04 نوفمبر 2024
غياب الدولة... تراجيديا الشرق السياسية
اقتضى المناخ الجاف المخترق جغرافياً بأنهار كُبرى، إقامة مشاريع الري والصرف، لتوفير الأرض الخصبة، واحتاجت أعمال الإشراف، والإدارة، والحماية، المتعاظمة إلى حكومة مركزية مستبدة، خضعت لسلطتها الشؤون العامة الأخرى. كان ذلك شرطاً لدوام أسلوب الإنتاج الآسيوي الذي تميز بتمركز ملكية الأرض، ووسائل الإنتاج، في يد حاكمٍ مستبد. خضوع قوى الإنتاج للعوامل الطبيعية والمناخية، واضطرار الفرد للاندماج في الجماعة، حالا دون الصراع الطبقي.
في ظل زراعةٍ اعتمدت على الأمطار، كان الغرب أقلَّ خضوعاً للسيطرة المركزية. وفي اليونان وروما وجرمانيا، أدى انهيار نظام القرابة القبلي إلى تجزئة الأرض إلى أوطان، خصّص كل منها لقسمٍ من الشعب، وكان الاستقرار، والتساكن المستمر، والملكية الفردية، بحاجة إلى أعمال الخفر والحراسة، ما استلزم الجباية عبر جهاز من بيروقراطيةٍ عسكريةٍ ومدنيةٍ وجماعات ربطٍ واتصال، خضعت جميعها للسلطان. بعد فتوحات الإسكندر المقدوني، اختفى نظام المدينة اليونانية، وانقلب الحكم القنصلي في روما إلى نظام إمبراطوري، متأثراً بجهاز الدولة الآسيوي.
لا يمكن الحديث عن الدولة قبل القرن السادس عشر، ولا يعدو وصف التنظيمات السياسية القائمة قبل ذلك التاريخ أن يكون مجازاً لغوياً، إذ إن التمايز بين حكام ومحكومين يكشف عن وجود السلطة لا الدولة، فإذا كانت كل دولة سلطةً، فليست كل سلطةٍ دولة. السلطة قوة يخلقها الوعي الجمعي، جوهرها الفكرة التي تمثل الغائية الاجتماعية، وليس "الأمر". في المجتمعات البدائية، غابت شخصية القائد نتيجة التوافق حول غايةٍ جماعيةٍ هي حفظ البقاء. في مستوى أعلى من التطور، احتاج البحث عن أساليب جديدةٍ لتوفير القوت، وخطط عسكرية لكسب المعركة، مواهب شخصية، فتمتع القائد بممارسة السلطة وملكيتها. مع نمط الإنتاج الآسيوي، وفي أوروبا الإقطاعية، ساد النمط الفردي للسلطة، وحكم الرجال لا الكيانات.
الدولة نمط وجود للسلطة، من حيث هي مؤسسة. تبدأ الدولة، حين تكفّ السلطة عن التجسد في شخص، لتصبح تجريداً فلا تتأثر بالتبدلات التي تطرأ على رجالها. عند ذلك المستوى، من التجريد، يرفض الوعي الجمعي أن تستمد الشرعية من التطابق بين أعمال الرئيس وحاجات الشعب، ويعي خطورة الاستسلام لمخاطر السلطة الفردية، وما تتسبّب به من عدم استقرارٍ في ممارسة المهام الحكومية، وتغير الشخصيات مع كل انتقال للسلطة.
في القرن السادس عشر، كان الطغيان هماً عاماً انشغل به رجال دين وفلاسفة، وكان تداعي "العالمية الكاثوليكية"، بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية الجرمانية المقدسة، إيذاناً بولادة الدولة القومية التي اكتسبت طابعها القانوني عقب صلح ويستفاليا (1648)، الذي أعلن نهاية الحروب الدينية، وأقر مبدأ سيادة الدولة على إقليمها. فقدت السلطة طابعها المقدّس، فحلت فكرة الخير العام الزمني مكان فكرة الخير العام الأخروي. وبرز التعارض بين الإمكانات الشخصية للرئيس ومتطلبات فكرة الحق. عبّرت سلطة الملكية عن فكرة الحق الوطني، وأصبح التاج، لا الملك، صاحب السلطة. ولم تعد الولاية تستند إلى الولاء الشخصي، بل إلى الفكرة التي يمثلها القائد. مضت الليبرالية في إرساء الدولة جاعلةً من السلطة اختصاصاً وظيفياً، توجهها الغائية الاجتماعية، في ظل مؤسساتٍ ثابتةٍ مستقرةٍ يسودها القانون، لا ملكاً شخصياً. وأصبح المجال واسعاً أمام التداول السلمي للسلطة، فتعلق النضال السياسي بالفعالية السياسية، وليس بالشرعية السياسية.
شرقاً، كان تحقيق التطابق التام بين الإرادة الاجتماعية والسلطة، وفق النظرية الماركسية، مرهوناً بزوال الطبقات الذي معه يصبح جهاز الدولة من دون جدوى. لكن، في المرحلة الأولى، كان على هذا الجهاز أن يكون أداة لدكتاتورية البروليتاريا، فكان النظام السياسي تسلطياً في مواجهة الفروق الاجتماعية، وكانت لحظة انهياره أسرع بكثير من تحقيق التطابق بين السلطة والإرادة الاجتماعية.
غرباً، كان التمايز بين أثرياء وفقراء، بالنسبة لليبرالية، معطى اجتماعياً ليس له من الناحية السياسية أي معنى، فتم الحفاظ على استقلالية المجتمع بالنسبة للدولة، عبر الفصل بين الجسم السياسي، بوصفه جماعةً من المواطنين، يعملون وفق مقتضيات المصلحة العامة من جهة، وحقيقتة السوسيولوجية (الجماعة كمعطى أساسي تحرّكه غالباً مصالح متناقضة) من جهة أخرى. الحركة الاجتماعية في مجتمعٍ مفتوح، وفي ظل نظام ديمقراطي تعدّدي، حالت دون سلطةٍ سياسيةٍ طبقية، وكانت ممارسة السلطة تعيد إيجاد الحقيقة السوسيولوجية بشكل مستمر، باتجاه تحقيق التطابق بين السلطة والإرادة الاجتماعية.
اصطدمت سياسة الإصلاح العثمانية (التنظيمات)، المنطلقة منذ القرن السادس عشر، بسقف الروح المحافظة، القائمة على الريع العقاري وفائض الإنتاج الزراعي. كانت أوروبا ماضيةً في بلورة نموذجها الحضاري الفريد، المعتمد على إعادة استثمار مستمر لرؤوس الأموال، وتقدّم صناعي وتقني، عبر مشروع ثقافي راديكالي. وبدأت الدولة الأوروبية تنافس الإمبراطوريات التقليدية، وتكون عاملاً في تداعيها. خرجت هذه الدولة من صلب المجتمعات الأوروبية، وجاءت، منذ ولادتها، متسقةً مع ظروف تلك المجتمعات، ومستوى تطورها الاجتماعي، السياسي والاقتصادي والثقافي، ولم تكن مفروضة عليه من الخارج.
استمر الشعور القومي الذي أثارته الدول الاستعمارية لدى العرب ضد السلطنة العثمانية، إلى جانب العاطفة الدينية، محركاً للنضال من أجل الاستقلال الذي لم يكن ممكناً خارج حدود "سايكس بيكو". لم يكن المخاض هنا طبيعياً، فجاءت الولادة مشوّهة. لم يرسم وعي الجماعة ذاتها وما لديها من إرثٍ مشتركٍ حدودها القومية، وبدل أن تستدعي الأمة الدولة عبر الحس الوطني الذي استقرّ في النفوس، وتجسّد في مؤسساتٍ موحدة، كان على "الدولة" أن تستدعي الأمة. لكن، في غياب الجهد الوطني، وعدم مأسسة السلطة، تفصح التراجيديا السياسية للمشرق العربي عن نفسها، بوصفها حلقةً مفرغة، تبدأ بغياب الدولة، وتنتهي به.
أعلنت الماضوية الانتماء لدولةٍ لم تكن موجودة يوما، فتاريخ ما تعرف بالدولة العربية الإسلامية هو، في آخر تحليل، منذ الأمويين وحتى العثمانيين، لم يكن تاريخ "الدولة"، بل كان تاريخاً للجماعات السياسية التي استأثرت بالسلطة والثروة، حيث عمل التناقض بين معيارية الشريعة وواقعية السياسة على الحيلولة دون نظريةٍ في الدولة. ولم تكن كافيةً استعادة الخصائص القومية من أنماطٍ أنجزها الآخرون في سياق تاريخي مغاير.
في تغييب المشروع الثقافي، آلت المشاريع الأيديولوجية إلى أساطير سياسية، يخترقها موروثٌ سلطوي، يمجّد السلطة الفردية، والبطولات الشخصية للقادة. وأدت العطالة السياسية الناجمة عن غياب الشرعية إلى تحول كيانات "سايكس بيكو" إلى كياناتٍ وظيفية، خدمت مصالح الخارج على حساب الداخل. واستمرت يوتوبيا الخلافة تمرّداً على مشروع الدولة.
عربياً، لم يتعلق الأمر بكينونة الدولة، وكان الإصرار على إعادة إنتاج نمط السلطة الفردية مغامرةً سياسيةً وحضاريةً مكلفةً وغير محسوبة، في عالمٍ متغيرٍ بوتيرةٍ متسارعة، ومع توفر وعي سياسي، بحدود قليلة أو كثيرة، وامتداده أفقياً، برهنت القوة أنها سندٌ سريع العطب للسلطة، لاسيما بعد أن اجتاحت المعارضة شرائح واسعة من المحكومين، ولم تعد تقتصر على جماعاتٍ ثانوية.
في غياب الدولة، انتهت الهويات الطائفية التي سدّت شغور الفكرة الوطنية إلى جماعاتٍ لا دولتية، تضفي اليوم على الفضاء الاجتماعي والسياسي مزيداً من مخاطر التسلط وعدم الاستقرار. وإذا كانت خريطة المشرق العربي تبدو رهناً بالكيفية التي ستجري، من خلالها، إعادة رسم تلك الخريطة، بعد حسم الصراع الدولي والإقليمي، فإن النهوض الحضاري والسياسي لا يزال مرهوناً بمشروع الدولة.
في ظل زراعةٍ اعتمدت على الأمطار، كان الغرب أقلَّ خضوعاً للسيطرة المركزية. وفي اليونان وروما وجرمانيا، أدى انهيار نظام القرابة القبلي إلى تجزئة الأرض إلى أوطان، خصّص كل منها لقسمٍ من الشعب، وكان الاستقرار، والتساكن المستمر، والملكية الفردية، بحاجة إلى أعمال الخفر والحراسة، ما استلزم الجباية عبر جهاز من بيروقراطيةٍ عسكريةٍ ومدنيةٍ وجماعات ربطٍ واتصال، خضعت جميعها للسلطان. بعد فتوحات الإسكندر المقدوني، اختفى نظام المدينة اليونانية، وانقلب الحكم القنصلي في روما إلى نظام إمبراطوري، متأثراً بجهاز الدولة الآسيوي.
لا يمكن الحديث عن الدولة قبل القرن السادس عشر، ولا يعدو وصف التنظيمات السياسية القائمة قبل ذلك التاريخ أن يكون مجازاً لغوياً، إذ إن التمايز بين حكام ومحكومين يكشف عن وجود السلطة لا الدولة، فإذا كانت كل دولة سلطةً، فليست كل سلطةٍ دولة. السلطة قوة يخلقها الوعي الجمعي، جوهرها الفكرة التي تمثل الغائية الاجتماعية، وليس "الأمر". في المجتمعات البدائية، غابت شخصية القائد نتيجة التوافق حول غايةٍ جماعيةٍ هي حفظ البقاء. في مستوى أعلى من التطور، احتاج البحث عن أساليب جديدةٍ لتوفير القوت، وخطط عسكرية لكسب المعركة، مواهب شخصية، فتمتع القائد بممارسة السلطة وملكيتها. مع نمط الإنتاج الآسيوي، وفي أوروبا الإقطاعية، ساد النمط الفردي للسلطة، وحكم الرجال لا الكيانات.
الدولة نمط وجود للسلطة، من حيث هي مؤسسة. تبدأ الدولة، حين تكفّ السلطة عن التجسد في شخص، لتصبح تجريداً فلا تتأثر بالتبدلات التي تطرأ على رجالها. عند ذلك المستوى، من التجريد، يرفض الوعي الجمعي أن تستمد الشرعية من التطابق بين أعمال الرئيس وحاجات الشعب، ويعي خطورة الاستسلام لمخاطر السلطة الفردية، وما تتسبّب به من عدم استقرارٍ في ممارسة المهام الحكومية، وتغير الشخصيات مع كل انتقال للسلطة.
في القرن السادس عشر، كان الطغيان هماً عاماً انشغل به رجال دين وفلاسفة، وكان تداعي "العالمية الكاثوليكية"، بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية الجرمانية المقدسة، إيذاناً بولادة الدولة القومية التي اكتسبت طابعها القانوني عقب صلح ويستفاليا (1648)، الذي أعلن نهاية الحروب الدينية، وأقر مبدأ سيادة الدولة على إقليمها. فقدت السلطة طابعها المقدّس، فحلت فكرة الخير العام الزمني مكان فكرة الخير العام الأخروي. وبرز التعارض بين الإمكانات الشخصية للرئيس ومتطلبات فكرة الحق. عبّرت سلطة الملكية عن فكرة الحق الوطني، وأصبح التاج، لا الملك، صاحب السلطة. ولم تعد الولاية تستند إلى الولاء الشخصي، بل إلى الفكرة التي يمثلها القائد. مضت الليبرالية في إرساء الدولة جاعلةً من السلطة اختصاصاً وظيفياً، توجهها الغائية الاجتماعية، في ظل مؤسساتٍ ثابتةٍ مستقرةٍ يسودها القانون، لا ملكاً شخصياً. وأصبح المجال واسعاً أمام التداول السلمي للسلطة، فتعلق النضال السياسي بالفعالية السياسية، وليس بالشرعية السياسية.
شرقاً، كان تحقيق التطابق التام بين الإرادة الاجتماعية والسلطة، وفق النظرية الماركسية، مرهوناً بزوال الطبقات الذي معه يصبح جهاز الدولة من دون جدوى. لكن، في المرحلة الأولى، كان على هذا الجهاز أن يكون أداة لدكتاتورية البروليتاريا، فكان النظام السياسي تسلطياً في مواجهة الفروق الاجتماعية، وكانت لحظة انهياره أسرع بكثير من تحقيق التطابق بين السلطة والإرادة الاجتماعية.
غرباً، كان التمايز بين أثرياء وفقراء، بالنسبة لليبرالية، معطى اجتماعياً ليس له من الناحية السياسية أي معنى، فتم الحفاظ على استقلالية المجتمع بالنسبة للدولة، عبر الفصل بين الجسم السياسي، بوصفه جماعةً من المواطنين، يعملون وفق مقتضيات المصلحة العامة من جهة، وحقيقتة السوسيولوجية (الجماعة كمعطى أساسي تحرّكه غالباً مصالح متناقضة) من جهة أخرى. الحركة الاجتماعية في مجتمعٍ مفتوح، وفي ظل نظام ديمقراطي تعدّدي، حالت دون سلطةٍ سياسيةٍ طبقية، وكانت ممارسة السلطة تعيد إيجاد الحقيقة السوسيولوجية بشكل مستمر، باتجاه تحقيق التطابق بين السلطة والإرادة الاجتماعية.
اصطدمت سياسة الإصلاح العثمانية (التنظيمات)، المنطلقة منذ القرن السادس عشر، بسقف الروح المحافظة، القائمة على الريع العقاري وفائض الإنتاج الزراعي. كانت أوروبا ماضيةً في بلورة نموذجها الحضاري الفريد، المعتمد على إعادة استثمار مستمر لرؤوس الأموال، وتقدّم صناعي وتقني، عبر مشروع ثقافي راديكالي. وبدأت الدولة الأوروبية تنافس الإمبراطوريات التقليدية، وتكون عاملاً في تداعيها. خرجت هذه الدولة من صلب المجتمعات الأوروبية، وجاءت، منذ ولادتها، متسقةً مع ظروف تلك المجتمعات، ومستوى تطورها الاجتماعي، السياسي والاقتصادي والثقافي، ولم تكن مفروضة عليه من الخارج.
استمر الشعور القومي الذي أثارته الدول الاستعمارية لدى العرب ضد السلطنة العثمانية، إلى جانب العاطفة الدينية، محركاً للنضال من أجل الاستقلال الذي لم يكن ممكناً خارج حدود "سايكس بيكو". لم يكن المخاض هنا طبيعياً، فجاءت الولادة مشوّهة. لم يرسم وعي الجماعة ذاتها وما لديها من إرثٍ مشتركٍ حدودها القومية، وبدل أن تستدعي الأمة الدولة عبر الحس الوطني الذي استقرّ في النفوس، وتجسّد في مؤسساتٍ موحدة، كان على "الدولة" أن تستدعي الأمة. لكن، في غياب الجهد الوطني، وعدم مأسسة السلطة، تفصح التراجيديا السياسية للمشرق العربي عن نفسها، بوصفها حلقةً مفرغة، تبدأ بغياب الدولة، وتنتهي به.
أعلنت الماضوية الانتماء لدولةٍ لم تكن موجودة يوما، فتاريخ ما تعرف بالدولة العربية الإسلامية هو، في آخر تحليل، منذ الأمويين وحتى العثمانيين، لم يكن تاريخ "الدولة"، بل كان تاريخاً للجماعات السياسية التي استأثرت بالسلطة والثروة، حيث عمل التناقض بين معيارية الشريعة وواقعية السياسة على الحيلولة دون نظريةٍ في الدولة. ولم تكن كافيةً استعادة الخصائص القومية من أنماطٍ أنجزها الآخرون في سياق تاريخي مغاير.
في تغييب المشروع الثقافي، آلت المشاريع الأيديولوجية إلى أساطير سياسية، يخترقها موروثٌ سلطوي، يمجّد السلطة الفردية، والبطولات الشخصية للقادة. وأدت العطالة السياسية الناجمة عن غياب الشرعية إلى تحول كيانات "سايكس بيكو" إلى كياناتٍ وظيفية، خدمت مصالح الخارج على حساب الداخل. واستمرت يوتوبيا الخلافة تمرّداً على مشروع الدولة.
عربياً، لم يتعلق الأمر بكينونة الدولة، وكان الإصرار على إعادة إنتاج نمط السلطة الفردية مغامرةً سياسيةً وحضاريةً مكلفةً وغير محسوبة، في عالمٍ متغيرٍ بوتيرةٍ متسارعة، ومع توفر وعي سياسي، بحدود قليلة أو كثيرة، وامتداده أفقياً، برهنت القوة أنها سندٌ سريع العطب للسلطة، لاسيما بعد أن اجتاحت المعارضة شرائح واسعة من المحكومين، ولم تعد تقتصر على جماعاتٍ ثانوية.
في غياب الدولة، انتهت الهويات الطائفية التي سدّت شغور الفكرة الوطنية إلى جماعاتٍ لا دولتية، تضفي اليوم على الفضاء الاجتماعي والسياسي مزيداً من مخاطر التسلط وعدم الاستقرار. وإذا كانت خريطة المشرق العربي تبدو رهناً بالكيفية التي ستجري، من خلالها، إعادة رسم تلك الخريطة، بعد حسم الصراع الدولي والإقليمي، فإن النهوض الحضاري والسياسي لا يزال مرهوناً بمشروع الدولة.