15 مايو 2024
ملجأ العامرية والموصل
تعاملت القوات المسلحة العراقية بشيء من اللامبالاة مع قضية المدنيين الموجودين ضمن حدود الجانب الأيمن من مدينة الموصل، والتي كانت التقديرات شبه المؤكدة لعددهم هناك، عشية بدء الهجوم عليه، لتحريره من قبضة تنظيم داعش الإرهابي، حوالي 800 ألف نسمة؛ فقد صدم العالم بالحالة المزرية التي ظهرت بها طلائع أولى وجبات النازحين من الأحياء القريبة من حدود محاور التعرّض الأول للقطعات العراقية في 19 فبراير/ شباط الماضي، كما تناولت المحطات الفضائية عدم وجود مراكز إيواء نظامية للنازحين الذين قدرت منظمات دولية أعدادهم قبيل الهجوم بـ 250 ألف نازح.
وعلى الرغم من التقدم الميسر نسبيا للقطعات العراقية في الجانب الأيمن للموصل، بعكس التوقعات الأولية، إلا أن موضوع المدنيين في الموصل لم يتم اتخاذ إجراءات فعلية لتداركه، وبقي مواطنو ثاني أكبر المدن العراقية، وأعرقها تاريخيا، يخسرون الكثير من قيم التعامل الإنساني خلال نجاحهم في التخلص من سطوة "داعش". وبعد وصولهم إلى حدود القطعات العراقية، ثم معسكرات الإيواء الفقيرة لأبسط المستلزمات الإنسانية، بشهادة المراقبين الأمميين والمحليين.
في يوم 17 مارس/ آذار الماضي، وقع ما فجرّ قضية الإهمال المتعمد لخسائر المدنيين في الموصل حتى هذه اللحظة، حيث قصفت طائرات التحالف الدولي ثلاثة منازل في حي الموصل الجديدة وسط الجانب الأيمن، بما تسبب بقتل حوالي 600 مدني، كانوا يختبئون في سراديب (أقبية) هذه البيوت، وبطريقة لم تسمح بإخراج معظم جثث الضحايا المدفونة تحت أنقاض
المنازل المدمرة. وذكرت وزارة الدفاع الأميركية أن "مراجعة أظهرت أن التحالف الدولي استهدف، بطلب من قوات الأمن العراقية، مقاتلين وعتادا لتنظيم داعش يوم 17 مارس، في موقع يتوافق مع مزاعم سقوط ضحايا من المدنيين". ورجّح قائد قوات التحالف الدولي، الفريق ستيف تاونسند، أن "يكون للتحالف دور في مقتل مئات المدنيين في الموصل، جرّاء غارة جوية في السابع عشر من شهر مارس"، كما لم يستبعد رئيس أركان الجيش الأميركي، الجنرال مارك ميلي، "مسؤولية التحالف".
ادعى الجانب العراقي الرسمي أن تنظيم داعش هو الذي أجبر الناس على الوجود بشكل مكثف في البيوت، ومن ثم استخدام قناصيه أسطح تلك المنازل، ليستدرج طائرات التحالف لقصف هذه المنازل، ثم ليحدث ردة فعل إعلامية، توقف (أو تؤخر) الضربات الجوية أو العمليات العسكرية هناك. أما منظمة العفو الدولية فقد اتهمت التحالف الدولي بارتكاب "انتهاك صارخ للقانون الدولي" في الموصل، لعدم اتخاذه الاحتياطات الكافية لحماية المدنيين، مشيرة إلى مقتل مئات المدنيين في الموصل، بعدما أمرتهم السلطات العراقية بـ"التزام منازلهم"، على الرغم من الغارات الجوية للتحالف. وقالت رئيسة مجلس قضاء الموصل، بسمة بسيم، إن هناك نحو خمسمئة قتيل في تلك المجزرة التي وصفتها بأنها "متعمدة"، بينما أعلن مجلس محافظة نينوى المدينة منكوبة.
تذكّر حادثة جريمة مجزرة الجانب الأيمن في الموصل بجريمة مجزرة الملجأ 25 في حي العامرية في بغداد؛ حيث تعرّض لقصف جوي في أثناء حرب الخليج الثانية يوم 13 فبراير/ شباط من عام 1991، بواسطة طائرتين من نوع أف -117، حملت قنابل ذكية أدت إلى تدمير الملجأ تماما، ومقتل أكثر من 400 مدني عراقي من نساء وأطفال حرقا، وقد استخدمت حينها التبريرات نفسها مع اختلاف التسميات، حيث قالت قوات التحالف المهاجمة إنها كانت تستهدف مراكز قيادية عراقية، ربما تكون موجودة داخل الملجأ. وسواء كان سبب القصف وجود قيادات عراقية داخل ملجأ العامرية، أو قناصين لداعش فوق أسطح سراديب منازل الموصل الجديدة، فإن (الهدف) المسجل الوحيد للغارتين (الجريمتين) هو قتل أكبر عدد من المدنيين من الأطفال والنساء والرجال العزّل، وبطريقة بشعة.
ولأن الجريمة كبيرة، والعالم ليس كما كان في 1991، من حيث منظومة الاتصال والإعلام؛
فإن ردود الأفعال قد تتنامى لتهوي بآليات سير المعارك في الموصل إلى أدنى المستويات، كما قد يجعل من سمعة التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب في وضعٍ لا تحسد عليه. وقد جاءت زيارة الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، إلى بغداد، نهاية شهر مارس/ آذار الماضي، لتشير إلى توجيهاتٍ سريعة صدرت للمنظمة الدولية بمعالجة ملف الأوضاع الإنسانية في العراق، ومخيمات النازحين المقدّر عددهم بأربعة ملايين نازح في العراق، يمرّون في ظروف صعبة، قبل تفجّر الوضع فيها لصالح تنظيم داعش الذي بات يحتاج إلى فرصةٍ لكسب الوقت والأنفاس، في معاركه مع القوات العراقية. وقد شدّد غوتيريس على ضرورة أن ترافق الحرب ضد الإرهاب محاربة أسبابه، ما يعني إقامة قواعد الحكم الرشيد في العراق، وعدم الاستمرار في سياسات الإقصاء والتهميش.
في غياب العدالة والقانون، والسلطة القائمة عليهما، كل شيء جائز، فلا ضحايا مجزرة ملجأ العامرية نالوا حقوقهم القانونية في متابعة الجاني والقصاص منه، لأن العراق كان خلال الضربة الجوية (الجريمة) وبعدها تحت (الحصار) الجائر، كما أنه ليس متوقعا أن ينال أطفال ونساء ورجال جريمة الضربة الجوية لسراديب الموصل الجديدة المدنيين أياً من الحقوق القانونية، لأنهم باختصار في ظل سلطة غير سلطة العدالة والقانون.
وعلى الرغم من التقدم الميسر نسبيا للقطعات العراقية في الجانب الأيمن للموصل، بعكس التوقعات الأولية، إلا أن موضوع المدنيين في الموصل لم يتم اتخاذ إجراءات فعلية لتداركه، وبقي مواطنو ثاني أكبر المدن العراقية، وأعرقها تاريخيا، يخسرون الكثير من قيم التعامل الإنساني خلال نجاحهم في التخلص من سطوة "داعش". وبعد وصولهم إلى حدود القطعات العراقية، ثم معسكرات الإيواء الفقيرة لأبسط المستلزمات الإنسانية، بشهادة المراقبين الأمميين والمحليين.
في يوم 17 مارس/ آذار الماضي، وقع ما فجرّ قضية الإهمال المتعمد لخسائر المدنيين في الموصل حتى هذه اللحظة، حيث قصفت طائرات التحالف الدولي ثلاثة منازل في حي الموصل الجديدة وسط الجانب الأيمن، بما تسبب بقتل حوالي 600 مدني، كانوا يختبئون في سراديب (أقبية) هذه البيوت، وبطريقة لم تسمح بإخراج معظم جثث الضحايا المدفونة تحت أنقاض
ادعى الجانب العراقي الرسمي أن تنظيم داعش هو الذي أجبر الناس على الوجود بشكل مكثف في البيوت، ومن ثم استخدام قناصيه أسطح تلك المنازل، ليستدرج طائرات التحالف لقصف هذه المنازل، ثم ليحدث ردة فعل إعلامية، توقف (أو تؤخر) الضربات الجوية أو العمليات العسكرية هناك. أما منظمة العفو الدولية فقد اتهمت التحالف الدولي بارتكاب "انتهاك صارخ للقانون الدولي" في الموصل، لعدم اتخاذه الاحتياطات الكافية لحماية المدنيين، مشيرة إلى مقتل مئات المدنيين في الموصل، بعدما أمرتهم السلطات العراقية بـ"التزام منازلهم"، على الرغم من الغارات الجوية للتحالف. وقالت رئيسة مجلس قضاء الموصل، بسمة بسيم، إن هناك نحو خمسمئة قتيل في تلك المجزرة التي وصفتها بأنها "متعمدة"، بينما أعلن مجلس محافظة نينوى المدينة منكوبة.
تذكّر حادثة جريمة مجزرة الجانب الأيمن في الموصل بجريمة مجزرة الملجأ 25 في حي العامرية في بغداد؛ حيث تعرّض لقصف جوي في أثناء حرب الخليج الثانية يوم 13 فبراير/ شباط من عام 1991، بواسطة طائرتين من نوع أف -117، حملت قنابل ذكية أدت إلى تدمير الملجأ تماما، ومقتل أكثر من 400 مدني عراقي من نساء وأطفال حرقا، وقد استخدمت حينها التبريرات نفسها مع اختلاف التسميات، حيث قالت قوات التحالف المهاجمة إنها كانت تستهدف مراكز قيادية عراقية، ربما تكون موجودة داخل الملجأ. وسواء كان سبب القصف وجود قيادات عراقية داخل ملجأ العامرية، أو قناصين لداعش فوق أسطح سراديب منازل الموصل الجديدة، فإن (الهدف) المسجل الوحيد للغارتين (الجريمتين) هو قتل أكبر عدد من المدنيين من الأطفال والنساء والرجال العزّل، وبطريقة بشعة.
ولأن الجريمة كبيرة، والعالم ليس كما كان في 1991، من حيث منظومة الاتصال والإعلام؛
في غياب العدالة والقانون، والسلطة القائمة عليهما، كل شيء جائز، فلا ضحايا مجزرة ملجأ العامرية نالوا حقوقهم القانونية في متابعة الجاني والقصاص منه، لأن العراق كان خلال الضربة الجوية (الجريمة) وبعدها تحت (الحصار) الجائر، كما أنه ليس متوقعا أن ينال أطفال ونساء ورجال جريمة الضربة الجوية لسراديب الموصل الجديدة المدنيين أياً من الحقوق القانونية، لأنهم باختصار في ظل سلطة غير سلطة العدالة والقانون.