01 أكتوبر 2022
لماذا نهتم بالتجربة التركية؟
ألقى الرئيس الأميركي أيزنهاور، في عام 1954، خطاباً شهيراً طرح فيه لأول مرة مفهوم "أحجار الدومينو" في العلاقات الدولية. شرح أيزنهاور تطبيقاً عملياً: "إن سقوط دولة تحت الحكم الشيوعي، أو تحت تأثيره، سيؤدي إلى أن تتبعها سريعاً دول الجوار". لهذا، تدخلت أميركا عسكرياً لمنع فيتنام من التحول إلى الشيوعية، لم تنفق المليارات وتضحي بعشرات الآلاف من الجنود من أجل ذلك البلد الصغير جداً البعيد جداً، بل فقط لتتجنب احتمالية أن سقوطه قد يطلق موجة تشمل ما حوله، وتمتد ربما حتى تصل إلى أميركا نفسها.
تجارب عالمية أخرى عديدة يمكن تفسيرها بالطريقة نفسها. تحول دول أوروبا الشرقية إلى الديموقراطية خارج الحكم الشيوعي تباعاً، أو تحول دول أميركا الجنوبية من الدكتاتوريات العسكرية إلى الديموقراطية، أو تتابع دول الربيع العربي بمجرد نجاح الشرارة التونسية.
لطالما كنا نتمنى أن تكون تركيا "حجر الدومينو" الأول في المنطقة. بشكل خاص في العقد الأول من الألفية، كان حزب العدالة والتنمية حلماً جميلاً في هذه الدولة الإسلامية الشرق أوسطية التي تجمعها عوامل كثيرة بالعرب. كان الحزب يقدم إجاباتٍ على أسئلة معقدةٍ للغاية في منطقتنا، كعلاقة الإسلام والدولة العلمانية عصرياً، وخطوات التحول الديموقراطي في بلدٍ بتراثٍ عسكري عريق، وكفاءة الإصلاح الاقتصادي والتنموي. بل يمكن القول إن الحزب الحاكم التركي قام بتفعيل عقد اجتماعي جديد، يشمل تصعيد فئات من "الأتراك السود"، أي الأقل نفوذاً وأموالاً وتعليماً، كما يشمل رؤيةً أكثر هدوءاً وتصالحاً مع حقوق الأكراد.
كنا نشير إلى تركيا، ونقول للسلطويين الإسلاميين والعسكريين: انظروا، نريد مثل هذا! وكنا نقول لشعبنا: "هؤلاء مثلكم، مسلمون وشرق أوسطيون، وقد فعلوها".
لذلك، حين يدخل القائمون بعمل "شرطة فيسبوك" ليعلقوا على أي منشورٍ ينتقد أردوغان بأن على كاتبه أن يصمت، ويترك الشأن التركي لمن يفهم فيه (كأنهم جميعاً خبراء)، فهم يناقضون أنفسهم قبل غيرهم، كما أنهم لا يفهمون الفرق بين المنتقدين، من يتمنى النجاح والإصلاح ومن يتمنى الفشل للتجربة كلها.
أخطر ما حدث في تركيا، أخيراً، هو خسارة هذا النموذج، هل سنطلب اليوم من السلطويين العرب أن يتعلموا من أردوغان إغلاق الصحف والقنوات، أم اعتقال الصحافيين، أم فصل الموظفين على الهوية السياسية؟ أم لعلهم يتعلمون من تعديل الدستور ليسمح باستمرار شخص (حتى لو كان الأفضل على الإطلاق) في الحكم عقوداً؟
انعكست الآية، فأصبح السلطويون العسكريون والإسلاميون يتداولون أخباراً مثل "فصل 97 ألف موظف" أو "بدء إجراءات قانونية ضد 103 آلاف شخص منهم 41 محتجزاً في السجون". أصبح بعضهم يشير إلى هذه الأخبار، ويقول نحن نريد مثل هذا!
بالطبع نتمنى أن يأخذوا من تركيا الانتخابات النزيهة، لكنهم لن يروا نزاهة الصناديق، وسيتعلمون كيفية تزوير ما حولها. إذا زوّرت ما حول الصندوق لا تحتاج للتزوير في الصندوق. الصندوق وحده لا يصنع ديموقراطية. لكن، في المقابل بالتأكيد لا ديموقراطية بلا صندوق مطلقاً.
من المؤسف تصور أن تركيا ترتد تدريجياً إلى تاريخها الطويل مع "الصندوقراطية"، فكل انقلاب يحدث كان تتبعه موجة قمع وسحق للحياه السياسية، ثم، في النهاية، تعلن انتخابات نزيهة قد يفوز فيها قائد الانقلاب نفسه، كما فعل قائد انقلاب 1980، الجنرال كنعان إيفرين. هذه الانتخابات حتى لو كانت سليمة إجرائياً فهي مزوّرة سياسياً.
بدائل حزب العدالة والتنمية في تركيا خارقة السوء، فجماعة غولن، في النهاية، جماعة دينية صوفية بترتيب تنظيمي مرعب لاختراق مؤسسات الدولة، أما العلمانيون الأتاتوركيون فلهم تاريخ أسود من القتل والقمع والإعدامات وتأييد الانقلابات. حالة من انسداد الحلم. الملهم يحتاج من يلهمه.
مهمتنا أصبحت أصعب. واجبنا الحفاظ على خطنا الأخلاقي والسياسي بدون توافر نماذج تطابقه في المنطقة. لعل ما في يدنا الآن أن نشير إلى تجربة ناشئة مثل تونس، ونقول: انظروا، نريد مثل هذا.
تجارب عالمية أخرى عديدة يمكن تفسيرها بالطريقة نفسها. تحول دول أوروبا الشرقية إلى الديموقراطية خارج الحكم الشيوعي تباعاً، أو تحول دول أميركا الجنوبية من الدكتاتوريات العسكرية إلى الديموقراطية، أو تتابع دول الربيع العربي بمجرد نجاح الشرارة التونسية.
لطالما كنا نتمنى أن تكون تركيا "حجر الدومينو" الأول في المنطقة. بشكل خاص في العقد الأول من الألفية، كان حزب العدالة والتنمية حلماً جميلاً في هذه الدولة الإسلامية الشرق أوسطية التي تجمعها عوامل كثيرة بالعرب. كان الحزب يقدم إجاباتٍ على أسئلة معقدةٍ للغاية في منطقتنا، كعلاقة الإسلام والدولة العلمانية عصرياً، وخطوات التحول الديموقراطي في بلدٍ بتراثٍ عسكري عريق، وكفاءة الإصلاح الاقتصادي والتنموي. بل يمكن القول إن الحزب الحاكم التركي قام بتفعيل عقد اجتماعي جديد، يشمل تصعيد فئات من "الأتراك السود"، أي الأقل نفوذاً وأموالاً وتعليماً، كما يشمل رؤيةً أكثر هدوءاً وتصالحاً مع حقوق الأكراد.
كنا نشير إلى تركيا، ونقول للسلطويين الإسلاميين والعسكريين: انظروا، نريد مثل هذا! وكنا نقول لشعبنا: "هؤلاء مثلكم، مسلمون وشرق أوسطيون، وقد فعلوها".
لذلك، حين يدخل القائمون بعمل "شرطة فيسبوك" ليعلقوا على أي منشورٍ ينتقد أردوغان بأن على كاتبه أن يصمت، ويترك الشأن التركي لمن يفهم فيه (كأنهم جميعاً خبراء)، فهم يناقضون أنفسهم قبل غيرهم، كما أنهم لا يفهمون الفرق بين المنتقدين، من يتمنى النجاح والإصلاح ومن يتمنى الفشل للتجربة كلها.
أخطر ما حدث في تركيا، أخيراً، هو خسارة هذا النموذج، هل سنطلب اليوم من السلطويين العرب أن يتعلموا من أردوغان إغلاق الصحف والقنوات، أم اعتقال الصحافيين، أم فصل الموظفين على الهوية السياسية؟ أم لعلهم يتعلمون من تعديل الدستور ليسمح باستمرار شخص (حتى لو كان الأفضل على الإطلاق) في الحكم عقوداً؟
انعكست الآية، فأصبح السلطويون العسكريون والإسلاميون يتداولون أخباراً مثل "فصل 97 ألف موظف" أو "بدء إجراءات قانونية ضد 103 آلاف شخص منهم 41 محتجزاً في السجون". أصبح بعضهم يشير إلى هذه الأخبار، ويقول نحن نريد مثل هذا!
بالطبع نتمنى أن يأخذوا من تركيا الانتخابات النزيهة، لكنهم لن يروا نزاهة الصناديق، وسيتعلمون كيفية تزوير ما حولها. إذا زوّرت ما حول الصندوق لا تحتاج للتزوير في الصندوق. الصندوق وحده لا يصنع ديموقراطية. لكن، في المقابل بالتأكيد لا ديموقراطية بلا صندوق مطلقاً.
من المؤسف تصور أن تركيا ترتد تدريجياً إلى تاريخها الطويل مع "الصندوقراطية"، فكل انقلاب يحدث كان تتبعه موجة قمع وسحق للحياه السياسية، ثم، في النهاية، تعلن انتخابات نزيهة قد يفوز فيها قائد الانقلاب نفسه، كما فعل قائد انقلاب 1980، الجنرال كنعان إيفرين. هذه الانتخابات حتى لو كانت سليمة إجرائياً فهي مزوّرة سياسياً.
بدائل حزب العدالة والتنمية في تركيا خارقة السوء، فجماعة غولن، في النهاية، جماعة دينية صوفية بترتيب تنظيمي مرعب لاختراق مؤسسات الدولة، أما العلمانيون الأتاتوركيون فلهم تاريخ أسود من القتل والقمع والإعدامات وتأييد الانقلابات. حالة من انسداد الحلم. الملهم يحتاج من يلهمه.
مهمتنا أصبحت أصعب. واجبنا الحفاظ على خطنا الأخلاقي والسياسي بدون توافر نماذج تطابقه في المنطقة. لعل ما في يدنا الآن أن نشير إلى تجربة ناشئة مثل تونس، ونقول: انظروا، نريد مثل هذا.