19 سبتمبر 2022
هل سيعيش النظام الحاكم في العراق؟
بدأت تطفو على السطح في العراق جملة من المساعي السياسية، وخصوصاً من قادة الكتل والاحزاب والقوى المختلفة، نحو ما يمكن تحصيله من الانتخابات المقبلة، البلدية والبرلمانية، وهي لا تعدو أن تكون كعادتها التي جرت متكرّرة في إطارٍ من إشباع الرغبات والطموحات من أجل النيابة، أو المناصب، أو الفوز بالمقاعد، أو نيل الحقائب الوزارية في نظام سياسي ينقسم العراقيون بين القبول به عن قناعةٍ ورضى مقنّع بالطائفية، ورفضه من كلّ من يسعى إلى بناء مشروع وطني مدني لنظام سياسي أكثر نظافةً وعدالةً وحداثةً واستقلاليةً، على الرغم من أن عموم العراقيين يدركون، بما لا يقبل مجالا للشك، أن أوضاع البلاد متدهورة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً. ناهيكم عن فشل الحكومة العراقية في الإصلاح وأداء الخدمات وتلبية شكاوى المواطنين من أقصى الشمال حتى أقصى الجنوب، باستثناء حالة كردستان أمنياً وسياسياً، كما أن البلاد لم تزل تدفع أثمان السياسات الخاطئة التي اتبعتها حكومتا نوري المالكي، ثماني سنوات، قبل وصول حيدر العبادي إلى السلطة. وكانت حكومة الأخير، ولم تزل، ضعيفة ومفكّكة، وقد شغلت، منذ أكثر من سنتين، بتطهير نصف البلاد من أوبئة "داعش"، وآخرها تحرير نصف مدينة الموصل، بمساعدة التحالف الدولي، وفي مقدمته الولايات المتحدة الأميركية التي تشهد اليوم تغيراتٍ جذرية في الرؤية والممارسة تجاه العراق، ولا يمكن التكهن بما سيكون عليه الوضع على عهد الرئيس الجديد، دونالد ترامب، وتوعداته الخطيرة ليس للعراق وحده، بل لكل دول المنطقة.
في وقتٍ ينبغي على النظام السياسي في العراق البدء بجملةٍ من التغييرات في السياسات
والمؤسسات والأنظمة والقوانين، وفي مقدمتها النظام الانتخابي وإصلاح الدستور، لكي لا يستمر هذا "النظام" دائراً في حلقة مفرغة ومألوفة، تثير غضب الناس، فإنّ أركان هذا "النظام" يصرّون على انتهاج الخديعة نفسها، في ظاهرةٍ كانت ولم تزل مهترئة، بل باتت مكشوفةً اليوم. وبدل أن تتحرّك قوى سياسيّة عراقية فاعلة وجديدة على الساحة، فان الوجوه المألوفة هي الوحيدة التي بدأت تسعى إلى البقاء في السلطة، أو تبقى سيدة للمواقف كلها، وببضاعتها الديماغوجية نفسها، واللعب بعواطف الجماهير طائفياً، لكي يتحمّل الناخب مسؤوليته في استمرار هذا النظام الرّث.
وكان مأمولاً من رئيس الوزراء، حيدر العبادي، أن يغتنم فرصته، كما ناشده كلّ المخلصين، لا التابعون، الخروج من حزبه، وتشكيل حزبٍ جديدٍ عابر للطائفية، أو تأسيس كتلةٍ سياسية جديدة، لها وطنيتها تكون أكثر مقبولية لدى بقيّة الأطراف، بدل أن يبقى رقماً، حتى لو كان متقدماً في حزب الدعوة الإسلامية الذي تشكّل دولة القانون، بزعامة نوري المالكي، ركنه الحقيقي. ولكن، يبدو أنه ليس في مقدور العبادي التحرّك وسط جوقةٍ من القوى والأطراف القوية التي لها توحشها وعلاقاتها مع إيران.
من يظنّ أن ما طالب به الآخرون من الإصلاحات والتغيير، سواء في لوائح الدستور أو النظام الانتخابي، سيتحقق، فهو واهم جداً، ذلك أن النظام الحالي تلتف حوله أطراف أخطبوط واسع، يتحرّك وسط سياسات محكمة، ويسيطر على أجهزة إعلامية كبيرة، ويمتلك نفوذاً واسعاً وإنفاقات مذهلة، فضلاً عن أطروحاتٍ تأتي من هنا وهناك، لا تمت بأيّة صلة إلى المشروع الوطني العراقي الذي ينادي به الأحرار، وكلّ المواطنين من المدنيين والعلمانيين والتقدميين والراديكاليين والمستقلين. وهؤلاء لا معنى لهم، بل ولا قيمة لهم أبداً لدى أركان النظام الحاكم في العراق، إذ يصفونهم، في أجهزتهم الإعلامية، بعثيين وكافرين ومارقين. وصل الأمر بنخبة من المثقفين العراقيين في الداخل أن يناشدوا الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، أن يخلّصهم من الحكام الحاليين الذين زرعتهم بلاده في العراق، فشكلّوا، على امتداد 15 سنة، طبقة سياسية باغية وفاسدة، تتحرّك بإرادة إيرانية، وهي طبقة تنتقل، باسم الديمقراطية، من مرحلة إلى أخرى، بتزويراتٍ فاضحةٍ من دون أيّة متغيرات حقيقية، تحقّق آمال العراقيين بمشروع وطني حقيقي! كما طالبوا بانتخاباتٍ حرة ونزيهة، شريطة مراقبة ممارساتها دولياً، وأن يقضى على الإرهاب قضاء مبرماً باستئصال أسبابه وعوامل استفحاله، ليس في العراق حسب، بل في كلّ دول المنطقة. والكلّ ينتظر ما الذي سيفعله هذا الرئيس الأميركي الجامح في كلّ المنطقة، وخصوصاً في العراق وإيران؟
هنا يسأل المرء: لماذا تأتي ما سميت بالتسوية التاريخية اليوم في إطار النظام السياسي نفسه، ومن واحدٍ من زعماء "التحالف الوطني"؟ وما نفع هذه التسوية حتى إن صدّق بعضهم نياتها وحسن غاياتها، إن لم تعالج أبداً أخطر المعضلات والمشكلات التي كان النظام السياسي نفسه وراء استفحالها؟ وأعتقد أن مشروع هذه "التسوية" الذي لا أؤمن به، يأتي بمهمّة متخبطة في مستنقع يثوي فيه النظام السياسي بالكامل، لكنه "مشروع" قد حفّز قوى سياسيّة من السنّة العرب على أن يكونوا كتلةً سياسيةً أكثر وحدة وتنظيماً في مواجهة النظام نفسه، وإذا كانت قد قدمت مطالبها، كونها آمنت بمثل هذه "التسوية"، إلا أنني أجد أن من العبث التحّرك في مثل هذا الإطار مع بقاء النظام السياسي نفسه، لم يصحّح سياساته الخاطئة التي اتبعّها منذ سنوات طوال.
هنا سؤال: لماذا لم يتفق أركان النظام السياسي الحاكم للسعي باسم "الدولة" نفسها من أجل
رأب ما حدث في المجتمع العراقي من تصدّعات وتمزقات وتشظيات؟ ويستغرب المرء كيف يمكن لرئيس وزراء سابق، فشل في مهمّته فشلاً ذريعاً ثماني سنوات، وأتّهم اتهامات خطيرة، أن تكون له اليوم قوّته السياسية، ليس لموقعه نائباً لرئيس الجمهورية، بل لبقائه يعبث في شؤون العراق، ويتبجّح إعلامياً وسياسيّاً حتى اليوم، ويختلق من خلال عناصره، هنا وهناك، جملةً كبيرة من المشكلات في الحكومة والبرلمان وضدّ بقيّة الكتل، ويتصّرف طائفياً بعد كلّ ما جرى بسببه؟ إنه يعمل ليلَ نهار من أجل الوصول إلى السلطة ثانية، وأتوقّع أن يصل إليها، على الرغم من كلّ الكراهية التي يكنها له الشعب العراقي، وخصوصاً إن بقيت الأوضاع السياسية مهترئة، وتدّخلات إيران سافرة في العراق إلى درجة تحّكم سفير إيراني فوق العادة جاء تنصيبه من المرشد خامنئي نفسه، وكانت إيران قد عيّنت، أخيراً، العميد إيرج مسجدي، وهو قائد خطير في الحرس الثوري، سفيراً لها في العراق، بدلاً من الحالي حسن دانائي. وليس للعراقيين ألبتة أيّ رأي في تنصيب أيّ سفير أو مبعوث دبلوماسي إيراني في بلدهم، بل تأتي مباركتهم كلّ ما تقوم به طهران، حتى وإن اختلف ذلك مع قناعات الشعب العراقي وتوجهاته ومبادئه الوطنية.
وعليه، أقول إن ما يطمح إليه كلّ العراقيين في تحقيق أيّة تغييرات مجرّد سراب، إن لم تتوفّر جملة من العناصر الجديدة، لتحقيق أية مهام عملية، لها مصداقيتها ومبدئيتها، ضمن مشروع وطني يمنح فرصةً أطول لمرحلة انتقالية، تعالج خلالها الخروق والسلبيات والخطايا التي اقترفت بحقّ العراقيين، دولة ومجتمعاً، منذ عهود طوال، وخصوصاً إيجاد القوة السياسية لنظام سياسي مدني مستقل ومتجانس، يعمل على تحديث المؤسسات وتطهيرها من الفساد والفاسدين. وعند ذاك، سيتوفر الأمن مع تشكيل حكومة خدمات، ومباركة مؤسسة عسكرية مهنية، تحارب الإرهاب، لكي يقال إن العراق بدأ يتنفس هواءً نظيفاً. العراق بعد "داعش" بحاجة إلى أن يعيد التفكير في مستقبله. وستبدأ مرحلة تاريخية جديدة لدى أبنائه الذين عانوا طويلاً من عوامل الفوضى واستفحال الإرهاب، وما حصدوه من نتائج مؤلمة، إن جرت أية متغيرات دولية وإقليمية. عليهم التفكير أولاً بطبيعة نظام الحكم وتبديله إلى نظام سياسي يخلو من كلّ المعوقات والتقاليد التي ألفوها منذ العام 2003.
في وقتٍ ينبغي على النظام السياسي في العراق البدء بجملةٍ من التغييرات في السياسات
وكان مأمولاً من رئيس الوزراء، حيدر العبادي، أن يغتنم فرصته، كما ناشده كلّ المخلصين، لا التابعون، الخروج من حزبه، وتشكيل حزبٍ جديدٍ عابر للطائفية، أو تأسيس كتلةٍ سياسية جديدة، لها وطنيتها تكون أكثر مقبولية لدى بقيّة الأطراف، بدل أن يبقى رقماً، حتى لو كان متقدماً في حزب الدعوة الإسلامية الذي تشكّل دولة القانون، بزعامة نوري المالكي، ركنه الحقيقي. ولكن، يبدو أنه ليس في مقدور العبادي التحرّك وسط جوقةٍ من القوى والأطراف القوية التي لها توحشها وعلاقاتها مع إيران.
من يظنّ أن ما طالب به الآخرون من الإصلاحات والتغيير، سواء في لوائح الدستور أو النظام الانتخابي، سيتحقق، فهو واهم جداً، ذلك أن النظام الحالي تلتف حوله أطراف أخطبوط واسع، يتحرّك وسط سياسات محكمة، ويسيطر على أجهزة إعلامية كبيرة، ويمتلك نفوذاً واسعاً وإنفاقات مذهلة، فضلاً عن أطروحاتٍ تأتي من هنا وهناك، لا تمت بأيّة صلة إلى المشروع الوطني العراقي الذي ينادي به الأحرار، وكلّ المواطنين من المدنيين والعلمانيين والتقدميين والراديكاليين والمستقلين. وهؤلاء لا معنى لهم، بل ولا قيمة لهم أبداً لدى أركان النظام الحاكم في العراق، إذ يصفونهم، في أجهزتهم الإعلامية، بعثيين وكافرين ومارقين. وصل الأمر بنخبة من المثقفين العراقيين في الداخل أن يناشدوا الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، أن يخلّصهم من الحكام الحاليين الذين زرعتهم بلاده في العراق، فشكلّوا، على امتداد 15 سنة، طبقة سياسية باغية وفاسدة، تتحرّك بإرادة إيرانية، وهي طبقة تنتقل، باسم الديمقراطية، من مرحلة إلى أخرى، بتزويراتٍ فاضحةٍ من دون أيّة متغيرات حقيقية، تحقّق آمال العراقيين بمشروع وطني حقيقي! كما طالبوا بانتخاباتٍ حرة ونزيهة، شريطة مراقبة ممارساتها دولياً، وأن يقضى على الإرهاب قضاء مبرماً باستئصال أسبابه وعوامل استفحاله، ليس في العراق حسب، بل في كلّ دول المنطقة. والكلّ ينتظر ما الذي سيفعله هذا الرئيس الأميركي الجامح في كلّ المنطقة، وخصوصاً في العراق وإيران؟
هنا يسأل المرء: لماذا تأتي ما سميت بالتسوية التاريخية اليوم في إطار النظام السياسي نفسه، ومن واحدٍ من زعماء "التحالف الوطني"؟ وما نفع هذه التسوية حتى إن صدّق بعضهم نياتها وحسن غاياتها، إن لم تعالج أبداً أخطر المعضلات والمشكلات التي كان النظام السياسي نفسه وراء استفحالها؟ وأعتقد أن مشروع هذه "التسوية" الذي لا أؤمن به، يأتي بمهمّة متخبطة في مستنقع يثوي فيه النظام السياسي بالكامل، لكنه "مشروع" قد حفّز قوى سياسيّة من السنّة العرب على أن يكونوا كتلةً سياسيةً أكثر وحدة وتنظيماً في مواجهة النظام نفسه، وإذا كانت قد قدمت مطالبها، كونها آمنت بمثل هذه "التسوية"، إلا أنني أجد أن من العبث التحّرك في مثل هذا الإطار مع بقاء النظام السياسي نفسه، لم يصحّح سياساته الخاطئة التي اتبعّها منذ سنوات طوال.
هنا سؤال: لماذا لم يتفق أركان النظام السياسي الحاكم للسعي باسم "الدولة" نفسها من أجل
وعليه، أقول إن ما يطمح إليه كلّ العراقيين في تحقيق أيّة تغييرات مجرّد سراب، إن لم تتوفّر جملة من العناصر الجديدة، لتحقيق أية مهام عملية، لها مصداقيتها ومبدئيتها، ضمن مشروع وطني يمنح فرصةً أطول لمرحلة انتقالية، تعالج خلالها الخروق والسلبيات والخطايا التي اقترفت بحقّ العراقيين، دولة ومجتمعاً، منذ عهود طوال، وخصوصاً إيجاد القوة السياسية لنظام سياسي مدني مستقل ومتجانس، يعمل على تحديث المؤسسات وتطهيرها من الفساد والفاسدين. وعند ذاك، سيتوفر الأمن مع تشكيل حكومة خدمات، ومباركة مؤسسة عسكرية مهنية، تحارب الإرهاب، لكي يقال إن العراق بدأ يتنفس هواءً نظيفاً. العراق بعد "داعش" بحاجة إلى أن يعيد التفكير في مستقبله. وستبدأ مرحلة تاريخية جديدة لدى أبنائه الذين عانوا طويلاً من عوامل الفوضى واستفحال الإرهاب، وما حصدوه من نتائج مؤلمة، إن جرت أية متغيرات دولية وإقليمية. عليهم التفكير أولاً بطبيعة نظام الحكم وتبديله إلى نظام سياسي يخلو من كلّ المعوقات والتقاليد التي ألفوها منذ العام 2003.