04 نوفمبر 2024
القطيعة مع الرهانات الخاطئة للسوريين
تركت المآلات الكارثية التي وصلت إليها المعارضة السورية، بشقيها السياسي والعسكري، أثرها البالغ في أكثر من اتجاه، طارحةً أسئلةً عديدة يمكن أن تبدأ من تساؤلات السوريين حول ماهية المشروع الوطني الذي خرجوا من أجله، في ظل الصراع العسكري الذي تصدّر المشهد واقعاً وتفاوضاً؟ وما هي الأخطاء التي أثبت الواقع تفاقمها، في ظل إداراتها المتعدّدة؟ وكيف بدّدت السنوات الست رهانات الكيانات المعارضة الخاطئة، لتجد نفسها أمام استحقاق المصارحة والاعتراف، وربما المطالبة الشعبية بتنحّي الشخصيات المهيمنة في هذه المؤسسات عن العمل السياسي؟
في هذا المناخ السياسي المتخبط، ظهرت وثيقة على شكل نداءٍ، أصدرته مجموعة من المعارضين السوريين، تضمن مراجعة نقدية لأداء المعارضة وخطاباتها السياسية والإعلامية، ومصارحة صادمة حول الرهانات التي ثبت خطؤها وضررها على السوريين وثورتهم.
وبشكل موجز، بدأت هذه الوثيقة بتمهيدٍ عرضت فيه للمبادئ الأساسية التي انطلقت من أجلها الثورة السورية، والمتمثلة بإنهاء نظام الاستبداد، ومن أجل الحرية والكرامة والمواطنة والديمقراطية والعدالة والدستور، واستعادة الدولة، فهذا هو معنى الثورة. ثم تحدّثت عن التعقيدات التي اتسمت بها الثورة السورية، والمداخلات الخارجية التي أثرت عليها، سلباً، والأهوال غير المسبوقة التي تعرّض لها السوريون، والتي اعتبرت أن النظام هو المتسبّب الرئيس فيها. وأكدت الوثيقة أن النظام ما كان له أن يفعل كل ما فعله، لولا تساهل النظام الدولي، وسكوت الدول الكبرى أو تلاعباتها، وخصوصاً الولايات المتحدة، وبعض الدول الإقليمية والعربية التي حرصت على تخريب الثورة، وحرفها عن أهدافها، خشيةً من تأثيراتها في محيطها، في المشرق العربي، وعلى إسرائيل ذاتها. والفكرة الأساسية التي طرحتها الوثيقة في مقدمتها أن الثورة السورية، وعلى الرغم من أنها لم تستطع تحقيق أهدافها، إلا أنها لم تنهزم، ولم تستسلم، بسبب روح الحرية التي أطلقتها في عقول معظم السوريين وقلوبهم، وأن الذي انهزم هو الأوهام والمراهنات التي انبنت عليها.
ضمن هذه الرهانات، بحسب الوثيقة، التعويل على الخارج، وطغيان العسكرة على حساب
المظاهرات الشعبية، وتصدّر الخطابات الطائفية والدينية، ودخول المنظمات المتطرّفة والإرهابية والتكفيرية على خط الصراع الدائر في سورية.
أما بالنسبة للمعارضة، السياسية والعسكرية والمدنية، فأخذت عليها الوثيقة أنها "مفتّتة، وأنها تشتغل بمعزلٍ عن حواضنها المجتمعية، ومن دون أية توسّطات أو شبكات متبادلة، كما تتمثل بضعف إدراكاتها لمكانتها ودورها وانضباطها للدور المرسوم لها، من الفاعلين الدوليين والإقليميين، وعجزها عن تطوير أحوالها، بتوسيع هيئاتها، على قواعد مؤسّسية وتمثيلية وديمقراطية، وقواعد تنظيمية سليمة".
من حيث البدائل، حاولت الوثيقة طرح مجموعة أفكار، منها: "استعادة ثورتنا خطاباتها أو مقاصدها الأساسية التي انطلقت من أجلها، بتأكيد طابعها ثورةً وطنية ديمقراطية... من أجل التحرّر من نظام الاستبداد والفساد، وإقامة دولة مؤسسات وقانون ومواطنين أحرار ومتساوين في دولةٍ مدنية، تنتهج النظام الديمقراطي، وتوفر العدالة الاجتماعية في الحكم، وفي العلاقة بين سائر مكونات المجتمع والدولة". و"الاشتغال على بناء كيان سياسي جمعي جبهوي للسوريين، تعترف الأطراف المشكلة له ببعضها، بمشتركاتها واختلافاتها، وتجتمع على الهدف الأساسي للثورة، بغضّ النظر عن الخلفيات الفكرية، وبعيداً عن العصبيات الأيديولوجية أو الهوياتية أو الدينية". و"بلورة تيار وطني ديمقراطي في الثورة السورية"، عبر "خطوات مدروسة ومتدرّجة" مع تثمين "كل المبادرات والتصورات التي تشتغل في هذا الاتجاه، بعقليةٍ منفتحة، بعيداً عن الاستئثار والاحتكار، وعن ادّعاءات المركز والأطراف، أو فوق وتحت، أو النخبة والقواعد". وبالنسبة لأشكال الكفاح، اقترحت الوثيقة ضرورة إعادة تنظيم الشعب، وبناء كياناته السياسية والمدنية، لإطلاق موجةٍ جديدة من الكفاح الشعبي، وبحسب الإمكانات، بما يقلل من أكلاف الصراع، ويحقق أفضل الإنجازات، ولو على المدى الطويل. وأكّدت الوثيقة أهمية بذل الجهود لإنشاء كياناتٍ أو ممثليات شعبية في الداخل والخارج، عبر تنظيم مؤتمراتٍ، ينبثق منها ممثلون على أساس الكفاءة والنزاهة والروح الكفاحية وبوسائل الانتخابات، حيث أمكن ذلك. وبخصوص المسألة القومية، وخصوصاً الكردية، انحازت الوثيقة إلى تبني منهجٍ ينبثق من قيم الحرية والمساواة والعدالة في الثورة السورية، وأن حل المسألتين، الكردية والقومية، لبقية المكونات حلاً عادلاً، في هذه المرحلة، يأتي ضمن الثورة الوطنية الديمقراطية. وضمن ذلك مثلاً الاعتراف للكرد بحقوق المواطنة المتساوية كسوريين، وبحقوقهم الجمعية والقومية،
كشعب، في إطار الوطن السوري. وبخصوص العلاقة مع الخارج، أكدت الوثيقة على "توسيع معسكر الأصدقاء، ووعي المعطيات المحيطة بها دولياً وإقليمياً وعربياً، لإيجاد مقاربةٍ سياسيةٍ بين أهدافها والقيم العالمية، قيم الحرية والمساواة والمواطنة والديمقراطية والعدالة"... وتأكيد حق شعبنا "المشروع في استعادة الجولان السورية المحتلة، ومساندة حق الشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه، علماً أن أحد أهم أسباب تعقد المسألة السورية ناجمٌ عن وجود إسرائيل التي ترى في النظام بمثابة حام لأمنها، فضلاً عن كونها كياناً استعمارياً واستيطانياً وعنصرياً، يتناقض مع ثورة الحرية والكرامة والمواطنة، ومع قيم العصر، فالحرية لا تتجزأ".
لكن، كما أي نص موضوع، لا يمكن تجاهل بعض الملاحظات النقدية حوله، منها مثلا استرساله بشرح مسهب عن تقييم المرحلة السابقة، ونقد رهاناتها وأوهامها، في حين ترك باب الحلول التي يمكن من خلالها معالجة الأخطاء، مختصرة، كأن واضعي الوثيقة ينتظرون، أو يعدون بوثيقة ثانية مكملة، في مرحلةٍ لاحقة، لتقديم تصورهم للمهام المقبلة.
وفي ما يتعلق بالمسألة الكردية، كان يفترض بالوثيقة مخاطبة المكوّنات الكردية للتوافق على تصور معين لحل المسألة الكردية، وإنهاء الخلافات الكردية الكردية، بما يضمن وحدة سورية، وحقوق الأكراد، أفراداً وجماعة قومية. أيضاً، ثمة سؤال يمكن طرحه هنا، فما الذي تعنيه الأسماء الموقعة، والتي يقارب عددها الأربعمئة، ضمت نخبةً كبيرةً من المثقفين والسياسيين والنشطاء، إذا لم يكن لدى واضعي الوثيقة تصوّرا محدّداً وعملياً، لبلورة تحرّكهم، أو لتقديم أنفسهم في كيانٍ سياسي، يمكن أن يسهم بتشكيل واقع معارضاتي جديد، يلبي تصور هذه المجموعة، والتي كنتُ ممن وقّع عليها، لصراحتها وشفافيتها، واتساع صدور من كتبوها في تحمل عبء الاعتراف الذي يكاد يرتفع إلى منزلة الاعتذار؟
في هذا المناخ السياسي المتخبط، ظهرت وثيقة على شكل نداءٍ، أصدرته مجموعة من المعارضين السوريين، تضمن مراجعة نقدية لأداء المعارضة وخطاباتها السياسية والإعلامية، ومصارحة صادمة حول الرهانات التي ثبت خطؤها وضررها على السوريين وثورتهم.
وبشكل موجز، بدأت هذه الوثيقة بتمهيدٍ عرضت فيه للمبادئ الأساسية التي انطلقت من أجلها الثورة السورية، والمتمثلة بإنهاء نظام الاستبداد، ومن أجل الحرية والكرامة والمواطنة والديمقراطية والعدالة والدستور، واستعادة الدولة، فهذا هو معنى الثورة. ثم تحدّثت عن التعقيدات التي اتسمت بها الثورة السورية، والمداخلات الخارجية التي أثرت عليها، سلباً، والأهوال غير المسبوقة التي تعرّض لها السوريون، والتي اعتبرت أن النظام هو المتسبّب الرئيس فيها. وأكدت الوثيقة أن النظام ما كان له أن يفعل كل ما فعله، لولا تساهل النظام الدولي، وسكوت الدول الكبرى أو تلاعباتها، وخصوصاً الولايات المتحدة، وبعض الدول الإقليمية والعربية التي حرصت على تخريب الثورة، وحرفها عن أهدافها، خشيةً من تأثيراتها في محيطها، في المشرق العربي، وعلى إسرائيل ذاتها. والفكرة الأساسية التي طرحتها الوثيقة في مقدمتها أن الثورة السورية، وعلى الرغم من أنها لم تستطع تحقيق أهدافها، إلا أنها لم تنهزم، ولم تستسلم، بسبب روح الحرية التي أطلقتها في عقول معظم السوريين وقلوبهم، وأن الذي انهزم هو الأوهام والمراهنات التي انبنت عليها.
ضمن هذه الرهانات، بحسب الوثيقة، التعويل على الخارج، وطغيان العسكرة على حساب
أما بالنسبة للمعارضة، السياسية والعسكرية والمدنية، فأخذت عليها الوثيقة أنها "مفتّتة، وأنها تشتغل بمعزلٍ عن حواضنها المجتمعية، ومن دون أية توسّطات أو شبكات متبادلة، كما تتمثل بضعف إدراكاتها لمكانتها ودورها وانضباطها للدور المرسوم لها، من الفاعلين الدوليين والإقليميين، وعجزها عن تطوير أحوالها، بتوسيع هيئاتها، على قواعد مؤسّسية وتمثيلية وديمقراطية، وقواعد تنظيمية سليمة".
من حيث البدائل، حاولت الوثيقة طرح مجموعة أفكار، منها: "استعادة ثورتنا خطاباتها أو مقاصدها الأساسية التي انطلقت من أجلها، بتأكيد طابعها ثورةً وطنية ديمقراطية... من أجل التحرّر من نظام الاستبداد والفساد، وإقامة دولة مؤسسات وقانون ومواطنين أحرار ومتساوين في دولةٍ مدنية، تنتهج النظام الديمقراطي، وتوفر العدالة الاجتماعية في الحكم، وفي العلاقة بين سائر مكونات المجتمع والدولة". و"الاشتغال على بناء كيان سياسي جمعي جبهوي للسوريين، تعترف الأطراف المشكلة له ببعضها، بمشتركاتها واختلافاتها، وتجتمع على الهدف الأساسي للثورة، بغضّ النظر عن الخلفيات الفكرية، وبعيداً عن العصبيات الأيديولوجية أو الهوياتية أو الدينية". و"بلورة تيار وطني ديمقراطي في الثورة السورية"، عبر "خطوات مدروسة ومتدرّجة" مع تثمين "كل المبادرات والتصورات التي تشتغل في هذا الاتجاه، بعقليةٍ منفتحة، بعيداً عن الاستئثار والاحتكار، وعن ادّعاءات المركز والأطراف، أو فوق وتحت، أو النخبة والقواعد". وبالنسبة لأشكال الكفاح، اقترحت الوثيقة ضرورة إعادة تنظيم الشعب، وبناء كياناته السياسية والمدنية، لإطلاق موجةٍ جديدة من الكفاح الشعبي، وبحسب الإمكانات، بما يقلل من أكلاف الصراع، ويحقق أفضل الإنجازات، ولو على المدى الطويل. وأكّدت الوثيقة أهمية بذل الجهود لإنشاء كياناتٍ أو ممثليات شعبية في الداخل والخارج، عبر تنظيم مؤتمراتٍ، ينبثق منها ممثلون على أساس الكفاءة والنزاهة والروح الكفاحية وبوسائل الانتخابات، حيث أمكن ذلك. وبخصوص المسألة القومية، وخصوصاً الكردية، انحازت الوثيقة إلى تبني منهجٍ ينبثق من قيم الحرية والمساواة والعدالة في الثورة السورية، وأن حل المسألتين، الكردية والقومية، لبقية المكونات حلاً عادلاً، في هذه المرحلة، يأتي ضمن الثورة الوطنية الديمقراطية. وضمن ذلك مثلاً الاعتراف للكرد بحقوق المواطنة المتساوية كسوريين، وبحقوقهم الجمعية والقومية،
لكن، كما أي نص موضوع، لا يمكن تجاهل بعض الملاحظات النقدية حوله، منها مثلا استرساله بشرح مسهب عن تقييم المرحلة السابقة، ونقد رهاناتها وأوهامها، في حين ترك باب الحلول التي يمكن من خلالها معالجة الأخطاء، مختصرة، كأن واضعي الوثيقة ينتظرون، أو يعدون بوثيقة ثانية مكملة، في مرحلةٍ لاحقة، لتقديم تصورهم للمهام المقبلة.
وفي ما يتعلق بالمسألة الكردية، كان يفترض بالوثيقة مخاطبة المكوّنات الكردية للتوافق على تصور معين لحل المسألة الكردية، وإنهاء الخلافات الكردية الكردية، بما يضمن وحدة سورية، وحقوق الأكراد، أفراداً وجماعة قومية. أيضاً، ثمة سؤال يمكن طرحه هنا، فما الذي تعنيه الأسماء الموقعة، والتي يقارب عددها الأربعمئة، ضمت نخبةً كبيرةً من المثقفين والسياسيين والنشطاء، إذا لم يكن لدى واضعي الوثيقة تصوّرا محدّداً وعملياً، لبلورة تحرّكهم، أو لتقديم أنفسهم في كيانٍ سياسي، يمكن أن يسهم بتشكيل واقع معارضاتي جديد، يلبي تصور هذه المجموعة، والتي كنتُ ممن وقّع عليها، لصراحتها وشفافيتها، واتساع صدور من كتبوها في تحمل عبء الاعتراف الذي يكاد يرتفع إلى منزلة الاعتذار؟