04 نوفمبر 2024
سورية في حوار المنصات
مع تنوّع وفود المعارضة السورية ووحدانية وفد النظام الذي لم يعد يملك من السيادة شيئاً، وبات يمثّل مجرد واجهة لداعميه، روسيا وإيران، تبرز المشكلة الأهم أمام الجميع، وهي التي تتجلى في الإجابة على أسئلةٍ مثل: عن أي سورية جديدة ستتحاور هذه الوفود، أو تتفاوض، بعد أن ذهب كل واحدٍ منها منفرداً بـ"منصّته" إلى جنيف؟ وما هي المرجعيات التي تحكم كل وفد، إن لجهة الرؤية، أو لجهة العواصم القادمة منها، من الرياض وإسطنبول إلى القاهرة وموسكو؟ ثم ما هي تفاصيل الوصول إلى سورية هذه؟
بديهي أن السنوات الست الماضية من الحرب، أو الصراع الدامي، بكل انعكاساتها وتداعياتها، تركت آثارها على السوريين، معارضةً وموالاة، في طرق التعبير عن طلب الخلاص، ووقف الحرب الكارثية، وإعطاء مساحةٍ جديدة تمكّن السوريين عموماً من استعادة قدرتهم على الحياة، ربما تكون العودة إلى طاولة المفاوضات في جنيف، تحت القصف الدامي والمدمر للنظام، طريقاً لا بد منه إليها، لاسيما إلى مناطق عديدة في دمشق وريفها ودرعا وحماة وإدلب، من أجل وقف القصف ووقف القتال.
حوار المنصّات، أو مفاوضات المنصّات، هو بهذا المعنى حديثٌ عن واقع تقسيم، بشري وديمغرافي، أو يضمر تقاسماً للنفوذ في سورية، بحيث تضمن كل عاصمةٍ من الدول المنخرطة في الصراع السوري حصتها من تركة "الرجل المريض"، إذا جاز القول، من دون أي مبالاةٍ بالشعب السوري، أو بحقوق هذا الشعب الذي دفع باهظاً ثمن توقه للحرية، وفوق ذلك ثمن الصراع الدولي والإقليمي على سورية.
على ضوء ما تقدّم، ليس السوريون، في حقيقة الأمر، في حاجة إلى منصّات تحاور النظام،
مثلاً، في وفد المعارضة الرئيسي، وجدنا أنفسنا فجأة أمام عدة كياناتٍ أو "منصّات"، أولها الائتلاف، وثانيها، الهيئة العليا للتفاوض، متضمنة هيئة التنسيق "معارضة الداخل"، وثالثها الفصائل العسكرية، وكل واحدةٍ من هذه الكيانات منقسمة على ذاتها، ومتباينة التمثيل ومختلفة المواقف. وكم كان يجدر بهذه المعارضة أن تضع حداً لهذه المهزلة بأن يقتصر وفدها على شخص أو اثنين أو ثلاثة (مع مستشارين)، مسلحين برؤيةٍ واضحةٍ ومحددةٍ لمستقبل سورية، ولخطوط التفاوض، لتأكيد أنها تمثل شعب سورية حقاً، ولتؤكد مصداقيتها، أو جدارتها بتمثيل الثورة السورية، بدلاً من تشكيل وفدٍ يزيد عن خمسين شخصاً بين أعضاء ومستشارين، كل شخص منهم يدّعي أنه يمثل "حصة" من سورية وشعبها، في حين يجد سوريون كثيرون أنفسهم خارج هذا التمثيل نهائياً.
يأخذنا حوار المنصّات أيضاً إلى سؤال آخر، هو لماذا لا تجتمع كل هذه الأطراف المعارضة، لكي تناقش، فيما بينها، كل القضايا المطروحة للتفاوض مع النظام، والتوصل إلى توافقاتٍ معينة بشأنها، يحملها شخص أو اثنان أو ثلاثة إلى طاولة التفاوض مع النظام، بدل الظهور على هذا النحو من التخبط والتنافس على مجرد صورةٍ في جنيف. وفي ظني هنا أن "الائتلاف"، والهيئة العليا للمفاوضات، يتحملان المسؤولية عن عدم الدعوة إلى اجتماعٍ مثل هذا، لسد الذرائع، والظهور أمام الشعب، وأمام العالم، وأمام النظام، بوفد واحد، مع رؤيةٍ واحدة إلى سورية دولة مدنية ديمقراطية، دولة مواطنين أحرار ومتساوين. وهذا ما يجمع عليه معظم السوريين، ومعظم كياناتهم السياسية، وربما مع نظام حكم برلماني، بحيث يتم سحب ورقة الرئاسة التي باتت عقبة كأداء أمام أي حل، في ظل التردّد والتقلبات الدولية، وهذا ما ينسجم مع توجهات المجتمع الدولي أيضاً الذي يمكن أن يساند حلاً كهذا.
كلام مثل هذا لا يستثني منصّاتٍ جرت إقامتها من أجل هذا الشخص أو ذاك، أو هذه الدولة أو تلك، إذ لا يخفى عنا أن ثمّة منصات هي بمثابة معارضة لرؤى المعارضة، أكثر من كونها
يمكن للائتلاف وهيئة التفاوض العليا وللمنصات المشاركة أن يشهروا بيان جنيف 1 وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، ومنها القرار 2254، باعتبارها الحد الأدنى للتفاوض، والحد الأدنى لمواقف المعارضة، لأنها تمثل الحد الأدنى فعلاً للتغيير السياسي المطلوب في سورية، والموقف الدولي اللازم لدعم التغيير في البلد، والاقتصار على وفد صغير، يقدم وجهة نظرها، بدلاً من ابتذال المواقف والمنصّات، في أثناء المفاوضات وخلالها. لكن السؤال الذي يجب أن تجيب عنه كل المنصات جميعها هو: هل هي ذاهبةٌ لإنتاج حل، أم لتأجيل موعد خلاص السوريين، إلى حين تكتمل خارطة توزيع الحصص وتقاسمها، بديلاً عن التقسيم الجغرافي الذي أصبح فزاعة الشعب السوري، ووسيلة لابتزازه من كل الأطراف.