28 أكتوبر 2024
صراع النفوذ في سورية
على مدار سنوات الأزمة السورية، بقي التدخل الأميركي مقتصرا على البعد السياسي، مع الاكتفاء بتدخل عسكري غير مباشر، من خلال دعم قوى محلية، لها أجندة مطابقة لأجندتها. ومع إدارة الرئيس دونالد ترامب، أحدثت الولايات المتحدة تحولا كبيرا في تعاطيها مع الأزمة، فانتقل التدخل الأميركي من المستوى العسكري غير المباشر إلى المباشر، مع الإبقاء على الثابت الأساسي، المتمثل بعدم إسقاط النظام عسكريا، وعدم إسقاط المعارضة المسلحة عسكريا. ولا يعبر هذا التحول عن اختلافٍ في الرؤى بين إدارتين أميركيتين فحسب، بقدر ما يعكس المرحلة الجديدة التي وصلت إليها الأزمة السورية، من صراع إقليمي دولي على النفوذ في سورية.
يبدو التدخل العسكري الأميركي المباشر مؤشرا على وصول الحرب إلى خواتيمها، بعدما أصبحت الجغرافيا السورية، في معظمها، مقسّمة تقسيما واضحا بين الفرقاء الإقليميين والدوليين، وتتجه نحو استكمال التقسيم. ولا يعني ذلك، بطبيعة الحال، أن الحرب ستنتهي قريبا، ذلك أن مرحلة تقسيم النفوذ لا تنفصل عن مسألة تحديد مصير النظام السوري، فالأمر ليس مجرّد اقتطاع مناطق جغرافية بصورة مباشرة، أو بصورة غير مباشرة، عبر حلفاء محليين.
يتطلب تثبيت نفوذ مستدام للقوى الإقليمية والدولية إيجاد حل مستدام للأزمة السورية، ومن دون ذلك، ستستحيل المناطق الجغرافية المسيطر عليها إلى مناطق استنزاف استراتيجي لهذه الدول. هنا تكمن العقدة السورية الكبرى: إيران لا تريد أي تغيير حقيقي في النظام السوري، هي تقبل بتغيير شكلي لا يؤثر في بنيته، فيما تبدو روسيا على استعداد لإجراء تغييراتٍ، شرط ألا تؤدي إلى انهيار النظام، تقبل إعادة إنتاجه لكن ليس على الطريقة الإيرانية، أما الولايات المتحدة فتميل إلى الطرح الروسي، لكنها لا تقبل بقاء الأسد على رأس السلطة بعد التسوية الكبرى.
وحتى تلك المرحلة، يسعى الفرقاء الإقليميون والدوليون إلى تثبيت أقدامهم على الأرض، قبيل حدوث التسوية الكبرى التي يجب أن تأخذ بالاعتبار الحقائق الجديدة على الأرض. ويمكن ملاحظة التركيز الأميركي على فصائل المعارضة السورية، بعد أن كان دعمها مقتصرا على الوحدات الكردية، ثم على قوى عربية لها الأهداف نفسها، كما الحال مع "قوات سورية الديمقراطية" وغيرها.
الدعم الأميركي المتزايد للجيش الحر مرتبط، في جزء منه، بمعطيات الجغرافيا العسكرية. ولكن في جزء آخر مرتبط بالمرحلة المقبلة، فإذا كانت مرحلة محاربة تنظيم الدولة الإسلامية تتطلب تركيز الدعم على "قسد"، فإن مرحلة ما بعد "داعش" تتطلب حساباتٍ وخياراتٍ أوسع من "قسد".
إنه صراعٌ على مستقبل سورية وموقعها الجيوسياسي، وهو يتطلب المرور بثلاث مراحل رئيسية، الأولى إسقاط "داعش" والثانية إسقاط القوى الإسلامية الراديكالية، سواء المدرجة على قائمة الأمم المتحدة للإرهاب، أو تلك غير المدرجة، لتأتي المرحلة الثالثة التي ينحصر فيها النزاع بين الثنائي السوري، النظام والمعارضة. ووفقا لذلك، يعتبر تقاسم مناطق النفوذ الجغرافي في سورية بين القوى الإقليمية والدولية ضرورةً ملحةً لمنع الفوضى العسكرية، ولوضع سقفٍ عسكري للفرقاء المحليين والدوليين، بما يتناسب مع التفاهمات الأميركية ـ الروسية.
واضح أن الولايات المتحدة تقبل حضوراً إيرانياً في سورية، فهي لا ترفض إعطاء إيران حصتها السورية، وربما لا تستطيع فعل ذلك، كما تقبل حصة لتركيا أيضا، لكن هذه الحصص يجب أن تبقى ضمن إطار المسموح به، فلا تشكل عائقا أمام التسوية المنتظرة ولو بعد حين. وللوصول إلى ذلك، يتطلب الأمر عملاً كثيرا، خصوصا حين يتعلق الأمر بإيران التي لم يعد حضورها في سورية مقتصرا على البعد العسكري، بل تجاوز الأمر ليصل إلى المنظومة السياسية والأمنية والاجتماعية السورية، بمختلف مستوياتها الدينية والإثنية والعشائرية.
سيؤثر تقاسم النفوذ على الأرض سلبا على مكانة سورية المستقبلية، وحضورها الإقليمي، لكن من شأن هذا التقاسم أن يكون عاملا مهما في مسار إنهاء الصراع العسكري، والتمهيد لمسار سياسي جدي، ينتهي بحلٍّ يكون انعكاسا للواقع على الأرض.
بعبارةٍ أخرى، لن تكون التسوية نقلة كبرى في النظام السياسي، بقدر ما ستكون انتقالا تدريجيا، وربما على سنوات، للوصول إلى نظام مستقر، لكنه نظامٌ ضعيفٌ، من حيث القوة السيادية ومن حيث النظام السياسي.
يبدو التدخل العسكري الأميركي المباشر مؤشرا على وصول الحرب إلى خواتيمها، بعدما أصبحت الجغرافيا السورية، في معظمها، مقسّمة تقسيما واضحا بين الفرقاء الإقليميين والدوليين، وتتجه نحو استكمال التقسيم. ولا يعني ذلك، بطبيعة الحال، أن الحرب ستنتهي قريبا، ذلك أن مرحلة تقسيم النفوذ لا تنفصل عن مسألة تحديد مصير النظام السوري، فالأمر ليس مجرّد اقتطاع مناطق جغرافية بصورة مباشرة، أو بصورة غير مباشرة، عبر حلفاء محليين.
يتطلب تثبيت نفوذ مستدام للقوى الإقليمية والدولية إيجاد حل مستدام للأزمة السورية، ومن دون ذلك، ستستحيل المناطق الجغرافية المسيطر عليها إلى مناطق استنزاف استراتيجي لهذه الدول. هنا تكمن العقدة السورية الكبرى: إيران لا تريد أي تغيير حقيقي في النظام السوري، هي تقبل بتغيير شكلي لا يؤثر في بنيته، فيما تبدو روسيا على استعداد لإجراء تغييراتٍ، شرط ألا تؤدي إلى انهيار النظام، تقبل إعادة إنتاجه لكن ليس على الطريقة الإيرانية، أما الولايات المتحدة فتميل إلى الطرح الروسي، لكنها لا تقبل بقاء الأسد على رأس السلطة بعد التسوية الكبرى.
وحتى تلك المرحلة، يسعى الفرقاء الإقليميون والدوليون إلى تثبيت أقدامهم على الأرض، قبيل حدوث التسوية الكبرى التي يجب أن تأخذ بالاعتبار الحقائق الجديدة على الأرض. ويمكن ملاحظة التركيز الأميركي على فصائل المعارضة السورية، بعد أن كان دعمها مقتصرا على الوحدات الكردية، ثم على قوى عربية لها الأهداف نفسها، كما الحال مع "قوات سورية الديمقراطية" وغيرها.
الدعم الأميركي المتزايد للجيش الحر مرتبط، في جزء منه، بمعطيات الجغرافيا العسكرية. ولكن في جزء آخر مرتبط بالمرحلة المقبلة، فإذا كانت مرحلة محاربة تنظيم الدولة الإسلامية تتطلب تركيز الدعم على "قسد"، فإن مرحلة ما بعد "داعش" تتطلب حساباتٍ وخياراتٍ أوسع من "قسد".
إنه صراعٌ على مستقبل سورية وموقعها الجيوسياسي، وهو يتطلب المرور بثلاث مراحل رئيسية، الأولى إسقاط "داعش" والثانية إسقاط القوى الإسلامية الراديكالية، سواء المدرجة على قائمة الأمم المتحدة للإرهاب، أو تلك غير المدرجة، لتأتي المرحلة الثالثة التي ينحصر فيها النزاع بين الثنائي السوري، النظام والمعارضة. ووفقا لذلك، يعتبر تقاسم مناطق النفوذ الجغرافي في سورية بين القوى الإقليمية والدولية ضرورةً ملحةً لمنع الفوضى العسكرية، ولوضع سقفٍ عسكري للفرقاء المحليين والدوليين، بما يتناسب مع التفاهمات الأميركية ـ الروسية.
واضح أن الولايات المتحدة تقبل حضوراً إيرانياً في سورية، فهي لا ترفض إعطاء إيران حصتها السورية، وربما لا تستطيع فعل ذلك، كما تقبل حصة لتركيا أيضا، لكن هذه الحصص يجب أن تبقى ضمن إطار المسموح به، فلا تشكل عائقا أمام التسوية المنتظرة ولو بعد حين. وللوصول إلى ذلك، يتطلب الأمر عملاً كثيرا، خصوصا حين يتعلق الأمر بإيران التي لم يعد حضورها في سورية مقتصرا على البعد العسكري، بل تجاوز الأمر ليصل إلى المنظومة السياسية والأمنية والاجتماعية السورية، بمختلف مستوياتها الدينية والإثنية والعشائرية.
سيؤثر تقاسم النفوذ على الأرض سلبا على مكانة سورية المستقبلية، وحضورها الإقليمي، لكن من شأن هذا التقاسم أن يكون عاملا مهما في مسار إنهاء الصراع العسكري، والتمهيد لمسار سياسي جدي، ينتهي بحلٍّ يكون انعكاسا للواقع على الأرض.
بعبارةٍ أخرى، لن تكون التسوية نقلة كبرى في النظام السياسي، بقدر ما ستكون انتقالا تدريجيا، وربما على سنوات، للوصول إلى نظام مستقر، لكنه نظامٌ ضعيفٌ، من حيث القوة السيادية ومن حيث النظام السياسي.