04 نوفمبر 2024
الرابح والخاسر في فتنة الخليج
على الرغم من عدم وضوح موقف الدول التي قاطعت قطر، في ما يتعلق بالمطلوب عمله للخروج من الأزمة، إلا أن الإجراءات التي اتخذت بحق الدوحة كانت واضحةً ومحدّدة، وشملت قطاعات متعددة ومتوازية، سياسية واقتصادية وإعلامية. بالتالي، تتسم مصفوفة الأرباح والخسائر الناجمة عن الأزمة بالتنوع والتوازي نفسيهما. لكن، على عكس الإجراءات المُبرمجة في اتجاه واحد، ضد قطر. فإن نتائجها، ومن ثم الخسائر أو المكاسب المترتبة عليها، قد لا تسير معاً في الاتجاه نفسه. فمثلاً، قد تظن الدول التي قاطعت قطر أنها حققت نصراً إعلامياً. ولا تدرك ما ستتكبده، عاجلاً أو آجلاً، من خسائر اقتصادية أو سياسية. اقتصادياً، تفيد الإحصاءات والأرقام بأن ثمة أعباء ستتحملها قطر، خصوصاً في الأسابيع الأولى، أي فترة الصدمة، وعلى الرغم من أن تلك الأعباء ستستمر ما دامت المقاطعة، إلا أن حدّتها ستخف تدريجياً بمرور الوقت، خصوصاً مع مبادرة أطراف عربية وإقليمية لتعويض ما قد تحتاجه قطر من سلع أو إمدادات. فضلاً عن أن استيعاب الصدمة الأولى بنجاح كفيل باستعادة ثقة الدوائر الاقتصادية العالمية، وعودة حركة التفاعل مع الاقتصاد القطري إلى طبيعتها تدريجياً، وهو ما بدأ يحدث بالفعل. في المقابل، لم تتعرّض الدول المقاطعة لأضرار اقتصادية فورية، غير أن الحسابات والأرقام تقول بوضوح إن الخسائر قادمة في الطريق، خصوصا فيما يتعلق بالتبادل التجاري مع قطر، وتحويلات العاملين المصريين هناك، فضلاً عن خروج رؤوس الأموال القطرية من دول المقاطعة، نحو دول أخرى، فتحت أبوابها ليس فقط للاستثمارات، ولكن أيضاً للسياحة القطرية.
يمكن بسهولة قياس الخسائر الاقتصادية، وتقدير أحجامها التي تتفاوت من طرفٍ إلى آخر. أما الخسائر السياسية والاستراتيجية، فهي أعمق من أن تقاس كمياً، أو تقدّر بأرقام، وأعقد من أن تصنّف وتوزع على أطراف الأزمة بشكل واضح، خصوصا الجانب الأخطر منها، هو ذلك المتصل بالتداعيات السلبية على مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي معاً، وعلى مجمل الدول العربية ككل.
في المقابل، يمكن بسهولة تحديد الأطراف المستفيدة من الأزمة، والمقصود هنا المستفيدون حقاً، وليس الذين يظنون أنهم انتصروا أو حققواً مكاسب، فيما هم خاسرون، حتى بمعاييرهم. تحتل إسرائيل صدارة قائمة المستفيدين من أي انقسام خليجي أو عربي، فهي مستفيدة مباشرة من الخلافات والانقسامات العربية بشكل عام، لكنها أكثر استفادةً وسعادةً عندما يدب الخلاف أو الانقسام بين دول مجلس التعاون الخليجي التي طالما استعصت على محاولات التفتيت والفتنة. ولا جديد في ذلك، فكلما وجدت أو اتسعت الفجوة بين العرب، كان لإسرائيل بينهم مكان. هي بالفعل تنخر من أجله في البنيان العربي منذ عقود، بدأب وأناة.
وإذا ذكرت تل أبيب، ذكرت بالضرورة راعيتها واشنطن. وبعد أن تناول مقالي في "العربي الجديد" الأسبوع الماضي دور الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في دقّ الإسفين بين دول الخليج، لا حاجة لتأكيد أن ثمّة مكاسب أميركية كبيرة ومؤكدة من إشعال فتنة إقليمية. وتكفي هنا الإشارة إلى استخدام ترامب الفزّاعة الإيرانية التي تمثل بالفعل هاجساً مركزياً لدى السعودية وبعض الدول السُنّية في المنطقة. وهو ما استغله ترامب جيداً لعمل مقايضة بين الحشد والتعبئة ضد إيران، مقابل صفقات سلاح يتم بموجبها ضخ أموال طائلة في المجمع الصناعي العسكري الأميركي، والمشاركة فيما تسميه واشنطن "مكافحة الإرهاب".
تضاف تركيا أيضاً إلى قائمة الرابحين، مع اختلاف النيات والمواقف، فقد بادرت، فور إعلان المقاطعة، إلى إعلان مساندتها قطر على كل المستويات، فحققت بذلك مكاسب تتجاوز العوائد الاقتصادية إلى تدعيم مكانتها الإقليمية، وتوسيع نطاق تأثيرها ودورها، خصوصاً في الخليج. وباستثناء تركيا، فإن الرابحين من الفتنة الخليجية يستفيدون من تأجيجها. واستمرارها مشتعلة يخدم أهدافهم في تدمير المنطقة وتخريب العلاقة بين الأشقاء فيها.
يمكن بسهولة قياس الخسائر الاقتصادية، وتقدير أحجامها التي تتفاوت من طرفٍ إلى آخر. أما الخسائر السياسية والاستراتيجية، فهي أعمق من أن تقاس كمياً، أو تقدّر بأرقام، وأعقد من أن تصنّف وتوزع على أطراف الأزمة بشكل واضح، خصوصا الجانب الأخطر منها، هو ذلك المتصل بالتداعيات السلبية على مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي معاً، وعلى مجمل الدول العربية ككل.
في المقابل، يمكن بسهولة تحديد الأطراف المستفيدة من الأزمة، والمقصود هنا المستفيدون حقاً، وليس الذين يظنون أنهم انتصروا أو حققواً مكاسب، فيما هم خاسرون، حتى بمعاييرهم. تحتل إسرائيل صدارة قائمة المستفيدين من أي انقسام خليجي أو عربي، فهي مستفيدة مباشرة من الخلافات والانقسامات العربية بشكل عام، لكنها أكثر استفادةً وسعادةً عندما يدب الخلاف أو الانقسام بين دول مجلس التعاون الخليجي التي طالما استعصت على محاولات التفتيت والفتنة. ولا جديد في ذلك، فكلما وجدت أو اتسعت الفجوة بين العرب، كان لإسرائيل بينهم مكان. هي بالفعل تنخر من أجله في البنيان العربي منذ عقود، بدأب وأناة.
وإذا ذكرت تل أبيب، ذكرت بالضرورة راعيتها واشنطن. وبعد أن تناول مقالي في "العربي الجديد" الأسبوع الماضي دور الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في دقّ الإسفين بين دول الخليج، لا حاجة لتأكيد أن ثمّة مكاسب أميركية كبيرة ومؤكدة من إشعال فتنة إقليمية. وتكفي هنا الإشارة إلى استخدام ترامب الفزّاعة الإيرانية التي تمثل بالفعل هاجساً مركزياً لدى السعودية وبعض الدول السُنّية في المنطقة. وهو ما استغله ترامب جيداً لعمل مقايضة بين الحشد والتعبئة ضد إيران، مقابل صفقات سلاح يتم بموجبها ضخ أموال طائلة في المجمع الصناعي العسكري الأميركي، والمشاركة فيما تسميه واشنطن "مكافحة الإرهاب".
تضاف تركيا أيضاً إلى قائمة الرابحين، مع اختلاف النيات والمواقف، فقد بادرت، فور إعلان المقاطعة، إلى إعلان مساندتها قطر على كل المستويات، فحققت بذلك مكاسب تتجاوز العوائد الاقتصادية إلى تدعيم مكانتها الإقليمية، وتوسيع نطاق تأثيرها ودورها، خصوصاً في الخليج. وباستثناء تركيا، فإن الرابحين من الفتنة الخليجية يستفيدون من تأجيجها. واستمرارها مشتعلة يخدم أهدافهم في تدمير المنطقة وتخريب العلاقة بين الأشقاء فيها.