02 سبتمبر 2024
هل انتهت الثورة السورية؟
ما من شك في أن سقوط حلب، وما أعقبه من تراجع في إمكانية تحقيق إنجازات عسكرية استراتيجية للفصائل المقاتلة، قد نشر جواً من التخبط والتشاؤم في صفوف القوى الاجتماعية العديدة التي وقفت مع الثورة في مراحلها المختلفة، وقدّمت تضحيات هائلة من أجل نجاحها. ولأن العديد منها لم يعد واثقاً من ثمار هذه التضحيات، يسود إحباط كبير بين صفوف جمهورها والشعب الذي افتداها بكل ما يملك.
ويساعد هذا المناخ الغامض والمشكك الكثير من الأفراد والمجموعات التي تفتقر لوعي وطني أو التزام اجتماعي على أن تتقدم الصفوف، لتطبق أجنداتها الخاصة، وتجيّر الثورة لأهداف مختلفة عن أهدافها الأصلية.
أما تلك القوى التي لم يكن لها منذ البداية أمل كبير بالثورة، أو التي لم تؤمن بها، ولا تتعاطف مع شعاراتها ومشروعها، فهي تشعر اليوم بالفرح، إن لم نقل بالنصر أمام ما تشهده القوى الاجتماعية التي وقفت وراء الثورة من تقلب الأحوال والشك والانتظار. وأكثر فأكثر تبرز، من وراء الخطاب المحبط، الأطروحات التي تدعو إلى وقف الثورة أو الاعتراف بالهزيمة.
الثورة بين خياري الحرب والمواجهة
جرّت الثورة السورية وراءها، بعد أن عجز نظام الأسد عن كبح جماحها، تحالفاً واسعاً من الطبقات وقطاعات الرأي، ذات التطلعات والمطالب المتباينة، وأحياناً المتناقضة أيضاً التي جمع بينها شعار واحد، هو إسقاط النظام. وفِي ما وراء هذا الهدف الذي يمثل مطلباً عاماً ومشتركاً لم يحدّد التحالف الثوري المضمون الفكري والاجتماعي للنظام القادم، ولكنه أكّد على مبدأ الاحتكام للشعب، مؤكّداً مع ذلك، كما تظهر أسماء جمع التظاهر، على الطابع المدني والتعدّدي للدولة القادمة، واحترام مصالح جميع الأطياف القومية والطوائف على مستوى واحد. وهذا هو جوهر العهد غير المكتوب الذي اجتمعت من حوله قوى الثورة السورية في مظاهراتها السلمية، وهو أيضاً العنصر الأول في بناء النظم الديمقراطية، والأصل في ولادة الشعب بالمعنى السياسي، باعتباره مصدراً للسلطة. والواقع أنه، من دون فتح هذا الأفق الديمقراطي، كانت الثورة ستظل في أفق الهدم والسلبية، ولا ضمان تماسك التحالف الاجتماعي القائم من ورائها، ولا تقديم آلية سياسية للخروج بنظام جديد. الديمقراطية كاحتكام للشعب في كل القرارات المتعلقة بالحياة العامة هي التي تعيد تركيب النظام العام على أسسٍ جديدة، تضمن العدالة التي ثارت قوى متعدّدة ومتباينة المصالح من أجلها، وتساوي بين جميع أفرادها، بما في ذلك الذين لم يشاركوا في الثورة أو كانوا ضدها.
لكن هذا الأفق الديمقراطي الذي سيطر على جمهور الثورة في سنتها الأولى لم يحظ بالوقت، ولا التقى الشروط الكافية التي تسمح له بالرسوخ والتحول إلى خيار ثابت. وما لبث أن تراجع تدريجياً لصالح توجه إسلاموي سيطر على موقع القيادة والتوجيه، في صفوف الفصائل المقاتلة أولاً، ثم على فكر أكثرية المناصرين للثورة في ما بعد.
لم يكن إضعاف الخيار الديمقراطي لصالح الخيار الإسلامي في الثورة السورية مصادفة، ولا لأسبابٍ دينيةٍ أو مذهبيةٍ أو أيديولوجية، وإنما كان هدفاً استراتيجياً اشتغل عليه النظام بالوسائل العسكرية والدعائية معاً منذ اللحظات الأولى. وهذا ما كان مستهدفاً من إنكار حقيقة الثورة وربطها بالإرهاب والرد عليها بإطلاق حرب حياةٍ أو موت، والقضاء بأبشع الوسائل على جيل النشطاء الأول، بالقتل أو الاعتقال أو النفي، وإطلاق سراح زعماء السلفية الجهادية من سجونهم، والاشتغال المنهجي لأجهزة النظام وإعلام حلفائه أيضاً على تأجيج مشاعر الانقسام الطائفي والقومي، ونشر صور المعاملة المهينة والحاطّة بكرامة الإنسان التي تقوم بها قواته
على أوسع نطاق، لإثارة رد فعل مماثل، ثم تحالفه مع قوى الحرب الطائفية في طهران، وتبني توجهاتها الجيوستراتيجية. وساهم في الدفع نحو هذا المنزلق أزمة هوية مستدامة في المنطقة وانتشار الأفكار السلفية واستيطان المنظمات المتطرفة (كالقاعدة) التي نشأت في سياق حروب النزاعات الدولية، والتي كانت تربطه علاقات قوية معها في العراق، وكثرة الجمعيات الإسلامية، بل السلفية، التي تتغذى من فوائض اقتصاد الريع النفطي. وأخيراً، الشرخ الذي نجح النظام، وأوساط سياسية يسارية، في شقه داخل جمهور الثورة بين إسلاميين وعلمانيين منذ الأشهر الأولى، متهما الإسلاميين بالسيطرة على الأطر السياسية للمعارضة.
فضّل النظام تفجير الحرب الإقليمية والمذهبية على الاعتراف بشرعية الاحتجاج والقبول بتعديل قواعد عمله وسلوكه. وكما اختار نقل المواجهة إلى المستوى الإقليمي، اختار عن قصد، وكجزء من استراتيجية الحسم العسكري، وتوسيع قاعدة التحالف الإقليمي والدولي لصالحه، خيار الحرب الطائفية والقتل على الهوية لجعل الحرب حرب وجود بين أقليات وأكثرية، ومسلمين وغير مسلمين. ووضع ثقله وثقل حلفائه جميعاً في الميزان في سبيل تحويل الثورة السياسية إلى حربٍ أهليةٍ والقضاء على الخيار الديمقراطي الذي يشكل المشروع السياسي الوحيد الجامع لقوى الثورة، أو القادر على جمعها، ومن ورائها تشكيل البديل المقبول من الشعب لنظام الأسد. وكما قادت هذه الاستراتيجية إلى احتلال المليشيات الطائفية، وزعيمها الولي الفقيه في طهران، مقدمة المسرح في صف الثورة المضادة، أدت أيضا إلى هيمنة الفصائل الإسلامية على معظم قوى الثورة وقياداتها، ودفعت إسلاميين كثيرين في العالم إلى التعاطف معها، والضغط لمذهبتها، وحكمت بالتراجع المتزايد لحلفائها الأوائل عنها.
إسقاط الخيار الديمقراطي
كما كان ينتظر النظام، ما كان للعسكرة إلا أن تقود إلى تغيير القاعدة الاجتماعية الأساسية للثورة، وإعادة صياغة توجهاتها وبرنامجها السياسيين، على حساب القيادة التي نظمت التظاهرات، والطبقات التي كانت وراءها، قبل أن تقضي، في وقتٍ لاحق، على تظاهرات الاحتجاج السلمي نفسها. ولم يكن من غير المتوقع أن يقود صعود الطبقات الشعبية إلى واجهة الصراع، في ظرف افتقار البلاد إلى أي حياةٍ سياسيةٍ خلال نصف قرن الماضي، وانعدام الخبرة التنظيمية ومفهوم الحوار الوطني نفسه، إلى بروز دور الوجاهات الدينية والعائلية على حساب رجال السياسة والثقافة. هكذا، أدت المواجهة الدموية التي فرضها النظام على الثورة إلى حرمان التحالف الشعبي الذي التأم وراءها من فرصة التبلور والتجذّر والاستمرار، وأظهرت هشاشة أسسه الفكرية والسياسية، وأجهضته قبل أن ينضج، فخبت دعوة الديمقراطية ومشروعها تدريجياً لصالح المنظور الإسلامي السلفي. وظهرت أول مرة محاولة ربط الثورة بمظلومية السنة، وتعريف من كانوا يسمون أنفسهم أهل السنة والجماعة أنفسهم كطائفة، حتى بدا وكأن الدولة الإسلامية، شعاراً ورؤية سياسية، أصبحت مشروعاً سياسياً خاصاً بهم، ولإنصافهم مقابل الدولة العلمانية التي ربط النظام وحلفاؤه بينها والأقليات المذهبية والدينية.
ما ساعد النظام وحلفاءه على تحقيق هذه الأهداف أيضاً عاملان. الأول ضعف مقاومة التيارات الإسلامية الإصلاحية لصعود السلفية وتشوشها بأفكارها، وذلك بسبب حداثة عهدها بالفكرة الديمقراطية وتبنيها السطحي لها، قبل أن تشعر، منذ عام 2016، بخطرها عليها. والثاني ضيق الأفق الذي طبع دائماً تيارات العلمانية العربية، والسورية خصوصاً، والذي حوّل العلمانية إلى عقيدةٍ خاصة إقصائية، وشجع أنصار العلمانية وجمهورها على الدخول في معركةٍ مع الإسلامية الإصلاحية في ذروة الصراع ضد وحشي الطغيان والسلفية الجهادية، بدل السعي إلى جذبها إلى صف الخيار الديمقراطي وقطع الطريق على استسلامها للسلفية.
وعلى مستوى آخر، لم يكن للخيار الديمقراطي، أو أفضل الشعبي، في الثورة السورية أي "حليفٍ" قوي حقيقي، لا داخل سورية، في صفوف النخب الحاكمة والسائدة، ولا في المحيطين، الإقليمي والدولي، ولم تكن أكثر القوى والدول، بما فيها التي أظهرت التأييد لمطالب الشعب، في عداء مع الأسد، ولا كانت لديها أي رغبة فعلية في تغيير النظام الاستبدادي. كانت مصالحها تقتضي امتصاص النقمة الشعبية والقيام بتنازلات جزئية، أي بإصلاحات من داخل النظام نفسه، في اتجاه تخفيف جرعة العنف الدموي التي يفرض على الشعب تجرعها، من أجل الحفاظ على الاستقرار والعلاقات القوية مع سورية. فالواقع أن النظام السوري لم يكن نظاماً سياسياً محلياً أو سورياً، يقوم بوظيفة الحكم، بصرف النظر عن نمط حكمه، داخل سورية وتجاه الشعب السوري فحسب، وإنما كان جزءاً من منظومة إقليمية، وله وظيفةٌ في حفظ التوازنات الجيوسياسية والاستراتيجية المشرقية والشرق أوسطية أيضاً، وربما كانت هذه الوظيفة الثانية الأهم والأصل في بقائه، وفي غض النظر عن أسلوب حكمه وتحكّمه الدمويين. بل إن هذا التحكم ذا الطابع الهمجي الذي لا يعير أهمية لمبدأ، ولا قاعدة ولا عرف، كان نقطة الضعف الرئيسية فيه، وكان بإمكانه لو توفرت له قيادة تثق قليلاً بنفسها ومستقبلها، وتتصرف باحترام أكبر ليس للقانون الوطني والدولي، وإنما لمظاهرهما السطحية على الأقل، أن يكون أكثر قبولاً وتأييداً خارجياً، من دون أن يتعرّض لأي تهديد، بالعكس كان ذلك سيبرّر للغرب والخليج أن يقدما له المزيد من الدعم والمساعدات المجانية.
وليس خافياً أن جميع الدول التي وجدت نفسها مسوقةً لدعم المعارضة كانت من أقرب الحلفاء لنظام الأسد، وأكثرها دعما له، من دول الخليج إلى تركيا إلى أوروبا الغربية. كانت بالأحرى تخاف عليه من الثورة الشعبية بمقدار ما تخاف من الثورة ذاتها على استقرارها و"استقرار" المنطقة، كما ظهر ذلك واضحاً أيضاً في تونس ومصر ودول الربيع العربي الأخرى. وكانت سياستها تقتضي لملمة الوضع، وإيجاد حل سريع يجمع بين النظام والمعارضة، أو ينزع فتيل ثورة عارمةٍ، ويفتح الطريق أمام تسويةٍ سياسيةٍ تؤمن بعض تطلعات الشعب الأساسية، وهي الكرامة المرتبطة بالتسليم بحد أدنى من الحرية الشخصية، أي الحدّ من استباحة النظام وأجهزته الأمنية لحرمة الإنسان وحقوقه الأساسية في الأمان على نفسه وأهله وملكه. وهذا كان مضمون المبادرة العربية التي ستتحول إلى مبادرة دولية، بلورها كوفي أنان في ست نقاط، وعرفت في ما بعد باتفاق جنيف 1. ولم تتحول إلى ثورة مسلحة داخلية، ومن ثم إلى حرب إقليمية تتواجه فيها الدول المؤيدة للأسد والمعادية لبقائه، إلا لأن النظام قرّر قطع الطريق على أي إصلاح، وقضى على أي تعبير عن رغبةٍ في الحوار في صفوفه نفسه، كما تشير إلى ذلك تصفية رجال خلية الأزمة، وفتح الأبواب واسعة أمام التدخل الإيراني المباشر.
من الحرب إلى السياسة
هل يعني هذا أن الثورة السورية قد انتهت، أو أن التحالف الشعبي الواسع الذي وقف وراءها، وضحّى من أجل انتصارها، ما لم يضح به شعب من قبل، قد تفكّك، وأن الخيار الديمقراطي لم يعد له أي أمل في استعادة المبادرة، ولم يبق غير الاستسلام والقبول بالأمر الواقع وإعادة تأهيل النظام؟
ينبغي القول، أولاً، إن الذي انتهى بالفعل هو النظام الذي تحول إلى أنقاض بمقدار ما حول الدولة والبلاد إلى أكوام من الركام والخراب. وأنقاض نظامه السياسي والإداري والفكري لا تختلف أبداً في حقيقة وجودها ومضمونه عن الأنقاض المادية التي نشهدها في المدن والبلدات والأحياء والقرى السورية العديدة المدمرة. وهذا يعني أنه فقد أي مقدرة على التماسك الذاتي وتنظيم نفسه وصياغة أجندة سياسية خاصة به، ولا يستمر في الوجود، على مختلف مستوياته العسكرية أو السياسية أو الفكرية، إلا بفضل ما تبثه فيه الدول الأجنبية المنتدبة باسمه، إيران وروسيا، من النظام والوحدة والاتساق. وقد سلم أمره طواعية، بما في ذلك على الصعيد العسكري، لهاتين الدولتين، وصار رهينة في يديهما. وليس لهذه الدول مصلحة في أن تعيد بناء النظام وتوازنات المصالح بما يساعد على إحيائه بعد موته، ولن تستطيع إحياءه حتى لو سعت إلى ذلك. إنما ستعيد بناء نظام يتفق مع المصالح التي اكتسبتها وتلك التي تراهن على اكتسابها.
وبصرف النظر عما يُشاع ويتداول في الصحافة اليومية، لن تقوم للنظام قائمة بعد الآن، كما لن يأتي أي حل من الأستانة. وليس ما يدور الصراع من حوله الآن بين الدول والقوى الداخلية والخارجية إعادة تأهيل نظامٍ لم يعد له وجود، وإنما هي تحتفظ به غلالة تخفي من ورائها صراعها على تقرير شكل النظام البديل الذي تطمح كل منها أن تجعله أقرب لأطماعها ومصالحها وأحلامها، وعرضياً على إيجاد الطريقة التي تمكن الأسد وبعض أزلامه من الخروج من دون حساب وعقاب، جائزة ترضية على مهمته وتسليمه لها بالقرار.
ثم إن نظام الأسد انتهى، لأنه لم يكن في أي فترة سابقة في وضع أسوأ مما هو عليه اليوم، للرد على مطالب الطبقات والشرائح والفئات الاجتماعية التي قاتلت ست سنوات متواصلة لإسقاطه. وإذا كان قد أفلس في إقناع الشعب به، والرد على حاجاته وهو في أحسن أوضاعه، الداخلية والخارجية، قبل الثورة، فكيف بإمكانه اليوم، بعد كل هذا الخراب والدمار، في الداخل والخارج، أن يعيد ترميم نفسه، ويرد على تطلعات الشعب الذي أدماه.
لن يوقف الثورة، بمعنى الخروج على نظام الأسد والسعي إلى إسقاطه، وربما اليوم أكثر الانتقام منه، شيء بعد الآن سوى سقوط الأسد بالفعل، ومعه طغمته وطرائق الحكم التي أوصلته إلى السلطة وقواعد ممارسته لها ومبادئه وتوجهاته. وهذا يعني أن الثورة سوف تستمر، والخروج على القانون يتحوّل قانوناً ما دامت الدولة أصبحت هي نفسها من دون شرعة ولا قانون. وإذا لم ينجح التحالف الشعبي الواسع في إسقاط الأسد بالضربة القاضية، نظراً لقوة الدعم الخارجي له، فقد قتله في حرب الاستنزاف الطويلة. وهذا ما حصل بالضبط. وما نراه اليوم هو جثته التي يحافظ عليها ورثته بماء العين لإخفاء الوجه القبيح للاحتلال الأجنبي.
لكن سقوط الأسد ونظامه لن يحل وحده المشكلة، ولن يجلب الأمن والاستقرار والازدهار،
فبديله لن يكون سوى حكم الاحتلال والانتداب الأجنبي معاً، وبالتالي الاستمرار في الفوضى والنزاع. لن يحقق الاستقرار والأمن والعودة إلى الحالة الطبيعية وحكم القانون، وعودة الأعمال إلى ما كانت عليه، سوى النجاح في إقامة النظام الذي يمثل الشعب، ويستجيب لتطلعاته ويلبي حاجاته، وفي مقدمها الحاجة إلى الكرامة والحرية، أي إلى الاعتراف بسيادة الشعب وحقه في تقرير مصيره، وقبل ذلك بوجوده كياناً وهويةً وأصلاً، وإخضاع النخب الحاكمة له ولخدمته، لا العكس. وهذا هو المخرج الديمقراطي للثورة السورية، وهو المخرج الوحيد الذي يسمح بإعادة تشكيل التحالف الشعبي الذي ثار ضد الأسد، وتعزيز أركانه الفكرية والسياسية والاجتماعية، بما يساعد على تحويله إلى قطب رئيسي قوي، تدور من حوله الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية السورية، وقاعدة قوية لنظام سياسي اجتماعي متين وراسخ، يصمد لإغراءت الانقلابات على الدستور، عسكريةً كانت أم مدنية.
انتهت مرحلة أولى من الثورة السورية، وبدأت مرحلة ثانية يسيطر عليها العمل السياسي، من دون أن يعني ذلك التخلي عن المقاومة المسلحة، أو الاستهانة بدورها. وجوهر مهام هذه المرحلة إعادة تجميع وتوحيد القوى الشعبية التي شتتها القتال الوحشي والدامي، وترميم التحالف الديمقراطي الذي زعزع أركانه التدخل الأجنبي، وحل تناقضات المصالح بين جماعاته وطبقاته وتياراته، والذي يستطيع وحده إعادة وضع السياسة السورية على قدميها، والسماح للمجتمع السوري أن يدخل، أخيراً، في السياسة، بعد نصف قرن من الحرب، الباردة والدموية معاً، وما خلفته من جراحات وندوب وانقسامات مذهبية وقومية وضياع لا يمكن لأي سلاح قاتل أن ينجح في علاجه. وفي هذا الانتقال المنتظر من الحرب إلى السياسة، ليس هناك رهان سوى على جيل الشباب الجديد الذي عركته معارك الكفاح، من أجل التحرّر من العبودية، ولم تعد له علاقة بثقافة الماضي، ولا بأوهامه ومخاوفه. هو وحده المؤهل لاستعادة المبادرة.
فسورية القادمة إما أن تكون ديمقراطية أو لن تكون.
ويساعد هذا المناخ الغامض والمشكك الكثير من الأفراد والمجموعات التي تفتقر لوعي وطني أو التزام اجتماعي على أن تتقدم الصفوف، لتطبق أجنداتها الخاصة، وتجيّر الثورة لأهداف مختلفة عن أهدافها الأصلية.
أما تلك القوى التي لم يكن لها منذ البداية أمل كبير بالثورة، أو التي لم تؤمن بها، ولا تتعاطف مع شعاراتها ومشروعها، فهي تشعر اليوم بالفرح، إن لم نقل بالنصر أمام ما تشهده القوى الاجتماعية التي وقفت وراء الثورة من تقلب الأحوال والشك والانتظار. وأكثر فأكثر تبرز، من وراء الخطاب المحبط، الأطروحات التي تدعو إلى وقف الثورة أو الاعتراف بالهزيمة.
الثورة بين خياري الحرب والمواجهة
جرّت الثورة السورية وراءها، بعد أن عجز نظام الأسد عن كبح جماحها، تحالفاً واسعاً من الطبقات وقطاعات الرأي، ذات التطلعات والمطالب المتباينة، وأحياناً المتناقضة أيضاً التي جمع بينها شعار واحد، هو إسقاط النظام. وفِي ما وراء هذا الهدف الذي يمثل مطلباً عاماً ومشتركاً لم يحدّد التحالف الثوري المضمون الفكري والاجتماعي للنظام القادم، ولكنه أكّد على مبدأ الاحتكام للشعب، مؤكّداً مع ذلك، كما تظهر أسماء جمع التظاهر، على الطابع المدني والتعدّدي للدولة القادمة، واحترام مصالح جميع الأطياف القومية والطوائف على مستوى واحد. وهذا هو جوهر العهد غير المكتوب الذي اجتمعت من حوله قوى الثورة السورية في مظاهراتها السلمية، وهو أيضاً العنصر الأول في بناء النظم الديمقراطية، والأصل في ولادة الشعب بالمعنى السياسي، باعتباره مصدراً للسلطة. والواقع أنه، من دون فتح هذا الأفق الديمقراطي، كانت الثورة ستظل في أفق الهدم والسلبية، ولا ضمان تماسك التحالف الاجتماعي القائم من ورائها، ولا تقديم آلية سياسية للخروج بنظام جديد. الديمقراطية كاحتكام للشعب في كل القرارات المتعلقة بالحياة العامة هي التي تعيد تركيب النظام العام على أسسٍ جديدة، تضمن العدالة التي ثارت قوى متعدّدة ومتباينة المصالح من أجلها، وتساوي بين جميع أفرادها، بما في ذلك الذين لم يشاركوا في الثورة أو كانوا ضدها.
لكن هذا الأفق الديمقراطي الذي سيطر على جمهور الثورة في سنتها الأولى لم يحظ بالوقت، ولا التقى الشروط الكافية التي تسمح له بالرسوخ والتحول إلى خيار ثابت. وما لبث أن تراجع تدريجياً لصالح توجه إسلاموي سيطر على موقع القيادة والتوجيه، في صفوف الفصائل المقاتلة أولاً، ثم على فكر أكثرية المناصرين للثورة في ما بعد.
لم يكن إضعاف الخيار الديمقراطي لصالح الخيار الإسلامي في الثورة السورية مصادفة، ولا لأسبابٍ دينيةٍ أو مذهبيةٍ أو أيديولوجية، وإنما كان هدفاً استراتيجياً اشتغل عليه النظام بالوسائل العسكرية والدعائية معاً منذ اللحظات الأولى. وهذا ما كان مستهدفاً من إنكار حقيقة الثورة وربطها بالإرهاب والرد عليها بإطلاق حرب حياةٍ أو موت، والقضاء بأبشع الوسائل على جيل النشطاء الأول، بالقتل أو الاعتقال أو النفي، وإطلاق سراح زعماء السلفية الجهادية من سجونهم، والاشتغال المنهجي لأجهزة النظام وإعلام حلفائه أيضاً على تأجيج مشاعر الانقسام الطائفي والقومي، ونشر صور المعاملة المهينة والحاطّة بكرامة الإنسان التي تقوم بها قواته
فضّل النظام تفجير الحرب الإقليمية والمذهبية على الاعتراف بشرعية الاحتجاج والقبول بتعديل قواعد عمله وسلوكه. وكما اختار نقل المواجهة إلى المستوى الإقليمي، اختار عن قصد، وكجزء من استراتيجية الحسم العسكري، وتوسيع قاعدة التحالف الإقليمي والدولي لصالحه، خيار الحرب الطائفية والقتل على الهوية لجعل الحرب حرب وجود بين أقليات وأكثرية، ومسلمين وغير مسلمين. ووضع ثقله وثقل حلفائه جميعاً في الميزان في سبيل تحويل الثورة السياسية إلى حربٍ أهليةٍ والقضاء على الخيار الديمقراطي الذي يشكل المشروع السياسي الوحيد الجامع لقوى الثورة، أو القادر على جمعها، ومن ورائها تشكيل البديل المقبول من الشعب لنظام الأسد. وكما قادت هذه الاستراتيجية إلى احتلال المليشيات الطائفية، وزعيمها الولي الفقيه في طهران، مقدمة المسرح في صف الثورة المضادة، أدت أيضا إلى هيمنة الفصائل الإسلامية على معظم قوى الثورة وقياداتها، ودفعت إسلاميين كثيرين في العالم إلى التعاطف معها، والضغط لمذهبتها، وحكمت بالتراجع المتزايد لحلفائها الأوائل عنها.
إسقاط الخيار الديمقراطي
كما كان ينتظر النظام، ما كان للعسكرة إلا أن تقود إلى تغيير القاعدة الاجتماعية الأساسية للثورة، وإعادة صياغة توجهاتها وبرنامجها السياسيين، على حساب القيادة التي نظمت التظاهرات، والطبقات التي كانت وراءها، قبل أن تقضي، في وقتٍ لاحق، على تظاهرات الاحتجاج السلمي نفسها. ولم يكن من غير المتوقع أن يقود صعود الطبقات الشعبية إلى واجهة الصراع، في ظرف افتقار البلاد إلى أي حياةٍ سياسيةٍ خلال نصف قرن الماضي، وانعدام الخبرة التنظيمية ومفهوم الحوار الوطني نفسه، إلى بروز دور الوجاهات الدينية والعائلية على حساب رجال السياسة والثقافة. هكذا، أدت المواجهة الدموية التي فرضها النظام على الثورة إلى حرمان التحالف الشعبي الذي التأم وراءها من فرصة التبلور والتجذّر والاستمرار، وأظهرت هشاشة أسسه الفكرية والسياسية، وأجهضته قبل أن ينضج، فخبت دعوة الديمقراطية ومشروعها تدريجياً لصالح المنظور الإسلامي السلفي. وظهرت أول مرة محاولة ربط الثورة بمظلومية السنة، وتعريف من كانوا يسمون أنفسهم أهل السنة والجماعة أنفسهم كطائفة، حتى بدا وكأن الدولة الإسلامية، شعاراً ورؤية سياسية، أصبحت مشروعاً سياسياً خاصاً بهم، ولإنصافهم مقابل الدولة العلمانية التي ربط النظام وحلفاؤه بينها والأقليات المذهبية والدينية.
ما ساعد النظام وحلفاءه على تحقيق هذه الأهداف أيضاً عاملان. الأول ضعف مقاومة التيارات الإسلامية الإصلاحية لصعود السلفية وتشوشها بأفكارها، وذلك بسبب حداثة عهدها بالفكرة الديمقراطية وتبنيها السطحي لها، قبل أن تشعر، منذ عام 2016، بخطرها عليها. والثاني ضيق الأفق الذي طبع دائماً تيارات العلمانية العربية، والسورية خصوصاً، والذي حوّل العلمانية إلى عقيدةٍ خاصة إقصائية، وشجع أنصار العلمانية وجمهورها على الدخول في معركةٍ مع الإسلامية الإصلاحية في ذروة الصراع ضد وحشي الطغيان والسلفية الجهادية، بدل السعي إلى جذبها إلى صف الخيار الديمقراطي وقطع الطريق على استسلامها للسلفية.
وعلى مستوى آخر، لم يكن للخيار الديمقراطي، أو أفضل الشعبي، في الثورة السورية أي "حليفٍ" قوي حقيقي، لا داخل سورية، في صفوف النخب الحاكمة والسائدة، ولا في المحيطين، الإقليمي والدولي، ولم تكن أكثر القوى والدول، بما فيها التي أظهرت التأييد لمطالب الشعب، في عداء مع الأسد، ولا كانت لديها أي رغبة فعلية في تغيير النظام الاستبدادي. كانت مصالحها تقتضي امتصاص النقمة الشعبية والقيام بتنازلات جزئية، أي بإصلاحات من داخل النظام نفسه، في اتجاه تخفيف جرعة العنف الدموي التي يفرض على الشعب تجرعها، من أجل الحفاظ على الاستقرار والعلاقات القوية مع سورية. فالواقع أن النظام السوري لم يكن نظاماً سياسياً محلياً أو سورياً، يقوم بوظيفة الحكم، بصرف النظر عن نمط حكمه، داخل سورية وتجاه الشعب السوري فحسب، وإنما كان جزءاً من منظومة إقليمية، وله وظيفةٌ في حفظ التوازنات الجيوسياسية والاستراتيجية المشرقية والشرق أوسطية أيضاً، وربما كانت هذه الوظيفة الثانية الأهم والأصل في بقائه، وفي غض النظر عن أسلوب حكمه وتحكّمه الدمويين. بل إن هذا التحكم ذا الطابع الهمجي الذي لا يعير أهمية لمبدأ، ولا قاعدة ولا عرف، كان نقطة الضعف الرئيسية فيه، وكان بإمكانه لو توفرت له قيادة تثق قليلاً بنفسها ومستقبلها، وتتصرف باحترام أكبر ليس للقانون الوطني والدولي، وإنما لمظاهرهما السطحية على الأقل، أن يكون أكثر قبولاً وتأييداً خارجياً، من دون أن يتعرّض لأي تهديد، بالعكس كان ذلك سيبرّر للغرب والخليج أن يقدما له المزيد من الدعم والمساعدات المجانية.
وليس خافياً أن جميع الدول التي وجدت نفسها مسوقةً لدعم المعارضة كانت من أقرب الحلفاء لنظام الأسد، وأكثرها دعما له، من دول الخليج إلى تركيا إلى أوروبا الغربية. كانت بالأحرى تخاف عليه من الثورة الشعبية بمقدار ما تخاف من الثورة ذاتها على استقرارها و"استقرار" المنطقة، كما ظهر ذلك واضحاً أيضاً في تونس ومصر ودول الربيع العربي الأخرى. وكانت سياستها تقتضي لملمة الوضع، وإيجاد حل سريع يجمع بين النظام والمعارضة، أو ينزع فتيل ثورة عارمةٍ، ويفتح الطريق أمام تسويةٍ سياسيةٍ تؤمن بعض تطلعات الشعب الأساسية، وهي الكرامة المرتبطة بالتسليم بحد أدنى من الحرية الشخصية، أي الحدّ من استباحة النظام وأجهزته الأمنية لحرمة الإنسان وحقوقه الأساسية في الأمان على نفسه وأهله وملكه. وهذا كان مضمون المبادرة العربية التي ستتحول إلى مبادرة دولية، بلورها كوفي أنان في ست نقاط، وعرفت في ما بعد باتفاق جنيف 1. ولم تتحول إلى ثورة مسلحة داخلية، ومن ثم إلى حرب إقليمية تتواجه فيها الدول المؤيدة للأسد والمعادية لبقائه، إلا لأن النظام قرّر قطع الطريق على أي إصلاح، وقضى على أي تعبير عن رغبةٍ في الحوار في صفوفه نفسه، كما تشير إلى ذلك تصفية رجال خلية الأزمة، وفتح الأبواب واسعة أمام التدخل الإيراني المباشر.
من الحرب إلى السياسة
هل يعني هذا أن الثورة السورية قد انتهت، أو أن التحالف الشعبي الواسع الذي وقف وراءها، وضحّى من أجل انتصارها، ما لم يضح به شعب من قبل، قد تفكّك، وأن الخيار الديمقراطي لم يعد له أي أمل في استعادة المبادرة، ولم يبق غير الاستسلام والقبول بالأمر الواقع وإعادة تأهيل النظام؟
ينبغي القول، أولاً، إن الذي انتهى بالفعل هو النظام الذي تحول إلى أنقاض بمقدار ما حول الدولة والبلاد إلى أكوام من الركام والخراب. وأنقاض نظامه السياسي والإداري والفكري لا تختلف أبداً في حقيقة وجودها ومضمونه عن الأنقاض المادية التي نشهدها في المدن والبلدات والأحياء والقرى السورية العديدة المدمرة. وهذا يعني أنه فقد أي مقدرة على التماسك الذاتي وتنظيم نفسه وصياغة أجندة سياسية خاصة به، ولا يستمر في الوجود، على مختلف مستوياته العسكرية أو السياسية أو الفكرية، إلا بفضل ما تبثه فيه الدول الأجنبية المنتدبة باسمه، إيران وروسيا، من النظام والوحدة والاتساق. وقد سلم أمره طواعية، بما في ذلك على الصعيد العسكري، لهاتين الدولتين، وصار رهينة في يديهما. وليس لهذه الدول مصلحة في أن تعيد بناء النظام وتوازنات المصالح بما يساعد على إحيائه بعد موته، ولن تستطيع إحياءه حتى لو سعت إلى ذلك. إنما ستعيد بناء نظام يتفق مع المصالح التي اكتسبتها وتلك التي تراهن على اكتسابها.
وبصرف النظر عما يُشاع ويتداول في الصحافة اليومية، لن تقوم للنظام قائمة بعد الآن، كما لن يأتي أي حل من الأستانة. وليس ما يدور الصراع من حوله الآن بين الدول والقوى الداخلية والخارجية إعادة تأهيل نظامٍ لم يعد له وجود، وإنما هي تحتفظ به غلالة تخفي من ورائها صراعها على تقرير شكل النظام البديل الذي تطمح كل منها أن تجعله أقرب لأطماعها ومصالحها وأحلامها، وعرضياً على إيجاد الطريقة التي تمكن الأسد وبعض أزلامه من الخروج من دون حساب وعقاب، جائزة ترضية على مهمته وتسليمه لها بالقرار.
ثم إن نظام الأسد انتهى، لأنه لم يكن في أي فترة سابقة في وضع أسوأ مما هو عليه اليوم، للرد على مطالب الطبقات والشرائح والفئات الاجتماعية التي قاتلت ست سنوات متواصلة لإسقاطه. وإذا كان قد أفلس في إقناع الشعب به، والرد على حاجاته وهو في أحسن أوضاعه، الداخلية والخارجية، قبل الثورة، فكيف بإمكانه اليوم، بعد كل هذا الخراب والدمار، في الداخل والخارج، أن يعيد ترميم نفسه، ويرد على تطلعات الشعب الذي أدماه.
لن يوقف الثورة، بمعنى الخروج على نظام الأسد والسعي إلى إسقاطه، وربما اليوم أكثر الانتقام منه، شيء بعد الآن سوى سقوط الأسد بالفعل، ومعه طغمته وطرائق الحكم التي أوصلته إلى السلطة وقواعد ممارسته لها ومبادئه وتوجهاته. وهذا يعني أن الثورة سوف تستمر، والخروج على القانون يتحوّل قانوناً ما دامت الدولة أصبحت هي نفسها من دون شرعة ولا قانون. وإذا لم ينجح التحالف الشعبي الواسع في إسقاط الأسد بالضربة القاضية، نظراً لقوة الدعم الخارجي له، فقد قتله في حرب الاستنزاف الطويلة. وهذا ما حصل بالضبط. وما نراه اليوم هو جثته التي يحافظ عليها ورثته بماء العين لإخفاء الوجه القبيح للاحتلال الأجنبي.
لكن سقوط الأسد ونظامه لن يحل وحده المشكلة، ولن يجلب الأمن والاستقرار والازدهار،
انتهت مرحلة أولى من الثورة السورية، وبدأت مرحلة ثانية يسيطر عليها العمل السياسي، من دون أن يعني ذلك التخلي عن المقاومة المسلحة، أو الاستهانة بدورها. وجوهر مهام هذه المرحلة إعادة تجميع وتوحيد القوى الشعبية التي شتتها القتال الوحشي والدامي، وترميم التحالف الديمقراطي الذي زعزع أركانه التدخل الأجنبي، وحل تناقضات المصالح بين جماعاته وطبقاته وتياراته، والذي يستطيع وحده إعادة وضع السياسة السورية على قدميها، والسماح للمجتمع السوري أن يدخل، أخيراً، في السياسة، بعد نصف قرن من الحرب، الباردة والدموية معاً، وما خلفته من جراحات وندوب وانقسامات مذهبية وقومية وضياع لا يمكن لأي سلاح قاتل أن ينجح في علاجه. وفي هذا الانتقال المنتظر من الحرب إلى السياسة، ليس هناك رهان سوى على جيل الشباب الجديد الذي عركته معارك الكفاح، من أجل التحرّر من العبودية، ولم تعد له علاقة بثقافة الماضي، ولا بأوهامه ومخاوفه. هو وحده المؤهل لاستعادة المبادرة.
فسورية القادمة إما أن تكون ديمقراطية أو لن تكون.