15 سبتمبر 2023
الأسرى وفلسطين وسط عمّان
على عتبة التذكّر لإتمام العقد الخمسين للنكسة، يأتي إضراب نيسان (إبريل) المفتوح لأسرى فلسطين، والذي ما زال يُذكّر ويؤكّد بأن نيسان، على الرغم من كذبته المعهودة، فإنه قد يكون أصدق الشهور وأكثرها انحيازا للحرية، وكي لا تغيب فلسطين القضية، بعدما أظهرت جملة معطياتٍ أنها غيبت أو أجبرت على الغياب أخيرا، فإن "أهل البلاد"، وإن كانوا في سجن كبير اسمه الاحتلال، واسمه السلطة أيضاً، وهذا الأخير قِفله الكبير هو الاختلاف على السلطة، إلا أنهم قد يدوّنون احتجاجاً، وعبر معركة الأمعاء الخاوية، تعبيراً أكثر أهميةً للرأي العام العالمي، ومن عقر دار الاحتلال ومن داخل سجونه، ويوقّعون بإضرابهم حضوراً نضالياً أجمل من محاولات الاسترضاء التي يسعى إليها العرب؛ كي يُقنع ترامب نتنياهو بتخفيف حدّة احتلاله، أو النظر إلى رئيس سلطةٍ قابع في رام الله بشيء من الاعتراف، وهو لا يملك إلا تناول وجبات طعامه.
والسؤال الذي يصعد اليوم: هل نحن مقبلون على حضور جديد وتصعيدٍ مختلف، في ظل إقبال السلطة، ومعها العرب، وبدعم الغرب، وفي مقدمته أميركا، لإحداث خرقٍ مع إسرائيل، لكي يعود الحديث عن السلام ومباحثاته مقبولاً، وليعود الفرقاء إلى طاولة البحث والمصائر المغلقة التي تقرّر إسرائيل وحدها بحثها وأوان فتحها، وهو أمرٌ أقرّه العرب، ومن فاوض باسم فلسطين، حين رأوا أن السلام ممكن مع العدو، وأن وعد الدولة ممكن، وهو ما لم تلتزم به إسرائيل، وما لم تقره "أوسلو" أو تعد به مطلقاً.
اليوم، وعلى الرغم من انشغال العرب بحروب الإقليم، وإعادة ما تبقى من الدول التي فتحها
الربيع العربي على المجهول، تطلّ من سجون الاحتلال حالةُ مقاومةٍ ساميةٍ ومفتوحة، ولا بطل فيها سوى الأسرى، هي رسالةٌ من أهلنا في المعتقل الصغير إلى العرب والعالم، بما يتجاوز فلسطين القضية، وكأن الزمان ينادي بنشيد العودة المتبقي، ونشيد المقاومة المفتوحة فلسطينياً، على اعتياد ظلام السجن وحب الحرية.
هي مقاومة ما بعد المقاومة التي أدت بالسجناء الأبطال لكي يكونوا داخل الأقفاص، وهي بلا شك رفض فوق الرفض والشجب اليومي عند العرب جميعاً، وبلا شك هي شيء من المستحيل الفلسطيني الذي يقود دوماً إلى تسجيل براءات مقاومةٍ جديدةٍ، بعيدةٍ عن مقولات التكيف السياسي، أو النظر إلى أمر الاحتلال من زاوية جديدةٍ، وعبر مراجعة شاملة، ففي ظل الموقف العربي، وفي ظل انشغال الغرب بقضايا الشرق الأوسط بعنوان الإرهاب، يطل علينا السجناء الأبطال في فلسطين المحتلة بعناوين جديدة، وحضور جديد، كي تعود فلسطين إلى الواجهة من خلف قضبان المحتل، ورغم أنفه، وعلى الرغم من كل الكسب الصهيوني من واقع العرب، ليقول لنا الأبطال إن ثمة قضية، اسمها فلسطين، ولو كان قولهم على سبيل صحتهم وعيشهم، فهي رأس المال المتبقي لهم، كي لا ننساهم، نعم كي لا ننسى أن ثمّة من سُجن لأجل شيء اسمه الوطن والمقاومة للاحتلال.
فإذا كانت إسرائيل ونهج السلام العربي قد نجح في "تهذيب" القضية الفلسطينية من المناهج بإلغاء كلمات: الاحتلال والعدو والاغتصاب، فإن السجناء في سجون الاحتلال رأوا أن صرخةً في السجن ومنه تظل أكثر بلاغةً من كل الرسائل التي حاولت إلغاء حضور القضية الفلسطينية من الذاكرة وحالة الوعي والتعليم العربي.
أسرانا في فلسطين هم لنا جميعاً، هم جدارية من الصبر والحضور الجميل في زمن التردّي العربي الذي لم يعد فيه للعربي كثير خيارات. لكن في فلسطين، ومنذ ثورة 1936، وعلى الرغم من كل التسويات المارقة والمارّة عبوراً أو تعبيراً بمشاريع غربية، يبقى هناك انتظارٌ للجديد وغير المألوف. واليوم ها هم السجناء الذين لا يخشون الصمت، ولا الجوع ولا الوعود، يقودون المشهد، بجوعهم وبيدهم المكبلة، وهم في السجون. لا من وعود مفتوحة، ولا من مبادرات مسلوقة ومحضّرة سلفاً، بل يريدون تذكير من هم في الخارج بأنهم سجنوا لأجل حقهم بوطنهم المسلوب، وبالوعود المقطوعة بدولةٍ طال انتظارها. وهم، في مطالبهم العادلة، لا يحملون تهديداً لأحد، ولا يتوعدون إسرائيل بالحرق والدمار، بل يريدون القليل من حقوقهم سجناء.
والسؤال، كيف يُكسبنا السجناء في سجون الاحتلال حالة انتظار وترقب لمصائر إضرابهم،
كيف نتفاعل معهم، وهم يبدون أكثر قوة منا في سجل الحضور اليومي، وقد كدنا أن ننسى أو تجعلنا وصفات التطوير والتحديث، وأحداث الربيع العربي بأن نتذكّر بأن لنا قصة اسمها فلسطين، وهي قصةٌ يجب أن تعود إلى أطفالنا في المدارس. نعم، كنا ننشد لفلسطين والعروبة، واليوم ننشد لمدن صغيرة وأوطان مفردة، مثقلة بالخراب والفساد، والنخب المهترئة.
عادت فلسطين، قبل أيام، في شوارع عمّان وغيرها من مدنٍ أردنية (ولو بدرجة أقل). وفي مظاهراتٍ أردنيةٍ حاشدة تعيد الحضور إلى القضية، لتجعل لعمان شرف الاحتضان التضامني المباشر، فهي بأهلها وناسها تثبت أن الصدى الأقرب للصوت الفلسطيني يكون شرقي النهر دوماً. نعم حضرت فلسطين في وعي الشارع الأردني، وفي منابر الجوامع، وتحضر كل مرة بشكل جديد، وكأننا نرى أن التغييب غير ممكن، وأن ملف فلسطين في الراهن اليومي لا يُطوى ولا يحفظ.
كانت فلسطين في يوم الجمعة الماضي، تحضر وسط شوارع عمان، وفي غيرها من الساحات، بشعاراتٍ كادت أن تغيب منذ بدء سنوات الربيع العربي، فلم تحضر فلسطين القضية، كما حضرت ظهر الجمعة المنقضي، إلا في حرب غزة 2008-2009، والتي كانت تشهد آخر حضور عابر للقضية الفلسطينية، جرى التفاعل معه والاستجابة له عربياً وإسلامياً، لكن المعركة التي يخوضها أسرانا الأبطال اليوم تعيد الحضور لفلسطين القضية، بدعوة غير مباشرة للأشقاء بضرورة التجاوز عن الخلافات والبدء بحالةٍ وطنيةٍ جديدةٍ، تحفظ ما تبقى من قضية.
أخيراً، ليس الإضراب عن الطعام قضية فردية أو نهج مجموعة من السجناء أرادوا تسجيل حضورهم في سجل المقاومة، فهم بالإضراب مهدّدون بفقدان حياتهم، ولا يبغون أضواء، لكن المطلوب منا أن نهتم، وأن ننشر أخبارهم، وأن نذكّر بعملهم الشجاع كلما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، لكي نجعل قضبان السجان تتكسّر أمام شمس الحرية التي يسعى إليها السجناء.
والسؤال الذي يصعد اليوم: هل نحن مقبلون على حضور جديد وتصعيدٍ مختلف، في ظل إقبال السلطة، ومعها العرب، وبدعم الغرب، وفي مقدمته أميركا، لإحداث خرقٍ مع إسرائيل، لكي يعود الحديث عن السلام ومباحثاته مقبولاً، وليعود الفرقاء إلى طاولة البحث والمصائر المغلقة التي تقرّر إسرائيل وحدها بحثها وأوان فتحها، وهو أمرٌ أقرّه العرب، ومن فاوض باسم فلسطين، حين رأوا أن السلام ممكن مع العدو، وأن وعد الدولة ممكن، وهو ما لم تلتزم به إسرائيل، وما لم تقره "أوسلو" أو تعد به مطلقاً.
اليوم، وعلى الرغم من انشغال العرب بحروب الإقليم، وإعادة ما تبقى من الدول التي فتحها
هي مقاومة ما بعد المقاومة التي أدت بالسجناء الأبطال لكي يكونوا داخل الأقفاص، وهي بلا شك رفض فوق الرفض والشجب اليومي عند العرب جميعاً، وبلا شك هي شيء من المستحيل الفلسطيني الذي يقود دوماً إلى تسجيل براءات مقاومةٍ جديدةٍ، بعيدةٍ عن مقولات التكيف السياسي، أو النظر إلى أمر الاحتلال من زاوية جديدةٍ، وعبر مراجعة شاملة، ففي ظل الموقف العربي، وفي ظل انشغال الغرب بقضايا الشرق الأوسط بعنوان الإرهاب، يطل علينا السجناء الأبطال في فلسطين المحتلة بعناوين جديدة، وحضور جديد، كي تعود فلسطين إلى الواجهة من خلف قضبان المحتل، ورغم أنفه، وعلى الرغم من كل الكسب الصهيوني من واقع العرب، ليقول لنا الأبطال إن ثمة قضية، اسمها فلسطين، ولو كان قولهم على سبيل صحتهم وعيشهم، فهي رأس المال المتبقي لهم، كي لا ننساهم، نعم كي لا ننسى أن ثمّة من سُجن لأجل شيء اسمه الوطن والمقاومة للاحتلال.
فإذا كانت إسرائيل ونهج السلام العربي قد نجح في "تهذيب" القضية الفلسطينية من المناهج بإلغاء كلمات: الاحتلال والعدو والاغتصاب، فإن السجناء في سجون الاحتلال رأوا أن صرخةً في السجن ومنه تظل أكثر بلاغةً من كل الرسائل التي حاولت إلغاء حضور القضية الفلسطينية من الذاكرة وحالة الوعي والتعليم العربي.
أسرانا في فلسطين هم لنا جميعاً، هم جدارية من الصبر والحضور الجميل في زمن التردّي العربي الذي لم يعد فيه للعربي كثير خيارات. لكن في فلسطين، ومنذ ثورة 1936، وعلى الرغم من كل التسويات المارقة والمارّة عبوراً أو تعبيراً بمشاريع غربية، يبقى هناك انتظارٌ للجديد وغير المألوف. واليوم ها هم السجناء الذين لا يخشون الصمت، ولا الجوع ولا الوعود، يقودون المشهد، بجوعهم وبيدهم المكبلة، وهم في السجون. لا من وعود مفتوحة، ولا من مبادرات مسلوقة ومحضّرة سلفاً، بل يريدون تذكير من هم في الخارج بأنهم سجنوا لأجل حقهم بوطنهم المسلوب، وبالوعود المقطوعة بدولةٍ طال انتظارها. وهم، في مطالبهم العادلة، لا يحملون تهديداً لأحد، ولا يتوعدون إسرائيل بالحرق والدمار، بل يريدون القليل من حقوقهم سجناء.
والسؤال، كيف يُكسبنا السجناء في سجون الاحتلال حالة انتظار وترقب لمصائر إضرابهم،
عادت فلسطين، قبل أيام، في شوارع عمّان وغيرها من مدنٍ أردنية (ولو بدرجة أقل). وفي مظاهراتٍ أردنيةٍ حاشدة تعيد الحضور إلى القضية، لتجعل لعمان شرف الاحتضان التضامني المباشر، فهي بأهلها وناسها تثبت أن الصدى الأقرب للصوت الفلسطيني يكون شرقي النهر دوماً. نعم حضرت فلسطين في وعي الشارع الأردني، وفي منابر الجوامع، وتحضر كل مرة بشكل جديد، وكأننا نرى أن التغييب غير ممكن، وأن ملف فلسطين في الراهن اليومي لا يُطوى ولا يحفظ.
كانت فلسطين في يوم الجمعة الماضي، تحضر وسط شوارع عمان، وفي غيرها من الساحات، بشعاراتٍ كادت أن تغيب منذ بدء سنوات الربيع العربي، فلم تحضر فلسطين القضية، كما حضرت ظهر الجمعة المنقضي، إلا في حرب غزة 2008-2009، والتي كانت تشهد آخر حضور عابر للقضية الفلسطينية، جرى التفاعل معه والاستجابة له عربياً وإسلامياً، لكن المعركة التي يخوضها أسرانا الأبطال اليوم تعيد الحضور لفلسطين القضية، بدعوة غير مباشرة للأشقاء بضرورة التجاوز عن الخلافات والبدء بحالةٍ وطنيةٍ جديدةٍ، تحفظ ما تبقى من قضية.
أخيراً، ليس الإضراب عن الطعام قضية فردية أو نهج مجموعة من السجناء أرادوا تسجيل حضورهم في سجل المقاومة، فهم بالإضراب مهدّدون بفقدان حياتهم، ولا يبغون أضواء، لكن المطلوب منا أن نهتم، وأن ننشر أخبارهم، وأن نذكّر بعملهم الشجاع كلما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، لكي نجعل قضبان السجان تتكسّر أمام شمس الحرية التي يسعى إليها السجناء.