23 اغسطس 2024
المشهد اليمني بعد 24 أغسطس
كنت ومازلت أرى أن المعادلة العسكرية في صنعاء بعد أحداث 21 سبتمبر/ أيلول 2014 الانقلابية أصبحت تصب في صالح المشروع الإمامي لجماعة الحوثي في اليمن، أكثر من أي وقت مضى، وأن شركاء صناعة هذا المشهد، أي صالح عبدالله صالح وحلفاءه، لم يعد لهم شيء هناك، ولم يعد بقاؤهم سوى للزوم حوثي لهم تتطلبه هذه المرحلة، وهم من سيحدّدون وقت انتهائها متى ما أرادوا.
أقول هذا في ظل الجدل الكبير الذي تم في الفترة الماضية ولا يزال حول من هو الطرف الأقوى في تحالف الانقلاب، ومن هو الطرف الذي لا تزال بيده أوراق عديدة يمكنه اللعب بها مستقبلا، وكانت غالبية كبيرة ترى أن صالح هو فعلا حاوي الأفاعي وراقصها، لايزال يمتلك اليد الطولى في صنعاء وما حولها، من دون حسبان حجم التحولات الكبيرة طوال عامين ونصف العام من الحرب، وهو ما أثبتته الأحداث أخيرا بطريقة أكثر وضوحا.
كانت فعالية 24 أغسطس/ آب الجاري في صنعاء بالنسبة للرئيس المخلوع صالح بمثابة اليوم التي انتظرها طويلا منذ بداية الحرب، ليؤكد من خلالها أنه بريء من الانقلاب، ولا علاقة له به، وأن جماعة الحوثي التي استطاع صالح أن يقدّمها ويصوّرها وكأنها المسؤول الأول والأخير عن كل ما حدث في اليمن منذ الانقلاب، وكاد صالح أن ينجح فعلا في تقديم هذه الصورة عن جماعة الحوثي التي سيعني تكريس صورتها هذه براءة صالح، وإخراجه من دائرة غضب التحالف العربية واستهدافه على الأقل، ما يعيد تقديمه طرفا فاعلا ورئيسيا في المرحلة المقبلة.
الأخطر فيما حدث حتى الآن أن هذه الفعالية أنهت وهما كبيرا كان يعيش عليه قطاع كبير من
أنصار الرئيس المخلوع صالح، أنه هو القادر على إدارة هذه الفوضى التي بدأها، وأن جماعة الحوثي هي من صنعها، وفي وسعه تحجيمها وإعادتها إلى جبال صعدة، كان هذا الوهم ولايزال لدى قطاع كبير منهم، حتى أتت هذه الفعالية، وأهالت التراب على هذا الوهم، بعد أن تبين حجم جماعة الحوثي الذي بدت عليه، من خلال قدرتها على إدارة المشهد بهذه الفعالية، وتحكمها في كل شعاراتها وخطاباتها التي بدا معها أن صالح لم يعد سوى أسير في يدها، ولم يعد قادرا على شيء.
لم يكتمل مشهد سيطرة جماعة الحوثي على المشهد في صنعاء هنا، وإنما أكملته بمشهد أكثر درامية، من خلال حادثة قتل خالد الرضي، الضابط السابق في الحرس الجمهوري ونائب رئيس دائرة العلاقات الخارجية في حزب صالح (المؤتمر الشعبي العام) ومساعد صالح الأقوى. كانت الحادثة بمثابة إسدال ستار أخير على ظاهرة صالح الذي كان يعوّل عليه بعضهم في التحالف العربي، كما يعول عليها أنصار صالح في الداخل أيضاً.
ثم ماذا بعد؟ أصبح المشهد الراهن أكثر وضوحا بتحول صالح إلى رهن الإقامة الجبرية، والتي كانت المصير الختامي لحاوي الأفاعي وراقصها، وأن بقاءه اليوم ليس أكثر من ضرورة حوثية، تستخدمها للاستفادة من بقايا شبكته المصلحية تحت غطاء "المؤتمر الشعبي العام"، الذي يجب أن يدرك الجميع أنه انتهى سياسيا وعسكريا، وتحول إلى أشبه بأسد في مسرح سيرك كبير، تديره مليشيات الحوثي.
كارثة ما يجري اليوم، أن المشهد السياسي اليمني الراهن يعاني فراغا كبيرا بفعل فشل كل الفاعلين فيه، فشل الانقلاب في تثبيت سلطة الأمر الواقع، وفشل الشرعية، أضف إليها فشل التحالف في فهم واقع المشهد اليمني وتعقيداته. والأكثر كارثية أن قوى الثورة والجمهورية الجديدة "المنتظرة"، والتي يعد شباب ثورة فبراير أهم حواملها، على الرغم من كل حالة الشتات والتيه الذي يعتريهم، يظلون رهانا رابحاً، متى ما نظموا صفوفهم ومشروعهم وآليات عملهم بشكلٍ يناسب حجم التحدي الراهن، وهو استعادة الدولة والجمهورية المختطفة.
استمرار الرهان على أي تحرك داخلي ضد سلطة الانقلاب رهان خاسر، بفعل غياب النموذج
البديل أمام الناس ذلك النموذج الذي ينتظر الناس تحقيقه من الشرعية المأسورة في أجنداتٍ غير أجندتها الوطنية، عدا عن تشتتها بين شركاء ذوي أجندات متقاطعة ومشاريع صغيرة.
ختاماً، يتمدّد مشروع الانقلاب الطائفي في اليمن، بعد تثبيت أقدامه في إقليم أزال في فراغ المؤتمر الشعبي العام، وخصوصا خارج مناطق ما يسمونه نفوذهم المذهبي، ولا يمكنهم أن يحققوا هذا النفوذ والانتشار، لولا مظلة "المؤتمر الشعبي العام"، ولا يمكن إيقاف هذا النفوذ الحوثي، إلا بإعلان ما تبقى من المؤتمر الانفصال عن سيطرة صالح وأسرته، وإعلان مقاومة شاملة وحرب تحرير ضد مليشيات الحوثي في هذه المناطق، ما يعيد رسم خريطة المعركة اليمنية الراهنة، بعمقها الجمهوري الملكي الذي يمنع وضوحها بهذا الشكل وجود "المؤتمر" تحت عباءة رئيسه الواقع تحت رحمة الإقامة الجبرية لجماعة الحوثي.
الفرصة الأخيرة المتاحة اليوم في اليمن مرهونة بقوى الثورة والشرعية اللتين يجب أن يتفقا أولا على نضال مشترك يجمعهما في إطار رؤية واضحة للشراكة مع المملكة العربية السعودية، المعنية بالدرجة الرئيسية بمصير أمنها القومي وحمايته، من خلال استعادة الشرعية والدولة والجمهورية التعدّدية في اليمن مدخلا وحيدا وأوحد للاستقرار في المنطقة كلها، وإلا فالبديل دولة طائفية مليشيوية على حدود المملكة، تهدد أمنها واستقرارها، وحرب يمنية طويلة ستصيب شظاياها الجميع في الإقليم والعالم.
أقول هذا في ظل الجدل الكبير الذي تم في الفترة الماضية ولا يزال حول من هو الطرف الأقوى في تحالف الانقلاب، ومن هو الطرف الذي لا تزال بيده أوراق عديدة يمكنه اللعب بها مستقبلا، وكانت غالبية كبيرة ترى أن صالح هو فعلا حاوي الأفاعي وراقصها، لايزال يمتلك اليد الطولى في صنعاء وما حولها، من دون حسبان حجم التحولات الكبيرة طوال عامين ونصف العام من الحرب، وهو ما أثبتته الأحداث أخيرا بطريقة أكثر وضوحا.
كانت فعالية 24 أغسطس/ آب الجاري في صنعاء بالنسبة للرئيس المخلوع صالح بمثابة اليوم التي انتظرها طويلا منذ بداية الحرب، ليؤكد من خلالها أنه بريء من الانقلاب، ولا علاقة له به، وأن جماعة الحوثي التي استطاع صالح أن يقدّمها ويصوّرها وكأنها المسؤول الأول والأخير عن كل ما حدث في اليمن منذ الانقلاب، وكاد صالح أن ينجح فعلا في تقديم هذه الصورة عن جماعة الحوثي التي سيعني تكريس صورتها هذه براءة صالح، وإخراجه من دائرة غضب التحالف العربية واستهدافه على الأقل، ما يعيد تقديمه طرفا فاعلا ورئيسيا في المرحلة المقبلة.
الأخطر فيما حدث حتى الآن أن هذه الفعالية أنهت وهما كبيرا كان يعيش عليه قطاع كبير من
لم يكتمل مشهد سيطرة جماعة الحوثي على المشهد في صنعاء هنا، وإنما أكملته بمشهد أكثر درامية، من خلال حادثة قتل خالد الرضي، الضابط السابق في الحرس الجمهوري ونائب رئيس دائرة العلاقات الخارجية في حزب صالح (المؤتمر الشعبي العام) ومساعد صالح الأقوى. كانت الحادثة بمثابة إسدال ستار أخير على ظاهرة صالح الذي كان يعوّل عليه بعضهم في التحالف العربي، كما يعول عليها أنصار صالح في الداخل أيضاً.
ثم ماذا بعد؟ أصبح المشهد الراهن أكثر وضوحا بتحول صالح إلى رهن الإقامة الجبرية، والتي كانت المصير الختامي لحاوي الأفاعي وراقصها، وأن بقاءه اليوم ليس أكثر من ضرورة حوثية، تستخدمها للاستفادة من بقايا شبكته المصلحية تحت غطاء "المؤتمر الشعبي العام"، الذي يجب أن يدرك الجميع أنه انتهى سياسيا وعسكريا، وتحول إلى أشبه بأسد في مسرح سيرك كبير، تديره مليشيات الحوثي.
كارثة ما يجري اليوم، أن المشهد السياسي اليمني الراهن يعاني فراغا كبيرا بفعل فشل كل الفاعلين فيه، فشل الانقلاب في تثبيت سلطة الأمر الواقع، وفشل الشرعية، أضف إليها فشل التحالف في فهم واقع المشهد اليمني وتعقيداته. والأكثر كارثية أن قوى الثورة والجمهورية الجديدة "المنتظرة"، والتي يعد شباب ثورة فبراير أهم حواملها، على الرغم من كل حالة الشتات والتيه الذي يعتريهم، يظلون رهانا رابحاً، متى ما نظموا صفوفهم ومشروعهم وآليات عملهم بشكلٍ يناسب حجم التحدي الراهن، وهو استعادة الدولة والجمهورية المختطفة.
استمرار الرهان على أي تحرك داخلي ضد سلطة الانقلاب رهان خاسر، بفعل غياب النموذج
ختاماً، يتمدّد مشروع الانقلاب الطائفي في اليمن، بعد تثبيت أقدامه في إقليم أزال في فراغ المؤتمر الشعبي العام، وخصوصا خارج مناطق ما يسمونه نفوذهم المذهبي، ولا يمكنهم أن يحققوا هذا النفوذ والانتشار، لولا مظلة "المؤتمر الشعبي العام"، ولا يمكن إيقاف هذا النفوذ الحوثي، إلا بإعلان ما تبقى من المؤتمر الانفصال عن سيطرة صالح وأسرته، وإعلان مقاومة شاملة وحرب تحرير ضد مليشيات الحوثي في هذه المناطق، ما يعيد رسم خريطة المعركة اليمنية الراهنة، بعمقها الجمهوري الملكي الذي يمنع وضوحها بهذا الشكل وجود "المؤتمر" تحت عباءة رئيسه الواقع تحت رحمة الإقامة الجبرية لجماعة الحوثي.
الفرصة الأخيرة المتاحة اليوم في اليمن مرهونة بقوى الثورة والشرعية اللتين يجب أن يتفقا أولا على نضال مشترك يجمعهما في إطار رؤية واضحة للشراكة مع المملكة العربية السعودية، المعنية بالدرجة الرئيسية بمصير أمنها القومي وحمايته، من خلال استعادة الشرعية والدولة والجمهورية التعدّدية في اليمن مدخلا وحيدا وأوحد للاستقرار في المنطقة كلها، وإلا فالبديل دولة طائفية مليشيوية على حدود المملكة، تهدد أمنها واستقرارها، وحرب يمنية طويلة ستصيب شظاياها الجميع في الإقليم والعالم.