04 أكتوبر 2024
سيناء.. العدل والتنمية أو الإرهاب
طالعتنا الأخبار، قبل أيام، بعدة عمليات إرهابية قام بها ما يطلق عليه "أنصار بيت المقدس" أو "ولاية سيناء في الدولة الإسلامية" الذي أعلن مبايعته لأبوبكر البغدادي منذ سنوات بقيامه بعدة عمليات في شمال سيناء، وهي أخبار معتادة ومكرّرة للأسف، نطالعها كل فترة عن مقتل جنود وضباط في الجيش والشرطة، أو مقتل عناصر من "داعش"، بعد هجوم على كمين ثابت أو استهداف موكب عسكري متحرك.
ومع كل عملية إرهابية جديدة، يتبادر لأذهاننا، ويدور في وسائل الإعلام، سؤال عن تعمير سيناء وتنمية أهلها، ولمصلحة من تترك كل هذه السنوات صحراء للعابثين بأمننا القومي، بدلا من الاستفادة من كنوزها؟
لنبدأ ببعض مواد الدستور الحالي الذي تم فرضه وإقراره على عجالة في 2014، وهو الذي لا يتم تطبيقه عمليا، ويتم خرقه ومخالفة مواده قبل تفعيله. ولا يتم تذكره وذكره إلا في المحافل الدولية في أثناء إنكار الحكومة انتهاكات حقوق الإنسان، أو عندما يتم الحديث عن نيات تعديله.
فمثلا تنص المادة 51 من الدستور على أن "الكرامة حق لكل إنسان، ولا يجوز المساس بها، وتلتزم الدولة باحترامها وحمايتها". وتنص المادة 53 على "المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة". ولا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون أو اللغة أو الإعاقة أو المستوى الاجتماعي أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر، والتمييز والحضّ على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون، وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كل أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض.
وتنص المادة 62 على أن "حرية التنقل والإقامة والهجرة مكفولة، ولا يجوز إبعاد أي مواطن عن إقليم الدولة، ولا تمنعه من العودة إليه، ولا يكون منعه من مغادرة إقليم الدولة، أو فرض الإقامة الجبرية عليه، أو حظر الإقامة فى جهةٍ معينة عليه، إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة". وتقول المادة 63 إنه "يحظر التهجير القسري التعسفي للمواطنين، بجميع صوره وأشكاله، ومخالفة ذلك جريمة لا تسقط بالتقادم".
هذه المواد عامة، تم وضعها في الدستور، لتكون، نظرياً أو كما كان مفترضا، مواد تحمي الحقوق والحريات، وهي المواد نفسها التي يتفاخر بها المندوبون الحكوميون الذين يسافرون إلى الخارج، من أجل تبييض وجه النظام القبيح وتجميله، ولكن هذه المواد الدستورية يتم مخالفتها، كما غالبية مواد الدستور بشكل عام، ومواد الحقوق والحريات بشكل خاص، وهي أيضا مواد دستورية مهمة، ولها علاقة وثيقة بسيناء. ولكن منذ متى، وهناك احترام لمواد الدستور في مصر؟
الدولة لا تحفظ كرامة أي مواطن، لا سيناوي ولا غير سيناوي، لكن المواطن السيناوي دائما محل اشتباه منذ عشرات السنين، وفي نقاط التفتيش يتم معاملته كأنه مهرّب، أو تاجر سلاح ومخدرات، أو إرهابي، إلى أن يثبت العكس، وبالإضافة إلى الإهانة والمعاملة غير اللائقة والاحتجاز غير القانوني الذي قد يمتد سنوات طويلة، وهذا ما يزيد الاحتقان لدى أبناء القبائل في سيناء.
هناك بالفعل تمييز ضد أبناء سيناء، وعدم احترام لعاداتهم البدوية المختلفة عن سكان وادي النيل، بالإضافة إلى التضييق على التنقل من داخل سيناء إلى خارجها والعكس بالمخالفة للدستور، وهو ما يزيد الاحتقان، ويزيد من عزلة أهالي سيناء، ويعيق بالتأكيد أي مجهوداتٍ للتنمية والتعمير في صحراء سيناء، بجانب ذلك التهجير القسري لعمل ذلك الشريط العازل الموازي لقطاع غزة، بحجة محاربة الإرهاب وتدمير الأنفاق، تهجير قسري يخالف الدستور، ويزيد من الغضب وروح الثأر لدى شباب الأسر التي تم تهجيرها بالقوة، وهدم منازلهم وماضيهم.
إنها العقلية العسكرية التي تحكم مصر عموما منذ خمسينيات القرن الماضي، والتي قادت إلى مزيد من الكوارث، وهي الإدارة العسكرية التي تدير سيناء منذ انسحاب إسرائيل منها، بعد معاهدة السلام في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيّات، وهي العقلية التي تزعم أنه لا يصلح إلا عسكري لإدارة سيناء، لأن لها وضعا خاصا، وهي الإدارة التي تستخدم قانون الطوارئ في سيناء منذ سنوات طويلة، وتتوسع في اعتقال أبناء القبائل وزيادة المظالم منذ التسعينيات، وهي العقلية التي تعيق تطوير سيناء وتحديثها، منذ انسحاب القوات الإسرائيلية.
بديهيا ونظريا، يعتبر تعمير سيناء وتنميتها هو الحل الأمثل للحرب على الإرهاب، فالجماعات الجهادية المسلحة التي تنتمي لتنظيم داعش أو "القاعدة" تستغل عدم قدرة الحكومة المركزية على بسط سيطرتها في الجبال والصحاري والمناطق الشاسعة الخالية من السكان. ولكن، على الرغم من أن هذا هو خطاب السلطة منذ عشرات السنين، فالواقع عكس ذلك، فلا تزال تعاني
سيناء من نقص الخدمات الرئيسية وانعدام البنية التحتية، فالشكوى مستمرة لدى الأهالي من ندرة المدارس والمواصلات والمستشفيات والمياه والصرف الصحي ووعورة الطرق وانعدام الأمن، وانعدام فرص العمل والمشروعات الخدمية، وهذا له دور كبير في لجوء كثيرين من شباب سيناء إلى زراعة المخدرات وتهريبها، والتجارة في السلاح، أو تجارة الأنفاق الخفية، وهذا له دور كبير أيضا في سهولة تجنيد التنظيمات الجهادية أبناء القبائل، من أجل الانتقام، أو من أجل إقامة حلم الخلافة التي ستنشر العدل في ولاية سيناء.
السيطرة العسكرية التامة على سيناء منذ عشرات السنين أصل المشكلة، وبالتالي من المستبعد أن تكون هي الحل الآن، فضباط الجيش يعملون على إعاقة الاستثمار والإعمار في سيناء، بحجة الحفاظ على الأمن القومي. ولا أحد يستطيع بناء مصنع أو مزرعة أو إقامة مشروع، إلا بموافقة الجيش المسبقة، وليس خافيا حجم الاستثمار والاحتكار الذي يمارسه الجيش في سيناء، وأنه ليس هناك نشاط استثماري حقيقي إلا وخلف الستار ضابط جيش سابق أو حالي. وعندما يغيب العدل وتضيع الحقوق، لا تتعجب من انتشار الإرهاب، وعندما يتم احتكار الثروات، ومنعها عن أصحاب الحقوق، لا تتعجب من تصاعد الكراهية والاغتراب والنزعات الانفصالية.
ومع كل عملية إرهابية جديدة، يتبادر لأذهاننا، ويدور في وسائل الإعلام، سؤال عن تعمير سيناء وتنمية أهلها، ولمصلحة من تترك كل هذه السنوات صحراء للعابثين بأمننا القومي، بدلا من الاستفادة من كنوزها؟
لنبدأ ببعض مواد الدستور الحالي الذي تم فرضه وإقراره على عجالة في 2014، وهو الذي لا يتم تطبيقه عمليا، ويتم خرقه ومخالفة مواده قبل تفعيله. ولا يتم تذكره وذكره إلا في المحافل الدولية في أثناء إنكار الحكومة انتهاكات حقوق الإنسان، أو عندما يتم الحديث عن نيات تعديله.
فمثلا تنص المادة 51 من الدستور على أن "الكرامة حق لكل إنسان، ولا يجوز المساس بها، وتلتزم الدولة باحترامها وحمايتها". وتنص المادة 53 على "المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة". ولا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون أو اللغة أو الإعاقة أو المستوى الاجتماعي أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر، والتمييز والحضّ على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون، وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كل أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض.
وتنص المادة 62 على أن "حرية التنقل والإقامة والهجرة مكفولة، ولا يجوز إبعاد أي مواطن عن إقليم الدولة، ولا تمنعه من العودة إليه، ولا يكون منعه من مغادرة إقليم الدولة، أو فرض الإقامة الجبرية عليه، أو حظر الإقامة فى جهةٍ معينة عليه، إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة". وتقول المادة 63 إنه "يحظر التهجير القسري التعسفي للمواطنين، بجميع صوره وأشكاله، ومخالفة ذلك جريمة لا تسقط بالتقادم".
هذه المواد عامة، تم وضعها في الدستور، لتكون، نظرياً أو كما كان مفترضا، مواد تحمي الحقوق والحريات، وهي المواد نفسها التي يتفاخر بها المندوبون الحكوميون الذين يسافرون إلى الخارج، من أجل تبييض وجه النظام القبيح وتجميله، ولكن هذه المواد الدستورية يتم مخالفتها، كما غالبية مواد الدستور بشكل عام، ومواد الحقوق والحريات بشكل خاص، وهي أيضا مواد دستورية مهمة، ولها علاقة وثيقة بسيناء. ولكن منذ متى، وهناك احترام لمواد الدستور في مصر؟
الدولة لا تحفظ كرامة أي مواطن، لا سيناوي ولا غير سيناوي، لكن المواطن السيناوي دائما محل اشتباه منذ عشرات السنين، وفي نقاط التفتيش يتم معاملته كأنه مهرّب، أو تاجر سلاح ومخدرات، أو إرهابي، إلى أن يثبت العكس، وبالإضافة إلى الإهانة والمعاملة غير اللائقة والاحتجاز غير القانوني الذي قد يمتد سنوات طويلة، وهذا ما يزيد الاحتقان لدى أبناء القبائل في سيناء.
هناك بالفعل تمييز ضد أبناء سيناء، وعدم احترام لعاداتهم البدوية المختلفة عن سكان وادي النيل، بالإضافة إلى التضييق على التنقل من داخل سيناء إلى خارجها والعكس بالمخالفة للدستور، وهو ما يزيد الاحتقان، ويزيد من عزلة أهالي سيناء، ويعيق بالتأكيد أي مجهوداتٍ للتنمية والتعمير في صحراء سيناء، بجانب ذلك التهجير القسري لعمل ذلك الشريط العازل الموازي لقطاع غزة، بحجة محاربة الإرهاب وتدمير الأنفاق، تهجير قسري يخالف الدستور، ويزيد من الغضب وروح الثأر لدى شباب الأسر التي تم تهجيرها بالقوة، وهدم منازلهم وماضيهم.
إنها العقلية العسكرية التي تحكم مصر عموما منذ خمسينيات القرن الماضي، والتي قادت إلى مزيد من الكوارث، وهي الإدارة العسكرية التي تدير سيناء منذ انسحاب إسرائيل منها، بعد معاهدة السلام في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيّات، وهي العقلية التي تزعم أنه لا يصلح إلا عسكري لإدارة سيناء، لأن لها وضعا خاصا، وهي الإدارة التي تستخدم قانون الطوارئ في سيناء منذ سنوات طويلة، وتتوسع في اعتقال أبناء القبائل وزيادة المظالم منذ التسعينيات، وهي العقلية التي تعيق تطوير سيناء وتحديثها، منذ انسحاب القوات الإسرائيلية.
بديهيا ونظريا، يعتبر تعمير سيناء وتنميتها هو الحل الأمثل للحرب على الإرهاب، فالجماعات الجهادية المسلحة التي تنتمي لتنظيم داعش أو "القاعدة" تستغل عدم قدرة الحكومة المركزية على بسط سيطرتها في الجبال والصحاري والمناطق الشاسعة الخالية من السكان. ولكن، على الرغم من أن هذا هو خطاب السلطة منذ عشرات السنين، فالواقع عكس ذلك، فلا تزال تعاني
السيطرة العسكرية التامة على سيناء منذ عشرات السنين أصل المشكلة، وبالتالي من المستبعد أن تكون هي الحل الآن، فضباط الجيش يعملون على إعاقة الاستثمار والإعمار في سيناء، بحجة الحفاظ على الأمن القومي. ولا أحد يستطيع بناء مصنع أو مزرعة أو إقامة مشروع، إلا بموافقة الجيش المسبقة، وليس خافيا حجم الاستثمار والاحتكار الذي يمارسه الجيش في سيناء، وأنه ليس هناك نشاط استثماري حقيقي إلا وخلف الستار ضابط جيش سابق أو حالي. وعندما يغيب العدل وتضيع الحقوق، لا تتعجب من انتشار الإرهاب، وعندما يتم احتكار الثروات، ومنعها عن أصحاب الحقوق، لا تتعجب من تصاعد الكراهية والاغتراب والنزعات الانفصالية.