06 أكتوبر 2024
مائة عام من التواطؤ ضد الفلسطينيين
وعد بلفور مطبوع في ذاكرتي بالإضراب الذي شاركت فيه وتلامذة مدرستي في بيروت للمرة الأولى، عندما كنت في المرحلة المتوسطة. كان الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني في كل عام يوماً للتعبير عن الغضب والاحتجاج على الظلم الكبير الذي لحق بالشعب الفلسطيني جرّاء وعد الإنكليز لليهود بمساعدتهم على إقامة "وطن قومي" في فلسطين. وارتبط وعد بلفور في ذاكرتنا بضياع فلسطين، ونكبة شعبها ومعاناته المستمرتين.
كتب كثيرون عن تواطؤ الحكومة البريطانية خلال الحرب العالمية الأولى مع زعماء الحركة الصهيونية العالمية في إنكلترا، وفي مقدمتهم هربرت صموئيل وزير الداخلية في الحكومة البريطانية سنة 1914، وحاييم وايزمان الذي استغل اختراعه مادة الأستيون التي استخدمها الجيش البريطاني في صنع المواد المتفجرة لدفع المسؤولين البريطانيين إلى تحقيق غرض الحركة الصهيونية، واللورد روتشيلد أحد كبار الأغنياء اليهود في بريطانيا الذي كانت تربطه علاقات وثيقة مع الأغنياء اليهود في الولايات المتحدة. أدرك هؤلاء أن احتمال انتصار بريطانيا في الحرب المحتدمة فرصة لتحقيق الحلم الذي تحدث عنه تيودور هرتزل بنشوء "دولة اليهود". ونجحوا في إقناع الإنكليز بأنهم قادرون على مساعدتهم في تشجيع الولايات المتحدة على اتخاذ قرارها في الانضمام للحرب من خلال نفوذ اليهود فيها. لكن السبب الأساسي للوعد الملتبس لدولة عظمى بمنح وعدٍ بإقامة وطن قومي على أرضٍ لم تكن تسيطر عليها في ذلك الحين إلى يهودٍ لم يكونوا يسكنون فيها، هو سعي البريطانيين إلى السيطرة على هذه المنطقة الجغرافية الحساسة بالنسبة لهم، بإيجاد كيان استيطاني ذي طبيعة كولونيالية.
لم يكن اليهود في فلسطين يشكلون أكثر من 10% من السكان، وقد تجاهل وعد بلفور الحقوق الأساسية القومية للسكان الفعليين الذين كانوا يشكلون 90%، وتعامل معهم بوصفهم "جماعات غير يهودية" لها حقوق مدنية ودينية فقط، أمر مناف للعقل والمنطق السياسي وللعدالة. لقد زرع البريطانيون، بصورة واعية أو غير واعية، البذور السامة للصراع الدموي بين الفلسطينيين، أصحاب الأرض الشرعيين في فلسطين، والمهاجرين اليهود الوافدين إليها من شتى أنحاء العالم، وشكلوا لاحقاً نواة دولة إسرائيل.
بعد مائة عام، وعد بلفور اليوم مثال صارخ على الازدواجية الأخلاقية التي تتعامل بها القوى العظمى الدولية مع مشكلات المنطقة ونزاعاتها، خصوصا النزاع مع إسرائيل. فهي هناك تتظاهر بالدفاع عن حق الفلسطينيين في تقريرهم وحصولهم على دولتهم؛ ومن جهة أخرى، تواصل تقديم الدعم لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي الأراضي الفلسطينية. ومنذ قيامها، صوّرت إسرائيل نفسها المدافع عن مصالح الغرب في المنطقة، ورأس حربة لمحاربة التطلعات القومية العربية المناهضة للغرب، وقاعدة عسكرية متقدّمة للدفاع عن مصالحه الاستراتيجية، وأنها الدولة "الديمقراطية الوحيدة" التي تشاطر الغرب قيمه، و"واحة الاستقرار" في شرق أوسط مجنون، ودرع في وجه الإرهاب بمختلف أنواعه.
بعد مائة عام، وعد بلفور مثال على الأسلوب المكيافيلي الذي كانت الدول العظمى، وما تزال، تتعامل به مع شعوب هذه المنطقة الذي يخدم، بالدرجة الأولى، مصالحها الأمنية والاقتصادية. والأوضاع الحالية في سورية والعراق ولبنان، والوضع الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، أكبر دليل على ذلك.
مرور مائة عام على وعد بلفور مناسبة أيضا لتظهير الجدل في الداخل الإسرائيلي والانقسام في وجهات النظر حيال حل النزاع مع الفلسطينيين. ففي نظر شريحة واسعة من الإسرائيليين، الوعد أكبر إنجاز للحركة الصهيونية، والفلسطينيون من يتحملون مسؤولية استمرار النزاع الدموي، لأنهم يرفضون الاعتراف بالدولة اليهودية، بينما رأته فئة أخرى، في معسكر السلام، وراء زرع النزعة التسلطية لليهود على الفلسطينيين، وشكل أساساً للفكرة الاستيطانية الاستعمارية التي قامت عليها دولة إسرائيل، ومرور مائة عام على صدوره مناسبة للحزن، ومحاسبة النفس، وليس للاحتفال.
ليس المطلوب، بمناسبة مرور مائة عام على وعد بلفور، اعتذار الحكومة البريطانية من الشعب الفلسطيني فقط، بل أيضا انتهاز المناسبة للتذكير بالظلم الذي تسببت به القوى العظمى للمنطقة، وللدعوة إلى يقظة عربية شاملة، والتنبه إلى الخطر الذي يتربص بشعوب المنطقة جراء السياسات الدولية التي تفاقم النزاعات والخلافات. وعد بلفور مناسبة للتذكير بتواطؤ الدول الغربية في الماضي والحاضر، ضد مصلحة شعوب دول المنطقة، وسعيها أولاً وأخيراً إلى الدفاع عن مصالحها على حسابهم.
كتب كثيرون عن تواطؤ الحكومة البريطانية خلال الحرب العالمية الأولى مع زعماء الحركة الصهيونية العالمية في إنكلترا، وفي مقدمتهم هربرت صموئيل وزير الداخلية في الحكومة البريطانية سنة 1914، وحاييم وايزمان الذي استغل اختراعه مادة الأستيون التي استخدمها الجيش البريطاني في صنع المواد المتفجرة لدفع المسؤولين البريطانيين إلى تحقيق غرض الحركة الصهيونية، واللورد روتشيلد أحد كبار الأغنياء اليهود في بريطانيا الذي كانت تربطه علاقات وثيقة مع الأغنياء اليهود في الولايات المتحدة. أدرك هؤلاء أن احتمال انتصار بريطانيا في الحرب المحتدمة فرصة لتحقيق الحلم الذي تحدث عنه تيودور هرتزل بنشوء "دولة اليهود". ونجحوا في إقناع الإنكليز بأنهم قادرون على مساعدتهم في تشجيع الولايات المتحدة على اتخاذ قرارها في الانضمام للحرب من خلال نفوذ اليهود فيها. لكن السبب الأساسي للوعد الملتبس لدولة عظمى بمنح وعدٍ بإقامة وطن قومي على أرضٍ لم تكن تسيطر عليها في ذلك الحين إلى يهودٍ لم يكونوا يسكنون فيها، هو سعي البريطانيين إلى السيطرة على هذه المنطقة الجغرافية الحساسة بالنسبة لهم، بإيجاد كيان استيطاني ذي طبيعة كولونيالية.
لم يكن اليهود في فلسطين يشكلون أكثر من 10% من السكان، وقد تجاهل وعد بلفور الحقوق الأساسية القومية للسكان الفعليين الذين كانوا يشكلون 90%، وتعامل معهم بوصفهم "جماعات غير يهودية" لها حقوق مدنية ودينية فقط، أمر مناف للعقل والمنطق السياسي وللعدالة. لقد زرع البريطانيون، بصورة واعية أو غير واعية، البذور السامة للصراع الدموي بين الفلسطينيين، أصحاب الأرض الشرعيين في فلسطين، والمهاجرين اليهود الوافدين إليها من شتى أنحاء العالم، وشكلوا لاحقاً نواة دولة إسرائيل.
بعد مائة عام، وعد بلفور اليوم مثال صارخ على الازدواجية الأخلاقية التي تتعامل بها القوى العظمى الدولية مع مشكلات المنطقة ونزاعاتها، خصوصا النزاع مع إسرائيل. فهي هناك تتظاهر بالدفاع عن حق الفلسطينيين في تقريرهم وحصولهم على دولتهم؛ ومن جهة أخرى، تواصل تقديم الدعم لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي الأراضي الفلسطينية. ومنذ قيامها، صوّرت إسرائيل نفسها المدافع عن مصالح الغرب في المنطقة، ورأس حربة لمحاربة التطلعات القومية العربية المناهضة للغرب، وقاعدة عسكرية متقدّمة للدفاع عن مصالحه الاستراتيجية، وأنها الدولة "الديمقراطية الوحيدة" التي تشاطر الغرب قيمه، و"واحة الاستقرار" في شرق أوسط مجنون، ودرع في وجه الإرهاب بمختلف أنواعه.
بعد مائة عام، وعد بلفور مثال على الأسلوب المكيافيلي الذي كانت الدول العظمى، وما تزال، تتعامل به مع شعوب هذه المنطقة الذي يخدم، بالدرجة الأولى، مصالحها الأمنية والاقتصادية. والأوضاع الحالية في سورية والعراق ولبنان، والوضع الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، أكبر دليل على ذلك.
مرور مائة عام على وعد بلفور مناسبة أيضا لتظهير الجدل في الداخل الإسرائيلي والانقسام في وجهات النظر حيال حل النزاع مع الفلسطينيين. ففي نظر شريحة واسعة من الإسرائيليين، الوعد أكبر إنجاز للحركة الصهيونية، والفلسطينيون من يتحملون مسؤولية استمرار النزاع الدموي، لأنهم يرفضون الاعتراف بالدولة اليهودية، بينما رأته فئة أخرى، في معسكر السلام، وراء زرع النزعة التسلطية لليهود على الفلسطينيين، وشكل أساساً للفكرة الاستيطانية الاستعمارية التي قامت عليها دولة إسرائيل، ومرور مائة عام على صدوره مناسبة للحزن، ومحاسبة النفس، وليس للاحتفال.
ليس المطلوب، بمناسبة مرور مائة عام على وعد بلفور، اعتذار الحكومة البريطانية من الشعب الفلسطيني فقط، بل أيضا انتهاز المناسبة للتذكير بالظلم الذي تسببت به القوى العظمى للمنطقة، وللدعوة إلى يقظة عربية شاملة، والتنبه إلى الخطر الذي يتربص بشعوب المنطقة جراء السياسات الدولية التي تفاقم النزاعات والخلافات. وعد بلفور مناسبة للتذكير بتواطؤ الدول الغربية في الماضي والحاضر، ضد مصلحة شعوب دول المنطقة، وسعيها أولاً وأخيراً إلى الدفاع عن مصالحها على حسابهم.
دلالات
مقالات أخرى
21 سبتمبر 2024
06 سبتمبر 2024
13 اغسطس 2024