01 يناير 2024
حماس إذ تدفع ثمن أخطائها وأخطاء غيرها
بدت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عبر وثيقة المبادئ والسياسات العامة التي أعلنتها في الأول من مايو/ أيار الجاري، وكأنها تدفع ثمن الأخطاء المتراكمة التي ارتكبتها في السنوات العشر الماضية، كما ثمن الأخطاء التي ارتكبها آخرون غيرها في الساحة الفلسطينية، وحتى العربية، وتحديداً في الجوار الجغرافي السياسي المباشر لفلسطين.
نظرياً؛ يمكن القول إن الوثيقة تأخرت عشر سنوات على الأقل، فالحركة وصلت إلى السلطة، وطرحت نفسها قائداً للشعب الفلسطيني، وكان يجب أن تطرح عليه برنامجها السياسي، وفي الحد الأدنى تحديثاً للميثاق الذي كان بمثابة برنامج لها. وحتى لو افترضنا أن الأمر كان متعذراً بعد الانتخابات مباشرة في عام 2006، ثم بعد الاقتتال والانقسام في 2007، فإن الظروف كانت مؤاتية بعد حرب غزة الأولى 2008 التي شهدت آنذاك تواصل القيادة المصرية وأطرافٍ إقليمية أخرى مع الحركة، بصفتها قوة أساسية على الأرض لا يمكن تجاوزها، كما شهدت تلك الفترة أول تواصل مباشر بعد تباعد لسنوات بين قيادات الداخل والخارج في القاهرة ودمشق.
يمكن الحديث عن ثلاث نقاط أو بنود أساسية ومركزية في الوثيقة، وهي التي وقفت مباشرة خلف الحاجة إليها وصياغتها، وتمثلت بقبول دولة فلسطينية ضمن حدود يونيو/ حزيران 1967، مع حق العودة للاجئين، ومن دون التنازل عن باقي فلسطين التاريخية، واعتبار حماس حركة وطنية فلسطينية تواجه المشروع الصهيوني في فلسطين، وليس اليهود باعتبارهم يهوداً، وارتباطاً بأنها حركة وطنية فلسطينية، فإنها لا ترتبط تنظيمياً بأي إطار تنظيمي خارجي، مع البقاء فكرياً ضمن المنظومة أو الإطار الفكري لجماعة الإخوان المسلمين.
في ما يتعلق بالبند المتعلق بالدولة، بدا وكأنه إقرار صريح بحل الدولتين الذي قبلته منظمة
التحرير الفلسطينية منذ عقود طويلة، ومن ثم بات شرطاً للتوافق الوطني الفلسطيني الداخلي، مع الانتباه إلى أن "حماس" قبلت بذلك أصلاً في وثيقة الوفاق الوطني، وثيقة الأسرى في يونيو/ حزيران 2006، ثم وثيقة المصالحة وثيقة القاهرة أيار/ مايو 2011، وورد الأمر كذلك في خطب معظم قادة الحركة وتصريحاتهم، بمن فيهم رئيس المكتب السياسي للحركة، خالد مشعل، في حفل التوقيع على وثيقة المصالحة في القاهرة.
ليس الإقرار بحل الدولتين، واعتباره الخيار الوحيد المطروح على الأجندة الوطنية، خطأ "حماس"، بل خطأ حركة فتح، والمنظومة السياسية بشكل عام التي تبنته رسمياً، وكانت قد تبنته ضمنياً عام 1974 عبر البرنامج المرحلي، أو برنامج النقاط العشر في عام 1988 في الجزائر، بينما كانت أسس المشروع الاستيطاني الهادم للحل قد وضعت وثبتت فعلاً، وبينما تم إعلان الاستقلال وفق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة للتقسيم 181 عام 1948، رسمت حدود الدولة وفق حدود يونيو/ حزيران 1967 وقرار مجلس الأمن 242 الصادر في العام نفسه، علماً أن التقسيم لم يكن يوماً حلاً لأي شعبٍ ثائر في مواجهة القوة المستعمرة.
للأمانة أيضاً، لم يبدأ حل الدولتين مع "فتح" ومنظمة التحرير، بل هؤلاء كما حماس، كانوا ضحية النكبة الثانية عام 1967 التي سمّاها مرتكبوها نكسة، كي لا يدفعوا الثمن، والتي تم بعدها القبول بالقرار 242، ومن ثم مشروع روجرز، أو ما يعرف حالياً بحل الدولتين، واختصار فلسطين بالضفة الغربية وغزة، أي 22% من أرض فلسطين التاريخية. وعملياً، تم تغيير القضية، بعد رفض المحامين الفاشلين للتغيير، وفق عبارة غسّان كنفاني.
البند المهم الآخر في الوثيقة ذاك المتعلق بفك الارتباط التنظيمي عن جماعة الإخوان المسلمين، وقد جاء متأخراً جداً، قياساً بما فعله مثلاً الشيخ حسن الترابي في السودان قبل خمسين سنة تقريباً، وفكرة التنظيم الدولي نفسها باتت متقادمة، وعفا عليها الزمن، وكان يجب أن يبادر الإخوان المصريون أنفسهم إلى حله، تحديداً بعد الثورات، كما كان عليهم أن يفصلوا بين الديني والسياسي، والانكباب على العملين، السياسي والحزبي، ضمن أطر حزبية سياسية ديمقراطية، وترك "الإخوان" للعمل الدعوي، كما فكروا فعلاً، ولكن بشكل متأخر وخجول. ولا يرتبط فك الارتباط عن الإخوان المسلمين بهذه الناحية فقط، وإنما بالناحية السياسية أيضاً، ولولا الأخطاء التي ارتكبها هؤلاء في مصر، وبدرجةٍ أقل في ليبيا، ولولا ما أنزلوه بأنفسهم بالثورات وبغزة وفلسطين والإقليم كله، لما اضطرّت "حماس" بشكل عام لتقديم أي تنازلاتٍ، أو السعي إلى استرضاء هذا الطرف أو ذاك.
أما البند المتعلق بالصراع مع اليهود، فكما البنود السابقة، جاء متأخراً جدّاً، وما كان بجب أن يحدث أصلاً. ومن البداية، عبّر الأمر عن عدم خبرة سياسية، على الرغم من أنه يتنافى مباشرةً مع روح الشرع الإسلامي، فالصراع لم يكن يوماً مع اليهود أصحاب دين، وهؤلاء زمن الدول والإمبراطوريات الإسلامية، وخصوصاً الدولة العثمانية الجامعة، عاشوا بيننا في أحياء وحارات، ليست غيتوهات منغلقة، كما في أوروبا، وإنما منفتحة على نفسها ومحيطها مندمجة في المجتمع في سياساته الاقتصادية والاجتماعية، وحتى السياسية أحياناً.
بشكل غير مباشر، بدت "حماس" وكأنها تدفع أيضاً ثمن سيطرتها على السلطة في غزة، وعجزها عن حلّ مشكلات الناس، أو الأزمات المتفاقمة التي يعاني منها القطاع. تبدو الوثيقة، من هذه الزاوية، بمثابة دعوة إلى تخفيف الحصار، أو المساعدة في تحسين الأوضاع. وبالتالي، تنفيس الاحتقان والنقمة الشعبية المتزايدة ضد الحركة وسياساتها.
تدفع "حماس" كذلك، بشكل أو بآخر، ثمن العسكرة التي تبنتها قيادة الداخل بشكل عام، والجناح
العسكري خصوصاً، بمعنى تحويل المقاومة إلى جيش، وخوض حروبٍ تقليدية، أو شبه تقليدية مع إسرائيل. العسكرة التي كانت بمثابة وقوعٍ في فخ العسل الإيراني، واستنساخ للنموذج اللبناني الكارثي. وقد أدت العسكرة، في ما أدت إليه، إلى تضخم متطلبات الحركة ومسؤولياتها، كما إلى الاستلاب لنمط معين من المقاومة، وإلى مزيدٍ من التشبث بالسلطة، ولو في بعدها الأمني، واعتبارها ضروريةً، وحاجة ماسّة للدفاع عن الحركة ومكتسباتها.
تدفع "حماس" كذلك ثمن الانقسام الذي لم تكن وحدها مسؤولة عنه، ولكن تياراً مهماً فيها استسهل الاحتكام إلى القوة لحل الخلافات الأساسية، من دون الانتباه إلى أسئلة معبر رفح والحصار والمياه والكهرباء والاقتصاد والاجتماع وحاجات الناس، وهي تدفع، بالتالي، ثمن عدم المبادرة بأسرع وقت ممكن لإنهائه، والتحلل منه، باعتباره عبئاً، وليس ذخراً للتفرّغ للمقاومة على الأقل، وهي تدفع أيضاً ثمن عدم استغلال سنوات صعود الثورات العربية لإنهاء الانقسام من موقع قوة، أو على الأقل من موقع نديّ، بعيداً عن خيارات الاستسلام أو الهزيمة التي يطرحها عليها حالياً الرئيس محمود عباس، بشكل غير أخلاقي وانتهازي.
في سياق الوثيقة كذلك، بدت لافتةً ردود الأفعال الفلسطينية تحديداً، ومن الأطراف التي ارتكبت الأخطاء التاريخية التي اضطرّت حماس للتعاطي والتأقلم معها، مثل حلّ الدولتين في الحالة الفتحاوية، بينما بدت ردود فعل شهود الزور، أو الكومبارس، من إسلاميين ويساريين، انتهازيةً ومنافقةً في أقل تقدير، كونهم جاروا، بل زايدوا حتى على "حماس" في بعض خياراتها، وتحديداً عسكرة المقاومة في غزة، كما تبدّى في الحروب المدمرة الثلاث.
أما قمة النفاق والانتهازية فتمثلت برد فعل نائب رئيس حزب الله اللبناني، نعيم قاسم، الذي تبجح برفض الاعتراف بمقاومةٍ لا تبحث عن تحرير كل فلسطين، أو تساوم على هذا الجزء أو ذاك منها، وهو الحزب المتورّط في قتال شعوب عربية، وتحوّل إلى مجموعة مليشياوية مذهبية تقاتل تحت لواء إمبراطورية الدم والوهم الفارسية، ولا يملك الحق الأخلاقي، ولا حتى السياسي، في إعطاء الدروس لحركة حماس، أو للفلسطينيين بشكل عام.
بإيجاز، بدت وثيقة المبادئ والسياسات العامة معبّرة عن مأزق "حماس"، والطبقة السياسية الفلسطينية بشكل عام، معبّرة عن تعثر الثورات، وطغيان وتسلط الثورات المضادّة. ولكنها، من جهة أخرى، لا يمكن أن تنال، بل هي تؤكد، حقيقة "حماس" بصفتها التنظيم المركزي الرئيسي على الساحة الفلسطينية الذي لا يمكن تجاوزه سلماً أو حرباً، وأنها حركة المقاومة الرئيسية والوحيدة بالمعنى الحقيقي للكلمة في مواجهة الاحتلال الصهيوني لفلسطين، والجزء الأكثر حياة وحيوية في الجسد السياسي الفلسطيني المعتل.
نظرياً؛ يمكن القول إن الوثيقة تأخرت عشر سنوات على الأقل، فالحركة وصلت إلى السلطة، وطرحت نفسها قائداً للشعب الفلسطيني، وكان يجب أن تطرح عليه برنامجها السياسي، وفي الحد الأدنى تحديثاً للميثاق الذي كان بمثابة برنامج لها. وحتى لو افترضنا أن الأمر كان متعذراً بعد الانتخابات مباشرة في عام 2006، ثم بعد الاقتتال والانقسام في 2007، فإن الظروف كانت مؤاتية بعد حرب غزة الأولى 2008 التي شهدت آنذاك تواصل القيادة المصرية وأطرافٍ إقليمية أخرى مع الحركة، بصفتها قوة أساسية على الأرض لا يمكن تجاوزها، كما شهدت تلك الفترة أول تواصل مباشر بعد تباعد لسنوات بين قيادات الداخل والخارج في القاهرة ودمشق.
يمكن الحديث عن ثلاث نقاط أو بنود أساسية ومركزية في الوثيقة، وهي التي وقفت مباشرة خلف الحاجة إليها وصياغتها، وتمثلت بقبول دولة فلسطينية ضمن حدود يونيو/ حزيران 1967، مع حق العودة للاجئين، ومن دون التنازل عن باقي فلسطين التاريخية، واعتبار حماس حركة وطنية فلسطينية تواجه المشروع الصهيوني في فلسطين، وليس اليهود باعتبارهم يهوداً، وارتباطاً بأنها حركة وطنية فلسطينية، فإنها لا ترتبط تنظيمياً بأي إطار تنظيمي خارجي، مع البقاء فكرياً ضمن المنظومة أو الإطار الفكري لجماعة الإخوان المسلمين.
في ما يتعلق بالبند المتعلق بالدولة، بدا وكأنه إقرار صريح بحل الدولتين الذي قبلته منظمة
ليس الإقرار بحل الدولتين، واعتباره الخيار الوحيد المطروح على الأجندة الوطنية، خطأ "حماس"، بل خطأ حركة فتح، والمنظومة السياسية بشكل عام التي تبنته رسمياً، وكانت قد تبنته ضمنياً عام 1974 عبر البرنامج المرحلي، أو برنامج النقاط العشر في عام 1988 في الجزائر، بينما كانت أسس المشروع الاستيطاني الهادم للحل قد وضعت وثبتت فعلاً، وبينما تم إعلان الاستقلال وفق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة للتقسيم 181 عام 1948، رسمت حدود الدولة وفق حدود يونيو/ حزيران 1967 وقرار مجلس الأمن 242 الصادر في العام نفسه، علماً أن التقسيم لم يكن يوماً حلاً لأي شعبٍ ثائر في مواجهة القوة المستعمرة.
للأمانة أيضاً، لم يبدأ حل الدولتين مع "فتح" ومنظمة التحرير، بل هؤلاء كما حماس، كانوا ضحية النكبة الثانية عام 1967 التي سمّاها مرتكبوها نكسة، كي لا يدفعوا الثمن، والتي تم بعدها القبول بالقرار 242، ومن ثم مشروع روجرز، أو ما يعرف حالياً بحل الدولتين، واختصار فلسطين بالضفة الغربية وغزة، أي 22% من أرض فلسطين التاريخية. وعملياً، تم تغيير القضية، بعد رفض المحامين الفاشلين للتغيير، وفق عبارة غسّان كنفاني.
البند المهم الآخر في الوثيقة ذاك المتعلق بفك الارتباط التنظيمي عن جماعة الإخوان المسلمين، وقد جاء متأخراً جداً، قياساً بما فعله مثلاً الشيخ حسن الترابي في السودان قبل خمسين سنة تقريباً، وفكرة التنظيم الدولي نفسها باتت متقادمة، وعفا عليها الزمن، وكان يجب أن يبادر الإخوان المصريون أنفسهم إلى حله، تحديداً بعد الثورات، كما كان عليهم أن يفصلوا بين الديني والسياسي، والانكباب على العملين، السياسي والحزبي، ضمن أطر حزبية سياسية ديمقراطية، وترك "الإخوان" للعمل الدعوي، كما فكروا فعلاً، ولكن بشكل متأخر وخجول. ولا يرتبط فك الارتباط عن الإخوان المسلمين بهذه الناحية فقط، وإنما بالناحية السياسية أيضاً، ولولا الأخطاء التي ارتكبها هؤلاء في مصر، وبدرجةٍ أقل في ليبيا، ولولا ما أنزلوه بأنفسهم بالثورات وبغزة وفلسطين والإقليم كله، لما اضطرّت "حماس" بشكل عام لتقديم أي تنازلاتٍ، أو السعي إلى استرضاء هذا الطرف أو ذاك.
أما البند المتعلق بالصراع مع اليهود، فكما البنود السابقة، جاء متأخراً جدّاً، وما كان بجب أن يحدث أصلاً. ومن البداية، عبّر الأمر عن عدم خبرة سياسية، على الرغم من أنه يتنافى مباشرةً مع روح الشرع الإسلامي، فالصراع لم يكن يوماً مع اليهود أصحاب دين، وهؤلاء زمن الدول والإمبراطوريات الإسلامية، وخصوصاً الدولة العثمانية الجامعة، عاشوا بيننا في أحياء وحارات، ليست غيتوهات منغلقة، كما في أوروبا، وإنما منفتحة على نفسها ومحيطها مندمجة في المجتمع في سياساته الاقتصادية والاجتماعية، وحتى السياسية أحياناً.
بشكل غير مباشر، بدت "حماس" وكأنها تدفع أيضاً ثمن سيطرتها على السلطة في غزة، وعجزها عن حلّ مشكلات الناس، أو الأزمات المتفاقمة التي يعاني منها القطاع. تبدو الوثيقة، من هذه الزاوية، بمثابة دعوة إلى تخفيف الحصار، أو المساعدة في تحسين الأوضاع. وبالتالي، تنفيس الاحتقان والنقمة الشعبية المتزايدة ضد الحركة وسياساتها.
تدفع "حماس" كذلك، بشكل أو بآخر، ثمن العسكرة التي تبنتها قيادة الداخل بشكل عام، والجناح
تدفع "حماس" كذلك ثمن الانقسام الذي لم تكن وحدها مسؤولة عنه، ولكن تياراً مهماً فيها استسهل الاحتكام إلى القوة لحل الخلافات الأساسية، من دون الانتباه إلى أسئلة معبر رفح والحصار والمياه والكهرباء والاقتصاد والاجتماع وحاجات الناس، وهي تدفع، بالتالي، ثمن عدم المبادرة بأسرع وقت ممكن لإنهائه، والتحلل منه، باعتباره عبئاً، وليس ذخراً للتفرّغ للمقاومة على الأقل، وهي تدفع أيضاً ثمن عدم استغلال سنوات صعود الثورات العربية لإنهاء الانقسام من موقع قوة، أو على الأقل من موقع نديّ، بعيداً عن خيارات الاستسلام أو الهزيمة التي يطرحها عليها حالياً الرئيس محمود عباس، بشكل غير أخلاقي وانتهازي.
في سياق الوثيقة كذلك، بدت لافتةً ردود الأفعال الفلسطينية تحديداً، ومن الأطراف التي ارتكبت الأخطاء التاريخية التي اضطرّت حماس للتعاطي والتأقلم معها، مثل حلّ الدولتين في الحالة الفتحاوية، بينما بدت ردود فعل شهود الزور، أو الكومبارس، من إسلاميين ويساريين، انتهازيةً ومنافقةً في أقل تقدير، كونهم جاروا، بل زايدوا حتى على "حماس" في بعض خياراتها، وتحديداً عسكرة المقاومة في غزة، كما تبدّى في الحروب المدمرة الثلاث.
أما قمة النفاق والانتهازية فتمثلت برد فعل نائب رئيس حزب الله اللبناني، نعيم قاسم، الذي تبجح برفض الاعتراف بمقاومةٍ لا تبحث عن تحرير كل فلسطين، أو تساوم على هذا الجزء أو ذاك منها، وهو الحزب المتورّط في قتال شعوب عربية، وتحوّل إلى مجموعة مليشياوية مذهبية تقاتل تحت لواء إمبراطورية الدم والوهم الفارسية، ولا يملك الحق الأخلاقي، ولا حتى السياسي، في إعطاء الدروس لحركة حماس، أو للفلسطينيين بشكل عام.
بإيجاز، بدت وثيقة المبادئ والسياسات العامة معبّرة عن مأزق "حماس"، والطبقة السياسية الفلسطينية بشكل عام، معبّرة عن تعثر الثورات، وطغيان وتسلط الثورات المضادّة. ولكنها، من جهة أخرى، لا يمكن أن تنال، بل هي تؤكد، حقيقة "حماس" بصفتها التنظيم المركزي الرئيسي على الساحة الفلسطينية الذي لا يمكن تجاوزه سلماً أو حرباً، وأنها حركة المقاومة الرئيسية والوحيدة بالمعنى الحقيقي للكلمة في مواجهة الاحتلال الصهيوني لفلسطين، والجزء الأكثر حياة وحيوية في الجسد السياسي الفلسطيني المعتل.