31 أكتوبر 2024
حكام سورية الجدد
يؤشر طرح إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، استراتيجية "قطع الرأس"، أي فصل رأس النظام السوري بشار الأسد عن جسد النظام وإخراجه مع عشرين من النظام، إلى أن مسألة تركيبة السلطة في سورية ستتحوّل إلى أحد المداخل، إن لم يكن المدخل الأساس، للحل في سورية، خصوصاً وأن الأمر شرط لأطراف إقليمية ودولية كثيرة، لضمان تفاعلها مع الحل في سورية، وتسهيلها ترتيباته واستحقاقاته، بما فيها استحقاق إعادة الإعمار الذي سيشكل العنوان الرئيسي للموضوع السوري في المرحلة المقبلة.
لا تبدو روسيا بعيدة عن هذا الطرح، وإن كانت تعمل على توضيبه وإدراجه بطرق مختلفة، سواء من خلال الطرح الفيدرالي الذي يوسع بنية السلطة في سورية، أو من خلال الصياغة الدستورية التي تنزل بشار الأسد من مكانة الحاكم المطلق بصلاحيات عريضة إلى شريكٍ في الحكم بصلاحيات منخفضة، وربما ممثل لمكوّن يتساوى مع ممثلي المكونات الأخرى، والفرق بين الطرحين، الأميركي والروسي، أن الأول يبعد بشار الأسد جسدياً من السلطة، في حين أن الثاني يعيد صياغة وضعه بقالب جديد.
غير أن التوجهات العالمية، والمحفزات المطروحة، ترجح الخيار الأميركي، كما أن توجه أميركا إلى بناء شبكة من القوانين والقرارات، آخرها قانون قيصر، تجعل من الاستحالة على روسيا إنجاح مقترحها، وعدم الرضوخ للطلب الأميركي بإزاحة بشار الأسد ومعاونيه عن
السلطة، مع ضمان عدم فتح ملفات الحرب والجرائم المرتكبة، والتي ستكشف تورط روسيا وارتباطها ببعض تلك الملفات، سيجعل من إزاحة بشار الأسد أقل الخيارات سوءاً بالنسبة لروسيا، خصوصاً إذا تم تحفيز روسيا بالمحافظة على نفوذها في الساحل، وحصولها على حصةٍ من إعادة الإعمار، ويبدو أن الأمرين مطروحان على طاولة التفاوض الأميركي – الروسي.
ومؤكد أن لدى إدارة ترامب تصوراً ما عن تركيبة النظام السياسي في سورية بدون الأسد، ولم تصل إلى مثل هذا الطرح، لو لم يكن لديها تصوّر، ولو بحدود بسيطة، عن البديل السلطوي، خصوصاً وأن الإدارة الأميركية كانت قد تذرعت في تقاعسها عن إزاحة الأسد بعدم وجود البديل، والمؤكد أنه في حال موافقة روسيا سيتم إدماج تصوراتها وأفكارها عن صناعة البديل مع التصور الأميركي، كما أن نجاح المشروع سيستدعي استمزاج أطراف إقليمية ودولية أخرى، منخرطة في الحدث السوري، بشأن التركيبة السلطوية الجديدة.
لكن، ما هو التشكيل السلطوي الممكن في ظل الواقع السوري الحالي؟ لقد أفرزت سنوات الحرب شكلاً سلطوياً جديداً في المناطق السورية، وهو تحالف بين أمراء الحرب "من الجهتين" ومشايخ دين ووجاهات إجتماعية وزعماء عشائر، بالإضافة إلى تجار الحرب والأثرياء الجدد، وهؤلاء عدا عن أنهم كرّسوا سلطاتهم في البيئات المحلية، من خلال القوة التي امتلكوها عبر مصادر عديدة، فإنهم، بالإضافة إلى ذلك، أصبحوا من ضرورات الحل والجهات القادرة على تأمين الاستقرار ونجاح الحل في المراحل الأولى، وتأمين سيرورة الحياة وإدارتها، فهم الذين يملكون القدرة على إدراج الحلول السياسية، وتطويع القوى المقاتلة، وهم الذين يملكون القدرة على تأمين الخدمات في ظل تحطّم مرتكزات الدولة ومؤسساتها في المساحة الأكبر من سورية.
بالإضافة إلى هؤلاء الذين سيشكلون البنية التحتية للسلطة، سيقف على قمة هرمها شخصيات
سياسية وعسكرية وأمنية من نظام الأسد، وشخصيات من المعارضة استلمت مواقع مهمة في أطر المعارضة الخارجية، بالإضافة إلى بعض الوجوه من معارضة الداخل، وأولئك الذين اكتسبوا وكوّنوا خبرات إدارية في مجالات القيادة وصناعة القرار والإعلام، حيث من المتوقع إدماجهم كمستشارين، أو بطانة للحكم.
حكام سورية الجدد، هم خليط طائفي عشائري، ومزيج عسكري ومليشياوي، وكوادر من أحزاب قديمة ومنابر ومنصات جديدة، تركيب سلطوي اصطناعي بدرجة كبيرة لا رائحة ولا طعم له.
وحكام سورية الجدد سيعكسون التوازنات الإقليمية والدولية، وبعكس العراق الذي كان تشكّل حكامه الجدد من حلفاء إيران، ولبنان من أمراء الحرب، فإن تعقيدات الوضع السوري ستظهر تركيبة معقّدة، وسيكون ارتباطها الإقليمي والدولي أوسع بكثير بين إيران وتركيا ورسيا ودول الخليج والأردن وأميركا وفرنسا، وستكون الصورة أكثر تعقيداً في حال استمرار سورية دولة موحّدة، حيث سيظهر الصراع على أشده في كل مشروع قرار، وأي إجراء يتم إقراره، وسيعاد تكرار التجربة اللبنانية في تعطيل المؤسسات وتوقف الخدمات. وفي حال تقسيم سورية إلى كيانات، ستكون الصورة أوضح، حيث ستختار الأطراف الداعمة أو ذات التأثير المباشر النخب الحاكمة.
تدرك الأطراف الخارجية التي ستساهم في صناعة التركيبة السلطوية في سورية، أو توليفها، مسبقاً، حجم الخلافات بين مختلف الأطراف الداخلية، وتدرك استحالة تحقيق توافق بينها على إدارة شؤون الدولة. وللالتفاف على هذه الإشكالية، الأرجح أن تعمد إلى تغيير تركيبة الدولة نفسها، كأن يستقرّ الرأي على تطبيق الفيدرالية. وفي هذه الحالة، ستنتج كل منطقة سلطاتها المحلية بأريحية، مع وجود "كوتا" محدّدة مسبقاً في الهيئات المركزية التي ستكون سلطاتها محصورةً في مجالات محدّدة يسهل التوافق بشأنها.
تشير التوافقات الأميركية الروسية، بعد زيارة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أخيراً، واشنطن، إلى بداية تفكيك عقدة بشار الأسد، والتفكير، وربما بدء العمل، على صياغة البدائل الجديدة، والأسد نفسه لمح في مقابلته أخيراً إلى وجود مثل هذا الطرح، عندما هدّد بأنه لن يغادر سورية إلا شهيداً.
لا تبدو روسيا بعيدة عن هذا الطرح، وإن كانت تعمل على توضيبه وإدراجه بطرق مختلفة، سواء من خلال الطرح الفيدرالي الذي يوسع بنية السلطة في سورية، أو من خلال الصياغة الدستورية التي تنزل بشار الأسد من مكانة الحاكم المطلق بصلاحيات عريضة إلى شريكٍ في الحكم بصلاحيات منخفضة، وربما ممثل لمكوّن يتساوى مع ممثلي المكونات الأخرى، والفرق بين الطرحين، الأميركي والروسي، أن الأول يبعد بشار الأسد جسدياً من السلطة، في حين أن الثاني يعيد صياغة وضعه بقالب جديد.
غير أن التوجهات العالمية، والمحفزات المطروحة، ترجح الخيار الأميركي، كما أن توجه أميركا إلى بناء شبكة من القوانين والقرارات، آخرها قانون قيصر، تجعل من الاستحالة على روسيا إنجاح مقترحها، وعدم الرضوخ للطلب الأميركي بإزاحة بشار الأسد ومعاونيه عن
ومؤكد أن لدى إدارة ترامب تصوراً ما عن تركيبة النظام السياسي في سورية بدون الأسد، ولم تصل إلى مثل هذا الطرح، لو لم يكن لديها تصوّر، ولو بحدود بسيطة، عن البديل السلطوي، خصوصاً وأن الإدارة الأميركية كانت قد تذرعت في تقاعسها عن إزاحة الأسد بعدم وجود البديل، والمؤكد أنه في حال موافقة روسيا سيتم إدماج تصوراتها وأفكارها عن صناعة البديل مع التصور الأميركي، كما أن نجاح المشروع سيستدعي استمزاج أطراف إقليمية ودولية أخرى، منخرطة في الحدث السوري، بشأن التركيبة السلطوية الجديدة.
لكن، ما هو التشكيل السلطوي الممكن في ظل الواقع السوري الحالي؟ لقد أفرزت سنوات الحرب شكلاً سلطوياً جديداً في المناطق السورية، وهو تحالف بين أمراء الحرب "من الجهتين" ومشايخ دين ووجاهات إجتماعية وزعماء عشائر، بالإضافة إلى تجار الحرب والأثرياء الجدد، وهؤلاء عدا عن أنهم كرّسوا سلطاتهم في البيئات المحلية، من خلال القوة التي امتلكوها عبر مصادر عديدة، فإنهم، بالإضافة إلى ذلك، أصبحوا من ضرورات الحل والجهات القادرة على تأمين الاستقرار ونجاح الحل في المراحل الأولى، وتأمين سيرورة الحياة وإدارتها، فهم الذين يملكون القدرة على إدراج الحلول السياسية، وتطويع القوى المقاتلة، وهم الذين يملكون القدرة على تأمين الخدمات في ظل تحطّم مرتكزات الدولة ومؤسساتها في المساحة الأكبر من سورية.
بالإضافة إلى هؤلاء الذين سيشكلون البنية التحتية للسلطة، سيقف على قمة هرمها شخصيات
حكام سورية الجدد، هم خليط طائفي عشائري، ومزيج عسكري ومليشياوي، وكوادر من أحزاب قديمة ومنابر ومنصات جديدة، تركيب سلطوي اصطناعي بدرجة كبيرة لا رائحة ولا طعم له.
وحكام سورية الجدد سيعكسون التوازنات الإقليمية والدولية، وبعكس العراق الذي كان تشكّل حكامه الجدد من حلفاء إيران، ولبنان من أمراء الحرب، فإن تعقيدات الوضع السوري ستظهر تركيبة معقّدة، وسيكون ارتباطها الإقليمي والدولي أوسع بكثير بين إيران وتركيا ورسيا ودول الخليج والأردن وأميركا وفرنسا، وستكون الصورة أكثر تعقيداً في حال استمرار سورية دولة موحّدة، حيث سيظهر الصراع على أشده في كل مشروع قرار، وأي إجراء يتم إقراره، وسيعاد تكرار التجربة اللبنانية في تعطيل المؤسسات وتوقف الخدمات. وفي حال تقسيم سورية إلى كيانات، ستكون الصورة أوضح، حيث ستختار الأطراف الداعمة أو ذات التأثير المباشر النخب الحاكمة.
تدرك الأطراف الخارجية التي ستساهم في صناعة التركيبة السلطوية في سورية، أو توليفها، مسبقاً، حجم الخلافات بين مختلف الأطراف الداخلية، وتدرك استحالة تحقيق توافق بينها على إدارة شؤون الدولة. وللالتفاف على هذه الإشكالية، الأرجح أن تعمد إلى تغيير تركيبة الدولة نفسها، كأن يستقرّ الرأي على تطبيق الفيدرالية. وفي هذه الحالة، ستنتج كل منطقة سلطاتها المحلية بأريحية، مع وجود "كوتا" محدّدة مسبقاً في الهيئات المركزية التي ستكون سلطاتها محصورةً في مجالات محدّدة يسهل التوافق بشأنها.
تشير التوافقات الأميركية الروسية، بعد زيارة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أخيراً، واشنطن، إلى بداية تفكيك عقدة بشار الأسد، والتفكير، وربما بدء العمل، على صياغة البدائل الجديدة، والأسد نفسه لمح في مقابلته أخيراً إلى وجود مثل هذا الطرح، عندما هدّد بأنه لن يغادر سورية إلا شهيداً.