28 أكتوبر 2024
هل تغيرت قواعد اللعبة بين سورية وإسرائيل؟
على مدار السنوات الطويلة، شنت إسرائيل عشرات الغارات في سورية، سواء قبل الأزمة أو بعدها، ووصل الأمر في بعض الغارات إلى استهداف مناطق عسكرية مهمة جدا، مثل الغارة التي استهدفت ما قالت إسرائيل إنه مفاعل نووي سري، طور البناء في دير الزور شرقي سورية في سبتمبر/ أيلول 2007، والغارة التي استهدفت مركزا للأبحاث العلمية في جمرايا خلف جبل قاسيون في يناير/ كانون الثاني 2014، ومركز البحوث العلمية في دمشق في مايو/ أيار من العام نفسه.
وبسبب التباين الحاد في موازين القوة العسكرية بين سورية وإسرائيل لصالح الأخيرة، اعتادت دمشق التصريح، بعد كل عدوان إسرائيلي، بأن الرد سيأتي في الزمان والمكان المناسبين. وفي القصف الإسرائيلي على سورية، قبل أيام، ثمّة تطوران شكلا قطيعة مع الهجمات الإسرائيلية السابقة على سورية: أن إسرائيل أعلنت رسمياً شنها غارة، وهذا لم نعتد عليه طوال السنوات الماضية، حيث كان الخبر يأتي من وسائل إعلام غربية، تعقبها تصريحات إسرائيلية شبه رسمية تؤكد وقوع الهجوم. والتطور الثاني أن سورية ردت على الهجوم الإسرائيلي، ما لم يحدث سابقا، إذ اعترضت الطائرات الإسرائيلية بصواريخ إس 200، ثم أطلقت صواريخ باتجاه إسرائيل.
لا يتعلق السؤال المركزي بالاعتراف الإسرائيلي بشن غارة على سورية، وإنما بقرار الأخيرة إطلاق صواريخ لإسقاط الطائرات الإسرائيلية، ومن ثم إطلاق صواريخ أرض ـ أرض باتجاه إسرائيل. وتشكل هذه الخطوة السورية هذه قطيعة مع التكتيك العسكري المتبع تجاه إسرائيل منذ سنوات طويلة.
هل الرد السوري مرتبط بتغيير في الاستراتيجية العسكرية، كما ذهب إليه بعضهم، على الرغم من أن هذا التغيير يتطلب تطورا تقنيا عسكريا عالي المستوى، وهو أمر غير متوفر في سورية قبل الأزمة؟ أم أن ما جرى لا يخرج عن بروباغندا إعلامية، هدفها إعادة إنتاج النظام لنفسه مقاوماً ومقاتلاً لإسرائيل؟
بطبيعة الحال، لم يكن الرد السوري العسكري ليحدث، لولا الوجود الروسي، فموسكو قد تسمح بهجوم إسرائيلي، يستهدف أسلحة مرتبطة بحزب الله، لكنها لن تسمح برد إسرائيلي على الرد السوري. وعليه، يمكن القول إن الرد العسكري السوري جاء ضمن بروباغندا إعلامية وتغيير في قواعد اللعبة في آن معا، وثمّة مؤشرات تدلّ على ذلك:
أولا، أن الصاروخ س 200، المستخدم في إسقاط الطائرات الإسرائيلية، هو من الجيل الماضي، وغير قادر على تدمير طائرات متطورة مثل إس آيه 5، أي أن سورية ليست في وارد الدخول في مواجهة مع إسرائيل، لكنها لن تسكت بعد الآن على أي اعتداء إسرائيلي.. كان الرد متواضعاً.
ثانياً، الصواريخ السورية التي وجهت إلى إسرائيل سقط أحدها فوق إربد الأردنية، ما يؤكد أنها أطلقت من على مسافةٍ جغرافيةٍ بعيدة من إسرائيل، في محاولةٍ لإعطاء الأخيرة فرصة لإسقاطها، أما الأخرى فقد اخترقت منظومة الصواريخ الإسرائيلية، لأنها متطورة، وفقا لخبراء عسكريين إسرائيليين، لكنها سقطت في أراضٍ خالية، فكانت بلا هدف عسكري.
ثالثاً، قصفت إسرائيل سورية عدة مرات منذ التدخل العسكري الروسي، ولم يحدث أي رد من سورية، بمعنى أن الرد السوري جاء، هذه المرة، بتنسيق مع روسيا التي سرعان ما استدعت السفير الإسرائيلي لديها لاستكمال المشهد.
لا يعني الرد السوري أن إسرائيل لن تشن أي هجمات داخل سورية، لكنه يعني أن مرحلة جديدة قد بدأت، وأن مفتاح المواجهات العسكرية انتقل من واشنطن إلى موسكو، على الأقل في هذه المرحلة.
كشف الرد العسكري السوري المشكلة بين روسيا وإسرائيل، وحدود التباينات والأولويات بينهما. لا تريد إسرائيل التدخل في الشأن السوري، خصوصا بعد الهيمنة الروسية، وهذا ما صرح به وزير الحرب، أفيغدور ليبرمان، بكل صراحة، لكنها لن تسمح باستمرار تدفق السلاح إلى حزب الله، وهذه مسألةٌ لا ترفضها موسكو، لكنها، في المقابل، لم تعد في وارد السماح باقتحام الأجواء السورية من دون تفاهم معها.
بعبارة أخرى، ثمة رسالة روسية إلى إسرائيل بأدوات سورية، مفادها أن التدخل الإسرائيلي يجب أن يجري وفق الإيقاع الروسي، فما جرى ليس مجرد سوء تفاهم عسكري.