31 أكتوبر 2017
.. وماذا عن "اللاسامية" في إسرائيل؟
في سعيه إلى نفي تهمة "اللاسامية" عن مؤسساته، طرد حزب العمال البريطاني عدداً من كبار قادته، لمجرّد أنهم انتقدوا ممارسات إسرائيل وجرائمها ضد الشعب الفلسطيني، بالمقارنة بينها وبين جرائم النازية. المفارقة أن قرارات الطرد هذه لم تثر في بريطانيا، وفي أوروبا عموماً، جدلاً واسعاً حول وجاهة مسوغاتها، وتم التعامل معها بوصفها عقاباً "مستحقاً" ضد الذين يتجرأون على إبراز التناقض بين زعم الكيان الصهيوني أنه يمثل "ملاذاً" يحول دون تعرّض اليهود من جديد لما تعرّضوا له على أيدي النازية، وتبني هذا الكيان أنماط السلوك التي كان يتبعها النازيون ضد اليهود وغيرهم. ما يثير الاستهجان، أنه في الوقت الذي تحرّم فيه أوروبا طرح هذه المقارنات، وتعاقب حكوماتها وأحزابها كل من يتجرأ على طرحها، نجد أن بعض كبار المسؤولين الصهاينة وعدداً كبيراً من النخب في تل أبيب لا يتردّدون في الاعتراف بأن إسرائيل تسير على خُطى ألمانيا النازية. فقد كان هذا نائب رئيس أركان الجيش الصهيوني، يئر جولان الذي "حذّر"، أخيراً، من أن المجتمع الإسرائيلي يبدي أنماط سلوكٍ تشبه، إلى حد كبير، أنماط السلوك التي كانت سائدةً في ألمانيا في ثلاثينيات القرن الماضي (هآرتس،5-5). وقد أقرّ وزير البيئة الصهيوني اليميني، آفي جباي، بأن "العنصرية الإسرائيلية تعيد إلى الاذهان العنصرية التي كانت سائدة في ألمانيا في ثلاثينيات القرن الماضي" (يديعوت أحرونوت، 7-5). ويستهجن المعلق الصهيوني، حمي شليف، أن يُقدم حزب العمال البريطاني على طرد نائبه ورئيس بلدية لندن الأسبق، كين ليفنغستون، لأنه أشار إلى التعاون بين النازية والحركة الصهيونية. ويكتب مقالاً موسعاً حول اتفاقية "هعفراه" التي تم التوصل إليها بين النازيين والصهاينة عام 1933، وهي الاتفاقية التي أفضت إلى أخطر موجات الهجرة اليهودية إلى فلسطين (هآرتس،2-5). ولا يتورع المفكر اليهودي بي ميخائيل عن القول إن إسرائيل تطبق حالياً المصطلح الألماني "VOGELFREI" الذي كان يستخدمه النازيون، وكان يُستخدم لتشريع المس بكل من هو غير ألماني (هآرتس،30-3). ويجزم ميخائيل بأن إسرائيل تعيش "أحط عصور الفاشية الجديدة التي تشيطن كل من ينتمى إلى دين أو عرق أو شعب آخر، وتسوّغ المس بحق هؤلاء في البقاء والحياة، بعد مصادرة حقوقهم وعرضهم كمجرد كائنات خطيرة وتهديد متواصل". وتكتسب شهادة البرفسور زئيف شترنهال الذي رأس قسم العلوم السياسية في الجامعة العبرية، حول مظاهر الفاشية في إسرائيل أهمية خاصة، ليس فقط لأنه صاحب كتاب "ولادة الأيدلوجية الفاشية" الذي ترجم إلى سبع لغات، بل أيضاً بسبب خلفيته الشخصية، حيث صفّى النازيون جميع أفراد عائلته. ويرى شترنهال أن مظاهر الفاشية الإسرائيلية تتمثل في "تجريم احترام القيم العالمية: الليبرالية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وتعدها تطفلاً على قيم اليهودية" (موقع يسرائيل بالس، 10-5). وحسب شترنهال، فإن الأحزاب والقوى التي تشكل الائتلاف الحاكم في تل أبيب "تكبر من قدر التطرف القومي، باعتباره الأصل الطبيعي، وتحط من المواطنة بصفتها قيمة مصطنعة". لكن الباحث الإسرائيلي، إيتان بكرمان، يختلف مع شترنهال، ويرى أن "تشرّب" قيم النازية بات سمةً عامة
لجميع اليهود في إسرائيل، وليس حكراً على مجموعة أيديولوجية بعينها". وفي مقال تأسيسي بعنوان "كلنا نازيون"، نشره موقع "وللا" في 4-5، جزم بكرمان أن مجتمعاً يمكن أن يقبل "إحراق عائلةٍ في منزلها والدفاع عن هذه الجريمة، أو القبول بحق الذين يؤيدون هذه الجريمة بالمجاهرة بتأييدها يعكس توجهاتٍ لا تختلف عن توجهات النازية". وحسب بكرمان، فإن نسبةً ضئيلةً من النازيين شاركت في عمليات الإبادة الجماعية ضد اليهود وغيرهم، بينما اكتفى عشرات الملايين من الألمان بتأييد هذه الممارسات، أو الصمت تجاهها "ومع ذلك، فإن العالم حمّلهم جميعاً المسؤولية عن هذه الجرائم، وعدّهم جزءاً من مشروع القتل النازي، وهذا ما يحدث عندنا بالضبط". وقد كتبت الدكتورة ميخال أهاروني، المتخصصة في دراسة الكارثة التي حلت باليهود إبّان الحكم النازي: "نحن نعيش في دولة تسيطر على الملايين من أبناء شعب آخر، تصادر حقوقهم كبني بشر، نحن نعيش في ظل فاشيةٍ، تتفجر العنصرية والكراهية تجاه الآخر غير اليهودي في كل بقعة من بقاع هذه الدولة" (هآرتس، 14-4). وإن كانت نخبٌ سياسية وثقافية في إسرائيل تجاهر، حالياً، باتهام الكيان الصهيوني بأنه يسير على درب النازية الألمانية، فقد سبق ليشيعياهو ليفوفيتش، أبرز الفلاسفة الإسرائيليين، أن تنبأ، قبل خمسة عقود، أن تتحوّل إسرائيل إلى "نسخةٍ أخرى من ألمانيا النازية". المفارقة، أنه بخلاف ما حدث في بريطانيا، فإن مزيداً من الأصوات داخل إسرائيل باتت تهاجم الذين ينزعون الشرعية عن عقد مقارناتٍ بين إسرائيل والنازية. وترى الكاتبة أرئيلا ملميد الخروج ضد الحق في عقد مقارناتٍ بين إسرائيل والنازية يسوّغه "منطق سقيم". وتطالب ملميد بأن تعيد إسرائيل تقييم سلوكها تجاه الفلسطينيين الذي يشبه السلوك النازي، وأن تتوقف عن اتهام كل من ينتقد هذا السلوك بـ "اللاسامية".(موقع يديعوت أحرنوت، 8-5). وتدل المعطيات على بشاعة التوجهات الفاشية للمجتمع الإسرائيلي؛ حيث أظهر استطلاع للرأي العام أن 50% من الإسرائيليين يؤيدون طرد الفلسطينيين إلى خارج فلسطين (هآرتس، 9-4). وحسب تقرير منظمة مساواة، فإن اليهود شنوا 465 هجوماً عنصرياً ضد فلسطينيي الداخل خلال العام 2015.
قصارى القول إن الشعور بـ "العبء الأخلاقي" تجاه ما قامت به النازية لا يبرّر لأوروبا ونخبها السياسية والثقافية الصمت إزاء تبنّي الكيان الصهيوني أنماط الفعل النازية تجاه الفلسطينيين. فعلى هذه النخب أن تتحلّى بالشجاعة التي تحلت بها، على الأقل، نخب يهودية وإسرائيلية عديدة، وألا تقبل بازدهار نازيةٍ جديدةٍ، يكتوي بنارها شعب في القرن الحادي والعشرين.
قصارى القول إن الشعور بـ "العبء الأخلاقي" تجاه ما قامت به النازية لا يبرّر لأوروبا ونخبها السياسية والثقافية الصمت إزاء تبنّي الكيان الصهيوني أنماط الفعل النازية تجاه الفلسطينيين. فعلى هذه النخب أن تتحلّى بالشجاعة التي تحلت بها، على الأقل، نخب يهودية وإسرائيلية عديدة، وألا تقبل بازدهار نازيةٍ جديدةٍ، يكتوي بنارها شعب في القرن الحادي والعشرين.