09 نوفمبر 2024
المغرب العربي ومسألة كتالونيا.. دروس وتداعيات
يعيش العالم، منذ أسابيع، على وقع محاولة الانفصال التي أراد الكتالونيون تجسيدها في استفتاء قاموا به، ودلّ على إرادتهم في إنشاء دولتهم بعيداً عن إسبانيا التي رأت في ذلك إرادة للانقلاب على مسار تكوين دولة بمناطق بسلطات واسعة على المستوى المحلي (برلمانات وحكومات).
يبيّن مسار الانفصال نشوء إرادات قوية في أكثر من دولة في أوروبا، ويبين أن مسار التكامل لا تعترضه فقط إرادات الخروج من الاتحاد الأوروبي، بل أيضا تفتّتاً على المستوى تحت القومي، ما يدل على أن الدولة الوطنية لم تذب في قالب الكيان الاتحادي الجديد، بل تتراجع الى كيانات محلية في سياق الأزمة الاقتصادية العالمية التي أدت إلى ارتداد العولمة إلى النزعات القومية الضيقة.
تتناول هذه المقالة تداعيات هذا الأمر على منطقة المغرب العربي. إن ثمة ثلاث دول تتنازعها رغبات، ما هو قيد المشروع (ليبيا)، وما هو مجسّد في طلب في الأمم المتحدة لتجسيد عملية الانفصال (الأمازيغ- الجزائر)، وما هو مجرّد شكوك تتعامل معها الدولة بحزم، من دون أن يكون ذلك تعبيرا عن رغبة للانفصال من المجتمع المدني (الرّيف المغربي).
بداية، يجب تأكيد أن مسار تحقيق الاستقلال في الدول الثلاث كان في إطار حدود جغرافية، تم رسمها في العهود الاستعمارية، وكانت تضم خليطا من العرقيات، يجمعها الانتماء لدين واحد (الإسلام والمذهب السني المالكي)، والنطق بلسان متعدّد عربي وأمازيغي في أغلب مناطق الأقطار الثلاثة. أما فترة ما بعد الاستقلال، فقد اتّسمت بالتعامل بمنطق الدولة والمواطنة لتحقيق انصهار الحدود الموروثة عن الاستعمار، في إطار منظومة "قدسية الحدود" (ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية)، من ناحية، وإيجاد ظروف ممارسة الحقوق والواجبات الوطنية، في إطار منظومة الثوابت الوطنية (علم، نشيد، لغة وطنية)، من ناحية أخرى، من دون التفكير في إيجاد فضاءات التعبير/ التمكين للكيانات العرقية- اللغوية التي تتجاوز تلك الثوابت، وهو ما تولّدت عنه خلافاتٌ وصلت الى درجة التصادم، أحيانا، وخصوصا في منطقتي الأمازيغ في الجزائر والريف في المغرب.
ولا يمكن فصل الجغرافيا المغاربية عما يحدث في العالم، خصوصاً إذا تعلق الأمر بمنطقة
الضفة الشمالية للمتوسط، وبالذات منطقة غرب المتوسط. على هذا الأساس، لا يمكن للتجربة الكتالونية أن تمر من دون النظر في ما تفرزه من دروسٍ لحالات محتملة للانفصال في المغرب العربي، بالنظر، بصفة خاصة، إلى تقاطع بين ظهور هذه الحالات واهتراء الدولة، جرّاء ما أصابها من ضرباتٍ، جاءتها من عوامل عديدة، منها الحراك الذي شهده العالم العربي عام 2011، الفشل الذي دخلت فيه دول المنطقة، أو اقتربت من الوقوع فيه، إضافة إلى نسبة مرتفعة من الهشاشة، نتيجة الضعف الهيكلي لاقتصادياتٍ، زادها الارتباط غير المتكافئ مع الاتحاد الأوروبي ضعفا واهتراء (تونس والمغرب والجزائر لديها اتفاقات شراكة بصفة منفردة مع الاتحاد الأوروبي، وكلها أبانت عن فشل ذريع للبلدان المغاربية)، مفضيا بها إلى الهشاشة/ الفشل والانكشاف.
التّعامل بمبدأ الإقصاء للأقليّات جعلها تنمّي هوية مميزة، مغذّاة بمعطيات تهفو إلى إبراز خصوصياتها، خصوصا منها الثقافية. ومع العولمة، استطاعت إبراز مدى الإقصاء الذي تعانيه، ومطالباتها بالاعتراف بتلك التمايزات، في إطار ثوابت كبرى وطنية، وأخرى متفرّعة عنها تثري تلك الثوابت، ولا تتصادم معها. وكثيراً ما كانت دروس الجغرافيا تتحدث عن فشل الحركات الانفصالية المنغلقة، أي البعيدة عن الحدود، بالنظر إلى انتفاء إمكانية حصولها على الدعم، أو وجود متنفس لها خارج تلك الحدود. ولكن، مع مجيء العولمة والتكنولوجيات الحديثة، برزت إلى السطح إمكانات التعبير، إن على المستوى المحلي، وخصوصا من خلال وسائل الاتصال الاجتماعية، أو على المستوى الدولي، مع ظهور المنظمات الدولية غير الحكومية، أو الاتفاقيات العديدة، والقرارات الدولية التي فتحت هوامش لتحرك تلك الأقليات، وتمكينها من أدوات التعبير عن نفسها، أو التقليل من هوامش الإقصاء لها من الحياة في دولها.
أدّت تلك التغيرات إلى نقص الإقصاء، من ناحية، وإلى فصل الدول في مسائل كانت محل مطالبات، من ناحية أخرى، وخصوصاً من خلال دسترة التمايزات الثقافية (اللغة الأمازيغية في الجزائر والمغرب) وإنشاء أكاديميات باستراتيجيات لتطوير تلك الخصوصيات، ومنحها طابع الحركية في إطار نظامي ورسمي.
وبما أن الضفتين الشمالية والجنوبية في اتصال دائم على المستويات كافة، فإن ذلك التداخل، في بروز النزعات الإقليمية في دول كثيرة، زاد من زخم تلك المطالبات التي تعدّت مجرد الإشارة إلى مؤشرات الإقصاء، خصوصا تلك البارزة على المستويات الاجتماعية والاقتصادية، إلى التحرك لتحويلها (المطالبات) إلى حراك ذي طابع خاص، أخذ صفة النية، أو الشكوك، للانفصال في المغرب (حركة الريف) فيما كان، بالنسبة للجزائر، بطابع التحرك السياسي من أقلية سياسية تتحرّك، منذ سنوات، باسم "الحركة من أجل الحكم الذاتي في منطقة القبائل" (الأمازيغ)، وصل، أخيرا، وعلى إثر استفتاء كردستان وما كان متوقعا في إقليم كتالونيا الإسباني، إلى درجة وضع ملفٍ للاعتراف بالحق في إجراء استفتاء للانفصال، وعلى مستوى الأمم المتحدة.
المنحى الذي أخذته التجربة الكتالونية من تصادم "ديمقراطي"، بآلية المادة 155 من الدستور
الإسباني، أي عزل الفريق الحاكم للإقليم وإعادة سلطات الحكومة المحلية إلى السلطة المركزية في مدريد، هو درس لدول المغرب العربي، ولتلك الحركات الحاملة لمشاريع التصادم، من أجل تحقيق أقصى المطالبات، أو التقدم لمحاكاة التجربة الكتالونية.
يتمثّل ذلك الدرس في أن الدول المغاربية لا تحوز تلك الآلية، بل لا يمكن الحديث فيها، ألبتة، عن تعامل وفق منظومة تفاوضية، بالنظر إلى عوامل عديدة قد يكون في مقدمتها غياب الديمقراطية التي من أسسها التحاكم إلى آليات التفاوض، التعامل وفق منظومة دستورية/ قانونية، إضافة إلى عوامل متعلقة، أصلا، بحالة عدم الاستقرار، استحكام المركزية الشديدة في الحكم وحالة الطوارئ التي تشهدها تلك البلدان، بحكم تداعيات الحراك العربي لعام 2011، بصفة خاصة.
وبحكم القرب الجغرافي ومعطيات التداخل، فإن كل قرار، سياسة أو ردّات فعل من السلطة المركزية، سيكون له عظيم الأثر في اتجاهات التفكير لدى النخب المسيرة لمسارات تلك المطالبات الهوياتية في بلدان المغرب العربي الثلاثة.
ولا يجب أن تُنسى، في هذا المقام، الإشارة إلى فوبيا "فشل التأسيس" لدول انفصلت (جنوب السودان)، أو حققت جزءا من ذلك المسار (كردستان)، وهو فشل يحكم مسارات التفكير فضلا عن المرور بالمشاريع إلى درجة الترسيم باستفتاءاتٍ، لأن غياب آليات الديمقراطية في التحاكم بالمفاوضات/ التحكيم عوض التصادم، وهو المفترض في العالم العربي، يصعد من الخلافات، وقد يؤدي بها إلى حالات الفشل الحقيقي بنزاعات أهلية مستمرّة.
ولعل ردّات الفعل التي بدت من السلطة المركزية في مدريد تكون خير عون للسلطات في المغرب العربي، ذلك أن مجرد فشل/ إفشال التجربة الكتالونية هو نصر "نفسي" لنهج التعامل مع مشاريع/ أفكار لحراكٍ مشابه. يضاف إلى ذلك أن حالة عدم الاستقرار في المنطقة المغاربية والساحلية- الصحراوية مصادمة لمشاريع التفتيت في الوقت الحالي، بالنظر إلى احتمال أن تفضي إلى إضعاف آخر لسلطات مركزية، هي في الأصل مهترئة أو في حالة شبه فشل، على مستويين مهمين، سياسي- أمني واقتصادي.
إحلال الديمقراطية في المغرب العربي، خصوصاً في التعامل مع الأقليات والصراعات المجتمعية، هو أفضل الحلول وأنجعها، لأنها بمثابة "مناعة" ضد النهج الانفصالي، حتى على مستوى التصور. الدرس الكتالوني في التّحاكم إلى الآليات التي تمنحها الديمقراطية خير دليلٍ على أن أنجع الحلول، للقضاء على الاستعصاء عن التغيير الذي أحكمت التسلطية مساراته ومآلاته، هو في إحلال الديمقراطية منهجا للحكم والإجماع المجتمعي آلية في التعامل مع منظومة الثوابت والخصوصيات/ التمايزات الهوياتية/ المناطقية في المغرب العربي.
من ناحية أخرى، تشكل الثقافة السياسية في المنطقة والموسومة بـــ"التجاهل المتبادل"، ربما لفترة، منطق التعامل مع الانفصال الموجود فعلا بين القمة والقاعدة، والمعبّر عنه بوجوه مختلفة، لعل أبرزها العزوف عن الانتخابات وكثرة مبادرات الاعتماد على الذات، في فضاءات تخلت الدولة المركزية عن القيام بها، وإن كانت من صميم رمزية سيادتها.
يبيّن مسار الانفصال نشوء إرادات قوية في أكثر من دولة في أوروبا، ويبين أن مسار التكامل لا تعترضه فقط إرادات الخروج من الاتحاد الأوروبي، بل أيضا تفتّتاً على المستوى تحت القومي، ما يدل على أن الدولة الوطنية لم تذب في قالب الكيان الاتحادي الجديد، بل تتراجع الى كيانات محلية في سياق الأزمة الاقتصادية العالمية التي أدت إلى ارتداد العولمة إلى النزعات القومية الضيقة.
تتناول هذه المقالة تداعيات هذا الأمر على منطقة المغرب العربي. إن ثمة ثلاث دول تتنازعها رغبات، ما هو قيد المشروع (ليبيا)، وما هو مجسّد في طلب في الأمم المتحدة لتجسيد عملية الانفصال (الأمازيغ- الجزائر)، وما هو مجرّد شكوك تتعامل معها الدولة بحزم، من دون أن يكون ذلك تعبيرا عن رغبة للانفصال من المجتمع المدني (الرّيف المغربي).
بداية، يجب تأكيد أن مسار تحقيق الاستقلال في الدول الثلاث كان في إطار حدود جغرافية، تم رسمها في العهود الاستعمارية، وكانت تضم خليطا من العرقيات، يجمعها الانتماء لدين واحد (الإسلام والمذهب السني المالكي)، والنطق بلسان متعدّد عربي وأمازيغي في أغلب مناطق الأقطار الثلاثة. أما فترة ما بعد الاستقلال، فقد اتّسمت بالتعامل بمنطق الدولة والمواطنة لتحقيق انصهار الحدود الموروثة عن الاستعمار، في إطار منظومة "قدسية الحدود" (ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية)، من ناحية، وإيجاد ظروف ممارسة الحقوق والواجبات الوطنية، في إطار منظومة الثوابت الوطنية (علم، نشيد، لغة وطنية)، من ناحية أخرى، من دون التفكير في إيجاد فضاءات التعبير/ التمكين للكيانات العرقية- اللغوية التي تتجاوز تلك الثوابت، وهو ما تولّدت عنه خلافاتٌ وصلت الى درجة التصادم، أحيانا، وخصوصا في منطقتي الأمازيغ في الجزائر والريف في المغرب.
ولا يمكن فصل الجغرافيا المغاربية عما يحدث في العالم، خصوصاً إذا تعلق الأمر بمنطقة
التّعامل بمبدأ الإقصاء للأقليّات جعلها تنمّي هوية مميزة، مغذّاة بمعطيات تهفو إلى إبراز خصوصياتها، خصوصا منها الثقافية. ومع العولمة، استطاعت إبراز مدى الإقصاء الذي تعانيه، ومطالباتها بالاعتراف بتلك التمايزات، في إطار ثوابت كبرى وطنية، وأخرى متفرّعة عنها تثري تلك الثوابت، ولا تتصادم معها. وكثيراً ما كانت دروس الجغرافيا تتحدث عن فشل الحركات الانفصالية المنغلقة، أي البعيدة عن الحدود، بالنظر إلى انتفاء إمكانية حصولها على الدعم، أو وجود متنفس لها خارج تلك الحدود. ولكن، مع مجيء العولمة والتكنولوجيات الحديثة، برزت إلى السطح إمكانات التعبير، إن على المستوى المحلي، وخصوصا من خلال وسائل الاتصال الاجتماعية، أو على المستوى الدولي، مع ظهور المنظمات الدولية غير الحكومية، أو الاتفاقيات العديدة، والقرارات الدولية التي فتحت هوامش لتحرك تلك الأقليات، وتمكينها من أدوات التعبير عن نفسها، أو التقليل من هوامش الإقصاء لها من الحياة في دولها.
أدّت تلك التغيرات إلى نقص الإقصاء، من ناحية، وإلى فصل الدول في مسائل كانت محل مطالبات، من ناحية أخرى، وخصوصاً من خلال دسترة التمايزات الثقافية (اللغة الأمازيغية في الجزائر والمغرب) وإنشاء أكاديميات باستراتيجيات لتطوير تلك الخصوصيات، ومنحها طابع الحركية في إطار نظامي ورسمي.
وبما أن الضفتين الشمالية والجنوبية في اتصال دائم على المستويات كافة، فإن ذلك التداخل، في بروز النزعات الإقليمية في دول كثيرة، زاد من زخم تلك المطالبات التي تعدّت مجرد الإشارة إلى مؤشرات الإقصاء، خصوصا تلك البارزة على المستويات الاجتماعية والاقتصادية، إلى التحرك لتحويلها (المطالبات) إلى حراك ذي طابع خاص، أخذ صفة النية، أو الشكوك، للانفصال في المغرب (حركة الريف) فيما كان، بالنسبة للجزائر، بطابع التحرك السياسي من أقلية سياسية تتحرّك، منذ سنوات، باسم "الحركة من أجل الحكم الذاتي في منطقة القبائل" (الأمازيغ)، وصل، أخيرا، وعلى إثر استفتاء كردستان وما كان متوقعا في إقليم كتالونيا الإسباني، إلى درجة وضع ملفٍ للاعتراف بالحق في إجراء استفتاء للانفصال، وعلى مستوى الأمم المتحدة.
المنحى الذي أخذته التجربة الكتالونية من تصادم "ديمقراطي"، بآلية المادة 155 من الدستور
يتمثّل ذلك الدرس في أن الدول المغاربية لا تحوز تلك الآلية، بل لا يمكن الحديث فيها، ألبتة، عن تعامل وفق منظومة تفاوضية، بالنظر إلى عوامل عديدة قد يكون في مقدمتها غياب الديمقراطية التي من أسسها التحاكم إلى آليات التفاوض، التعامل وفق منظومة دستورية/ قانونية، إضافة إلى عوامل متعلقة، أصلا، بحالة عدم الاستقرار، استحكام المركزية الشديدة في الحكم وحالة الطوارئ التي تشهدها تلك البلدان، بحكم تداعيات الحراك العربي لعام 2011، بصفة خاصة.
وبحكم القرب الجغرافي ومعطيات التداخل، فإن كل قرار، سياسة أو ردّات فعل من السلطة المركزية، سيكون له عظيم الأثر في اتجاهات التفكير لدى النخب المسيرة لمسارات تلك المطالبات الهوياتية في بلدان المغرب العربي الثلاثة.
ولا يجب أن تُنسى، في هذا المقام، الإشارة إلى فوبيا "فشل التأسيس" لدول انفصلت (جنوب السودان)، أو حققت جزءا من ذلك المسار (كردستان)، وهو فشل يحكم مسارات التفكير فضلا عن المرور بالمشاريع إلى درجة الترسيم باستفتاءاتٍ، لأن غياب آليات الديمقراطية في التحاكم بالمفاوضات/ التحكيم عوض التصادم، وهو المفترض في العالم العربي، يصعد من الخلافات، وقد يؤدي بها إلى حالات الفشل الحقيقي بنزاعات أهلية مستمرّة.
ولعل ردّات الفعل التي بدت من السلطة المركزية في مدريد تكون خير عون للسلطات في المغرب العربي، ذلك أن مجرد فشل/ إفشال التجربة الكتالونية هو نصر "نفسي" لنهج التعامل مع مشاريع/ أفكار لحراكٍ مشابه. يضاف إلى ذلك أن حالة عدم الاستقرار في المنطقة المغاربية والساحلية- الصحراوية مصادمة لمشاريع التفتيت في الوقت الحالي، بالنظر إلى احتمال أن تفضي إلى إضعاف آخر لسلطات مركزية، هي في الأصل مهترئة أو في حالة شبه فشل، على مستويين مهمين، سياسي- أمني واقتصادي.
إحلال الديمقراطية في المغرب العربي، خصوصاً في التعامل مع الأقليات والصراعات المجتمعية، هو أفضل الحلول وأنجعها، لأنها بمثابة "مناعة" ضد النهج الانفصالي، حتى على مستوى التصور. الدرس الكتالوني في التّحاكم إلى الآليات التي تمنحها الديمقراطية خير دليلٍ على أن أنجع الحلول، للقضاء على الاستعصاء عن التغيير الذي أحكمت التسلطية مساراته ومآلاته، هو في إحلال الديمقراطية منهجا للحكم والإجماع المجتمعي آلية في التعامل مع منظومة الثوابت والخصوصيات/ التمايزات الهوياتية/ المناطقية في المغرب العربي.
من ناحية أخرى، تشكل الثقافة السياسية في المنطقة والموسومة بـــ"التجاهل المتبادل"، ربما لفترة، منطق التعامل مع الانفصال الموجود فعلا بين القمة والقاعدة، والمعبّر عنه بوجوه مختلفة، لعل أبرزها العزوف عن الانتخابات وكثرة مبادرات الاعتماد على الذات، في فضاءات تخلت الدولة المركزية عن القيام بها، وإن كانت من صميم رمزية سيادتها.