24 أكتوبر 2024
نحن والمواطنة وبلدية لندن
تنافس على رئاسة بلدية عاصمة الإمبراطورية السابقة، المنكمشة في جزرها البريطانية التي تغرب عنها الشمس أكثر مما تشرق عليها، شخصان، ليس أي منهما بروتستانتياً ولا كاثوليكياً. اقتصر الصراع الانتخابي على رئاسة بلدية لندن على مرشحين، أحدهما يهودي والآخر مسلم. ولا ندري كم يعني هذا التوصيف لأيٍّ منهما، خارج تحشيد الأصوات حين يلزم.
وقبل أن يستعجل أحدهم الهتاف نقول: ليس انتصار المسلم من بينهما انتصاراً للإسلام والمسلمين، ولا خسارة مرشح حزب المحافظين اليهودي خسارةً لإسرائيل والصهيونية. إن ما جرى، بغض النظر عن هوية الفائز، هو انتصار الديمقراطية. وقد أصبح هذا الإنجاز المرحلي ضد عائق الأصول الدينية والإثنية ممكناً بعد قرون على نشأة الديمقراطية المتواضعة التي اقتصرت المشاركة فيها على الرجال من دافعي الضرائب، أي أصحاب الأملاك.
ولا ندري بعد إذا كان انتصاراً للتعددية الثقافية التي تعرفها بريطانيا حالياً، فمن المبكر قياس رد الفعل عليه. فها هو رجل العقارات المتباهي بفظاظته، دونالد ترامب، يرفع في الولايات المتحدة صوت "الرجل الأبيض" احتجاجاً على فقدانه الهيمنة أمام صعود الثقافات المختلفة والنساء والأميركيين من أصول أفريقية ولاتينية وغيرهم. وهذا جوهر حركته. وتشهد القارة الأوروبية ردود فعل في فرنسا وألمانيا والنمسا وهولندا وغيرها، لا يستهين بها إلا جاهل.
ولكن، للندن عمدة مسلم. هذه بداية تفاعل جديد في أوروبا، تتعدّل بموجبه الديمقراطية الغربية من جديد، بالتقدم خطوة واحدة إضافية، باتجاه تحييد المؤسسات العمومية في شؤون الانتماءات الدينية والإثنية وغيرها. وبعد رد الفعل القادم على هذه الخطوة، ستنشأ تركيبة جديدة من الفعل والرد عليه، تمكّن هذه الديمقراطية من الاستمرار.
لا أعرف الكثير عن مواقف المرشحين السياسية. ولكنهم ينتمون لأحزابٍ نعرف مواقفها.
وينتمي المرشح المسلم لتيار يساري ديمقراطي داخل حزب العمال، ويقترب أكثر من غريمه المحافظ من مطالب الناس الاجتماعية، وهذا مهم بحد ذاته. ولا شك لدي أنه يتزود بحدٍّ أدنى من الانتهازية، لكي يتمكّن من شق طريقه داخل حزبٍ كبير كهذا. ولا أدري الكثير عن مسايرته للوبي الصهيوني لرد فرية اللاسامية عنه، وعن حزبه. ولا شك عندي أن مواقف كين ليفتغستون، عمدة لندن الأسبق السياسية، كانت أكثر تقدماً من مواقف المرشحين المعلنة في الانتخابات الحالية، مع أنه ليس يهودياً ولا مسلماً. وما زلت أذكر مظاهرة كبرى في لندن ضد الحرب على العراق ألقيت فيها كلمةً، بعد كلمته المهمة في المظاهرة نفسها، وذلك في عهد سيئ الصيت، توني بلير، الذي بذل جهداً لإفشال المرشح الحالي عن حزبه. لم يؤثر ليفتغستون في قرار الحرب، ورئيس بلدية لندن الحالي لن يؤثر كثيراً على مواقف بريطانيا في قضية فلسطين. ولكن، ما جرى خطوة كبيرة بالنسبة لحياة أبناء المهاجرين في أوروبا، ونموذج ذو أهمية عالمية في سياق تحييد المؤسسات العامة دينياً وطائفياً وإثنياً.
إنها المواطنة الديمقراطية. هذا ما يجب أن نراه في هذه الانتخابات كإمكانية حقيقية، وليس مجرد خيال؛ وأن نراه هنا والآن، في مشرقٍ لا تقصف فيه المدن فحسب، بل أيضاً مخيمات اللاجئين منها. في مشرقٍ، بلغ فيه تسييس الهوية درجة من العصبية والكراهية، بحيث لا تثير فيه جرائم الإبادة في المتعصبين، حتى امتعاضاً أو أسفاً.
إنها لندن التي يؤم مركزها ملايين البشر، ومساحته لا تتجاوز ثلاثة كيلومترات مربعة، ويتركز فيه أثرياء العالم كله، بغض النظر عن مصادر ثرائهم الشرعية وغير الشرعية، ويرفعون أسعار العقارات، حتى أصبحت مستحيلة لسكانها جميعاً، على تعدد ثقافاتهم ودياناتهم. ويؤمها أيضاً كثيرون من الساسة والمثقفين العرب والمسلمين، ممن لا يحلم ابن مهاجر في بلدانهم بأن يحصل على جواز سفر، فضلاً عن أن ينتخب لمنصب رسمي. فما بالك إذا كان ينتمي لدين غير دين الأكثرية.
وقبل أن يستعجل أحدهم الهتاف نقول: ليس انتصار المسلم من بينهما انتصاراً للإسلام والمسلمين، ولا خسارة مرشح حزب المحافظين اليهودي خسارةً لإسرائيل والصهيونية. إن ما جرى، بغض النظر عن هوية الفائز، هو انتصار الديمقراطية. وقد أصبح هذا الإنجاز المرحلي ضد عائق الأصول الدينية والإثنية ممكناً بعد قرون على نشأة الديمقراطية المتواضعة التي اقتصرت المشاركة فيها على الرجال من دافعي الضرائب، أي أصحاب الأملاك.
ولا ندري بعد إذا كان انتصاراً للتعددية الثقافية التي تعرفها بريطانيا حالياً، فمن المبكر قياس رد الفعل عليه. فها هو رجل العقارات المتباهي بفظاظته، دونالد ترامب، يرفع في الولايات المتحدة صوت "الرجل الأبيض" احتجاجاً على فقدانه الهيمنة أمام صعود الثقافات المختلفة والنساء والأميركيين من أصول أفريقية ولاتينية وغيرهم. وهذا جوهر حركته. وتشهد القارة الأوروبية ردود فعل في فرنسا وألمانيا والنمسا وهولندا وغيرها، لا يستهين بها إلا جاهل.
ولكن، للندن عمدة مسلم. هذه بداية تفاعل جديد في أوروبا، تتعدّل بموجبه الديمقراطية الغربية من جديد، بالتقدم خطوة واحدة إضافية، باتجاه تحييد المؤسسات العمومية في شؤون الانتماءات الدينية والإثنية وغيرها. وبعد رد الفعل القادم على هذه الخطوة، ستنشأ تركيبة جديدة من الفعل والرد عليه، تمكّن هذه الديمقراطية من الاستمرار.
لا أعرف الكثير عن مواقف المرشحين السياسية. ولكنهم ينتمون لأحزابٍ نعرف مواقفها.
إنها المواطنة الديمقراطية. هذا ما يجب أن نراه في هذه الانتخابات كإمكانية حقيقية، وليس مجرد خيال؛ وأن نراه هنا والآن، في مشرقٍ لا تقصف فيه المدن فحسب، بل أيضاً مخيمات اللاجئين منها. في مشرقٍ، بلغ فيه تسييس الهوية درجة من العصبية والكراهية، بحيث لا تثير فيه جرائم الإبادة في المتعصبين، حتى امتعاضاً أو أسفاً.
إنها لندن التي يؤم مركزها ملايين البشر، ومساحته لا تتجاوز ثلاثة كيلومترات مربعة، ويتركز فيه أثرياء العالم كله، بغض النظر عن مصادر ثرائهم الشرعية وغير الشرعية، ويرفعون أسعار العقارات، حتى أصبحت مستحيلة لسكانها جميعاً، على تعدد ثقافاتهم ودياناتهم. ويؤمها أيضاً كثيرون من الساسة والمثقفين العرب والمسلمين، ممن لا يحلم ابن مهاجر في بلدانهم بأن يحصل على جواز سفر، فضلاً عن أن ينتخب لمنصب رسمي. فما بالك إذا كان ينتمي لدين غير دين الأكثرية.