31 اغسطس 2018
طوق النجاة السوري بين روسيا ومعاذ الخطيب
لا صوت يعلو فوق صوت المعركة شعارٌ يفهمُ منه كثيرون اقتصار المعركة على الجانب العسكري، وعدم الخوض في المجال السياسي، وهذا تحييدٌ للعقل، وتقييد لميدان العمل، والثورة ميدان آخر كليا، يحتاجُ إلى خوض جميع المعارك، عسكرية وسياسية وإعلامية وحقوقية ...إلخ. وفي الحالة السورية، لولا البندقية وتضحيات حامليها، لكان الأسد يتربعُ الآن مرتاحاً على عرشه فوق دماء السوريين وأشلائهم، وبمباركة دولية. ولكن، في الوقت نفسه، لا غنى عن المعركة السياسية التي ستختصر الطريق إلى النصر، وتجنبنا حالة الاستنزاف التي ندفعُ إليها دفعاً.
فبعد اتساع جغرافية الصراع، وتعدّد أقطابه، لاتزال هناك خيوط في أيدي السوريين، على الرغم من تدخل قوى إقليمية ودولية، وحتى نستطيع أن نكون رقماً صعباً في حل المعادلة السورية، نحتاج إلى أن نفكر بطريقة جديدة مختلفة عما سبق، ونستجمع قوانا العسكرية والسياسية والمدنية، فالصراع أصبح مع الاستبداد والاستكبار الدولي، ولم يعد يقتصر على الأسد وحده، فكل اللاعبين الكبار منخرطون في استنزافنا، سواء الذين يقاتلون، بطائراتهم وعسكرهم، أو الذين يتلونون أمام كل استحقاق إنساني وحقوقي في وجه الأسد، فيبيعون الشعارات، ويطلقون يد الجلاد ويدعمون أطرافاً على حساب أخرى، لتستمر الحرب، ويستمر النزيف السوري لخدمة مصالحهم فقط.
وتستلزم النجاة بالمركب السوري مد الجسور بين القوى الثورية، مؤسسات وأفراداً، لبلورة رؤية سياسية واقعية، والبحث عن خيارات جديدة، من دون التخلي عن الثوابت، مع الاستفادة من حالة الانتصارات العسكرية الأخيرة، وترجمتها في ميدان السياسة. وإذا أردنا النجاح في هذه الخطوة، لا بد لنا من الابتعاد عن لغة التخوين والتسفيه، والتي كانت، على مدار خمس سنوات من عمر الثورة، أداة اغتيال للأفكار والأشخاص، أدت إلى وأد روح المبادرة، حتى فرّت العقول والكوادر، وانزوت في ركن الانتظار، وطفت على الساحة طبقةٌ سياسيةٌ، همها إرضاء الشارع أمام الإعلام لا خلاصهُ. وفي الكواليس، الانبطاحُ الصفيق على أعتاب الدول وسفاراتها، ففقدت هذه الطبقة هيبتها أمام الدول، وخسرت ثقة الناس، بسبب عدم الإنجاز، فأصبحت جزءاً أصيلا من المشكلة، بدل أن تكون بوابةً للحل والأمل.
وللخروج من حالة الاستعصاء السوري، لابدّ من تشكيل طبقةٍ سياسيةٍ جديدةٍ، عمادها ثوار
الميدان والشخصيات الوطنية التي تم تحييدها وتهميشها في العمل السياسي لصالح الثورة، مع تمثيل كل القوى السياسية الأخرى التي تتقاطع مع مشروع الثورة الوطني، وكلٌ حسب حجمه وتأثيره الحقيقي. تسعى هذه الطبقة، صاحبة القرار والتأثير الفعلي، إلى خوض المعركة السياسية، وفي مقدمتها المواجهة مع روسيا التي تعد الآن أهم القوى المنخرطة في الصراع المباشر في سورية لصالح الأسد. وهي كما يعلم الجميع، دولةُ مافيا همها مصالحها فقط، ولا تلقي وزنا لدماء الأبرياء. وفي غياب حلفاء حقيقيين، بمستوى روسيا، على الساحة الدولية، لا بدّ من الحديث معها ومحاولة تحييدها من صف الأسد، وهو عمل صعبٌ وطويلٌ، وليس مستحيلاً، ويحتاج إلى قوة ردع ميدانية حقيقية، توازيها قوة سياسية، تدخل معها في مفاوضاتٍ في سبيل تحقيق هذا الهدف. وتحييدها من صف النظام إن حصل يعتبرُ إنجازاً عظيماً على طريق وقف الحرب والخلاص السوري، فلا يخفى على أحد أن التدخل العسكري الروسي أوقف الانهيار العسكري للنظام ومليشياته، ومن خلفها إيران.
والآن، وبعد تمكن الثوار من كسر حصار حلب، أثبتت الثورة السورية، مجدّداً، قدرتها على قلب الموازين العسكرية، ولابدّ من استثمار هذا الانتصار سياسياً مع الروس قبل غيرهم، وقد رأينا كيف اتجهت روسيا إلى لقاء جزء من المعارضة السورية، بقيادة الشيخ معاذ الخطيب في الدوحة، في محاولةٍ منهم للعودة إلى طاولة المفاوضات، وفق الرؤية الروسية. ويدرك الخطيب تماماً أهمية تحييد الروس من المعادلة السورية، ويبني، من البداية، تصوراته على هذا الأمر، وحاول كسب ودهم لصالح الحل، بدل الدفاع عن أحد أطراف الصراع. لكنه، في كل مرة، يخطئ في آليات عمله نحو هذه القناعة، فيتركُ قوى الميدان، ويلجأُ إلى طبقة السياسيين التي تحدثنا عنها، والتي تعلمُ جدوى الفكرة، ولا تعمل عليها. ثم يطلقُ أفكاره ومبادراته في جوٍ عام، يرى فيه معظم السوريين حرق الطائرات الروسية أبناءهم، ويعلمون أن الروس مافيا لا تتحرك باتجاه الشخصيات النظيفة، إلا لخدمة مصالحها وفرض رؤيتها وشقّ صف الثوار، وليس بحثاً عن الحلول. فيصادمُ الناس من دون جدوى، ويصطاد السياسيون في الماء العكر، وتبدأ المزاودات السياسية الرخيصة.
وجزء كبير من الناس يثق بالشيخ معاذ الخطيب، ويعلمُ أنه يريد خلاص السوريين. ولكن، لن يكون هناك خلاص بدون قوى الميدان، وفصائله وأهله القابعين تحت محرقة الطيرانين، الروسي والأسدي وبراميلهما، فهؤلاء، مهما أثرت عليهم القوى الدولية والإقليمية، لن تسلبهم همتهم في معركتهم مع النظام. وعلى كل السوريين الشرفاء، وفي مقدمتهم الخطيب، أن يتجهوا إلى الميدان وقواه، ولا يبخلوا عليه بالوقت والجهد، فأهلهُ هم الحاملُ الحقيقي أي مشروع لخلاص سورية، فلن يكون هناك حل بدونهم، وتشكيل طبقة سياسية جديدة صاحبة قرار، تعبر عن تضحيات السوريين وتطلعاتهم، هو أولى الخطوات نحو هذا الحل، وعندها يصبحُ هذا المشروع مشروع الشعب، وليس مشروع فئةٍ أو حزبٍ أو شخص. وفيما عدا ذلك، كل تحركات روسيا، ولقاءاتها مع أي جهة لا تمتلك القرار الفعلي، مجرد مناورةٍ سياسيةٍ منها، لخدمة مصالحها فقط، وشق صف المعارضة السورية لصالح فرض رؤيتها للحل السوري.
فبعد اتساع جغرافية الصراع، وتعدّد أقطابه، لاتزال هناك خيوط في أيدي السوريين، على الرغم من تدخل قوى إقليمية ودولية، وحتى نستطيع أن نكون رقماً صعباً في حل المعادلة السورية، نحتاج إلى أن نفكر بطريقة جديدة مختلفة عما سبق، ونستجمع قوانا العسكرية والسياسية والمدنية، فالصراع أصبح مع الاستبداد والاستكبار الدولي، ولم يعد يقتصر على الأسد وحده، فكل اللاعبين الكبار منخرطون في استنزافنا، سواء الذين يقاتلون، بطائراتهم وعسكرهم، أو الذين يتلونون أمام كل استحقاق إنساني وحقوقي في وجه الأسد، فيبيعون الشعارات، ويطلقون يد الجلاد ويدعمون أطرافاً على حساب أخرى، لتستمر الحرب، ويستمر النزيف السوري لخدمة مصالحهم فقط.
وتستلزم النجاة بالمركب السوري مد الجسور بين القوى الثورية، مؤسسات وأفراداً، لبلورة رؤية سياسية واقعية، والبحث عن خيارات جديدة، من دون التخلي عن الثوابت، مع الاستفادة من حالة الانتصارات العسكرية الأخيرة، وترجمتها في ميدان السياسة. وإذا أردنا النجاح في هذه الخطوة، لا بد لنا من الابتعاد عن لغة التخوين والتسفيه، والتي كانت، على مدار خمس سنوات من عمر الثورة، أداة اغتيال للأفكار والأشخاص، أدت إلى وأد روح المبادرة، حتى فرّت العقول والكوادر، وانزوت في ركن الانتظار، وطفت على الساحة طبقةٌ سياسيةٌ، همها إرضاء الشارع أمام الإعلام لا خلاصهُ. وفي الكواليس، الانبطاحُ الصفيق على أعتاب الدول وسفاراتها، ففقدت هذه الطبقة هيبتها أمام الدول، وخسرت ثقة الناس، بسبب عدم الإنجاز، فأصبحت جزءاً أصيلا من المشكلة، بدل أن تكون بوابةً للحل والأمل.
وللخروج من حالة الاستعصاء السوري، لابدّ من تشكيل طبقةٍ سياسيةٍ جديدةٍ، عمادها ثوار
والآن، وبعد تمكن الثوار من كسر حصار حلب، أثبتت الثورة السورية، مجدّداً، قدرتها على قلب الموازين العسكرية، ولابدّ من استثمار هذا الانتصار سياسياً مع الروس قبل غيرهم، وقد رأينا كيف اتجهت روسيا إلى لقاء جزء من المعارضة السورية، بقيادة الشيخ معاذ الخطيب في الدوحة، في محاولةٍ منهم للعودة إلى طاولة المفاوضات، وفق الرؤية الروسية. ويدرك الخطيب تماماً أهمية تحييد الروس من المعادلة السورية، ويبني، من البداية، تصوراته على هذا الأمر، وحاول كسب ودهم لصالح الحل، بدل الدفاع عن أحد أطراف الصراع. لكنه، في كل مرة، يخطئ في آليات عمله نحو هذه القناعة، فيتركُ قوى الميدان، ويلجأُ إلى طبقة السياسيين التي تحدثنا عنها، والتي تعلمُ جدوى الفكرة، ولا تعمل عليها. ثم يطلقُ أفكاره ومبادراته في جوٍ عام، يرى فيه معظم السوريين حرق الطائرات الروسية أبناءهم، ويعلمون أن الروس مافيا لا تتحرك باتجاه الشخصيات النظيفة، إلا لخدمة مصالحها وفرض رؤيتها وشقّ صف الثوار، وليس بحثاً عن الحلول. فيصادمُ الناس من دون جدوى، ويصطاد السياسيون في الماء العكر، وتبدأ المزاودات السياسية الرخيصة.
وجزء كبير من الناس يثق بالشيخ معاذ الخطيب، ويعلمُ أنه يريد خلاص السوريين. ولكن، لن يكون هناك خلاص بدون قوى الميدان، وفصائله وأهله القابعين تحت محرقة الطيرانين، الروسي والأسدي وبراميلهما، فهؤلاء، مهما أثرت عليهم القوى الدولية والإقليمية، لن تسلبهم همتهم في معركتهم مع النظام. وعلى كل السوريين الشرفاء، وفي مقدمتهم الخطيب، أن يتجهوا إلى الميدان وقواه، ولا يبخلوا عليه بالوقت والجهد، فأهلهُ هم الحاملُ الحقيقي أي مشروع لخلاص سورية، فلن يكون هناك حل بدونهم، وتشكيل طبقة سياسية جديدة صاحبة قرار، تعبر عن تضحيات السوريين وتطلعاتهم، هو أولى الخطوات نحو هذا الحل، وعندها يصبحُ هذا المشروع مشروع الشعب، وليس مشروع فئةٍ أو حزبٍ أو شخص. وفيما عدا ذلك، كل تحركات روسيا، ولقاءاتها مع أي جهة لا تمتلك القرار الفعلي، مجرد مناورةٍ سياسيةٍ منها، لخدمة مصالحها فقط، وشق صف المعارضة السورية لصالح فرض رؤيتها للحل السوري.