07 نوفمبر 2024
الوعي المتأخر للمعارضة السورية
تكاد اللقاءات المتتالية عن الحل السياسي السوري، بين الدول العظمى، بما فيها لقاءات جنيف، والتي ما زالت محادثاتٍ تتم عبر الوسيط الأممي، ستيفان دي ميستورا، أن تقول إن هذا الحل لم يوضع على طاولة البحث الجدّي، وإنها تُشبه القرارات المتعلقة بخصوص فلسطين واتفاق أوسلو، وإن الحل إن أتى لن يكون لصالح أهداف الثورة السورية، وسيُركّع المعارضة، وستكوّن لها حصصاً في سلطة مُكونة وفق التوافق الأميركي الروسي. دفع هذا الاستنتاج المؤلم، أخيراً، الائتلاف الوطني للقول إنه لا بد من تغييرٍ في نهج المعارضة، والانفتاح على رؤية جديدة وسوريين آخرين! ترافق ذلك مع ضغطٍ على وفد التفاوض في الرياض، للقبول بشخصيات من معارضات موسكو والقاهرة وقاعدة حميميم.
ليس الوعي المتأخر للمعارضة حقيقياً، بل هو الشعور بالحشر، فما قيل يوماً عن دول داعمة للمعارضة، أو عن الدعم الأميركي أو الإقليمي، تبيّن أنّه وهمٌ كبير، فقد تُرك أهل الثورة، أعواماً متتالية، للقتل والتهجير والاعتقال والدمار، وهُمّشت المعارضة، واستبدلت هي وفصائلها العسكرية بقوىً سلفية أو جهادية. وحينما حدث التدخل، جاء لمحاربة الإرهاب، ولم توجه أية رصاصات لصدر النظام. وبعد ذلك كله، يقال للمعارضة: غير مسموح لك برفض لقاءات جنيف، والنظام باقٍ وأنت عليك الانخراط في عملية سياسية، هي حصيلة التوافق الأميركي الروسي والإقليمي؛ إذاً المعارضة تشعر بالخفة التي لا تحتمل، وهي محقّة بذلك.
الوعي الحقيقي للمعارضة، والذي يطابق مقولة أن تأتي متأخراً خيرٌ من ألا تأتي أبداً، يتمثل في رفض كل تأسيسٍ للحكم القادم على الأساس الطائفي، وكل تفسير للصراع السوري على هذا الأساس، واتخاذ موقفٍ نهائيٍّ من الإسلام السياسي، وأنّه لا بد أن يتصالح مع المواطنة وحقوق الإنسان، وأنّ كل المذاهب الدينية في سورية ستكون مُمثِلة لجماعاتها، وستعامل بإنصافٍ في الدستور المقبل، وفي كل مؤسسات الدولة، واعتبار الحرب في سورية ضد كل السوريين، والتخلص من فكرة أنها (المعارضة) ممثلةُ لجزءٍ من الشعب والجزء الثاني موالٍ، وأن تمثل كل السوريين، وبهذا الإطار أن ترفض كل تبعية للعالم، وتكون علاقاتها نديةً معه، وللوصول إلى حقوق كل السوريين في حياةٍ أفضل. وفي هذا، يتم توجيه النقد لكل أعمال القتل خارج المعارك أو للأسرى المستسلمين، وبالتالي، رفض كل المجازر وأعمال القتل الفوضوية والعشوائية، وعلى أساس طائفي، وأن المحاسبة لممارسيها في المستقبل، ومن الأطراف كافة؛ فليس من معارضةٍ عاقلةٍ، وتتخلى عن تمثيل كل السوريين، والتفكير بأن هناك شعب موال وآخر معارض، ووجود ثورة في مناطق معينة، يجب أن يفترض ضرورة توسيعها إلى بقية سورية، ومهما كانت المعيقات المانعة لهذه التوسع، وكثير منها نتاج الخطأ في الرؤية السياسية.
أخطأت المعارضة (المجلس الوطني والائتلاف الوطني خصوصاً) في توهّمها أن التدخل الخارجي قادم، وأن الثورة ستنتصر خلال أشهر، وأخطأت حينما لم تضع رؤية وطنية لكل أعمالها السياسية والعسكرية والمالية والخدمية، والموقف من مجموعات الثورة المضادّة، كالجهاديين والسلفيين، بل و"الإخوان المسلمين" أيضاً. لو وجدت رؤية وطنية لممارساتها، لحوصرت معارضاتٌ كثيرة، وربما لانتصرت الثورة باكراً، وقد شارفت، أكثر من مرة، على ذلك، وبدءاً بـ 2012. الآن المعارضة في وضع سيئ للغاية، فالداخل أصبح خارج يدها عملياً، والسيطرة للسلفية أو الجهادية أو الاحتلال الأميركي والروسي و"البايادي" (قوات الاتحاد الديمقراطي الكردي)، وهي بالكاد تجد فصائل عسكرية تدعم وفد تفاوضها، أو الهدن التي تُفرض عليها، وتأتي عبر التوافق الأميركي الروسي.
واجبات المعارضة، إضافة إلى ما ذكرنا أعلاه، التمسّك بموضوع الحل السياسي، بدءاً ببيان جنيف 2012، وكل القرارات الدولية التي تخدم هذه الرؤية، وتشكيل هيئة انتقالية للحكم، وبيدها كامل الصلاحيات. وهذا لا يتناقض مع الوضع المعقد الذي أصبحت عليه سورية، وأنها رهينة الصراعات الإقليمية والدولية وتوسع الجهادية، وأن هناك توافقاً أميركياً روسياً على حكومة موسعة، أو تطعيم وفد الرياض بعناصر من بقية الوفود، فهذا التطعيم لن يثمر، فالقضية المركزية بسورية هي قضية الشعب الذي تعرّض لكل أشكال الظلم والهوان، وكل حلٍّ لا ينطلق من هذه الحيثية، لا يمكنه أن يصمد، وكذلك ليست أميركا ولا روسيا مستعجلة لحل سريع في سورية؛ فأميركا تبيع الأسلحة، ومعركتها الحقيقية ضد الصين، وتعمل لإدخال منطقتنا في صراعاتٍ دينية وقومية، وهذا يساهم في إدارة أزماتها الاقتصادية. وفي هذا، علينا قراءة تخليها عن دول الخليج، وتفضيلها إيران، ودعم الوجود الروسي في سورية، والصمت عن قضم إسرائيل القدس وعدم طرح أي حلولٍ من أجل إنصاف الفلسطينيين. وبخصوص روسيا، رؤيتها للسيطرة على سورية مرتبطة بإعادة دورها العالمي، وبأوهام تتعلق بملء الفراغ الحاصل من جرّاء نقل أميركا لاستراتيجيتها إلى المحيط الهادئ ومواجهة الصين.
ما نقصده، هنا، أن لا حل سياسيّاً متوافقاً مع أهداف الثورة، والحل السياسي الممكن سيفشل سريعاً، وستكون أية حكومة مُشكّلة وفقه حكومةً لخدمة الهدف الأميركي الروسي، والمتمثل في الحرب على الإرهاب، ووفقاً للمكونات الطائفية، أو أمراء حربٍ معينين، وضد أمراء حرب آخرين، لنتمعّن في الدرسين، الأفغاني والعراقي. يمكن ملاحظة هذا الوضع من خلال الضغط الأميركي المستمر على الفصائل المحلية ومعركة حلب، ومحاولة استعادة الرقة ومنبج ومحاصرة داعش، وكذلك من خلال إعلان روسيا الحرب على جبهة النصرة، والتضييق على جيش الإسلام وأحرار الشام.
المعارضة السورية بالكاد يؤخذ برأيها، والآن تفرض عليها شخصيات "نظامية" من معارضات القاهرة وموسكو، والخوف أن يكون رأي المعارضة ووفد الرياض أن الإمكانية الوحيدة للانفتاح الآن هي المشار إليها هنا، والانفتاح الذي قالوا به أن يكون لجهة استيعاب هذه المعارضات ووفد عن "البايادي"، وبالتالي، تكون المعارضة انتهت كلياً، وتكون الثورة المقبلة ضد حكومةٍ المعارضة ممثلة فيها.
في كل الأحوال، أصبحت تعقيدات الوضع السوري تقول بحلٍّ سياسي في غاية التعقيد، ولن يكون، بالتأكيد، حلاً سورياً، بل نتاج التوافق الأميركي الروسي، وهذا أهم سببٍ ليكون حلاً غير وطني، وبالتالي، من واجبات أية معارضة، ومهما كانت، رفضه بالتأكيد.
ليس الوعي المتأخر للمعارضة حقيقياً، بل هو الشعور بالحشر، فما قيل يوماً عن دول داعمة للمعارضة، أو عن الدعم الأميركي أو الإقليمي، تبيّن أنّه وهمٌ كبير، فقد تُرك أهل الثورة، أعواماً متتالية، للقتل والتهجير والاعتقال والدمار، وهُمّشت المعارضة، واستبدلت هي وفصائلها العسكرية بقوىً سلفية أو جهادية. وحينما حدث التدخل، جاء لمحاربة الإرهاب، ولم توجه أية رصاصات لصدر النظام. وبعد ذلك كله، يقال للمعارضة: غير مسموح لك برفض لقاءات جنيف، والنظام باقٍ وأنت عليك الانخراط في عملية سياسية، هي حصيلة التوافق الأميركي الروسي والإقليمي؛ إذاً المعارضة تشعر بالخفة التي لا تحتمل، وهي محقّة بذلك.
الوعي الحقيقي للمعارضة، والذي يطابق مقولة أن تأتي متأخراً خيرٌ من ألا تأتي أبداً، يتمثل في رفض كل تأسيسٍ للحكم القادم على الأساس الطائفي، وكل تفسير للصراع السوري على هذا الأساس، واتخاذ موقفٍ نهائيٍّ من الإسلام السياسي، وأنّه لا بد أن يتصالح مع المواطنة وحقوق الإنسان، وأنّ كل المذاهب الدينية في سورية ستكون مُمثِلة لجماعاتها، وستعامل بإنصافٍ في الدستور المقبل، وفي كل مؤسسات الدولة، واعتبار الحرب في سورية ضد كل السوريين، والتخلص من فكرة أنها (المعارضة) ممثلةُ لجزءٍ من الشعب والجزء الثاني موالٍ، وأن تمثل كل السوريين، وبهذا الإطار أن ترفض كل تبعية للعالم، وتكون علاقاتها نديةً معه، وللوصول إلى حقوق كل السوريين في حياةٍ أفضل. وفي هذا، يتم توجيه النقد لكل أعمال القتل خارج المعارك أو للأسرى المستسلمين، وبالتالي، رفض كل المجازر وأعمال القتل الفوضوية والعشوائية، وعلى أساس طائفي، وأن المحاسبة لممارسيها في المستقبل، ومن الأطراف كافة؛ فليس من معارضةٍ عاقلةٍ، وتتخلى عن تمثيل كل السوريين، والتفكير بأن هناك شعب موال وآخر معارض، ووجود ثورة في مناطق معينة، يجب أن يفترض ضرورة توسيعها إلى بقية سورية، ومهما كانت المعيقات المانعة لهذه التوسع، وكثير منها نتاج الخطأ في الرؤية السياسية.
أخطأت المعارضة (المجلس الوطني والائتلاف الوطني خصوصاً) في توهّمها أن التدخل الخارجي قادم، وأن الثورة ستنتصر خلال أشهر، وأخطأت حينما لم تضع رؤية وطنية لكل أعمالها السياسية والعسكرية والمالية والخدمية، والموقف من مجموعات الثورة المضادّة، كالجهاديين والسلفيين، بل و"الإخوان المسلمين" أيضاً. لو وجدت رؤية وطنية لممارساتها، لحوصرت معارضاتٌ كثيرة، وربما لانتصرت الثورة باكراً، وقد شارفت، أكثر من مرة، على ذلك، وبدءاً بـ 2012. الآن المعارضة في وضع سيئ للغاية، فالداخل أصبح خارج يدها عملياً، والسيطرة للسلفية أو الجهادية أو الاحتلال الأميركي والروسي و"البايادي" (قوات الاتحاد الديمقراطي الكردي)، وهي بالكاد تجد فصائل عسكرية تدعم وفد تفاوضها، أو الهدن التي تُفرض عليها، وتأتي عبر التوافق الأميركي الروسي.
واجبات المعارضة، إضافة إلى ما ذكرنا أعلاه، التمسّك بموضوع الحل السياسي، بدءاً ببيان جنيف 2012، وكل القرارات الدولية التي تخدم هذه الرؤية، وتشكيل هيئة انتقالية للحكم، وبيدها كامل الصلاحيات. وهذا لا يتناقض مع الوضع المعقد الذي أصبحت عليه سورية، وأنها رهينة الصراعات الإقليمية والدولية وتوسع الجهادية، وأن هناك توافقاً أميركياً روسياً على حكومة موسعة، أو تطعيم وفد الرياض بعناصر من بقية الوفود، فهذا التطعيم لن يثمر، فالقضية المركزية بسورية هي قضية الشعب الذي تعرّض لكل أشكال الظلم والهوان، وكل حلٍّ لا ينطلق من هذه الحيثية، لا يمكنه أن يصمد، وكذلك ليست أميركا ولا روسيا مستعجلة لحل سريع في سورية؛ فأميركا تبيع الأسلحة، ومعركتها الحقيقية ضد الصين، وتعمل لإدخال منطقتنا في صراعاتٍ دينية وقومية، وهذا يساهم في إدارة أزماتها الاقتصادية. وفي هذا، علينا قراءة تخليها عن دول الخليج، وتفضيلها إيران، ودعم الوجود الروسي في سورية، والصمت عن قضم إسرائيل القدس وعدم طرح أي حلولٍ من أجل إنصاف الفلسطينيين. وبخصوص روسيا، رؤيتها للسيطرة على سورية مرتبطة بإعادة دورها العالمي، وبأوهام تتعلق بملء الفراغ الحاصل من جرّاء نقل أميركا لاستراتيجيتها إلى المحيط الهادئ ومواجهة الصين.
ما نقصده، هنا، أن لا حل سياسيّاً متوافقاً مع أهداف الثورة، والحل السياسي الممكن سيفشل سريعاً، وستكون أية حكومة مُشكّلة وفقه حكومةً لخدمة الهدف الأميركي الروسي، والمتمثل في الحرب على الإرهاب، ووفقاً للمكونات الطائفية، أو أمراء حربٍ معينين، وضد أمراء حرب آخرين، لنتمعّن في الدرسين، الأفغاني والعراقي. يمكن ملاحظة هذا الوضع من خلال الضغط الأميركي المستمر على الفصائل المحلية ومعركة حلب، ومحاولة استعادة الرقة ومنبج ومحاصرة داعش، وكذلك من خلال إعلان روسيا الحرب على جبهة النصرة، والتضييق على جيش الإسلام وأحرار الشام.
المعارضة السورية بالكاد يؤخذ برأيها، والآن تفرض عليها شخصيات "نظامية" من معارضات القاهرة وموسكو، والخوف أن يكون رأي المعارضة ووفد الرياض أن الإمكانية الوحيدة للانفتاح الآن هي المشار إليها هنا، والانفتاح الذي قالوا به أن يكون لجهة استيعاب هذه المعارضات ووفد عن "البايادي"، وبالتالي، تكون المعارضة انتهت كلياً، وتكون الثورة المقبلة ضد حكومةٍ المعارضة ممثلة فيها.
في كل الأحوال، أصبحت تعقيدات الوضع السوري تقول بحلٍّ سياسي في غاية التعقيد، ولن يكون، بالتأكيد، حلاً سورياً، بل نتاج التوافق الأميركي الروسي، وهذا أهم سببٍ ليكون حلاً غير وطني، وبالتالي، من واجبات أية معارضة، ومهما كانت، رفضه بالتأكيد.