04 أكتوبر 2024
لا ملائكة ولا شياطين
صحيحٌ أنني من التيار الذى يزعم ويعتقد بأن جماعة الإخوان المسلمين في مصر هي التي كان بيدها نزع فتيل أزمة "30 يونيو". وصحيح أنني ممن يعتقدون أن جماعة الإخوان كان في وسعها منع وإبطال أية مؤامرةٍ كانت تجهز لها الدولة العميقة والأجهزة الأمنية. وصحيحٌ أني من التيار الذي يعتقد ويزعم بأن أداء "الإخوان" بعد ثورة يناير 2011 وأخطاءهم في أثناء وجودهم في السلطة أدّت إلى غضب شعبيٍّ كبير، استطاعت الدولة العميقة استغلاله من أجل تنفيذ الانقلاب في 3 يوليو/ تموز 2017، والعودة إلى السلطة، وأنه كان يمكن تجنب ذلك ببعض المرونة التي كانت كفيلةً بفصل كل من هو ثوري وإصلاحي وطيب النيات عن كل من هو انتهازي، أو ينتمي للنظام القديم.
ولكن، هل كان "الإخوان" هم الشياطين والآخرون هم الملائكة؟ أم هل كان "الإخوان" هم الملائكة والآخرون هم الأشرار، أم أن كل معسكر فيه ملائكة وشياطين، ولكل معسكر ما له، وعليه ما عليه؟
ولذلك، لا يمكن تجاهل كوارث ما يطلق عليه التيار المدني في مصر، وخطاياه وانتهازيته وضعفه. وللدقة أيضا، هذا المصطلح أيضا غير دقيق، فلا هو تيار، ولا يمت للمدنية بأي صلة.
ليس تيارا، لأن الأحزاب التي تزعم المدنية والليبرالية ليس لها قواعد حقيقية في الشارع المصري، ولا تمثل تيارا بالمعنى الدارج لكلمة تيار، ولا تبذل مجهودا حقيقيا لبناء قواعد شعبية، وهي عاجزةٌ كذلك عن نشر أفكارها والتسويق لها، أفرادا وأحزابا يفتقرون لقواعد العمل المنظم الذي يمكّنهم من إدارة الحملات الانتخابية.
ليس ليبراليا، ولا يدعم قيم المدنية، فالمدنية والليبرالية تناصر حقوق الإنسان، مهما كان
الاختلاف، بل تحتم المدنية والليبرالية الحقيقية الدفاع عن حقوق من نختلف معهم، قبل أن ندافع عن حقوقنا. ولذلك سقطت الأحزاب التي تدّعي المدنية والليبرالية في ذلك الاختبار، فكان من العار أن يكون هناك حزبٌ يدّعي الليبرالية والدفاع عن قيم الحرية والمدنية. لكنه، في الوقت نفسه، يؤيد ويدافع عن انتهاكات حقوق الإنسان والاعتقال العشوائي، والتصفية خارج إطار القانون، أو يبرّر إطلاق النار العشوائي على المتظاهرين الموالين للرئيس المعزول، محمد مرسي، أو يبرّر المحاكمات غير العادلة، أو تسييس القضاء، حتى لو كان من يخضع للمحاكمة هم الخصوم.
ليس ليبراليا، ولا يدعم قيم المدنية من يكرّر الخرافات التي تزعم المؤامرات الدولية ضد السيسي، أو يكرّر الهراء الذي يزعم أنه لا احترام لحقوق الإنسان إن كان هناك إرهاب، ليس ليبراليا ولا يدعم قيم المدنية من بارك مذبحة الحرس الجمهوري، أو مذبحة فض اعتصام ميدان رابعة العدوية، أو بارك مسلسل القتل على الهوية الذي حدث بعد "3 يوليو".
التوصيف الأكثر دقةً للحالة المصرية أنه توجد أحزابٌ تنتمي لليمين الرأسمالي المحافظ، ترفض التغيير وتوالي الأنظمة الحاكمة، أو تقبل بالفتات، ذات نزعة علمانية أصولية إقصائية. وفي المقابل، يمكنها التخلي عن علمانيتها في سبيل صفقة سياسية، قد يكون فيها أفراد منتمون للفكر الليبرالي، لكنها بشكل عام أحزابٌ لا تمثل تيارا، ولا تملك قواعد شعبية، ولا تبذل مجهودا حقيقيا، من أجل أن تملك قواعد شعبية حقيقية، تمكّنها من المنافسة الحقيقية في أي انتخابات. ولذلك، لجأت إلى الطريق الأسهل، وأيضا كان يمكن "لبعض الأحزاب التي تنتمي لثورة يناير" ألا تنساق في طريق الأحزاب الكارتونية الانتهازية التي تتحالف مع السلطة منذ عهد حسني مبارك، وكان يمكن لبعض الحركات الثورية ألا يتم استدراجها للسير في ركاب المجموعات المصنوعة أمنيا، مثل "تمرّد" أو حركات مراهقي البلاك بلوك، ذات النزعات العنيفة، ولكنْ أيضا صحيح أن "الإخوان المسلمين"، من وجهة نظري ونظر كثيرين، كان عليهم الدور الأكبر، وكانوا هم الأجدر بنزع فتيل أي مؤامرةٍ، لو كانوا أظهروا بعض المرونة، وجذبوا إليهم شركاء 25 يناير 2011.
ليست هذه الانتهازية جديدة على بعض تلك الأحزاب التي تدّعي تمثيل قيم الليبرالية والمدنية، فهي الأحزاب نفسها، أليس هناك اختلافاتٌ كبيرةٌ بين برامجها، ولكنها تنقسم إلى عدة أحزاب طبقا لمصالح شخصية، وليس اختلافا أيديولوجيا. فلا يوجد خلاف جوهري كبير، يمنعهم من الاندماج، أو حتى التحالف الانتخابي لتمثيل تيار كبير، يستطيع المنافسة. ولعلنا نتذكّر انتخابات 2012 التي تم تحويلها، بشكل متعمد، إلى حربٍ بين الدين ضد فكرة الدولة المدنية، بدلا من أن تكون بين قيم الديمقراطية ومناصرة الثورة ضد القوى التي تمثل دولة مبارك والقمع والفساد. وعلى الرغم من ذلك، ستجد أن الأحزاب والمجموعات التي زعمت الدفاع عن قيم المدنية لم تندرج في قائمة واحدة، كما يقتضي المنطق فيها أكثر من قائمةٍ ترفع شعار المدنية، وتنافس بعضها بعضا، بل دخل بعضها مع "الإخوان" في القائمة الانتخابية نفسها، مثل حزب الكرامة الذي يمثل التيار الناصري، وهو الحزب نفسه الذي يتزعمه حمدين صباحي الذي رفض أي حلول أو تفاوض.. وساهم بنسبة كبيرة في تخوين كل من عصر ليمونا في انتخابات 2012، ثم قام بتخوين كل من حاول حل أزمات 2013 بشكل تفاوضي، أو دعا إلى تنظيم الصفوف، واستخدام خطط طويلة المدى لبناء القواعد والتغيير الهادئ، بدلاً من العنف والتدخل العسكري.
لكن ما حدث، في السنوات الأخيرة، لم يكن جديدا على التاريخ المصري، فبعد الانقلاب العسكري في يوليو/ تموز 1952، تعاون "الإخوان المسلمون" مع الضباط الأحرار في مواجهة الأحزاب والجمعيات وتفكيكها، خصوصا حزب الوفد (حزب الأغلبية في الفترة الليبرالية)، إلى أن غدر بهم النظام الناصري، بعد انتهاء المهمة، ونكّل بهم أشدّ تنكيل، لأنهم كانوا التهديد الأبرز لنظامه، وأخرجهم أنور السادات من السجون، لأداء المهمة نفسها ضد الناصريين والشيوعيين.
وفي نهاية المطاف، وبعد كل تلك التجارب، أصبح لدينا، من وجهة نظري، مجموعات وأحزاب انتهازية، تدّعي الدفاع عن قيم المدنية والليبرالية، لكنها أبعد ما يكون عنها، وتيار إسلامي يدّعي امتلاكه الحقيقة المطلقة، وأن ما يريد تطبيقه هو الصواب المطلق، وكل ما هو خلاف ذلك كفر بيّن، لا ينبغي السماح له بالوجود، تيار ديني يعمل من خلال "آليات وقواعد ومؤسسات الدولة المدنية العلمانية الكافرة"، وفي الوقت نفسه، يسعى إلى استخدام تلك الآليات، من أجل القضاء عليها بعد الوصول إلى السلطة.
تيار مدني يخشى التعامل مع الشارع، ويكتفي بالتنظير والخطاب الاستعلائي. يكتفي بالأنشطة داخل المقرّات. وعلى الرغم من الادعاء بالدفاع عن قيم المدنية والليبرالية، إلا أن أزمة "30 يونيو" أثبتت أن معظم تلك الأحزاب يعمل على عكس المبادئ التي ينادي بها، خطاب إقصائي، لا يختلف كثيرا عن خطاب الفاشية التي يفترض أن يواجهها.
ومجموعات ثورية تم استغلال حماستها وتهوّرها واندفاعها من أجل تصفية حسابات الماضي
وصراعاته، بين العسكر و"الإخوان"، أو بين القومية العروبية والقومية الإسلاموية، وشباب نقي فجّر شرارة الثورة، ثم استغل الجميع طاقته. وفي رأيي، لن ينصلح الحال إلا ببدء المراجعات من الجميع، حتى يكون هناك تغييرٌ في يوم ما.
مراجعات الإسلاميين لفكرة الحاكمية وأستاذية العالم، وكيف يمكن أن تكون هناك دولة مدنية تسع الجميع، بدون أن يفرض الفائز في الانتخابات هويته على الآخرين، ومراجعة الأداء السيئ الإقصائي الذي أدى إلى تكتل الجميع ضد "الإخوان المسلمين"، وطرح أسئلة حول لماذا كان الاستعجال والمنافسة على كل مقاعد البرلمان في العام 2011، ولماذا كان التعجل، وتم تقديم مرشح في الانتخابات الرئاسية في 2012، بالمخالفة للتعهدات السابقة، في وقتٍ كان العالم كله يراقب "الإخوان"، وكان بعضهم متحفزا، وينتظر هذه الخطوة التي تشبه من يلفّ الحبل حول عنقه؟
وأيضا مراجعات تقوم في الأوساط الليبرالية بشأن ما حدث من خيانةٍ للقيم الليبرالية، واعتذار عن خطايا تأييد الحكم العسكري، ومباركة قمع الحريات وانتهاكات حقوق الإنسان، والتورّط في مسابقات التخوين لكل من كان يعارض المسار الحالي.
مراجعات أهم، من وجهة نظري، في الأوساط الشبابية الثورية، فاستسهال التظاهر بدلا من العمل طويل المدى كان جريمةً، ومحاولة استنساخ الثورة بدون توفر الظروف الطبيعية التي تؤدي إلى قيام ثورات في مسارها الطبيعي، والحنين للحالة الثورية "العنيفة" طوال الوقت، ورفض التنوع والتدرج، كان من أكثر مظاهر الحماقة التي مكّنت العسكر والفلول من استغلالها للعودة مرة أخرى، بجانب جنوح مجموعاتٍ للعنف، وتخوين كل من حاول انتهاج الوسائل السياسية الإصلاحية طويلة المدى.
لن تكون هناك موجة "تصحيحية إصلاحية" أخرى، ولن يكون هناك احتمال لنجاح أي شيء مستقبلا، من دون أن يرجع الكل خطوةً إلى الخلف، لإعادة التقييم والتفكير مرة أخرى، لبدء المراجعات ورأب الصدع، وأن يعلم الجميع كيف يمكن العمل على أرضيةٍ مشتركة، بدون إقصاء، على الرغم من وجود الخلافات الأيديولوجية والجوهرية، وكيف يكون هناك ميثاق لاحترام الآخر، كما هو.
ولكن، هل كان "الإخوان" هم الشياطين والآخرون هم الملائكة؟ أم هل كان "الإخوان" هم الملائكة والآخرون هم الأشرار، أم أن كل معسكر فيه ملائكة وشياطين، ولكل معسكر ما له، وعليه ما عليه؟
ولذلك، لا يمكن تجاهل كوارث ما يطلق عليه التيار المدني في مصر، وخطاياه وانتهازيته وضعفه. وللدقة أيضا، هذا المصطلح أيضا غير دقيق، فلا هو تيار، ولا يمت للمدنية بأي صلة.
ليس تيارا، لأن الأحزاب التي تزعم المدنية والليبرالية ليس لها قواعد حقيقية في الشارع المصري، ولا تمثل تيارا بالمعنى الدارج لكلمة تيار، ولا تبذل مجهودا حقيقيا لبناء قواعد شعبية، وهي عاجزةٌ كذلك عن نشر أفكارها والتسويق لها، أفرادا وأحزابا يفتقرون لقواعد العمل المنظم الذي يمكّنهم من إدارة الحملات الانتخابية.
ليس ليبراليا، ولا يدعم قيم المدنية، فالمدنية والليبرالية تناصر حقوق الإنسان، مهما كان
ليس ليبراليا، ولا يدعم قيم المدنية من يكرّر الخرافات التي تزعم المؤامرات الدولية ضد السيسي، أو يكرّر الهراء الذي يزعم أنه لا احترام لحقوق الإنسان إن كان هناك إرهاب، ليس ليبراليا ولا يدعم قيم المدنية من بارك مذبحة الحرس الجمهوري، أو مذبحة فض اعتصام ميدان رابعة العدوية، أو بارك مسلسل القتل على الهوية الذي حدث بعد "3 يوليو".
التوصيف الأكثر دقةً للحالة المصرية أنه توجد أحزابٌ تنتمي لليمين الرأسمالي المحافظ، ترفض التغيير وتوالي الأنظمة الحاكمة، أو تقبل بالفتات، ذات نزعة علمانية أصولية إقصائية. وفي المقابل، يمكنها التخلي عن علمانيتها في سبيل صفقة سياسية، قد يكون فيها أفراد منتمون للفكر الليبرالي، لكنها بشكل عام أحزابٌ لا تمثل تيارا، ولا تملك قواعد شعبية، ولا تبذل مجهودا حقيقيا، من أجل أن تملك قواعد شعبية حقيقية، تمكّنها من المنافسة الحقيقية في أي انتخابات. ولذلك، لجأت إلى الطريق الأسهل، وأيضا كان يمكن "لبعض الأحزاب التي تنتمي لثورة يناير" ألا تنساق في طريق الأحزاب الكارتونية الانتهازية التي تتحالف مع السلطة منذ عهد حسني مبارك، وكان يمكن لبعض الحركات الثورية ألا يتم استدراجها للسير في ركاب المجموعات المصنوعة أمنيا، مثل "تمرّد" أو حركات مراهقي البلاك بلوك، ذات النزعات العنيفة، ولكنْ أيضا صحيح أن "الإخوان المسلمين"، من وجهة نظري ونظر كثيرين، كان عليهم الدور الأكبر، وكانوا هم الأجدر بنزع فتيل أي مؤامرةٍ، لو كانوا أظهروا بعض المرونة، وجذبوا إليهم شركاء 25 يناير 2011.
ليست هذه الانتهازية جديدة على بعض تلك الأحزاب التي تدّعي تمثيل قيم الليبرالية والمدنية، فهي الأحزاب نفسها، أليس هناك اختلافاتٌ كبيرةٌ بين برامجها، ولكنها تنقسم إلى عدة أحزاب طبقا لمصالح شخصية، وليس اختلافا أيديولوجيا. فلا يوجد خلاف جوهري كبير، يمنعهم من الاندماج، أو حتى التحالف الانتخابي لتمثيل تيار كبير، يستطيع المنافسة. ولعلنا نتذكّر انتخابات 2012 التي تم تحويلها، بشكل متعمد، إلى حربٍ بين الدين ضد فكرة الدولة المدنية، بدلا من أن تكون بين قيم الديمقراطية ومناصرة الثورة ضد القوى التي تمثل دولة مبارك والقمع والفساد. وعلى الرغم من ذلك، ستجد أن الأحزاب والمجموعات التي زعمت الدفاع عن قيم المدنية لم تندرج في قائمة واحدة، كما يقتضي المنطق فيها أكثر من قائمةٍ ترفع شعار المدنية، وتنافس بعضها بعضا، بل دخل بعضها مع "الإخوان" في القائمة الانتخابية نفسها، مثل حزب الكرامة الذي يمثل التيار الناصري، وهو الحزب نفسه الذي يتزعمه حمدين صباحي الذي رفض أي حلول أو تفاوض.. وساهم بنسبة كبيرة في تخوين كل من عصر ليمونا في انتخابات 2012، ثم قام بتخوين كل من حاول حل أزمات 2013 بشكل تفاوضي، أو دعا إلى تنظيم الصفوف، واستخدام خطط طويلة المدى لبناء القواعد والتغيير الهادئ، بدلاً من العنف والتدخل العسكري.
لكن ما حدث، في السنوات الأخيرة، لم يكن جديدا على التاريخ المصري، فبعد الانقلاب العسكري في يوليو/ تموز 1952، تعاون "الإخوان المسلمون" مع الضباط الأحرار في مواجهة الأحزاب والجمعيات وتفكيكها، خصوصا حزب الوفد (حزب الأغلبية في الفترة الليبرالية)، إلى أن غدر بهم النظام الناصري، بعد انتهاء المهمة، ونكّل بهم أشدّ تنكيل، لأنهم كانوا التهديد الأبرز لنظامه، وأخرجهم أنور السادات من السجون، لأداء المهمة نفسها ضد الناصريين والشيوعيين.
وفي نهاية المطاف، وبعد كل تلك التجارب، أصبح لدينا، من وجهة نظري، مجموعات وأحزاب انتهازية، تدّعي الدفاع عن قيم المدنية والليبرالية، لكنها أبعد ما يكون عنها، وتيار إسلامي يدّعي امتلاكه الحقيقة المطلقة، وأن ما يريد تطبيقه هو الصواب المطلق، وكل ما هو خلاف ذلك كفر بيّن، لا ينبغي السماح له بالوجود، تيار ديني يعمل من خلال "آليات وقواعد ومؤسسات الدولة المدنية العلمانية الكافرة"، وفي الوقت نفسه، يسعى إلى استخدام تلك الآليات، من أجل القضاء عليها بعد الوصول إلى السلطة.
تيار مدني يخشى التعامل مع الشارع، ويكتفي بالتنظير والخطاب الاستعلائي. يكتفي بالأنشطة داخل المقرّات. وعلى الرغم من الادعاء بالدفاع عن قيم المدنية والليبرالية، إلا أن أزمة "30 يونيو" أثبتت أن معظم تلك الأحزاب يعمل على عكس المبادئ التي ينادي بها، خطاب إقصائي، لا يختلف كثيرا عن خطاب الفاشية التي يفترض أن يواجهها.
ومجموعات ثورية تم استغلال حماستها وتهوّرها واندفاعها من أجل تصفية حسابات الماضي
مراجعات الإسلاميين لفكرة الحاكمية وأستاذية العالم، وكيف يمكن أن تكون هناك دولة مدنية تسع الجميع، بدون أن يفرض الفائز في الانتخابات هويته على الآخرين، ومراجعة الأداء السيئ الإقصائي الذي أدى إلى تكتل الجميع ضد "الإخوان المسلمين"، وطرح أسئلة حول لماذا كان الاستعجال والمنافسة على كل مقاعد البرلمان في العام 2011، ولماذا كان التعجل، وتم تقديم مرشح في الانتخابات الرئاسية في 2012، بالمخالفة للتعهدات السابقة، في وقتٍ كان العالم كله يراقب "الإخوان"، وكان بعضهم متحفزا، وينتظر هذه الخطوة التي تشبه من يلفّ الحبل حول عنقه؟
وأيضا مراجعات تقوم في الأوساط الليبرالية بشأن ما حدث من خيانةٍ للقيم الليبرالية، واعتذار عن خطايا تأييد الحكم العسكري، ومباركة قمع الحريات وانتهاكات حقوق الإنسان، والتورّط في مسابقات التخوين لكل من كان يعارض المسار الحالي.
مراجعات أهم، من وجهة نظري، في الأوساط الشبابية الثورية، فاستسهال التظاهر بدلا من العمل طويل المدى كان جريمةً، ومحاولة استنساخ الثورة بدون توفر الظروف الطبيعية التي تؤدي إلى قيام ثورات في مسارها الطبيعي، والحنين للحالة الثورية "العنيفة" طوال الوقت، ورفض التنوع والتدرج، كان من أكثر مظاهر الحماقة التي مكّنت العسكر والفلول من استغلالها للعودة مرة أخرى، بجانب جنوح مجموعاتٍ للعنف، وتخوين كل من حاول انتهاج الوسائل السياسية الإصلاحية طويلة المدى.
لن تكون هناك موجة "تصحيحية إصلاحية" أخرى، ولن يكون هناك احتمال لنجاح أي شيء مستقبلا، من دون أن يرجع الكل خطوةً إلى الخلف، لإعادة التقييم والتفكير مرة أخرى، لبدء المراجعات ورأب الصدع، وأن يعلم الجميع كيف يمكن العمل على أرضيةٍ مشتركة، بدون إقصاء، على الرغم من وجود الخلافات الأيديولوجية والجوهرية، وكيف يكون هناك ميثاق لاحترام الآخر، كما هو.