الصحراء والأمم المتحدة
يوسف كريم (المغرب)
في شهر أبريل/ نيسان من كلّ سنة، تتجه أنظار المغرب إلى ردهات الأمم المتحدة يترقب ما ستسفر عنه اجتماعات مجلس الأمن ومداولاته، والتقرير السنوي بخصوص قضيته الوطنية الأولى، وتنطلق معه تخمينات وتحليلات بعض من يسمون أنفسهم "محللين سياسيين"، لتقديم قراءاتهم بخصوص محتوى التقرير، وتحليل مضامينه والخروج باستنتاجاتٍ، وما إذا كان سيتضمن معطياتٍ تتماشى مع مصالح المغرب.
يدفعنا التقرير الجديد للأمين العام، أنطونيو غوتيرس، وتوصياته حول الصحراء، إلى طرح أكثر من سؤال حول مصداقية الأمم المتحدة ومدى قدرتها على تدبير الأزمات الدولية، وفي مقدمتها النزاع المفتعل حول الصحراء، ودفع جميع أعضاء الجماعة الدولية إلى الانضباط واحترام القواعد القانونية الملزمة عن طريق الجزاء المادي، بشكل يمكن أن يضع حداً لحالات التسيّب والفوضى التي يعرفها الواقع الدولي.
تشبه منظمة الأمم المتحدة في تعاطيها مع القضايا الدولية قصة الدجاجات التي تلقي بروثها وقذارتها في حديقة صاحبها، ولكنها عند البيض تذهب لتضع بيضها في بيوت الجيران، والأمم المتحدة واحدة من هذه الدجاجات، فهي تثير الاضطراب في بيوت العرب وتضع البيض في حدائق إسرائيل ودول الغرب. هي التي ينفطر قلبها لاختطاف جندي إسرائيلي، وتطالب بإطلاق سراحه، لكنها تصاب بالخرس إزاء المذابح الإسرائيلية التي ترتكب في حق الشعب الفلسطيني، فهل قدمت هذه المنظمة شيئا للسوريين لتضميد جراحهم؟ أو للعراقيين لتجاوز فتنتهم؟ آو الليبيين لدعم استقرارهم؟ أو الفلسطينيين لاسترجاع أرضهم وتأسيس دولتهم؟ حتى تقدمه للمغاربة في عدالة قضيتهم التي أصبحت جزءا من هويتهم، بغض النظر عن اتفاقهم أو اختلافهم مع توّجهات الحكم وسياسات الحكومة؟
الأمم المتحدة منظمة دولية معطوبة، لأنّ الواقع السياسي الذي أنتجها يعتد بالقوة، ولا يحتكم إلى القيم والمبادئ، وما نسميه تجاوزا، قواعد القانون الدولي، ليس أكثر من محصلة لصراع الدول الكبرى في العالم، وبهذا تبدو لنا نتيجة هذا الصراع بمثابة قاعدة قانونية دولية، مع أنّها أبعد ما يكون عن ذلك، لأنّها ليست إعمالا لمبدأ قوة الحق، وإنما هي تكريس للمبدأ النقيض، أي حق القوة.
في الاتحاد الأوربي، مثلاً، تملك كل دولة عضوية كاملة وصوتاً واحداً، بصرف النظر عن حجمها الديمغرافي والجغرافي والاقتصادي، ولجميع الدول حق الاعتراض على قرارات الاتحاد، لأنّ هذه المنظمة مبنية على مبدأ التكافؤ بين أعضائها. ولذلك، حقّقت منجزات كبيرة. أما الأمم المتحدة فقد عمّرت أكثر من سبعين سنة من دون أن تحقّق ما كان مأمولاً منها يوم تأسيسها، ولم تتمكن، طوال العقود الأخيرة، من إيجاد حل سلمي حقيقي لأي أزمة أو نزاع في أيّ منطقة. لذلك، تبقى الدعوات التي تطالب بإصلاح هذه المنظمة العجوز صيحةً في واد وتحايلاً من أجل إضفاء صفة "الشرعية الدولية"، على ما تريده الدول الكبرى لمصالحها.
يبقى إذن التوجه إلى الأمم المتحدة، وجعلها حائط مبكى للدفاع عن قضية عادلة، مثل قضية الصحراء، عملاً غير ذي جدوى، لأنها انعكاس لواقع السياسة الدولية التي تصنعها القوى الكبرى، وهي إحدى الواجهات التي يتجلّى فيها نفوذ الدول العظمى.
ويبدو، لهذا السبب، أنّ المغرب قد يخسر الكثير إذا راهن على المنظمة الأممية، من أجل إيجاد حل عادل ومنصف لقضيته الوطنية الأولى، بل عليه أن يعمل بالنصيحة التي يقدمها علم السياسة للسياسيين في نطاق النصح باعتماد السياسة الواقعية، والتي مؤداها أنّه "إذا لم تقدر على ممارسة سياستك فلتقتصر على ممارسة سياسة وسائلك"، ذلك أنّ التنظير السياسي شيء ومقتضيات الواقع وإكراهاته شيء آخر، وهذا ما يحتّم على المغرب أن يعمل على بلورة مقاربة جديدة في التعامل مع الملف الصحراوي، على المستويين الخارجي والداخلي.
في زمن التحالفات والتكتلات والتحولات الجيوسياسية، على المغرب أن يحرّك دبلوماسيته الجامدة، الرسمية والموازية، ويقوم بتحرّك مباشر في اتجاه عواصم الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، لمزيد من التعريف بمشروع الحكم الذاتي الذي يقدّمه حلاً سياسياً لنزاع الصحراء في إطار السيادة الوطنية للمملكة، فهي صاحبة الحل والعقد في الشؤون الدولية، وحين تحسم هذه القوى موقفها من قضية ما، تقوم الأمم المتحدة بتزكية هذا الموقف ومباركته.
وإذا كان مطلوباً من المغرب على هذا المستوى أن يلعب على أوراق علاقاته مع القوى العظمى، فإنّه على المستوى الداخلي مطالبٌ بأن يكتسب أسباب القوة والمناعة، لاسترجاع حقه من بين مخالب الأقوياء، وذلك بالحرص على إنجاح التجربة المغربية في ميدان الانتقال الديمقراطي والإصلاح السياسي والدستوري والمؤسساتي، وطي صفحات القمع وفتح الباب أمام المصالحة الوطنية لمعالجة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
بعد ذلك، لا خوف على المغرب من خسارة معركة حاسمة ومصيرية باسم الصحراء، ولا خشية من منظمةٍ هي على حد قول المصريين "فزّاعة لا بتـهـش ولا بـتـنش".
يدفعنا التقرير الجديد للأمين العام، أنطونيو غوتيرس، وتوصياته حول الصحراء، إلى طرح أكثر من سؤال حول مصداقية الأمم المتحدة ومدى قدرتها على تدبير الأزمات الدولية، وفي مقدمتها النزاع المفتعل حول الصحراء، ودفع جميع أعضاء الجماعة الدولية إلى الانضباط واحترام القواعد القانونية الملزمة عن طريق الجزاء المادي، بشكل يمكن أن يضع حداً لحالات التسيّب والفوضى التي يعرفها الواقع الدولي.
تشبه منظمة الأمم المتحدة في تعاطيها مع القضايا الدولية قصة الدجاجات التي تلقي بروثها وقذارتها في حديقة صاحبها، ولكنها عند البيض تذهب لتضع بيضها في بيوت الجيران، والأمم المتحدة واحدة من هذه الدجاجات، فهي تثير الاضطراب في بيوت العرب وتضع البيض في حدائق إسرائيل ودول الغرب. هي التي ينفطر قلبها لاختطاف جندي إسرائيلي، وتطالب بإطلاق سراحه، لكنها تصاب بالخرس إزاء المذابح الإسرائيلية التي ترتكب في حق الشعب الفلسطيني، فهل قدمت هذه المنظمة شيئا للسوريين لتضميد جراحهم؟ أو للعراقيين لتجاوز فتنتهم؟ آو الليبيين لدعم استقرارهم؟ أو الفلسطينيين لاسترجاع أرضهم وتأسيس دولتهم؟ حتى تقدمه للمغاربة في عدالة قضيتهم التي أصبحت جزءا من هويتهم، بغض النظر عن اتفاقهم أو اختلافهم مع توّجهات الحكم وسياسات الحكومة؟
الأمم المتحدة منظمة دولية معطوبة، لأنّ الواقع السياسي الذي أنتجها يعتد بالقوة، ولا يحتكم إلى القيم والمبادئ، وما نسميه تجاوزا، قواعد القانون الدولي، ليس أكثر من محصلة لصراع الدول الكبرى في العالم، وبهذا تبدو لنا نتيجة هذا الصراع بمثابة قاعدة قانونية دولية، مع أنّها أبعد ما يكون عن ذلك، لأنّها ليست إعمالا لمبدأ قوة الحق، وإنما هي تكريس للمبدأ النقيض، أي حق القوة.
في الاتحاد الأوربي، مثلاً، تملك كل دولة عضوية كاملة وصوتاً واحداً، بصرف النظر عن حجمها الديمغرافي والجغرافي والاقتصادي، ولجميع الدول حق الاعتراض على قرارات الاتحاد، لأنّ هذه المنظمة مبنية على مبدأ التكافؤ بين أعضائها. ولذلك، حقّقت منجزات كبيرة. أما الأمم المتحدة فقد عمّرت أكثر من سبعين سنة من دون أن تحقّق ما كان مأمولاً منها يوم تأسيسها، ولم تتمكن، طوال العقود الأخيرة، من إيجاد حل سلمي حقيقي لأي أزمة أو نزاع في أيّ منطقة. لذلك، تبقى الدعوات التي تطالب بإصلاح هذه المنظمة العجوز صيحةً في واد وتحايلاً من أجل إضفاء صفة "الشرعية الدولية"، على ما تريده الدول الكبرى لمصالحها.
يبقى إذن التوجه إلى الأمم المتحدة، وجعلها حائط مبكى للدفاع عن قضية عادلة، مثل قضية الصحراء، عملاً غير ذي جدوى، لأنها انعكاس لواقع السياسة الدولية التي تصنعها القوى الكبرى، وهي إحدى الواجهات التي يتجلّى فيها نفوذ الدول العظمى.
ويبدو، لهذا السبب، أنّ المغرب قد يخسر الكثير إذا راهن على المنظمة الأممية، من أجل إيجاد حل عادل ومنصف لقضيته الوطنية الأولى، بل عليه أن يعمل بالنصيحة التي يقدمها علم السياسة للسياسيين في نطاق النصح باعتماد السياسة الواقعية، والتي مؤداها أنّه "إذا لم تقدر على ممارسة سياستك فلتقتصر على ممارسة سياسة وسائلك"، ذلك أنّ التنظير السياسي شيء ومقتضيات الواقع وإكراهاته شيء آخر، وهذا ما يحتّم على المغرب أن يعمل على بلورة مقاربة جديدة في التعامل مع الملف الصحراوي، على المستويين الخارجي والداخلي.
في زمن التحالفات والتكتلات والتحولات الجيوسياسية، على المغرب أن يحرّك دبلوماسيته الجامدة، الرسمية والموازية، ويقوم بتحرّك مباشر في اتجاه عواصم الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، لمزيد من التعريف بمشروع الحكم الذاتي الذي يقدّمه حلاً سياسياً لنزاع الصحراء في إطار السيادة الوطنية للمملكة، فهي صاحبة الحل والعقد في الشؤون الدولية، وحين تحسم هذه القوى موقفها من قضية ما، تقوم الأمم المتحدة بتزكية هذا الموقف ومباركته.
وإذا كان مطلوباً من المغرب على هذا المستوى أن يلعب على أوراق علاقاته مع القوى العظمى، فإنّه على المستوى الداخلي مطالبٌ بأن يكتسب أسباب القوة والمناعة، لاسترجاع حقه من بين مخالب الأقوياء، وذلك بالحرص على إنجاح التجربة المغربية في ميدان الانتقال الديمقراطي والإصلاح السياسي والدستوري والمؤسساتي، وطي صفحات القمع وفتح الباب أمام المصالحة الوطنية لمعالجة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
بعد ذلك، لا خوف على المغرب من خسارة معركة حاسمة ومصيرية باسم الصحراء، ولا خشية من منظمةٍ هي على حد قول المصريين "فزّاعة لا بتـهـش ولا بـتـنش".