اسألوا محمد الزواري أو سلطان الحربي
منذ ست سنوات تقريباً، والعالم العربي يمر بأحداثٍ كثيرة ومتتابعة. ومع الوقت، واحتدام الأحداث وتعقيدها في مصر وليبيا وسورية والعراق، تراجعت أخبار فلسطين عن المشهد، بل أصبحنا نسمع تعليقات أن الوضع في فلسطين أفضل مما هو الآن من سورية والعراق، وأن دموية بعض القادة العرب مع شعوبهم تعدّت دموية إسرائيل! مع الإشارة إلى خطورة مثل هذا الطرح، والمقارنة مهما بلغت دموية أي خصم أو ظلمه بإسرائيل وترجيح أفضليتها عليه.
قبل هذه الأحداث، كانت فلسطين تحضر بالاسم فقط في خطابات سياسيين وقادة حركات أصولية دينية أو يسارية كثيرين، أو أي أحد من أفغانستان وغيرها، ومن جميع أرجاء الأرض. وأصبح الطريق إلى القدس يمر بأفغانستان وبدمشق وبإيران، ويمر بأشياء كثيرة لا تؤدي إلى القدس في النهاية، وكأن البوصلة تعطلت لتحدّد الموقع الجغرافي للقدس.
المحزن غير أن أخبار فلسطين تراجعت عن المشهد، وأن اسم فلسطين يُستخدم لفظاً فقط لارتكاب جرائم، والتقدم لكل أرض، من دون التقدم خطوةً واحدةً نحو أرض فلسطين. ووجدنا أنفسنا فجأة نخوض نقاشاتٍ مثل إقناع من حولنا بأن إسرائيل احتلال والتطبيع مرفوض، وهي نقاشات ما كنا نظن يوماً أنها ستكون.
المهم هنا أنه، من بين كل ما سبق، ومع زحمة الأحداث والتحليلات ومتابعة الحراك الشعبي لكل بلد وتعقيد التحالفات الإقليمية والاصطفافات المستجدة كل يوم، كان سؤال يدور في ذهني دائماً من بين الآلاف من المجاهدين تحت أي لواء، ابتداء من "القاعدة" وصولاَ إلى "داعش": ألم يخرج منهم شخص واحد، على الأقل، ويتجه إلى فلسطين، ليطبق الجهاد في أوضح أرضٍ للصراع. هل فعلاً لصعوبة الوصول إلى القدس جغرافياً وشدة الإجراءات الأمنية، أم هي صعوبة الانخراط في الجبهات والجماعات الفلسطينية المسلحة التي تحتاط كثيراً من الاختراق؟
جاءت الإجابة واضحة، وسريعة خاطفة في خبر سريع، اختفى تحت ركام الأخبار الساخنة والمستجدات والصور ومقاطع الفيديو والنقاشات والمزايدات، وأي أحد مما يملأ فضاءك وسط متابعة الأحداث، ولا يعطيك أحيانا دقيقة تفكير أو تحليل. وكان الخبر في سبتمبر/ أيلول 2014، عن استهداف صواريخ إسرائيلية سيارةً في قطاع غزة على شاب سعودي، هو سلطان الحربي، الذي انشق عن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ليلتحق، عبر الأنفاق، بالقتال في غزة إلى جانب الفلسطينيين. وأكدت الأخبار التي تناولت استشهاد الحربي أنه انشقّ عن "داعش"، بعد مشاهدته الجرائم التي تُرتكب في المناطق التي تسيطر عليها، وبعد معايشته القتال بين الفصائل التي تدّعي أنها "جهادية". فخرج من سورية إلى تركيا، ومنها إلى مصر، ليتسلل إلى قطاع غزة. وعُرف الحربي في غزة باسم سلمة، وأصيب في ساقه أول أيام القصف على القطاع، كما أصيب بشظايا في رأسه، غير أن ذلك لم يمنعه من التنقل والمشاركة في القتال، ثم قتل بعد استهداف سيارةٍ كانت تقله في الشجاعية بصاروخ إسرائيلي.
غاب خبر موت سلطان الحربي في غزة وقتها عام 2014، كالعادة، مع كثرة الأحداث، حتى عاد إلى ذاكرتي قبل أسابيع، بعد ذيوع خبر اغتيال المهندس التونسي، محمد الزواري، على يد المخابرات الإسرائيلية، ليعرف الجميع، بعد جريمة اغتياله، أن الزواري الذي لم يملأ الدنيا ضجيجاً بشعاراتٍ عن فلسطين، ولم يزايد على أحد يوماً، وحتى أننا لم نكن نعرف اسمه، كان ملتحقاً بصفوف كتائب عز الدين القسام، وعمل فيها قبل عشر سنوات، وكان "أحد القادة الذين أشرفوا على مشروع طائرات الأبابيل القسامية" التي كان لها دور في حرب "العصف المأكول" مع إسرائيل عام 2014.
نجد، في الخبرين، أن خريطة فلسطين والقدس واضحة لمن أراد. ومن يملأ الدنيا ضجيجاً عن فلسطين، ويزايد على الآخرين، يكون بالضرورة قد قدّم شيئاً فعلاً لفلسطين. ومهما كثرت الأحداث، لابد أن تبقى فلسطين القضية الأولى التي لا يختلف عليها أحد. ومن أراد (أراد فعلاً) الوصول إليها، أو تقديم دعم للمقاومة، فلا مانع أمامه.
تستطيعون سؤال سلطان الحربي أو محمد الزواري، كيف وجدوا الطريق إلى فلسطين. وغيرهما كثيرون لا نعرفهم، لأن منهجهم هو الفعل بعيداً عن الأضواء أو الإعلام، وعن نقاشات وسائل التواصل الاجتماعي وصخبها. )
قبل هذه الأحداث، كانت فلسطين تحضر بالاسم فقط في خطابات سياسيين وقادة حركات أصولية دينية أو يسارية كثيرين، أو أي أحد من أفغانستان وغيرها، ومن جميع أرجاء الأرض. وأصبح الطريق إلى القدس يمر بأفغانستان وبدمشق وبإيران، ويمر بأشياء كثيرة لا تؤدي إلى القدس في النهاية، وكأن البوصلة تعطلت لتحدّد الموقع الجغرافي للقدس.
المحزن غير أن أخبار فلسطين تراجعت عن المشهد، وأن اسم فلسطين يُستخدم لفظاً فقط لارتكاب جرائم، والتقدم لكل أرض، من دون التقدم خطوةً واحدةً نحو أرض فلسطين. ووجدنا أنفسنا فجأة نخوض نقاشاتٍ مثل إقناع من حولنا بأن إسرائيل احتلال والتطبيع مرفوض، وهي نقاشات ما كنا نظن يوماً أنها ستكون.
المهم هنا أنه، من بين كل ما سبق، ومع زحمة الأحداث والتحليلات ومتابعة الحراك الشعبي لكل بلد وتعقيد التحالفات الإقليمية والاصطفافات المستجدة كل يوم، كان سؤال يدور في ذهني دائماً من بين الآلاف من المجاهدين تحت أي لواء، ابتداء من "القاعدة" وصولاَ إلى "داعش": ألم يخرج منهم شخص واحد، على الأقل، ويتجه إلى فلسطين، ليطبق الجهاد في أوضح أرضٍ للصراع. هل فعلاً لصعوبة الوصول إلى القدس جغرافياً وشدة الإجراءات الأمنية، أم هي صعوبة الانخراط في الجبهات والجماعات الفلسطينية المسلحة التي تحتاط كثيراً من الاختراق؟
جاءت الإجابة واضحة، وسريعة خاطفة في خبر سريع، اختفى تحت ركام الأخبار الساخنة والمستجدات والصور ومقاطع الفيديو والنقاشات والمزايدات، وأي أحد مما يملأ فضاءك وسط متابعة الأحداث، ولا يعطيك أحيانا دقيقة تفكير أو تحليل. وكان الخبر في سبتمبر/ أيلول 2014، عن استهداف صواريخ إسرائيلية سيارةً في قطاع غزة على شاب سعودي، هو سلطان الحربي، الذي انشق عن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ليلتحق، عبر الأنفاق، بالقتال في غزة إلى جانب الفلسطينيين. وأكدت الأخبار التي تناولت استشهاد الحربي أنه انشقّ عن "داعش"، بعد مشاهدته الجرائم التي تُرتكب في المناطق التي تسيطر عليها، وبعد معايشته القتال بين الفصائل التي تدّعي أنها "جهادية". فخرج من سورية إلى تركيا، ومنها إلى مصر، ليتسلل إلى قطاع غزة. وعُرف الحربي في غزة باسم سلمة، وأصيب في ساقه أول أيام القصف على القطاع، كما أصيب بشظايا في رأسه، غير أن ذلك لم يمنعه من التنقل والمشاركة في القتال، ثم قتل بعد استهداف سيارةٍ كانت تقله في الشجاعية بصاروخ إسرائيلي.
غاب خبر موت سلطان الحربي في غزة وقتها عام 2014، كالعادة، مع كثرة الأحداث، حتى عاد إلى ذاكرتي قبل أسابيع، بعد ذيوع خبر اغتيال المهندس التونسي، محمد الزواري، على يد المخابرات الإسرائيلية، ليعرف الجميع، بعد جريمة اغتياله، أن الزواري الذي لم يملأ الدنيا ضجيجاً بشعاراتٍ عن فلسطين، ولم يزايد على أحد يوماً، وحتى أننا لم نكن نعرف اسمه، كان ملتحقاً بصفوف كتائب عز الدين القسام، وعمل فيها قبل عشر سنوات، وكان "أحد القادة الذين أشرفوا على مشروع طائرات الأبابيل القسامية" التي كان لها دور في حرب "العصف المأكول" مع إسرائيل عام 2014.
نجد، في الخبرين، أن خريطة فلسطين والقدس واضحة لمن أراد. ومن يملأ الدنيا ضجيجاً عن فلسطين، ويزايد على الآخرين، يكون بالضرورة قد قدّم شيئاً فعلاً لفلسطين. ومهما كثرت الأحداث، لابد أن تبقى فلسطين القضية الأولى التي لا يختلف عليها أحد. ومن أراد (أراد فعلاً) الوصول إليها، أو تقديم دعم للمقاومة، فلا مانع أمامه.
تستطيعون سؤال سلطان الحربي أو محمد الزواري، كيف وجدوا الطريق إلى فلسطين. وغيرهما كثيرون لا نعرفهم، لأن منهجهم هو الفعل بعيداً عن الأضواء أو الإعلام، وعن نقاشات وسائل التواصل الاجتماعي وصخبها. )