باعة المخدّرات في قطار السيسي
قبل عام، ولمناسبة حفل افتتاح تفريعة قناة السويس، التي يصرّون على تسميتها "القناة الجديدة"، قال الدكتور معتز بالله عبد الفتاح، الباحث السياسي، إن عبد الفتاح السيسي "ركب القطر وبيجري، وكلنا بنجري وراه ومش عارفين نحصله". وأضاف في برنامجه التلفزيوني "مينفعش تبقى دولة كاملة شغالة بمؤسسة واحدة، وهي القوات المسلحة، فيه موجة صحيان كبيرة عايشاها القوات المسلحة".
لم يكذب "عبد الفتاح الصغير" فيما قاله عن "عبد الفتاح الكبير"، فالرجل بالفعل ينطلق بقطار مجنون، بلا مكابح، ناحية الشرق، وجهته الوحيدة إسرائيل، وكما يحدث مع كل سائقٍ متهور، لا يجيد القيادة، تكون الكوارث والفواجع بالجملة، بينما يصطف بارونات الدعاية له على الجانبين، ليصفوا كل كارثةٍ بأنها إنجاز مذهل، وكل مصيبةٍ بأنها الصواب والإبداع بعينهما.
لم يكذب فعلا، حين قال إن كل شيء في مصر معطل، ومهمش، ومرفوعٌ من الخدمة، حتى يتسنى للقوات المسلحة أن تستحوذ على كل شيء، الماء والأرض والهواء، لتصبح "الهيئة الهندسية" الجهة السيادية الأولى والوحيدة، وكذلك المصدر الرئيسي للتشريع في الدولة.
كل الماشطين والماشطات يشتغلون على رأس عبد الفتاح السيسي، منذ استولى على كابينة قيادة القطار، من معتز بالله إلى صلاح عيسى، مروراً بطابور طويل من الهتِّيفة، والنتِّيفة، يصيحون "الله عليك يا أستاذ"، ويمرحون داخل عربات القطار، يبيعون المخدرات والأوهام والأكاذيب.. ثم رأت القيادة أن الماشطات المحليات لم يصنعن شيئاً لتجميل وجه الزعيم، فكانت الاستعانة بالسيد جهاد الخازن الذي يجيد وظيفة "حلاق الديكتاتوريات"، فوصل بعدته كاملة، قبيل حفلة عيد ميلاد الحفرة، ليطل على المصريين، عبر شاشات التلفاز، معلناً أن "السيسي يسير في الطريق الصحيح"، ويقدم وصلات معتبرة من فنون تدليك الزعامات، من دون تطوير أو تغيير، عما كان يقدمه مع حسني مبارك، وضاعت منه فرصة تقديمه مع الجنرال أحمد شفيق.
سيحصل جهاد الخازن، بالطبع، على الجنسية المصرية، بموجب تشريع نظام السيسي الجديد الذي يبيعها لكل من يستثمر ويدفع، وكما حصل عليها المطرب وديع الصافي، حين غنى لحسني مبارك، ستحصل عليها صافيناز، فيما يمكن لكل مواطن سيساوي يشعر بالملل أن يذهب إلى النيابة والقضاء، مطالباً بإسقاط الجنسية عن معارضي الجنرال، وسيجد كل حفاوة وتكريم.
لكل قطار جرّار، وقطار السيسي جراراته كُثُر، يقطرونه إلى مزيد من الكوارث، وكلما انقلب أو تعطل، يندفعون لانتشاله، يغطّون فشله، ويخفون أشلاء ضحايا تهوّره، فالتفريعة الجديدة التي أكّد بعظمه لسانه، في حفل افتتاحها، أنها غطت تكلفتها، باتت جرحاً غائراً في قلب الاقتصاد، لتستنزف خزينة الدولة، وتمتص جيوب الناس الذين خدعوهم بعوائد الاستثمار الهائلة.
والأخطر أن السيسي، بنفسه، يكشف عن "بيت القصيد" في حكاية التفريعة الجديدة، حين يعلن، بجسارةٍ، حفر الأنفاق تحتها، كي تعبر مياه النيل إلى سيناء، المخلاة من سكانها، بفعل حربه الضروس عليها، بالتعاون مع الكيان الصهيوني، بزعم "الحرب على الإرهاب"، ليتبين أن المستهدف، في نهاية المطاف، هو وصول مياه النيل إلى "إسرائيل"، في إطار مشروع السيسي الكارثي لسلام جديد، ساخن ومثير، بين العرب وقتلتهم.
مبكراً جداً قلنا، وقال آخرون، إن تفريعة قناة السويس الجديدة واحدةٌ من البنود المخفية، لاتفاق سد النهضة، وأن المستفيد الأول من المشروعين إسرائيل التي اشترت سكوت السيسي، وتفريطه في الحقوق، وتمريره هذا العار التاريخي، بمساعدته في البقاء في سدة الحكم.
انتهى الكلام عن المائة مليار، أرباحاً فورية للتفريعة الجديدة، ليصبح الحديث تهويماتٍ وضلالاتٍ وهلاوس عن بداية الإحساس بطعم الثمار في 2021 بتوقيت السيسي، و2023 بتوقيت الجنرال "مميش" عريس القناة، ذي الكرافتات الوردية اللامعة الذي يفاجئ الجميع بأن افتتاح التفريعة الجديدة حال دون توقف الملاحة كلياً في القناة القديمة، والمعنى هنا أن الرجل يقول للمصريين: انسوا قصة الأرباح، فالقناة الجديدة إنما افتتحت، لكي لا تموت الملاحة، وليست للمكسب.
في هذه الدولة العابثة، لا يمكن الكلام، منطقياً وحسابياً، عن مستقبل، فحين يجلس في كابينة القيادة مغامرون خطرون، لا تحدّثني عن وصولٍ آمن، وسريع، إلا إلى الجحيم.