07 نوفمبر 2024
مثقفون مستقلون شيعة في نداء "مدَني"
شهد فندق بيروتي، أخيراً، ولادة لقاء جديد قديم، لشخصيات شيعية مستقلة، من مثقفين وناشطين ومرشحين في الانتخابات البلدية السابقة، فضلاً عن ممثلين لعائلات شيعية كانت حاكمة. سمّوا هذا التجمع "مَدَنيا"، وشعاره "نداء الدولة والمواطنة". وهدفه المباشر الاشتراك في الانتخابات النيابية المقبلة. وتفهم أنتَ بشيء من هذا "النداء"، وبمواقف سابقة لشخصياتٍ شاركت فيه، بأنهم بصدد منافسة الثنائي الشيعي في لبنان (أمل وحزب الله) في هذه الانتخابات.
طبعاً، الترحيب حق لأية خطوة تناهض حزب الله؛ والترحيب أيضاً بتصدّر مثقفين مستقلين شيعة هذه الديناميكية، غير آبهين بألوان تهديد وتشهير، تعرّضوا لها سابقاً. لكنهم أيضاً، يخلقون بذلك إشكالية في فهم أحوالنا. من آياتها أنه ما كان لحزب الله أن يحيا كل هذه الحياة، لو لم تتطعّم بقية الطوائف وزعمائها بجرعاته الزائدة من السموم المذهبية، ومن تجاوزاته أسس الدولة وقوانينها. فأصبحنا أمام طوائف، كلٌ بحسب قدرته، يتواطأ مع حزب الله، يصعد على ظهره، يجد الوسائل والحجج ليتساكن معه، بل يتفوق عليه في المكر والتذاكي؛ من دون أن يملك إمكاناته، والأهم من ذلك من دون أن يفقد بوصلة التجييش الطائفي المذهبي.
والمشهد الموزاييكي المترتّب على هذه الحالة: أن في قلب كل طائفة - مذهب، قيادة تغذّي "المظلومية"، أو "الحقوق المهدورة"، أو "الحقوق التاريخية"... فتتعزّز بذلك زعامتها. فنحن ما زلنا، بعد الحرب الأهلية، محكومين بنظام طائفي أكثر صميمية. لولاه لما وُجد حزب الله، ولما رضخت له الطوائف الأخرى، فتغذت بمزيد من التجنيد الطائفي، أقوى محرّك للناس، أكبر حافز على تجمعهم. والدائرة تدور حول نفسها، بلا توقف..
مختصر القول إن المثقفين والمستقلين داخل هذه الطوائف الأخرى، السنّية، المارونية، الدرزية، إلخ، هم أيضاً مثل الشيعة، واقعين في قبضة عصبيتها وزعيمها، أو زعيمَيها. والرافضون
لهما، أين هم الآن؟ في أية زاوية هم قابعون؟ وأي "نداءٍ" من داخل طوائفهم يخرجهم إلى النور؟ بعدما شاهدوا "النداء" الشيعي؟ وإنْ تمكّنوا، فهل يقتدون بأترابهم من الشيعة؟ فيشكلون تجمعات من المثقفين السنّة وأخرى من الموارنة، أو الدروز أو الكاثوليك.. إلخ... تناظر المثقفين الشيعة الأعرق منهم، الأقوى منهم، المستمدين ديناميكيتهم من فائض القوة التي يضخّها حزب الله على الشيعة، وعليهم، فمنحهم، من دون أن يقصد، تلك الطاقة التي تجمعهم وتصدّرهم إلى الحياة العامة؟ جملة في "النداء" لا تبتعد عن هذه الروح، إذ تقول "إن التغيير في الساحة الشيعية هو أساس مفصلي للتغيير". نظرية التمحور حول الذات الشيعية، بالقبول أو بالرفض.
والتجارب السابقة لا تبشّر بشيء من الاستمرارية. المثقفون والمستقلون الشيعة سبق أن نظّموا تجمعاتٍ تعبّر كلها عن مناهضتهم لحزب الله، واحتكاره الرأي الشيعي. في الأعوام الماضية، تجمعوا في لقاءاتٍ مماثلة، منها "اللقاء الشيعي اللبناني" (2005)، بيانات للمثقفين الشيعة (2013)، وغيرها الكثير. لا بل إن شخصياتٍ شاركت في هذه الفعاليات القديمة، كانت من بين الداعين إلى "النداء" الذي نحن بصدده، فيما أخرى غابت عنه، وأخرى استجدّت عليه. فيكون السؤال: ما هي الدروس المستفادة من اقتصار هذه الفعاليات على لحظة الإعلان عنها؟ هل كان فيها خلل؟ أم أن خلوّها من إمكانات الاستمرار هو من طبيعتها؟
وتفيدنا هنا تجربة تاريخية مشابهة: من يتذكّر أولئك المسيحيين اليساريين في بداية الحرب الأهلية، كانوا أقليةً بين اليساريين المسلمين المشتبكين مع أحزاب اليمين المسيحية، وأقلية في بيئتهم المسيحية المؤيدة لهذه الأحزاب؟ والذين أسسوا تجمعات كلها تحمل وصفهم "مسيحيين يساريين" أو "تقدميين"؟ لو تعقبت مآل غالبيتهم، سوف تجدهم موزّعين بين "شخصياتٍ مسيحية" متقربة من أحد أقطاب طائفتها، وبين مهاجرين هاربين من اليسار ومن الطوائف، أو تائهين غارقين في بحر عصبياتها... لماذا اضمحلت تجربة المسيحيين التقدميين أيام الحرب؟ لماذا تتكرر منذ عشر سنوات تجارب التجمعات الشيعية الحرّة، ولا تعيش؟
هدَف هذا اللقاء إلى المشاركة في الانتخابات النيابية؛ جملة واحدة تتصدّر بيانهم، فتقول "الانسداد الوطني لا يمكن إزالته إلا بتغيير حقيقي في البرلمان والسلطة". هذه كلمات تصيبكَ بالدهشة. وتكاد تسأل "حقا...؟". وكأن صائغي البيان يجهلون أن أكثر المفاصل طائفيةً في النظام اللبناني، هي الانتخابات، وقوانينها، التي أدت، بعد شدّ حبال عنيف بين زعماء الطوائف، إلى اكتسائها طابعاً أكثر طائفيةً مما سبقها؛ فوق أنها معقدة إلى حدّ أنها لا تحتمل أي تحالف. هل المشاركة في هذه الانتخابات يمكن أن تتم بقواعد غير طائفية؟ الشيخ عباس الجوهري، أحد المشاركين في اللقاء، أجاب عن هذا السؤال، في معرض تصوّره لما ستؤول إليه التحالفات بين أصحاب "النداء" وغيرهم، أي التفاصل، الخطيرة دائماً... قال: "سنتحالف مع الصوت السني المغيّب في البقاع (...) ومع الصوت المسيحي المغيّب...". تخيَّل نتائج حصاد للأصوات كهذا: معْمعة، بين "سني"، أو "مسيحي مغيَّب" وآخر "غير مغيّب"... أين منها فوضى الطوائف التي لا تعرف أين تضع تحالفاتها (هذا كله ولم نحسب بعد حساب أبناء العائلات التي اعتادت على الحكم، في الماضي، والمشتركة الآن في "النداء").
هل وجهة النظر هذه متطرّفة؟ ربما. فلنتابع بالتطرّف نفسه: افترض أنه، وبشق الأنفس، وبتحالفاتٍ "خارجة عن الطبيعة"، ظفر اللقاء "المدني" هذا بنائب واحد، وبالأكثر نائبين. إلى ماذا أفضت التجارب السابقة المشابهة، هي أيضاً، التي رفعت "يساريين"، أو معارضين، إلى مصاف نواب الأمة؟ لا شيء تقريباً. تمتع أولئك المحظوظون بالامتيازات النيابية، وسجلوا صراخاً عالياً، مسلِّياً غالباً، يخرجكَ من الملَل البرلماني. والنتيجة الأعمق أن نيابتهم عن الشعب في البرلمان لم تمنع النظام الطائفي من التوحش، بعدما كان يوصف بالاعتدال، عندما كان في أوج تألقه. وهو الآن أنتج قوانين انتخابية تضيق أصلاً بمن فصّلوها، فسهل عليهم توزيعنا، نحن المواطنين المقترعين، بين أقفاص لفئرانٍ منفصلة عن بعضها بمتاهاتها.
الأمر الثالث المثير في هذا اللقاء هو انعدام بصْمة المثقفين عليه، على الرغم من تصدّرهم
منصّته. بعضهم معروف جداً ببوستاته على مواقع التواصل، وبمقالاته المنتظمة، وظهوره على الشاشة الصغيرة. ها هم الآن غائبون "روحياً" عن البيان "النداء" الذي أطلقوه، والذي يعجّ بالكلام المرسل عن حالة البلاد. يمكن لهذا "النداء" أن يصدر، مع تعديلٍ بسيط، عن أي لسان مستنكر لهذه الحالة؛ والألسنة المستنكرة طويلة، لا تعدّ، حتى بين السياسيين أنفسهم، المسؤولين مباشرة عن تردّي "الأوضاع"؛ وضوح شديد إذن في التذمر والاستنكار، وغموض في التعريف. يشيرون، مثلاً، في ندائهم، إلى خصومهم، مرة بصفتهم "السلطة" ومرة أخرى بـ"سلطة أحزاب بعينها"، أو "نظام الحكم"، أو "البرلمان والسلطة"، من دون أن يعتنوا بفحوى هذه المصطلحات. وإذا لم تكن أنتَ على بيّنةٍ من مواقف أبرز شخصيات هذا اللقاء، لما فهمتَ أن المقصود بـ"الدويلة"، الضيئلة الخجولة في النص، هو حزب الله بالذات.
ثم إن هذا الأخير لم يعد يحتكر حصراً مفهوم الدويلة، بعدما بلغ التشبه بحزب الله ذراه لدى الطوائف الأخرى. "دويلات الطوائف" مطابق للواقع أكثر من "دويلة حزب الله". شياطين خرساء، رأت الشر بعينيها وقررت، حفاظاً على سلطتها، أن تتعامل معه. ثم بعد الدروس المستفادة، قرّرت، بوعي، أو من دونه، تقليده من دون امتلاك إمكاناته. والحصيلة أن هذه المحاكاة أطبقت على الطوائف، واستقوت بخصومة الحزب، فباتت مثله ترسم حدود الطائفة، وتتربّع على عرشها. صحيح أن عروش الطوائف غير الشيعية ليست حاملة سلاح إقليمي، ولا هي موحّدة، ولكن هذا ما لا يضعف من جبروت طائفيتها، بل ربما يغذّيه.
لم يترك المثقفون في هذا اللقاء بصمتهم الخاصة. ولا نفع في قول ندائهم إنهم "لبنانيون أولاً وشيعة ثانياً"، التي تنطق بالعكس: أي إنهم "شيعة، ولبنانيون". فقد خرجوا عن كينونتهم الفردية، بصفتهم منفصلين عن قرار جماعتهم الطائفية، ليعودوا إليها من باب يعدّونه مصيرياً، أي الانتخابات، فيما هو أقل وجاهةً مما يصوّرون. هم المهتمون بالشأن العام، كان يجدر بهم أن يلتفتوا إلى ما يجمعهم مع مثقفين من طوائف أخرى، مناوئين لزعاماتها، من موارنة وأرثوذكس ودروز وسنة وعلويين.. إلخ؛ وهم، في هذه الحالة، سوف لن يحتاجوا إلى التسميات الطائفية. وقبل ذلك، أن يحمِّسوا مثقفين شيعة كباراً على ندائهم الانتخابي. وعدد هؤلاء ليس قليلاً.
طبعاً، الترحيب حق لأية خطوة تناهض حزب الله؛ والترحيب أيضاً بتصدّر مثقفين مستقلين شيعة هذه الديناميكية، غير آبهين بألوان تهديد وتشهير، تعرّضوا لها سابقاً. لكنهم أيضاً، يخلقون بذلك إشكالية في فهم أحوالنا. من آياتها أنه ما كان لحزب الله أن يحيا كل هذه الحياة، لو لم تتطعّم بقية الطوائف وزعمائها بجرعاته الزائدة من السموم المذهبية، ومن تجاوزاته أسس الدولة وقوانينها. فأصبحنا أمام طوائف، كلٌ بحسب قدرته، يتواطأ مع حزب الله، يصعد على ظهره، يجد الوسائل والحجج ليتساكن معه، بل يتفوق عليه في المكر والتذاكي؛ من دون أن يملك إمكاناته، والأهم من ذلك من دون أن يفقد بوصلة التجييش الطائفي المذهبي.
والمشهد الموزاييكي المترتّب على هذه الحالة: أن في قلب كل طائفة - مذهب، قيادة تغذّي "المظلومية"، أو "الحقوق المهدورة"، أو "الحقوق التاريخية"... فتتعزّز بذلك زعامتها. فنحن ما زلنا، بعد الحرب الأهلية، محكومين بنظام طائفي أكثر صميمية. لولاه لما وُجد حزب الله، ولما رضخت له الطوائف الأخرى، فتغذت بمزيد من التجنيد الطائفي، أقوى محرّك للناس، أكبر حافز على تجمعهم. والدائرة تدور حول نفسها، بلا توقف..
مختصر القول إن المثقفين والمستقلين داخل هذه الطوائف الأخرى، السنّية، المارونية، الدرزية، إلخ، هم أيضاً مثل الشيعة، واقعين في قبضة عصبيتها وزعيمها، أو زعيمَيها. والرافضون
والتجارب السابقة لا تبشّر بشيء من الاستمرارية. المثقفون والمستقلون الشيعة سبق أن نظّموا تجمعاتٍ تعبّر كلها عن مناهضتهم لحزب الله، واحتكاره الرأي الشيعي. في الأعوام الماضية، تجمعوا في لقاءاتٍ مماثلة، منها "اللقاء الشيعي اللبناني" (2005)، بيانات للمثقفين الشيعة (2013)، وغيرها الكثير. لا بل إن شخصياتٍ شاركت في هذه الفعاليات القديمة، كانت من بين الداعين إلى "النداء" الذي نحن بصدده، فيما أخرى غابت عنه، وأخرى استجدّت عليه. فيكون السؤال: ما هي الدروس المستفادة من اقتصار هذه الفعاليات على لحظة الإعلان عنها؟ هل كان فيها خلل؟ أم أن خلوّها من إمكانات الاستمرار هو من طبيعتها؟
وتفيدنا هنا تجربة تاريخية مشابهة: من يتذكّر أولئك المسيحيين اليساريين في بداية الحرب الأهلية، كانوا أقليةً بين اليساريين المسلمين المشتبكين مع أحزاب اليمين المسيحية، وأقلية في بيئتهم المسيحية المؤيدة لهذه الأحزاب؟ والذين أسسوا تجمعات كلها تحمل وصفهم "مسيحيين يساريين" أو "تقدميين"؟ لو تعقبت مآل غالبيتهم، سوف تجدهم موزّعين بين "شخصياتٍ مسيحية" متقربة من أحد أقطاب طائفتها، وبين مهاجرين هاربين من اليسار ومن الطوائف، أو تائهين غارقين في بحر عصبياتها... لماذا اضمحلت تجربة المسيحيين التقدميين أيام الحرب؟ لماذا تتكرر منذ عشر سنوات تجارب التجمعات الشيعية الحرّة، ولا تعيش؟
هدَف هذا اللقاء إلى المشاركة في الانتخابات النيابية؛ جملة واحدة تتصدّر بيانهم، فتقول "الانسداد الوطني لا يمكن إزالته إلا بتغيير حقيقي في البرلمان والسلطة". هذه كلمات تصيبكَ بالدهشة. وتكاد تسأل "حقا...؟". وكأن صائغي البيان يجهلون أن أكثر المفاصل طائفيةً في النظام اللبناني، هي الانتخابات، وقوانينها، التي أدت، بعد شدّ حبال عنيف بين زعماء الطوائف، إلى اكتسائها طابعاً أكثر طائفيةً مما سبقها؛ فوق أنها معقدة إلى حدّ أنها لا تحتمل أي تحالف. هل المشاركة في هذه الانتخابات يمكن أن تتم بقواعد غير طائفية؟ الشيخ عباس الجوهري، أحد المشاركين في اللقاء، أجاب عن هذا السؤال، في معرض تصوّره لما ستؤول إليه التحالفات بين أصحاب "النداء" وغيرهم، أي التفاصل، الخطيرة دائماً... قال: "سنتحالف مع الصوت السني المغيّب في البقاع (...) ومع الصوت المسيحي المغيّب...". تخيَّل نتائج حصاد للأصوات كهذا: معْمعة، بين "سني"، أو "مسيحي مغيَّب" وآخر "غير مغيّب"... أين منها فوضى الطوائف التي لا تعرف أين تضع تحالفاتها (هذا كله ولم نحسب بعد حساب أبناء العائلات التي اعتادت على الحكم، في الماضي، والمشتركة الآن في "النداء").
هل وجهة النظر هذه متطرّفة؟ ربما. فلنتابع بالتطرّف نفسه: افترض أنه، وبشق الأنفس، وبتحالفاتٍ "خارجة عن الطبيعة"، ظفر اللقاء "المدني" هذا بنائب واحد، وبالأكثر نائبين. إلى ماذا أفضت التجارب السابقة المشابهة، هي أيضاً، التي رفعت "يساريين"، أو معارضين، إلى مصاف نواب الأمة؟ لا شيء تقريباً. تمتع أولئك المحظوظون بالامتيازات النيابية، وسجلوا صراخاً عالياً، مسلِّياً غالباً، يخرجكَ من الملَل البرلماني. والنتيجة الأعمق أن نيابتهم عن الشعب في البرلمان لم تمنع النظام الطائفي من التوحش، بعدما كان يوصف بالاعتدال، عندما كان في أوج تألقه. وهو الآن أنتج قوانين انتخابية تضيق أصلاً بمن فصّلوها، فسهل عليهم توزيعنا، نحن المواطنين المقترعين، بين أقفاص لفئرانٍ منفصلة عن بعضها بمتاهاتها.
الأمر الثالث المثير في هذا اللقاء هو انعدام بصْمة المثقفين عليه، على الرغم من تصدّرهم
ثم إن هذا الأخير لم يعد يحتكر حصراً مفهوم الدويلة، بعدما بلغ التشبه بحزب الله ذراه لدى الطوائف الأخرى. "دويلات الطوائف" مطابق للواقع أكثر من "دويلة حزب الله". شياطين خرساء، رأت الشر بعينيها وقررت، حفاظاً على سلطتها، أن تتعامل معه. ثم بعد الدروس المستفادة، قرّرت، بوعي، أو من دونه، تقليده من دون امتلاك إمكاناته. والحصيلة أن هذه المحاكاة أطبقت على الطوائف، واستقوت بخصومة الحزب، فباتت مثله ترسم حدود الطائفة، وتتربّع على عرشها. صحيح أن عروش الطوائف غير الشيعية ليست حاملة سلاح إقليمي، ولا هي موحّدة، ولكن هذا ما لا يضعف من جبروت طائفيتها، بل ربما يغذّيه.
لم يترك المثقفون في هذا اللقاء بصمتهم الخاصة. ولا نفع في قول ندائهم إنهم "لبنانيون أولاً وشيعة ثانياً"، التي تنطق بالعكس: أي إنهم "شيعة، ولبنانيون". فقد خرجوا عن كينونتهم الفردية، بصفتهم منفصلين عن قرار جماعتهم الطائفية، ليعودوا إليها من باب يعدّونه مصيرياً، أي الانتخابات، فيما هو أقل وجاهةً مما يصوّرون. هم المهتمون بالشأن العام، كان يجدر بهم أن يلتفتوا إلى ما يجمعهم مع مثقفين من طوائف أخرى، مناوئين لزعاماتها، من موارنة وأرثوذكس ودروز وسنة وعلويين.. إلخ؛ وهم، في هذه الحالة، سوف لن يحتاجوا إلى التسميات الطائفية. وقبل ذلك، أن يحمِّسوا مثقفين شيعة كباراً على ندائهم الانتخابي. وعدد هؤلاء ليس قليلاً.