المسلم وغياب الفعالية
أحمد بن يغزر (الجزائر)
ما الذي ينقص المسلم ليستعيد مواقعه في ساحات التأثير؟
يفترض هذا السؤال أنّ المسلم غائب، وأنّ تأثيره لا يكاد يذكر، وليس من التشاؤم في شيء أن نتبنى هذا الافتراض، ونعتبره عاكساً لواقع حقيقي ومعاش، فعلى الرغم من بعض الحضور، وعلى الرغم من بعض الإنجاز هنا أو هناك، يبقى حضور المسلم هامشياً وشكلياً، وغالباً سلبياً لا يتناسب مع حجم ولا نوعية حضوره المؤثر، ومساهمته الفاعلة والمتنوعة في الحضارة الإنسانية عبر قرون سابقة.
يمثل السؤال أيضا إدانة واضحة للمسلم، لأنّه غائب عن دور يفترض أن يؤديه، وهو ما لا يبدو فيه المسلم اليوم موّفقاً بالمستوى المطلوب حتى ولو بالحد الأدنى.
للسؤال ما يبرّره، بل وما يفرضه. لذلك كان ولا يزال محلّ نقاش وتداول بين عموم الأمة وخاصتها من العلماء والباحثين والعاملين، ووضع بعضهم للإجابة عنه كتباً وتصانيف، فتساءل أمير البيان، شكيب أرسلان، منذ فترة بعيدة في كتاب شهير له: "لماذا تأخر المسلمون وتقدّم غيرهم؟"، وبالصيغة نفسها تقريباً، كتب الشيخ محمد الغزالي، في مقدمة كتاب له عن "الإسلام والطاقات المعطلة"، مستنكراً: ما سرّ هذه الكبوة؟ وما سبب هذا التخلف؟ وكذلك فعل آخرون، وحاول الجميع أن يجد الإجابة الوافية التي قد تضع المسلم على طريق العودة إلى التأثيرمن جديد.
ويعدّ المفكر الجزائري، مالك بن نبي، مساهماً بارزاً في تحليل أسباب هذا الغياب ومحاولة فهمه، وقد تميّز عن غيره في أنّه اجتهد في تجاوز الطروحات العامة، والتحليلات السطحية، موظفاً قدراته المنهجية وكفاءته البيداغوجية، وثراءه المعرفي، للغوص عميقاً في تفكيك حالة التردّي والسلبية التي آل إليها المسلم.
ليس من أهداف هذا المقال تقديم المقاربة التي خطّها بن نبي جواباً على السؤال المطروح أعلاه، لكن فقط إبراز منهجيته المتميّزة في تناول هذه القضية، مثل كلّ القضايا التي تناولها في كتبه ومحاضراته.
أول ما ينبغي الإشارة إليه أنّ منظومة التحليل المعتمدة عند بن نبي، سواء من حيث مصطلحاتها أو منطلقاتها النظرية، لم تحاول أن تتجاوز المنظومة الإسلامية أو أن تلغيها أو أن تحملها مسؤولية ما آلت إليه الأمة، كما انساق إلى ذلك عدد كبير من المفكرين ورواد الإصلاح في زمنه وحتى اليوم، بدعاوى مختلفة، مثل الحداثة والعصرنة وغيرهما، هذا على الرغم من الخلفية اللغوية، وحتى الفكرية التي تلقاها بن نبي في تكوينه العلمي، فقد درس بالفرنسية، وكانت دراسته الجامعية في فرنسا، ووضع معظم كتبه بهذه اللغة، وهذا لا يعني ألبتة أنّ بن نبي لم يستفد من الكسب العلمي، ومن إلمامه بالفلسفة والفكر الغربيين في قراءته الحضارة الإسلامية وأسباب تراجعها.
لم تكن أفكار بن نبي مجرّد صدى أو تكرار لما كان يردّد مشرقاً ومغرباً من تفسيراتٍ لوهن الأمة، بغض النظر عن صوابها من خطئها، لكنه حاول أن يقدّم مقاربة مغايرة، جمع فيها بين التفسير التاريخي والتحليل النفسي والاجتماعي، كما تجاوز العموميات إلى التدقيق في الملاحظة والتعمّق في الفحص، ما أتاح له التوّصل إلى نتائج، أثارت، ولا تزال، جدلاً مثل مصطلح القابلية للاستعمار والأفكار الميتة والقاتلة.
لم يكن بن نبي حبيس قوالب جامدة ولا مستسلماً لخلفيات مسبقة، كان يسميها البديهيات الخادعة، بل كان منساقاً وراء عقله المنهجي بجرأة نادرة وبخطى موزونة، لا تهمه إلا الحقيقة، كما تبدو له ولو كان محيطه يراها غريبة وغير مستوعبة في زمنها.
ليس من السهل أن نلخص أو أن نختزل رؤية بن نبي لإشكالية غياب تأثير المسلم، فهي موزعة بين فقرات كتبه، بل أنّها المحور الرئيسي الذي كان يدور عليه كلّ فكره، ولو أمكن تجميعها وتصفيفها تصفيفاً منهجياً، لأصبحت نظرية مكتملة الأركان لنهضة الأمة من جديد.
لعل أهم تفسير يتردّد في كتب بن نبي حول هذه الاشكالية هو في انحسار فعالية المسلم وسلبيته. وبالتالي، غياب حضوره وخروجه من التاريخ أو عيشه على هامشه، وهو يقول في هذا الشأن: "وعليه، فليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، وإنّما المهم أن نردّ إلى هذه العقيدة فاعليتها وقوتها الإيجابية وتأثيرها الاجتماعي".
يفترض هذا السؤال أنّ المسلم غائب، وأنّ تأثيره لا يكاد يذكر، وليس من التشاؤم في شيء أن نتبنى هذا الافتراض، ونعتبره عاكساً لواقع حقيقي ومعاش، فعلى الرغم من بعض الحضور، وعلى الرغم من بعض الإنجاز هنا أو هناك، يبقى حضور المسلم هامشياً وشكلياً، وغالباً سلبياً لا يتناسب مع حجم ولا نوعية حضوره المؤثر، ومساهمته الفاعلة والمتنوعة في الحضارة الإنسانية عبر قرون سابقة.
يمثل السؤال أيضا إدانة واضحة للمسلم، لأنّه غائب عن دور يفترض أن يؤديه، وهو ما لا يبدو فيه المسلم اليوم موّفقاً بالمستوى المطلوب حتى ولو بالحد الأدنى.
للسؤال ما يبرّره، بل وما يفرضه. لذلك كان ولا يزال محلّ نقاش وتداول بين عموم الأمة وخاصتها من العلماء والباحثين والعاملين، ووضع بعضهم للإجابة عنه كتباً وتصانيف، فتساءل أمير البيان، شكيب أرسلان، منذ فترة بعيدة في كتاب شهير له: "لماذا تأخر المسلمون وتقدّم غيرهم؟"، وبالصيغة نفسها تقريباً، كتب الشيخ محمد الغزالي، في مقدمة كتاب له عن "الإسلام والطاقات المعطلة"، مستنكراً: ما سرّ هذه الكبوة؟ وما سبب هذا التخلف؟ وكذلك فعل آخرون، وحاول الجميع أن يجد الإجابة الوافية التي قد تضع المسلم على طريق العودة إلى التأثيرمن جديد.
ويعدّ المفكر الجزائري، مالك بن نبي، مساهماً بارزاً في تحليل أسباب هذا الغياب ومحاولة فهمه، وقد تميّز عن غيره في أنّه اجتهد في تجاوز الطروحات العامة، والتحليلات السطحية، موظفاً قدراته المنهجية وكفاءته البيداغوجية، وثراءه المعرفي، للغوص عميقاً في تفكيك حالة التردّي والسلبية التي آل إليها المسلم.
ليس من أهداف هذا المقال تقديم المقاربة التي خطّها بن نبي جواباً على السؤال المطروح أعلاه، لكن فقط إبراز منهجيته المتميّزة في تناول هذه القضية، مثل كلّ القضايا التي تناولها في كتبه ومحاضراته.
أول ما ينبغي الإشارة إليه أنّ منظومة التحليل المعتمدة عند بن نبي، سواء من حيث مصطلحاتها أو منطلقاتها النظرية، لم تحاول أن تتجاوز المنظومة الإسلامية أو أن تلغيها أو أن تحملها مسؤولية ما آلت إليه الأمة، كما انساق إلى ذلك عدد كبير من المفكرين ورواد الإصلاح في زمنه وحتى اليوم، بدعاوى مختلفة، مثل الحداثة والعصرنة وغيرهما، هذا على الرغم من الخلفية اللغوية، وحتى الفكرية التي تلقاها بن نبي في تكوينه العلمي، فقد درس بالفرنسية، وكانت دراسته الجامعية في فرنسا، ووضع معظم كتبه بهذه اللغة، وهذا لا يعني ألبتة أنّ بن نبي لم يستفد من الكسب العلمي، ومن إلمامه بالفلسفة والفكر الغربيين في قراءته الحضارة الإسلامية وأسباب تراجعها.
لم تكن أفكار بن نبي مجرّد صدى أو تكرار لما كان يردّد مشرقاً ومغرباً من تفسيراتٍ لوهن الأمة، بغض النظر عن صوابها من خطئها، لكنه حاول أن يقدّم مقاربة مغايرة، جمع فيها بين التفسير التاريخي والتحليل النفسي والاجتماعي، كما تجاوز العموميات إلى التدقيق في الملاحظة والتعمّق في الفحص، ما أتاح له التوّصل إلى نتائج، أثارت، ولا تزال، جدلاً مثل مصطلح القابلية للاستعمار والأفكار الميتة والقاتلة.
لم يكن بن نبي حبيس قوالب جامدة ولا مستسلماً لخلفيات مسبقة، كان يسميها البديهيات الخادعة، بل كان منساقاً وراء عقله المنهجي بجرأة نادرة وبخطى موزونة، لا تهمه إلا الحقيقة، كما تبدو له ولو كان محيطه يراها غريبة وغير مستوعبة في زمنها.
ليس من السهل أن نلخص أو أن نختزل رؤية بن نبي لإشكالية غياب تأثير المسلم، فهي موزعة بين فقرات كتبه، بل أنّها المحور الرئيسي الذي كان يدور عليه كلّ فكره، ولو أمكن تجميعها وتصفيفها تصفيفاً منهجياً، لأصبحت نظرية مكتملة الأركان لنهضة الأمة من جديد.
لعل أهم تفسير يتردّد في كتب بن نبي حول هذه الاشكالية هو في انحسار فعالية المسلم وسلبيته. وبالتالي، غياب حضوره وخروجه من التاريخ أو عيشه على هامشه، وهو يقول في هذا الشأن: "وعليه، فليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، وإنّما المهم أن نردّ إلى هذه العقيدة فاعليتها وقوتها الإيجابية وتأثيرها الاجتماعي".