08 نوفمبر 2024
هيلاري.. الخصم الأبرز لطموحاتها الرئاسية
وأخيراً، وبشقّ الأنفس، تمكّنت هيلاري كلينتون من حسم منافسات الانتخابات التمهيدية في الحزب الديمقراطي، مدشّنة سابقة في تاريخ الولايات المتحدة، كأول امرأة مرشحة "مفترضة" لانتخابات الرئاسة الأميركية عن واحد من الحزبين الرئيسيين.
عملياً، حسمت كلينتون المنافسة مع السيناتور بيرني ساندرز يوم الأحد الماضي، بعد فوزها في الانتخابات التمهيدية في بورتوريكو، وهو إقليم كاريبي تابع للولايات المتحدة. ثمّ عادت وعزّزت الحسم في انتخابات الثلاثاء الماضي، بفوزها بأربعة من ستة انتخابات تمهيدية جرت ذلك اليوم، أهمها في ولايتي كاليفورنيا ونيوجرسي، واللتين فازت بهما بشكل حاسم. وعلى الرغم من ذلك، ثمة مفارقة ذات دلالة في هذا السياق، فكلينتون، ومع تقدمها على ساندرز بالأصوات الشعبية، وعدد "المندوبين العاديين"، إلا أنها لم تحسم المعركة مع ساندرز بهما فقط، بل ساهمت أصوات "المندوبين الكبار" الذين يمثلون مؤسسة الحزب السائدة، ولا يُنتخبون في الانتخابات التمهيدية، في نيلها صفة "المرشح المفترض" عن حزبها. فحسب الإجراءات المتبعة في الحزب الديمقراطي، لا بد أن يحصل أي مرشح على أصوات 2383 مندوبا، وكلينتون تتمتع اليوم بدعم 2768 مندوبا، منهم 572 من "المندوبين الكبار"، ما يعني أن عدد "المندوبين العاديين" الذين حصلت عليهم بالانتخاب هو 2196، أي أقل من العدد الذي تحتاجه، لتنال ترشيح حزبها لها، لولا وقوف أغلب "المندوبين الكبار" وراءها.
لا أريد أن أستغرق، هنا، في آليات العملية الانتخابية التمهيدية في "الحزب الديمقراطي" وحيثياتها. ولكن، ما أردته توضيح سبب تردد ساندرز، إلى اليوم، في إعلان دعمه كلينتون، وحديثه عن معركة انتخابية ستستمر حتى مؤتمر الحزب في فيلادلفيا في يوليو/تموز المقبل، مع أن ذلك مستبعد، فهو، وأنصاره، يعتبرون أن نظام الانتخابات التمهيدية في الحزب مصمم بطريقة فاسدة، تضمن سيطرة مؤسسته التقليدية عليه. الأخطر أن عجز كلينتون عن توحيد أجنحة الحزب وراءها، خصوصاً من الليبراليين والشباب المؤيدين لساندرز، قد يكلفها والديمقراطيين الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
كانت استطلاعات الرأي، قبل انطلاق الانتخابات التمهيدية مطلع العام الجاري، تؤكد أن كلينتون ستكون مرشحة حزبها من دون عناء، ولعل هذا ما دفع نائب الرئيس الأميركي، جوزيف بايدن، إلى عدم الترشح مقابلها. لكلينتون تاريخ سياسي عريق، فهي ابنة المؤسسة التقليدية السائدة في الحزب الديمقراطي، وهي أقرب إلى تيار الوسط فيه، كما أنها كانت سيدة أميركا الأولى في أثناء رئاسة زوجها، بيل كلينتون (1993-2001)، وكان لها دور سياسي في تلك السنوات. ثمَّ هي أصبحت عضواً في مجلس الشيوخ عن نيويورك ما بين أعوام 2001-2009، ووزيرة خارجية في إدارة باراك أوباما الأولى بين 2009-2013. لكن ذلك كله لم يشفع لها أمام مرشح قادم من الصفوف الخلفية، لم يلق له أحد بالاً، بل كادت أن تسقط أمامه بشكل مهين، مكرّرة ما جرى معها أمام أوباما عام 2008.
السؤال الأهم هنا: كيف انتهى الحال بكلينتون من أن تكون بمثابة "المرشح الحتمي" لحزبها، قبل عام فقط، إلى مرشح يستجدي الدعم أمام عضو مجلس شيوخ مستقل، لم ينتم للحزب الديمقراطي إلا العام الماضي؟ يمكننا تلخيص مشكلة كلينتون بعبارة واحدة مفادها أنها: أشرس عدو لنفسها. وفي التفاصيل، يمكن تحديد أربعة أسباب لذلك:
أولا، ضعف مصداقيتها. تفيد استطلاعات الرأي بأن كلينتون تواجه مشكلة حقيقية لناحية
مصداقيتها والثقة بها بين الأميركيين. فحسب استطلاع للرأي أجري العام الماضي، لا يثق 61% من الأميركيين بها، ولا شك أن تداعيات الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي عام 2012، وكيفية تعامل كلينتون معه، عندما كانت وزيرة للخارجية، وما تبعه من اتهاماتٍ لها بمحاولة حجب حقائقه عن الكونغرس، ثمّ الكشف عن أنها كانت تستخدم إيميلاً خاصاً (وليس إيميل الوزارة) على خادم خاص، أمور ساهمت بشكل كبير في تردّي تلك المصداقية.
ثانيا، افتقادها الحماس والإثارة. المشكلة الأخرى التي تعاني منها كلينتون أنها لا تملك شخصية كاريزماتية وحيوية قادرة على استثارة الحماسة داخل قواعد الحزب الديمقراطي، على عكس ساندرز. وهذا بالضبط ما واجهته كلينتون عام 2008 أمام أوباما.
ثالثا، الشكوك المثارة حول مزاعمها بـ"الليبرالية" و"التقدمية"، فتاريخ كلينتون السياسي، وسجل تصويتها في عضويتها في مجلس الشيوخ، أو سياساتها وزيرة خارجية، لا توحي أبداً أنها "ليبرالية" أو "تقدمية"، وذلك كما في علاقتها مع المؤسسات المالية، أو موقفها من استخدام القوة العسكرية، بل الواضح أنها بدأت تعدّل في لهجتها ومواقفها جرّاء الضغوط التي فرضتها عليها تصاعد شعبية حملة ساندرز ديمقراطيا.
رابعاً، الفجوة بينها وبين القاعدة الديمقراطية الشابة، فالشكوك حول سجل كلينتون "الليبرالي" و"التقدمي" أضعفت كلينتون بين القاعدة الانتخابية الشابة في الحزب الديمقراطي، وهي قاعدة أكثر ليبراليةً وأكثر تبنياً لقيم "تقدمية". ولا زالت كلينتون غير قادرة، كابنة للمؤسسة الحاكمة التقليدية في الحزب، على أن تتقمص هذه التوجهات.
تثير نقاط ضعف كلينتون هذه فزع الديمقراطيين، كما أنها بدّدت فرحتهم بأزمة الحزب الجمهوري، جرّاء فوز رجل الأعمال "الشعبوي" والضحل سياسياً وفكرياً، دونالد ترامب، في انتخاباته التمهيدية، على الرغم من المحاولات المستميتة لمؤسسة الحزب التخلص منه. نظرياً، من المفترض أن تحقق كلينتون فوزاً ساحقاً على ترامب الذي شرذم حزبه، وأطلق العنان لإهاناته بحق شرائح تصويتية مهمة، كاللاتينيين، والسود، والنساء، والآسيويين، والمسلمين.. إلخ، غير أن الواقع يبدو أكثر تعقيداً. في الغالب، ستفوز كلينتون في الانتخابات الرئاسية، فكل المعطيات الديموغرافية والسياسية تقول ذلك، غير أن استبعاد مفاجأة قد يُحدثها ترامب، كما في الانتخابات التمهيدية لحزبه، لن يكون من الحكمة في شيء. فوقوع هجوم إرهابي في أميركا قبل الانتخابات، مثلاً، قد يحدث تغييرا في المزاج الشعبي العام، كما أنه ليس من المعروف بعد درجة تقبل الناخب الأميركي العادي فكرة أن تصبح امرأة رئيسة للولايات المتحدة، على الرغم من أن سابقة أوباما، أول رئيس أسود، قد تقدّم بعض التطمينات هنا. ولكن، وفي كل الأحوال، ليست رئاسة كلينتون أمراً مضموناً بالمرة، وهذا عائد، أولا، إلى شخصيتها المتشنّجة، ومواقفها المتقلبة حسب المصلحة، حسبما يرى ناقدوها، وبالتالي، فإنها لا تقف على أرضٍ صلبةٍ في الانتخابات المقبلة، وستكون عرضةً لكل عاصف.
عملياً، حسمت كلينتون المنافسة مع السيناتور بيرني ساندرز يوم الأحد الماضي، بعد فوزها في الانتخابات التمهيدية في بورتوريكو، وهو إقليم كاريبي تابع للولايات المتحدة. ثمّ عادت وعزّزت الحسم في انتخابات الثلاثاء الماضي، بفوزها بأربعة من ستة انتخابات تمهيدية جرت ذلك اليوم، أهمها في ولايتي كاليفورنيا ونيوجرسي، واللتين فازت بهما بشكل حاسم. وعلى الرغم من ذلك، ثمة مفارقة ذات دلالة في هذا السياق، فكلينتون، ومع تقدمها على ساندرز بالأصوات الشعبية، وعدد "المندوبين العاديين"، إلا أنها لم تحسم المعركة مع ساندرز بهما فقط، بل ساهمت أصوات "المندوبين الكبار" الذين يمثلون مؤسسة الحزب السائدة، ولا يُنتخبون في الانتخابات التمهيدية، في نيلها صفة "المرشح المفترض" عن حزبها. فحسب الإجراءات المتبعة في الحزب الديمقراطي، لا بد أن يحصل أي مرشح على أصوات 2383 مندوبا، وكلينتون تتمتع اليوم بدعم 2768 مندوبا، منهم 572 من "المندوبين الكبار"، ما يعني أن عدد "المندوبين العاديين" الذين حصلت عليهم بالانتخاب هو 2196، أي أقل من العدد الذي تحتاجه، لتنال ترشيح حزبها لها، لولا وقوف أغلب "المندوبين الكبار" وراءها.
لا أريد أن أستغرق، هنا، في آليات العملية الانتخابية التمهيدية في "الحزب الديمقراطي" وحيثياتها. ولكن، ما أردته توضيح سبب تردد ساندرز، إلى اليوم، في إعلان دعمه كلينتون، وحديثه عن معركة انتخابية ستستمر حتى مؤتمر الحزب في فيلادلفيا في يوليو/تموز المقبل، مع أن ذلك مستبعد، فهو، وأنصاره، يعتبرون أن نظام الانتخابات التمهيدية في الحزب مصمم بطريقة فاسدة، تضمن سيطرة مؤسسته التقليدية عليه. الأخطر أن عجز كلينتون عن توحيد أجنحة الحزب وراءها، خصوصاً من الليبراليين والشباب المؤيدين لساندرز، قد يكلفها والديمقراطيين الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
كانت استطلاعات الرأي، قبل انطلاق الانتخابات التمهيدية مطلع العام الجاري، تؤكد أن كلينتون ستكون مرشحة حزبها من دون عناء، ولعل هذا ما دفع نائب الرئيس الأميركي، جوزيف بايدن، إلى عدم الترشح مقابلها. لكلينتون تاريخ سياسي عريق، فهي ابنة المؤسسة التقليدية السائدة في الحزب الديمقراطي، وهي أقرب إلى تيار الوسط فيه، كما أنها كانت سيدة أميركا الأولى في أثناء رئاسة زوجها، بيل كلينتون (1993-2001)، وكان لها دور سياسي في تلك السنوات. ثمَّ هي أصبحت عضواً في مجلس الشيوخ عن نيويورك ما بين أعوام 2001-2009، ووزيرة خارجية في إدارة باراك أوباما الأولى بين 2009-2013. لكن ذلك كله لم يشفع لها أمام مرشح قادم من الصفوف الخلفية، لم يلق له أحد بالاً، بل كادت أن تسقط أمامه بشكل مهين، مكرّرة ما جرى معها أمام أوباما عام 2008.
السؤال الأهم هنا: كيف انتهى الحال بكلينتون من أن تكون بمثابة "المرشح الحتمي" لحزبها، قبل عام فقط، إلى مرشح يستجدي الدعم أمام عضو مجلس شيوخ مستقل، لم ينتم للحزب الديمقراطي إلا العام الماضي؟ يمكننا تلخيص مشكلة كلينتون بعبارة واحدة مفادها أنها: أشرس عدو لنفسها. وفي التفاصيل، يمكن تحديد أربعة أسباب لذلك:
أولا، ضعف مصداقيتها. تفيد استطلاعات الرأي بأن كلينتون تواجه مشكلة حقيقية لناحية
ثانيا، افتقادها الحماس والإثارة. المشكلة الأخرى التي تعاني منها كلينتون أنها لا تملك شخصية كاريزماتية وحيوية قادرة على استثارة الحماسة داخل قواعد الحزب الديمقراطي، على عكس ساندرز. وهذا بالضبط ما واجهته كلينتون عام 2008 أمام أوباما.
ثالثا، الشكوك المثارة حول مزاعمها بـ"الليبرالية" و"التقدمية"، فتاريخ كلينتون السياسي، وسجل تصويتها في عضويتها في مجلس الشيوخ، أو سياساتها وزيرة خارجية، لا توحي أبداً أنها "ليبرالية" أو "تقدمية"، وذلك كما في علاقتها مع المؤسسات المالية، أو موقفها من استخدام القوة العسكرية، بل الواضح أنها بدأت تعدّل في لهجتها ومواقفها جرّاء الضغوط التي فرضتها عليها تصاعد شعبية حملة ساندرز ديمقراطيا.
رابعاً، الفجوة بينها وبين القاعدة الديمقراطية الشابة، فالشكوك حول سجل كلينتون "الليبرالي" و"التقدمي" أضعفت كلينتون بين القاعدة الانتخابية الشابة في الحزب الديمقراطي، وهي قاعدة أكثر ليبراليةً وأكثر تبنياً لقيم "تقدمية". ولا زالت كلينتون غير قادرة، كابنة للمؤسسة الحاكمة التقليدية في الحزب، على أن تتقمص هذه التوجهات.
تثير نقاط ضعف كلينتون هذه فزع الديمقراطيين، كما أنها بدّدت فرحتهم بأزمة الحزب الجمهوري، جرّاء فوز رجل الأعمال "الشعبوي" والضحل سياسياً وفكرياً، دونالد ترامب، في انتخاباته التمهيدية، على الرغم من المحاولات المستميتة لمؤسسة الحزب التخلص منه. نظرياً، من المفترض أن تحقق كلينتون فوزاً ساحقاً على ترامب الذي شرذم حزبه، وأطلق العنان لإهاناته بحق شرائح تصويتية مهمة، كاللاتينيين، والسود، والنساء، والآسيويين، والمسلمين.. إلخ، غير أن الواقع يبدو أكثر تعقيداً. في الغالب، ستفوز كلينتون في الانتخابات الرئاسية، فكل المعطيات الديموغرافية والسياسية تقول ذلك، غير أن استبعاد مفاجأة قد يُحدثها ترامب، كما في الانتخابات التمهيدية لحزبه، لن يكون من الحكمة في شيء. فوقوع هجوم إرهابي في أميركا قبل الانتخابات، مثلاً، قد يحدث تغييرا في المزاج الشعبي العام، كما أنه ليس من المعروف بعد درجة تقبل الناخب الأميركي العادي فكرة أن تصبح امرأة رئيسة للولايات المتحدة، على الرغم من أن سابقة أوباما، أول رئيس أسود، قد تقدّم بعض التطمينات هنا. ولكن، وفي كل الأحوال، ليست رئاسة كلينتون أمراً مضموناً بالمرة، وهذا عائد، أولا، إلى شخصيتها المتشنّجة، ومواقفها المتقلبة حسب المصلحة، حسبما يرى ناقدوها، وبالتالي، فإنها لا تقف على أرضٍ صلبةٍ في الانتخابات المقبلة، وستكون عرضةً لكل عاصف.