02 أكتوبر 2024
الرقة ما بعد داعش
تقترب معركة الرقة في سورية من نهايتها، بغض النظر عن التفصيلات العسكرية التي ترافق العمليات العسكرية، فالمدينة، بالمعنى العسكري، لا الزمني، ساقطة تماما. وأهميتها تكمن في اليوم التالي لتحريرها من تنظيم الدولة الإسلامية، حيث بدأت ملامح الصراع السياسي على المحافظة تتمظهر شيئا فشيئا، وذلك مع استبعاد "لواء ثوار الرقة" التابع للجيش الحر من المشاركة في العملية العسكرية، في وقت سُمح لـ 17 فصيلا عربيا المشاركة في تحرير المدينة، لكن هذه القوى العربية تنتمي، في معظمها، إلى الأقليات الدينية والإثنية، وليس لها وزن عسكري يعتد به، حتى القوى السنية معظمها من أبناء القبائل الرحل، وليس من العشائر ذات المكانة والمستقرة تاريخيا في المحافظة، والفصيلان السنيان الأبرزان (قوات النخبة التابعة للرئيس الأسبق للائتلاف الوطني أحمد الجربا، مجلس دير الزور العسكري المشكل في 19 مارس/ آذار الماضي من أبناء عشيرة الشعيطات)، لا ينتميان إلى محافظة الرقة.
أما "لواء صقور الرقة"، المكون من بعثيين وموالين للنظام، فلا يعدو أن يكون مجرد حضور رمزي، وهكذا تمارس الوحدات الكردية تكتيكا عبر توسيع مروحة القوى العربية، المؤيدة للثورة والمؤيدة للنظام، لدفع تهمة الهيمنة الكردية عنها. لكن هذه القوى العربية لا تمتلك أي قرار، وما جرى مع "قوات النخبة" و"قوات صناديد شمّر" التابعة لحميدي الجربا، حينما طوقتهما الوحدات الكردية منذ شهرين، وما جرى مع "لواء صقور الرقة"، حين قصفه التحالف، يؤكد ذلك، فالوحدات الكردية لن تسمح لأي فصيل بالتفكير والعمل خارج الإطار العسكري الذي وضعته مسبقا.
هنا تبرز المخاوف التركية، ومع أن الولايات المتحدة نجحت في احتواء الأتراك وإبعادهم عن
معركة الرقة، وتطمينهم، مراتٍ بأن تحالفهم مع الوحدات الكردية لأغراضٍ تقتصر على محاربة التنظيم، وأن الإدارة الأميركية لن تسمح بهيمنة كردية مطلقة على المحافظة، إلا أن الأتراك يراقبون بدقة ما يجري، على المستويين، العسكري والسياسي، مع محاولات "الاتحاد الديمقراطي الكردي" فرض مجالس محلية كردية، ذات تلوينات عربية.
سيكون اليوم التالي لتحرير مدينة الرقة الاختبار الأهم والأصعب بين أنقرة وواشنطن، وفي حين تبدو الولايات المتحدة عاجزةً عن تقديم خيار واضح ومحدّد، تبدو تركيا عاجزة أيضا عن بلورة خطواتٍ على الأرض، تحول دون هيمنة الإدارة الكردية الذاتية على مجمل المحافظة. ويزداد المشهد تعقيدا مع دخول قوات النظام إلى الجنوب الغربي من المحافظة، في خطوةٍ تبدو ظاهريا منع "داعش" من الهروب نحو البادية، لكنها تحمل أبعادا أعمق، فالنظام لا يريد أن يستحيل مصير الرقة بين الثلاثي الأميركي ـ الكردي ـ التركي.
المسألة الآن أن مرحلة ما قبل التنظيم تختلف عن مرحلة ما بعده، وإذا كانت الأولى تتطلب تحييد تركيا وإبعاد النظام لصالح الوحدات الكردية، فإن الثانية تتطلب حوارا وتفاهما مع تركيا، وربما تفاهماتٍ غير مباشرة مع النظام، إضافة إلى التفاهم مع الوحدات الكردية التي تشكل ورقة مهمة بيد الولايات المتحدة.
ثمّة ثلاثة احتمالات لمصير الرقة: إبقاء الولايات المتحدة على الهيمنة الكردية المطلقة في المحافظة، لكنه احتمال بعيد، لأن هذا الوضع سيؤدي إلى انفجارات محلية تضاف إلى البعد التركي. والأكراد أنفسهم يدركون مخاطر ذلك، ويدركون حقيقة قوتهم في هذه المحافظة التي تختلف عن وضع الحسكة، وقد أعلنوا، مراتٍ، أنهم لن يضمّوا الرقة إلى الحكم الذاتي. انسحاب الوحدات الكردية من المحافظة، وهذا مستبعد، بسبب تأثيراته السلبية على محاولاتهم الحثيثة السيطرة على وادي الفرات في محافظتي حلب والرقة، فضلا عن أن الرقة تشكل الجسر الجغرافي الضروري للتواصل بين أذرع الإدارة الذاتية في الشرق والغرب. توسيع مروحة المشاركة في عملية الحكم، لتضم مختلف الأطراف مع غلبة المكون العربي على الحكم، ممن ليسوا على علاقةٍ مباشرة مع الأتراك، ولا على علاقة مباشرة مع النظام، ولا مانع من إشراك جزئي لمن يتبعون أنقرة ومن يتبعون دمشق، وهذا الطرح تقبل به الأطراف المحلية والإقليمية والدولية.
ومع أن الاحتمال الأخير أقرب إلى التطبيق، إلا أن اختلاف أهداف الفرقاء، وطبيعة التحالفات
المعقدة في الشمال السوري، قد تدفع الأمور إلى مسارب أخرى، فالوحدات الكردية التي وجدت نفسها، خلال السنوات الماضية، أقرب إلى النظام، قد تجد نفسها في المرحلة المقبلة بعيدةً عنه، في ظل اقتناع "الاتحاد الديمقراطي الكردي" أن النظام لن يقبل أية محاولات للحكم الذاتي. ولا تثق الوحدات الكردية كثيرا بالولايات المتحدة، وهم يعلمون أن الاختيار الأميركي لهم جاء بعيد فشل واشنطن في استحصال حلف مع القوى العربية، مثلما حصل مع "جبهة ثوار سوريا" و"حركة حزم" و"الفرقة 30". وينطبق الأمر على تركيا التي قد تقبل وجودا للنظام في مدينة الرقة، وفي عموم المحافظة، على حساب الوحدات الكردية، متقاطعة في ذلك مع دمشق وطهران في مخاوفهما من تضخم القومية الكردية.
قد يدفع هذا الواقع المعقد الوحدات الكردية إلى إمساك العصا من النصف، عبر تسليم مدينة الرقة إلى النظام الذي طالب بعض نوابه بذلك، ومن شأن هذه العملية أن تمتّن أواصر التحالف بين الجانبين، وتسمح لهما بتحقيق نصر مهم، فبالنسبة للنظام، هو أصبح في قلب وادي الفرات، وبالنسبة للوحدات ستبقى الرقة بأيدي الحلفاء، وممرا اقتصاديا آمنا، فضلاٍ عن أن هذه الخطوة ستجعل النظام يغضّ الطرف أكثر عن نيات الإدارة الذاتية الكردية، على الأقل في المرحلة المقبلة.
أما "لواء صقور الرقة"، المكون من بعثيين وموالين للنظام، فلا يعدو أن يكون مجرد حضور رمزي، وهكذا تمارس الوحدات الكردية تكتيكا عبر توسيع مروحة القوى العربية، المؤيدة للثورة والمؤيدة للنظام، لدفع تهمة الهيمنة الكردية عنها. لكن هذه القوى العربية لا تمتلك أي قرار، وما جرى مع "قوات النخبة" و"قوات صناديد شمّر" التابعة لحميدي الجربا، حينما طوقتهما الوحدات الكردية منذ شهرين، وما جرى مع "لواء صقور الرقة"، حين قصفه التحالف، يؤكد ذلك، فالوحدات الكردية لن تسمح لأي فصيل بالتفكير والعمل خارج الإطار العسكري الذي وضعته مسبقا.
هنا تبرز المخاوف التركية، ومع أن الولايات المتحدة نجحت في احتواء الأتراك وإبعادهم عن
سيكون اليوم التالي لتحرير مدينة الرقة الاختبار الأهم والأصعب بين أنقرة وواشنطن، وفي حين تبدو الولايات المتحدة عاجزةً عن تقديم خيار واضح ومحدّد، تبدو تركيا عاجزة أيضا عن بلورة خطواتٍ على الأرض، تحول دون هيمنة الإدارة الكردية الذاتية على مجمل المحافظة. ويزداد المشهد تعقيدا مع دخول قوات النظام إلى الجنوب الغربي من المحافظة، في خطوةٍ تبدو ظاهريا منع "داعش" من الهروب نحو البادية، لكنها تحمل أبعادا أعمق، فالنظام لا يريد أن يستحيل مصير الرقة بين الثلاثي الأميركي ـ الكردي ـ التركي.
المسألة الآن أن مرحلة ما قبل التنظيم تختلف عن مرحلة ما بعده، وإذا كانت الأولى تتطلب تحييد تركيا وإبعاد النظام لصالح الوحدات الكردية، فإن الثانية تتطلب حوارا وتفاهما مع تركيا، وربما تفاهماتٍ غير مباشرة مع النظام، إضافة إلى التفاهم مع الوحدات الكردية التي تشكل ورقة مهمة بيد الولايات المتحدة.
ثمّة ثلاثة احتمالات لمصير الرقة: إبقاء الولايات المتحدة على الهيمنة الكردية المطلقة في المحافظة، لكنه احتمال بعيد، لأن هذا الوضع سيؤدي إلى انفجارات محلية تضاف إلى البعد التركي. والأكراد أنفسهم يدركون مخاطر ذلك، ويدركون حقيقة قوتهم في هذه المحافظة التي تختلف عن وضع الحسكة، وقد أعلنوا، مراتٍ، أنهم لن يضمّوا الرقة إلى الحكم الذاتي. انسحاب الوحدات الكردية من المحافظة، وهذا مستبعد، بسبب تأثيراته السلبية على محاولاتهم الحثيثة السيطرة على وادي الفرات في محافظتي حلب والرقة، فضلا عن أن الرقة تشكل الجسر الجغرافي الضروري للتواصل بين أذرع الإدارة الذاتية في الشرق والغرب. توسيع مروحة المشاركة في عملية الحكم، لتضم مختلف الأطراف مع غلبة المكون العربي على الحكم، ممن ليسوا على علاقةٍ مباشرة مع الأتراك، ولا على علاقة مباشرة مع النظام، ولا مانع من إشراك جزئي لمن يتبعون أنقرة ومن يتبعون دمشق، وهذا الطرح تقبل به الأطراف المحلية والإقليمية والدولية.
ومع أن الاحتمال الأخير أقرب إلى التطبيق، إلا أن اختلاف أهداف الفرقاء، وطبيعة التحالفات
قد يدفع هذا الواقع المعقد الوحدات الكردية إلى إمساك العصا من النصف، عبر تسليم مدينة الرقة إلى النظام الذي طالب بعض نوابه بذلك، ومن شأن هذه العملية أن تمتّن أواصر التحالف بين الجانبين، وتسمح لهما بتحقيق نصر مهم، فبالنسبة للنظام، هو أصبح في قلب وادي الفرات، وبالنسبة للوحدات ستبقى الرقة بأيدي الحلفاء، وممرا اقتصاديا آمنا، فضلاٍ عن أن هذه الخطوة ستجعل النظام يغضّ الطرف أكثر عن نيات الإدارة الذاتية الكردية، على الأقل في المرحلة المقبلة.