08 نوفمبر 2024
قمّة عربية.. عندما يلوم الجزار الضحية
ليست كل الأحكام القيمية والجاهزة خاطئة ومتعسفة دوماً، بل منها ما هو صحيح وسليم، والتجارب والوقائع تدل عليها وتؤكد مصداقيتها. واحد من أنصع الأمثلة على ذلك القمم العربية، والتي تؤكد حصيلة سبعين عاما على دوراتها المتكرّرة، منذ تأسيس جامعة الدول العربية عام 1945، أنها جعجعة تُسْمَعُ من دون طحين يُرى. فأكثر من أربعين قمة عربية بين عادية وطارئة واقتصادية وتنموية لم تنجح في جمع شعث أمة العرب، ولا في إطلاق وحدة أمنية أو عسكرية أو اقتصادية، دع عنك الجغرافية، الأقرب إلى أفلام الخيال. واحدة وأربعون قمة، مع تفاوت في التقدير والحساب، منذ عقد أول قمة، عام 1946، لم تنجح في إنقاذ فلسطين من الضياع والتهويد، ولم تنجح في توحيد العرب في معسكر واحد، كما فشلت في منع غزو لبنان ونصرته، ولم تستطع أن تنهي التوتر بين المغرب والجزائر، أو تمنع غزو العراق الكويت، ولا حتى أن تفرض حلاً عربياً للحيلولة دون تدمير العراق عام 1991، ثم احتلاله كليا عام 2003. دع عنك، طبعا، فشل هذه القمم في إصلاح ذات البين بين العرب، وفشلها في إنقاذ شعوب سورية والعراق واليمن وليبيا من خطر الإبادة اليوم، والقائمة تطول ولا يمكن حصرها. ومن ثمّ لا تعجب عندما ترى استهزاء المواطن العربي بهذه القمم التي لا تغني ولا تسمن من جوع، ولا تلمْه عندما يطالب الزعماء العرب بالبقاء في عواصمهم، وتوفير المصاريف على شعوبهم.
قمة البحر الميت التي انعقدت في الأردن، الأربعاء الماضي، ليست بِدْعاً في هذا السياق، فقد
انتهت إلى حيث كنَّا، وعود كبيرة، وآمال معلقة في الهواء، وحديث كثير عن تضامن عربي ليس قائما، وعن رفض للتدخل الأجنبي يستدعيه بعضنا، ودعوات إلى وقف سفك الدماء في بعض بلداننا، كسورية واليمن وليبيا والعراق، في حين أنه يسفك بأيدي بعضٍ منا، وتسوّل "مصالحة تاريخية" مع إسرائيل، ترفسها دوما وتلقيها في وجوهنا. إنها المتوالية نفسها التي لا تنتهي.. إنها الحلقة المفرغة نفسها.. إنه الإحباط المتراكم الذي لا يبدو أن له قاعاً. ولذلك، لسنا بحاجة إلى "محللٍ سياسي" يفلسف القمم العربية ويقاربها، فـ"تحليل" ابن الشارع العربي البسيط أصدق إِنْبَاءً هنا من كل "كلام كبير".
أحببنا أم كرهنا، شئنا أم أبينا، هذه القمم تضرنا ولا تنفعنا، ليس لأنه لا ينبني عليها عملٌ فحسب، بل لأنها كذلك تخرج بما يفجعنا. فمن رحم هذه القمم جاءت قمة القاهرة الطارئة عام 1990، والتي مهدت لضرب العراق غربيا بعد أن فشلنا، نحن العرب، في أن نحل خلافاتنا البينية أخوياً في البيت الآيل للسقوط الذي يجمعنا: "جامعة الدول العربية". ومن رحمها أيضا خرج "القرار العربي" في قمة بيروت عام 2002 بما سميت مبادرة السلام العربية، والتي قدمت صكا عربيا على بياض لإسرائيل بقبول احتلالها 78% من أرض فلسطين التاريخية، مقابل تسول بعض من ألـ22% من البقية المتبقية منها، وتذويب حق العودة للاجئين الفلسطينيين.. إلخ.
في القمة التي عقدت أخيرا في الأردن، لم يكتف كثير من زعمائنا بِفَجْعِنا بالكوارث التي اعتدناها منهم، بل إنهم أبوا إلى أن يصفّوا حساباتهم معنا. فحسب تلميح بيان القمة الختامي، فإن ثورات بعض شعوبنا على ظلم بعض الأنظمة العربية هي سبب الفوضى والقتل والدماء والتشريد وانتشار العصابات الإرهابية التي تهدّد الأمن والاستقرار في الأمن والعالم! بل إن أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الصباح، لم يتردّد في القول بأن: "وَهْمَ الربيع العربي عطّل التنمية والبناء والاستقرار في عدة دول عربية، وساهم في تدهور الأمن فيها، ولا بد أن نستخلص منها العبر"، بغض النظر عن موقفنا من الثورات العربية، ثمّة حقيقة ينبغي الإقرار بها، وهي أن الثورات العربية نتيجةٌ لا سبب. نعم، هي نتيجة عقود من التخلف والقمع والقهر والفشل والفساد والفقر والهزائم التي كلها صنائع النظام العربي بامتياز. وبالتالي، يصبح الحديث أن "الربيع العربي عطل التنمية والبناء والاستقرار.. وساهم في تدهور الأمن.." نوعاً من حالة الإنكار أو محاولة لإعادة كتابة التاريخ الذي لا زلنا نعيشه. فأين الأمن العربي قبل الثورات؟ وأين كانت التنمية والبناء والاستقرار؟ هل ترى ثمّة من يصدّق أننا عشناهم يوما!؟ إننا أبناء هذا الجيل، وتعدادنا بمئات الملايين، وغالبيتنا العظمى تشهد أننا لم نر شيئا من ذلك حتى ننكره.
قمة البحر الميت ما هي إلا محطة أخرى من محطات عارنا العربي. وعود كبيرة من دون
آليات لتطبيقها. ستبقى فلسطين محتلة، وستبقى سورية تنزف، وسيبقى العراق يدمر، وسيبقى اليمن يمزّق، وستبقى ليبيا تأكل بعضها.. إلخ. لن يتغير شيء. وللمفارقة، لم يشر البيان الختامي من قريب ولا بعيد، دع عنك أن يدين، المذابح التي تتعرّض لها الشعوب السورية والعراقية واليمنية والليبية، وأنّى له أن يدين، وكثيرون من الموقعين عليه متورطون في سفك تلك الدماء. أيضا، لم يكلف البيان الختامي نفسه، ومن باب ذِرِّ الرماد في العيون، إدانة الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، على الرغم من أن الزعماء المجتمعين كانوا على بعد بضعة كيلومترات من حدودها. بل إن حتى الدولة المضيفة، الأردن، والذي حصل على تطمين بدعم عربي مالي لاستضافته مئات الآلاف من اللاجئين السوريين، يعلم أنه لن يحصل على درهم واحد.
ملخص الكلام، من القادة الذين اجتمعوا في القمة الأخيرة من يسفكون دماءنا، ويدمرون أوطاننا ويهندسون الفوضى في دولنا، وهم سبب فشلنا وتدخل كل عدو في شؤوننا، ثم يلقون باللوم علينا، ويعتبرون أنفسهم الحل لكوارثنا.
قمة البحر الميت التي انعقدت في الأردن، الأربعاء الماضي، ليست بِدْعاً في هذا السياق، فقد
أحببنا أم كرهنا، شئنا أم أبينا، هذه القمم تضرنا ولا تنفعنا، ليس لأنه لا ينبني عليها عملٌ فحسب، بل لأنها كذلك تخرج بما يفجعنا. فمن رحم هذه القمم جاءت قمة القاهرة الطارئة عام 1990، والتي مهدت لضرب العراق غربيا بعد أن فشلنا، نحن العرب، في أن نحل خلافاتنا البينية أخوياً في البيت الآيل للسقوط الذي يجمعنا: "جامعة الدول العربية". ومن رحمها أيضا خرج "القرار العربي" في قمة بيروت عام 2002 بما سميت مبادرة السلام العربية، والتي قدمت صكا عربيا على بياض لإسرائيل بقبول احتلالها 78% من أرض فلسطين التاريخية، مقابل تسول بعض من ألـ22% من البقية المتبقية منها، وتذويب حق العودة للاجئين الفلسطينيين.. إلخ.
في القمة التي عقدت أخيرا في الأردن، لم يكتف كثير من زعمائنا بِفَجْعِنا بالكوارث التي اعتدناها منهم، بل إنهم أبوا إلى أن يصفّوا حساباتهم معنا. فحسب تلميح بيان القمة الختامي، فإن ثورات بعض شعوبنا على ظلم بعض الأنظمة العربية هي سبب الفوضى والقتل والدماء والتشريد وانتشار العصابات الإرهابية التي تهدّد الأمن والاستقرار في الأمن والعالم! بل إن أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الصباح، لم يتردّد في القول بأن: "وَهْمَ الربيع العربي عطّل التنمية والبناء والاستقرار في عدة دول عربية، وساهم في تدهور الأمن فيها، ولا بد أن نستخلص منها العبر"، بغض النظر عن موقفنا من الثورات العربية، ثمّة حقيقة ينبغي الإقرار بها، وهي أن الثورات العربية نتيجةٌ لا سبب. نعم، هي نتيجة عقود من التخلف والقمع والقهر والفشل والفساد والفقر والهزائم التي كلها صنائع النظام العربي بامتياز. وبالتالي، يصبح الحديث أن "الربيع العربي عطل التنمية والبناء والاستقرار.. وساهم في تدهور الأمن.." نوعاً من حالة الإنكار أو محاولة لإعادة كتابة التاريخ الذي لا زلنا نعيشه. فأين الأمن العربي قبل الثورات؟ وأين كانت التنمية والبناء والاستقرار؟ هل ترى ثمّة من يصدّق أننا عشناهم يوما!؟ إننا أبناء هذا الجيل، وتعدادنا بمئات الملايين، وغالبيتنا العظمى تشهد أننا لم نر شيئا من ذلك حتى ننكره.
قمة البحر الميت ما هي إلا محطة أخرى من محطات عارنا العربي. وعود كبيرة من دون
ملخص الكلام، من القادة الذين اجتمعوا في القمة الأخيرة من يسفكون دماءنا، ويدمرون أوطاننا ويهندسون الفوضى في دولنا، وهم سبب فشلنا وتدخل كل عدو في شؤوننا، ثم يلقون باللوم علينا، ويعتبرون أنفسهم الحل لكوارثنا.