03 نوفمبر 2024
حدود سورية ولبنان
ظل شكل الخريطة التي تحدد الخطوط الدولية بين سورية ولبنان، وكذا ملابسات الانتداب الفرنسي، تغري على الدوام الساسة في سورية للقيام بعمليات هضم واسعة، أو على الأقل محاولات رعاية أو إشراف عام، وهذا ما عطل على الدولتين تبادل السفارات الدبلوماسية المتعارف عليها بين البلدان المستقلة وقتاً طويلاً جداً، حتى جاء عهد حافظ الأسد الذي ابتلع بالفعل استقلالية لبنان، من خلال مقايضات دولية مجزية، بعد مخاضات طويلة ومؤلمة، دفع ثمنها الشعبان في لبنان وسورية. لم يستطع وريث حافظ الأسد أن يتابع السياسة نفسها، فراهق طويلاً حتى خسر المزايا التي ورثها عن والده دفعة واحدة، وحصد فوقها مقدارا لا يستهان به من الكراهية، لكنه حافظ على علاقاتٍ مميزة مع حزب الله بإيحاءات إيرانية، وكانت هذه العلاقات كافيةً لتبقى أصابعه قادرة على إثارة الفتن والتعطيل، بعد أن بترت هيمنتها المطلقة. كان من نتائج خروج الجيش السوري المباشرة من لبنان تمدد حزب الله، آخذاً مكانه على الأرض، بوصفه قوة عسكرية فاعلة، وتمدّدا سياسيا طولانيا، لتبقى له حصة يستطيع من خلالها إحداث تخريب في الدولة، ويبقى لبنان عاجزاً عن التعبير عن نفسه، دولةً أو حتى نظاماً.
بعد حرب 2006، لم يقلص حزب الله قواته، لكن اتفاق وقف النار مع إسرائيل أجبره على التراجع إلى ما وراء الليطاني، ما أعطاه مدى حيوياً في الداخل اللبناني، أنتج مزيداً من السيطرة العسكرية المباشرة. وعشية اندلاع الثورة السورية، ظهر حزب الله مع النظام السوري كأنهما كيان واحد يتحرّك بطريقة منسجمة، وتفاهم شبه مطلق تحت مظلة إيرانية.
دخل حزب الله إلى سورية، بدايةً، بالروح نفسها التي دخل بها جيش النظام إلى لبنان، ثم تحول إلى "العمل الحر"، فهيمن على مناطق واسعة وسجل محمياتٍ باسمه، تمتد على جانبي الحدود، وتذهب عميقاً إلى تخوم حلب، وكان خلال معاركه يستخدم استراتيجيا محاربة الإرهاب، فقوبل بغض الطرف الدولي، لكن الطرف الإسرائيلي أوصل رسائل شفهية عبر روسيا، ثم أرسل رسائل نارية على شكل هجمات صاروخية وغارات ليلية بالطائرات، وأكدت أميركا رغبتها بإبقاء حزب الله بعيداً عن الحدود الشمالية، بالهجوم المباشر على قوافله المتقدّمة نحو الجنوب، ولمرتين متتاليتين خلال وقت قصير، ففُهمت الرسالة جيداً، قبل أن تبدأ معركة عرسال بقليل.
اختلفت ظروف النظام بشكل كبير عمّا كانت في العقد الأول من القرن الحالي، واختلفت ظروف حزب الله نفسه بعد حرب تموز في العام 2006، واختلفت العلاقة بين سورية ولبنان على مستوى الدولة. هذا لم يزعزع الاندماج بين حزب الله والنظام، بقيت الأدوار المتبادلة نفسها مع الحفاظ على اللهجة السياسية والتعاونية نفسها، فيما بدت بقية الأجزاء المكونة للنظام اللبناني التقليدي في حالة سباقٍ مع التصريحات، على الرغم من وقوفهم أمام حشد كثيف من الأنصار. ارتفعت حدة التصريحات اللبنانية المعارضة، ووصلت إلى مدىً غير مسبوق، وكانت كلها موجهةً ضد النظام، مع تحفظاتٍ كبيرة على وضع النازحين الذين نتجوا أصلاً وبشكل مباشر عن وجود حزب الله في سورية. في ظرف التموضعات الجديدة، يتماسك النظام السوري مع حزب الله، ويبدو التعاون والتنسيق بينهما مثالياً وعالياً، وتبدو إسرائيل عازمةً على إيجاد حزام جديد ومفاهيم أمنية جديدة، ويمكن أن يفهم من تقدم جيش النظام الكبير في الجنوب بدون وجود حزب الله، قبول إسرائيل بهذا التموضع، وقبول إسرائيل بالوضع العام الذي يظهر فيه النظام أكثر راحة، ويبدو فيه الحزب مسيطراً على المرتفعات الفاصلة بين لبنان سورية، بينما تبقى الحدود مع (إسرائيل) خارج مدى الصواريخ التي يمتلكها حزب الله. وفي مثل هذه الظروف، قد تكون تصريحات المعارضين اللبنانيين ذات النبرة المرتفعة غير مجدية، وقد تضيع في الأودية السحيقة التي باتت تفصل كل الأطراف عن كل الأطراف.
بعد حرب 2006، لم يقلص حزب الله قواته، لكن اتفاق وقف النار مع إسرائيل أجبره على التراجع إلى ما وراء الليطاني، ما أعطاه مدى حيوياً في الداخل اللبناني، أنتج مزيداً من السيطرة العسكرية المباشرة. وعشية اندلاع الثورة السورية، ظهر حزب الله مع النظام السوري كأنهما كيان واحد يتحرّك بطريقة منسجمة، وتفاهم شبه مطلق تحت مظلة إيرانية.
دخل حزب الله إلى سورية، بدايةً، بالروح نفسها التي دخل بها جيش النظام إلى لبنان، ثم تحول إلى "العمل الحر"، فهيمن على مناطق واسعة وسجل محمياتٍ باسمه، تمتد على جانبي الحدود، وتذهب عميقاً إلى تخوم حلب، وكان خلال معاركه يستخدم استراتيجيا محاربة الإرهاب، فقوبل بغض الطرف الدولي، لكن الطرف الإسرائيلي أوصل رسائل شفهية عبر روسيا، ثم أرسل رسائل نارية على شكل هجمات صاروخية وغارات ليلية بالطائرات، وأكدت أميركا رغبتها بإبقاء حزب الله بعيداً عن الحدود الشمالية، بالهجوم المباشر على قوافله المتقدّمة نحو الجنوب، ولمرتين متتاليتين خلال وقت قصير، ففُهمت الرسالة جيداً، قبل أن تبدأ معركة عرسال بقليل.
اختلفت ظروف النظام بشكل كبير عمّا كانت في العقد الأول من القرن الحالي، واختلفت ظروف حزب الله نفسه بعد حرب تموز في العام 2006، واختلفت العلاقة بين سورية ولبنان على مستوى الدولة. هذا لم يزعزع الاندماج بين حزب الله والنظام، بقيت الأدوار المتبادلة نفسها مع الحفاظ على اللهجة السياسية والتعاونية نفسها، فيما بدت بقية الأجزاء المكونة للنظام اللبناني التقليدي في حالة سباقٍ مع التصريحات، على الرغم من وقوفهم أمام حشد كثيف من الأنصار. ارتفعت حدة التصريحات اللبنانية المعارضة، ووصلت إلى مدىً غير مسبوق، وكانت كلها موجهةً ضد النظام، مع تحفظاتٍ كبيرة على وضع النازحين الذين نتجوا أصلاً وبشكل مباشر عن وجود حزب الله في سورية. في ظرف التموضعات الجديدة، يتماسك النظام السوري مع حزب الله، ويبدو التعاون والتنسيق بينهما مثالياً وعالياً، وتبدو إسرائيل عازمةً على إيجاد حزام جديد ومفاهيم أمنية جديدة، ويمكن أن يفهم من تقدم جيش النظام الكبير في الجنوب بدون وجود حزب الله، قبول إسرائيل بهذا التموضع، وقبول إسرائيل بالوضع العام الذي يظهر فيه النظام أكثر راحة، ويبدو فيه الحزب مسيطراً على المرتفعات الفاصلة بين لبنان سورية، بينما تبقى الحدود مع (إسرائيل) خارج مدى الصواريخ التي يمتلكها حزب الله. وفي مثل هذه الظروف، قد تكون تصريحات المعارضين اللبنانيين ذات النبرة المرتفعة غير مجدية، وقد تضيع في الأودية السحيقة التي باتت تفصل كل الأطراف عن كل الأطراف.