إلى الانقلاب العسكري. وهذا كله لا ولن يقبله المطالبون بعودة الشرعية. أما الحديث عن تعديل بعض مواد دستور 2012 أو إجراء انتخابات جديدة فهذه انتقائية، تثير التساؤل حول الالتزام بالمبدأ، وتدل على عدم استيعاب الاخطاء التي ارتكبت. وتجعلنا نصرّ على أنه لا عودة إلى الماضي وأخطائه. وأن ما نطالب به من تطهير لن تسعفنا فيه المنظومة الدستورية والقانونية الحالية، حيث نحتاج إلى شرعية ثورية أخلاقية جديدة.
لا يمكن لأحد في "الإخوان" أن ينكر مسؤولية الجماعة عن تمكين الجيش من تنفيذ الانقلاب
العسكري، ودفع قطاعات عريضة من الشعب إلى التظاهر والتحالف مع فلول النظام القديم والترحيب بتدخل العسكر للإطاحة بمحمد مرسي. والعجيب أن الجميع تقريبا كان يعلم بقرب وقوع ذلك الانقلاب العسكري، إلا "الإخوان" أنفسهم الذين ظلوا يؤكدون على ثقتهم المطلقة في الجيش، وأن مظاهرات 30 يونيو/ حزيران 2013 سبقتها 25 مظاهرة، وأنها ستكون الـ 26 ولن تتمكن من إسقاطهم، "والجيش معانا...ومن معه الجيش لا يخشى أحداً".
الرئيس مرسي هو المسؤول المباشر، وليس نحن، عن تعيين عبد الفتاح السيسي وزيراً ، على الرغم من سيرته في أثناء الثورة وبعدها. وإن قيل من أين يدري أنه سينقلب؟ الإجابة بسيطة، سيرته تسبقه. أليس هو من أدار مشروع كشف العذرية، ودافع عنه من أجل كسر كرامة الثوار؟ أليس هو من زرع الفرقة بين ائتلافات الثورة؟ أليس هو من سهّل دخول الخيل والجمال والحمير لوأد الثورة في المهد؟ أليس هو القائل قبل الانقلاب "مش هننزل إلا لما الشعب يطلبنا. ولو نزلنا المرة دي، هننزل بشروطنا"؟ ألم يتربّص هذا الرجل إلى أن وصل إلى تحقيق أحلامه ومناماته في الجلوس على عرش مصر، فوق أجساد شباب هذا الوطن؟. يعلم طالب السنة الأولى في العلوم السياسية أن مَثل الرئيس المدني، الذي يعيّن مدير المخابرات وزيراً للدفاع، ويستند إلى العسكر، مَثل راكب النمر، لحظات ثم يستدير ليفترس راكبه. ولكنها الرهانات المدمرة.
يعلم قادة "الإخوان" المتمسكون بالشرعية، بدعوى المحافظة على الحراك على الأرض، أن هذا الحراك بمفرده لن يهزم هذا النظام القمعي، وأن مفرمته لن تتوقف إلا أمام حراكٍ أوسع يعكس ما يحس به كل الشعب من قهر وقمع وظلم وفساد. يستمد هذا النظام الاستبدادي قوته من ضعف المعارضة وفقرها وتشتتها حول المطالب والرؤى. تحتاج هزيمة الثورة المضادة إلى كتلة واسعة، يجمعها هدف استراتيجي يتفق الجميع عليه. عودة الشرعية ومطالبة الشعب بالثورة وبالمخاطرة بحياته من أجل الرجوع به إلى الماضي إجحاف بالشعب، ومصادرة الثورة وعلى المستقبل. ولا يدفع عاقل حياته ثمناً لإرجاع تجارب الماضي الفاشلة، أو حتى التي أُفشلت.
ليكن الهدف الأعلى المتفق عليه هو كسر الثورة المضادة، وبناء دولة ديمقراطية حديثة، تحترم سيادة القانون وكرامة المواطن وحقوقه الأساسية وتحقق العدالة الاجتماعية. ولا يمكن هزيمة الثورة بهدف جزئي، أو بفصيل وحده. سنحتاج إلى التطهير، وإلى عدالة انتقالية، وإلى إعادة هيكلة المؤسسات. ولا يمكن تحقيق أيٍّ من هذه الأهداف، إلا بتوافق وإجماع وطني يكون فيه الدكتور مرسي (أو غيره) طرفاً ممثلا للإخوان في قيادة جماعية، فمصر المستقبل، وإلى أن تتمكن من بناء ديمقراطية مستقرة وراسخة، ستدار بشكل توافقي، لا يعبأ بالأوزان النسبية، ويحترم التعددية والمشاركة.
والمخرج لمسألة الشرعية بسيط لو خلصت النيات، وركّزنا على هدفٍ مشترك. ويتمثل هذا المخرج في التأكيد على احترام الإرادة الشعبية، والشرعية المستمدة منها في الاستحقاقات الانتخابية المختلفة بعد ثورة 25 يناير 2011، بما في ذلك شرعية محمد مرسي رئيساً منتخباً، وأن هذه الشرعية الديمقراطية تبطل كل الإجراءات التي قام بها الانقلاب، وفور سقوط الثورة المضادة، ستمثل الشرعية الثورية الشعبية الجديدة المرجعية الأولى والرئيسية لكل السياسات والإجراءات، التي ستتخذ من أجل بناء الدولة الديمقراطية الحديثة وترسيخها.
لهذا كله، يمكن، كما يقول الدكتور سيف الدين عبد الفتاح، "أن تتحرّر الشرعية من المحبس" ومن الشخصنة، وتلحق بفضاء أرحب، وأكثر أملاً واستقراراً، لكي لا نكرر أخطاء الماضي، ولا نصادر المستقبل.
مبدئياً، مسألة الشرعية من المسائل الجوهرية لأي نظام سياسي لديه احترام لإرادة الشعب وسيادته كمصدر للسلطة، فالشرعية هي القاعدة التي يرتكز عليها قبول المحكومين ورضاهم سلطة من يحكمهم، وتؤطرها مدة محددة للحكم، كعقد مبرم بين أطرافه. كما أن الشرعية تمس مبدأ أساسياً، وهو حق الشعب الأصيل في اختيار من يمثله، وحقه في ممارسة إرادته الحرة. وهذا الجانب هو الأصعب، لما يمثله تجاوز المطالبة بعودة الرئيس المنتخب، تعلق هذا الأمر بالدكتور مرسي الآن أم بغيره مستقبلاً، من معضلةٍ مبدئية. فلا نريد أن نجعل من الاستيلاء على السلطة بالقوة، والعصف باختيار الشعب مبدأً مشروعاً، ولا نريد أن نسوّغ لأي جنرال، كائناً من كان، القفز على الحكم بالدبابة والرصاص، وإلا أصبح طريقنا إلى الديمقراطية ولتداول السلطة عن طريق الانتخاب الحر مسدوداً.
ولصعوبة هذا الجانب وتعقيداته، يمكن أن نفكّر في تكييفٍ يسمح بالحفاظ على مبدأ التمسك بالشرعية، وفي الوقت نفسه، لا تجعل مناصريها يبدون وكأنهم يصادرون الثورة، والمستقبل السياسي لمصر. وقد أصبح، أخيراً، كثيرون من "الإخوان المسلمين" مستعدين لمناقشة هذا الأمر، وهو تطور يمكن البناء عليه، والتفاعل معه بإيجابية من القوى السياسية الاخرى. فقد دفع "الإخوان" ثمناً باهظاً في هذا الصراع الجنوني الدائر، وهم أصحاب مظلومية كبيرة. وبالتالي، تخليهم عن ورقة الشرعية تنازل، ومخاطرة كبيرة لا يمكن أن يفرضها عليهم أحد، كما يجب أن تقابلها خطوات عملية وشجاعة من القوى السياسية الأخرى، أقلها وقف الاتهامات غير المبررة، في أحيانٍ كثيرة، للجماعة، وفتح قنوات للحوار معها، وإعادة بناء الثقة، والمشاركة بجدية في تكتل وطني، وفي الحراك.
ما نحتاج إلى القيام به في مصر ضخم، ويحتاج إلى إجماع وطني وتوافق على أرض صلبة، نقف جميعا فوقها. وكما أن عبد الفتاح السيسي يمثل رمزاً للاستقطاب، بتقسيمه المصريين إلى شعبين، فكذلك مسألة عودة الشرعية والإصرار عليها بالصيغة الحالية، تفرّقنا وتصادر الثورة والمستقبل بأكمله. يعلم نظام الثورة المضادة، علم اليقين، أن الاستقطاب بين معارضي الانقلاب سيبقى ما بقي فريقٌ يصر على عودة الرئيس مرسي هدفاً مركزياً للثورة، وفريق آخر لا يريد أن يثور من أجل هذا المطلب الذي لا يمثل طموحاته.
يثير الإصرار على عودة الدكتور مرسي عدة مشكلات، جانب منها أخلاقي، فعلى الرغم من شرعية هذا المطلب ومبدئيته لدى كثيرين، إلا أنه يضرب بمبدأ المحاسبة عرض الحائط. لا يمكن إنكار أن مرسي فاز في انتخابات حرّة، وهو رئيس جاء إلى الحكم بانتخابات حرة، وأن ما ارتكبه من أخطاء لا يستوجب الانقلاب عليه أو تخوينه. ولكن، يستدعي على الأقل المحاسبة، وتحمل مسؤولية ما حدث، ليس لأنه أخطأ من دون قصد أو بسبب قلة الخبرة، ولكن لأن كثيرين نصحوه بضرورة أن ينحاز للثورة ومطالبها، ويأخذ صف الثوار، وأن يعتصم بالشعب كله، ويصارحه ويكاشفه، وألا يراهن على الجيش أو الدولة، وأنْ ينفتح على القوى السياسية شريكاً فعلياً، ويبدأ في التطهير، وإدارة مسار انتقالي عادل وناجز، وألا يرهب المعارضة، ولا يُلجئها إلى العنف والتمرد، فمآلات الأمور كانت واضحة تماماً آنذاك بالوضوح نفسه لطريق الخروج من الأزمة التي نمر بها الآن.
ويثير الإصرار على عودة الشرعية معضلاتٍ دستورية وقانونية أيضاً، فلا يمكن للمطالبين بعودة مرسي حل مسألة الشرعية، من دون أن يقعوا في تناقضاتٍ صريحةٍ، يستحيل معها الاستمرار في التمسك بهذا المطلب. فإذا افترضنا أن الإصرار على هذه العودة مصدره الالتزام بالحق القانوني والدستوري والشرعي، فمن الاتساق، إذن، الإصرار أيضاً على عودة كل المواثيق والمؤسسات التي وجدت معه، بما في ذلك دستور 2012 الذي كرّس سلطات المؤسسة العسكرية، وجعلها فوق الدولة، وكذلك مجلس الشورى الذي انتخب بـ 7% وجاء ثلث أعضائه بالتعيين المباشر من مرسي، وعودة كل نواب حزب النور السند السلفي إلى الانقلاب العسكري. وهذا كله لا ولن يقبله المطالبون بعودة الشرعية. أما الحديث عن تعديل بعض مواد دستور 2012 أو إجراء انتخابات جديدة فهذه انتقائية، تثير التساؤل حول الالتزام بالمبدأ، وتدل على عدم استيعاب الاخطاء التي ارتكبت. وتجعلنا نصرّ على أنه لا عودة إلى الماضي وأخطائه. وأن ما نطالب به من تطهير لن تسعفنا فيه المنظومة الدستورية والقانونية الحالية، حيث نحتاج إلى شرعية ثورية أخلاقية جديدة.
لا يمكن لأحد في "الإخوان" أن ينكر مسؤولية الجماعة عن تمكين الجيش من تنفيذ الانقلاب
الرئيس مرسي هو المسؤول المباشر، وليس نحن، عن تعيين عبد الفتاح السيسي وزيراً ، على الرغم من سيرته في أثناء الثورة وبعدها. وإن قيل من أين يدري أنه سينقلب؟ الإجابة بسيطة، سيرته تسبقه. أليس هو من أدار مشروع كشف العذرية، ودافع عنه من أجل كسر كرامة الثوار؟ أليس هو من زرع الفرقة بين ائتلافات الثورة؟ أليس هو من سهّل دخول الخيل والجمال والحمير لوأد الثورة في المهد؟ أليس هو القائل قبل الانقلاب "مش هننزل إلا لما الشعب يطلبنا. ولو نزلنا المرة دي، هننزل بشروطنا"؟ ألم يتربّص هذا الرجل إلى أن وصل إلى تحقيق أحلامه ومناماته في الجلوس على عرش مصر، فوق أجساد شباب هذا الوطن؟. يعلم طالب السنة الأولى في العلوم السياسية أن مَثل الرئيس المدني، الذي يعيّن مدير المخابرات وزيراً للدفاع، ويستند إلى العسكر، مَثل راكب النمر، لحظات ثم يستدير ليفترس راكبه. ولكنها الرهانات المدمرة.
يعلم قادة "الإخوان" المتمسكون بالشرعية، بدعوى المحافظة على الحراك على الأرض، أن هذا الحراك بمفرده لن يهزم هذا النظام القمعي، وأن مفرمته لن تتوقف إلا أمام حراكٍ أوسع يعكس ما يحس به كل الشعب من قهر وقمع وظلم وفساد. يستمد هذا النظام الاستبدادي قوته من ضعف المعارضة وفقرها وتشتتها حول المطالب والرؤى. تحتاج هزيمة الثورة المضادة إلى كتلة واسعة، يجمعها هدف استراتيجي يتفق الجميع عليه. عودة الشرعية ومطالبة الشعب بالثورة وبالمخاطرة بحياته من أجل الرجوع به إلى الماضي إجحاف بالشعب، ومصادرة الثورة وعلى المستقبل. ولا يدفع عاقل حياته ثمناً لإرجاع تجارب الماضي الفاشلة، أو حتى التي أُفشلت.
ليكن الهدف الأعلى المتفق عليه هو كسر الثورة المضادة، وبناء دولة ديمقراطية حديثة، تحترم سيادة القانون وكرامة المواطن وحقوقه الأساسية وتحقق العدالة الاجتماعية. ولا يمكن هزيمة الثورة بهدف جزئي، أو بفصيل وحده. سنحتاج إلى التطهير، وإلى عدالة انتقالية، وإلى إعادة هيكلة المؤسسات. ولا يمكن تحقيق أيٍّ من هذه الأهداف، إلا بتوافق وإجماع وطني يكون فيه الدكتور مرسي (أو غيره) طرفاً ممثلا للإخوان في قيادة جماعية، فمصر المستقبل، وإلى أن تتمكن من بناء ديمقراطية مستقرة وراسخة، ستدار بشكل توافقي، لا يعبأ بالأوزان النسبية، ويحترم التعددية والمشاركة.
والمخرج لمسألة الشرعية بسيط لو خلصت النيات، وركّزنا على هدفٍ مشترك. ويتمثل هذا المخرج في التأكيد على احترام الإرادة الشعبية، والشرعية المستمدة منها في الاستحقاقات الانتخابية المختلفة بعد ثورة 25 يناير 2011، بما في ذلك شرعية محمد مرسي رئيساً منتخباً، وأن هذه الشرعية الديمقراطية تبطل كل الإجراءات التي قام بها الانقلاب، وفور سقوط الثورة المضادة، ستمثل الشرعية الثورية الشعبية الجديدة المرجعية الأولى والرئيسية لكل السياسات والإجراءات، التي ستتخذ من أجل بناء الدولة الديمقراطية الحديثة وترسيخها.
لهذا كله، يمكن، كما يقول الدكتور سيف الدين عبد الفتاح، "أن تتحرّر الشرعية من المحبس" ومن الشخصنة، وتلحق بفضاء أرحب، وأكثر أملاً واستقراراً، لكي لا نكرر أخطاء الماضي، ولا نصادر المستقبل.