14 ديسمبر 2017
إلى خطة مارشال في ليبيا وحكم مناطقي؟
نزار كريكش
يعد الراحل جمال حمدان من أفضل من كتب عن الجيواستراتيجيا الليبية, فليبيا الدولة الموسّعة هي تلك التي تنحسر فيها التخوم، وتكبر المساحة، ويقل السكان، نموذج واضح لدولة ما بعد الحداثة، وكل الظروف التاريخية كانت توحي بذلك، منذ التعثر الإداري للدولة العثمانية، كما كتبت الرئيس السابق للجامعة الأميركية في القاهرة، ليسا أندرسون، والفشل الذريع للاستعمار الإيطالي في تحديث البلد، كما كتب المؤرخ الإيطالي أنا بالدينيتي، إلى التقاسم الأميركي البريطاني الذي لم يستطع أن يعمل على تجذير مؤسسات الدولة، كما بين ريتشارد سينج حفيد الإداري السابق في الإدارة العسكرية البريطانية في ليبيا؛ والنهاية كانت بحكم أناركي فوضوي لا يؤمن بالإدارة، ولا الهيراركي، ويدعو إلى زحف الجماهير من أجل تحطيم المؤسسات، كما هو ظاهر من خطابات معمر القذافي.
ربما لم ينجح هذا النسق التاريخي، الفريد حقاً، ويعطي ليبيا، في ثورتها وتحولها نمطاً خاصاً، في قراءته، ذلك أنهم، ببساطة، إما انتبهوا إلى ليبيا أخيرا، أو عملوا مع نظام القذافي من أجل التماهي مع أفكاره، والاستفادة من ذاك النظام الذي يعطي بلا حساب لمن يبرّر أفكاره، ويعطيها صبغةً من الدندنة العلمية.
بدأ حجم التحديات التي واجهت العالم من فشل الدولة الليبية يقنع كثيرين بضرورة الجدّية في التعامل مع الملف الليبي، لا على أساسٍ من التعامل السري بين الأطراف المتصارعة وتأليب بعضها على البعض الآخر، بل من ضرورة إنشاء مؤسساتٍ حقيقيةٍ قادرة على حل المشكلة الكبرى التي تواجه أوروبا والعالم، وهي الهجرة غير النظامية.
يمكن قراءة هذا التوجّه من خلال تصريحاتٍ صدرت، أخيرا، لرئيس الاتحاد الأوروبي، أنطونيو تيجاني، عن ضرورة دعم ليبيا بمبلغ يصل إلى 6 مليارات دولار. ويعاني الاتحاد الأوروبي، حسب دراساتٍ كثيرة، من خلل كبير في سياسته الخارجية، ولم تفلح لجانٌ كثيرة أسسها الاتحاد، لتنظيم سياسته الخارجية. لذا نجد أن لكل من إيطاليا وبريطانيا وفرنسا سياستها الخاصة تجاه ليبيا، ففي حين تحاول إيطاليا التعاون مع بعض الكتائب داخل طرابلس، للتخلص من عبء المهاجرين المتزايد، زار وزير الخارجية البريطانية، بوريس جونسون بنغازي، ووعد بمبلغ يصل إلى 9 ملايين يورو لمحاربة الإرهاب والاغتيالات التي تشهدها المدينة ولم تنته.
ومن جانبها، تسعى فرنسا إلى إيجاد حل للأزمة الليبية، عبر توسّطها بين بعض أطراف النزاع، وقد ظهر أحد السياسيين الليبيين المحسوبين على فرنسا، بشير صالح، كما نشرت مجلة جون أفريك في العاشر من سبتمبر/ أيلول الجاري، ووصف بأنه الرجل الذي كان يوشوش في أذن القذافي، وصرّح برغبته في خوض غمار السياسية والانتخابات، وأنه بدأ اتصالاته بالقادة الأفارقة خصوصا، وأن قضية الهجرة أولويته. كما ظهرت شخصياتٌ تحاول أن تستفيد من ترهّل المشهد الليبي، لتظهر منقذا للأزمة، منهم عبد الباسط اقطيط، وهو رجل أعمال ليبي مقرّب من الكونغرس الأميركي، ويقول صراحة، في لقاء تلفزيوني على قناة النبأ الليبية قبل أيام، إنه مدعوم من الولايات المتحدة. وتحدث عن الشراكة مع أوروبا، ووضع ليبيا ضمن استراتيجيا تجعلها منطقة حرة، تقوم بشراكات اقتصادية تمكّنها (ليبيا) من أن تساهم في الاستقرار والتنمية، خصوصا مسألة البطالة التي قد تكون السبب وراء استمرار تحشيد الشباب الليبي للاستمرار في العمل المسلح.
بدأ بعضهم يتحدث عن خطة شبيهه بما فعلته الولايات المتحدة الأميركية تجاه دول أوروبا، بما فيها تركيا واليونان بعد الحرب العالمية الثانية، من أجل دعم استدامة المؤسسات وتأسيس اقتصاد قادر على مواجهة المتغيرات الدولية، خصوصا روسيا وعلاقتها المتوترة مع الدول الأوروبية. هذا ما نشرته مجلة فوربس العالمية من مقترح لحل الأزمة الليبية، طرحه الكاتب المتخصص في الشأن الليبي، إثان كورين، بشأن خطة مارشال توجهها أوروبا لليبيا.
استمرار تدفق اللاجئين، وبينهم متطرفون، واستمرار تأثير الكتائب المسلحة على مصالح الدول الأوروبية، وتجار البشر المنتشرون في الجنوب الليبي، ذلك كله يجعل البحث عن حل جذري لفشل الدولة الليبية، والبحث عن مؤسساتٍ قادرةٍ على تحقيق الاستقرار والأمان للدول الأوروبية أولوية قصوى.
يجعل هذا السياق البحث في ليبيا عن مؤسساتٍ قادرة على قيادة المرحلة هو النموذج الحاكم للقادة في الاتحاد الأوروبي أو أفريقيا، لأن الأمر لم يعد يحتمل المماحكة السياسية. وهذا لن يتأتى إلا بدعم حقيقي على غرار خطة مارشال لليبيا، ويقتضي أن تتوقف دول عربية، خصوصا دولة الإمارات ومصر، عن المقامرة بالشأن الليبي، فهذا قد يجعلها في تناقضٍ واضح مع المصالح الأوروبية، خصوصا مصالح إيطاليا وفرنسا. تزايد عدد المهاجرين في ظل الأزمة المصرفية التي تعانيها إيطاليا، والانقسام بين أعضاء الاتحاد الأوروبي، سيضاعفان من جهود الاتحاد الأوروبي لوضع حل جذري للمسأله الليبية، قد يكون بوضع مجموعة أصدقاء لليبيا، تعمل على وقف تدفق السلاح، وتراقب الالتزام بقرارات مجلس الأمن، فيبدأ البحث عن حل مناطقي، يغير المقاربة من أسفل إلى أعلى. وهذا يعني أن تجاوز المشهد الحالي، المتمثل في مسار الصخيرات، أو الحكم العسكري الذي يريد بعضهم فرضه، لا يجدي في السياق الليبي حسب هذه المقاربات. هل يكون ذلك بدايةً لمشروع أوروبي متكامل تجاه ليبيا؟ أو يكون بداية لحكم مناطقي في الجنوب، أو في مصراتة، أو بعض المدن التي شهدت استقراراً يحقق مصالح
أوروبا وأفريقيا؟ أو أن جميع القوى الغربية تعد لانتخابات رئاسية في العام المقبل؟ واعتبار اتفاق الصخيرات استنفد مدته في نهاية ديسمبر/ كانون الأول المقبل، أي المدة المقررة فيه (سنتان منذ توقيعه)، على الرغم من وجود خلاف واضح في تفسير نصوص الاتفاق بشأن مدة المجلس الرئاسي والاتفاق.
الحكم المناطقي هو أحد السيناريوهات التي يقدمها بعض الاستراتيجيين في العالم بديلا عن الدولة القومية. وفي ليبيا عدة مناطق قد تصلح لذلك الحكم، وقد يكون الجنوب محطاً لأنظار الدول الأفريقية، إذا ما توفرت مشاريع تنموية كبرى بمشاركة أوروبية، في مصراتة ودرنة وبنغازي والخمس وزوارة مثلا. وسيجلب الاستقرار مزيداً من الاستقرار، وقد يؤثر تراكم النجاحات في ليبيا كلها. هل هذا التصور واقعي؟ وهل يمكن تحقيقه من دون إطار سياسي؟ وكيف ستتغير القوانين الليبية، لتواكب هذه التغيرات الكبرى؟ وكذلك النظام المصرفي كيف سيتغير؟ والأهم من ذلك هل ستهضم ثقافة الليبيين هذه التغيرات؟ أم أن قدَرَ هذا البلد سيكون محطاً للتجارب والنظريات الكبرى؟
هل سيعيد التاريخ نفسه، وتأتي ليبيا بالجديد؟ هل سيكون هذا الجديد تجربةً غارقةً في الوهم، كتجربة القذافي، أم أنها ستلامس مسارات المستقبل الذي ينتظر العالم؟ هل ستكون الانتخابات التي يبدو أنها ستنعقد في العام المقبل مسرحاً لمشاريع وشخصيات سياسية، بدأت تطفو على السطح، بدعم من دول مختلفة؟ هذا ما تنبغي مراقبته، لكن التغيرات التاريخية التي تعبر عن مسار التاريخ الخطّي يمكن أن تنجح، إذا كانت القراءة صحيحة، وسيكون المسار الأكبر لليبيا نحو المقاربات الجديدة، كالحكم المناطقي، إن وجد من يدعم ذلك التحول، كالاتحاد الأوروبي، أو ما تشير إليه مشاريع يقدمها ساسة ومهتمون سيكون هو المسار المستقبلي، وإلا كانت حلماً مثل غيرها من الأحلام.
ربما لم ينجح هذا النسق التاريخي، الفريد حقاً، ويعطي ليبيا، في ثورتها وتحولها نمطاً خاصاً، في قراءته، ذلك أنهم، ببساطة، إما انتبهوا إلى ليبيا أخيرا، أو عملوا مع نظام القذافي من أجل التماهي مع أفكاره، والاستفادة من ذاك النظام الذي يعطي بلا حساب لمن يبرّر أفكاره، ويعطيها صبغةً من الدندنة العلمية.
بدأ حجم التحديات التي واجهت العالم من فشل الدولة الليبية يقنع كثيرين بضرورة الجدّية في التعامل مع الملف الليبي، لا على أساسٍ من التعامل السري بين الأطراف المتصارعة وتأليب بعضها على البعض الآخر، بل من ضرورة إنشاء مؤسساتٍ حقيقيةٍ قادرة على حل المشكلة الكبرى التي تواجه أوروبا والعالم، وهي الهجرة غير النظامية.
يمكن قراءة هذا التوجّه من خلال تصريحاتٍ صدرت، أخيرا، لرئيس الاتحاد الأوروبي، أنطونيو تيجاني، عن ضرورة دعم ليبيا بمبلغ يصل إلى 6 مليارات دولار. ويعاني الاتحاد الأوروبي، حسب دراساتٍ كثيرة، من خلل كبير في سياسته الخارجية، ولم تفلح لجانٌ كثيرة أسسها الاتحاد، لتنظيم سياسته الخارجية. لذا نجد أن لكل من إيطاليا وبريطانيا وفرنسا سياستها الخاصة تجاه ليبيا، ففي حين تحاول إيطاليا التعاون مع بعض الكتائب داخل طرابلس، للتخلص من عبء المهاجرين المتزايد، زار وزير الخارجية البريطانية، بوريس جونسون بنغازي، ووعد بمبلغ يصل إلى 9 ملايين يورو لمحاربة الإرهاب والاغتيالات التي تشهدها المدينة ولم تنته.
ومن جانبها، تسعى فرنسا إلى إيجاد حل للأزمة الليبية، عبر توسّطها بين بعض أطراف النزاع، وقد ظهر أحد السياسيين الليبيين المحسوبين على فرنسا، بشير صالح، كما نشرت مجلة جون أفريك في العاشر من سبتمبر/ أيلول الجاري، ووصف بأنه الرجل الذي كان يوشوش في أذن القذافي، وصرّح برغبته في خوض غمار السياسية والانتخابات، وأنه بدأ اتصالاته بالقادة الأفارقة خصوصا، وأن قضية الهجرة أولويته. كما ظهرت شخصياتٌ تحاول أن تستفيد من ترهّل المشهد الليبي، لتظهر منقذا للأزمة، منهم عبد الباسط اقطيط، وهو رجل أعمال ليبي مقرّب من الكونغرس الأميركي، ويقول صراحة، في لقاء تلفزيوني على قناة النبأ الليبية قبل أيام، إنه مدعوم من الولايات المتحدة. وتحدث عن الشراكة مع أوروبا، ووضع ليبيا ضمن استراتيجيا تجعلها منطقة حرة، تقوم بشراكات اقتصادية تمكّنها (ليبيا) من أن تساهم في الاستقرار والتنمية، خصوصا مسألة البطالة التي قد تكون السبب وراء استمرار تحشيد الشباب الليبي للاستمرار في العمل المسلح.
بدأ بعضهم يتحدث عن خطة شبيهه بما فعلته الولايات المتحدة الأميركية تجاه دول أوروبا، بما فيها تركيا واليونان بعد الحرب العالمية الثانية، من أجل دعم استدامة المؤسسات وتأسيس اقتصاد قادر على مواجهة المتغيرات الدولية، خصوصا روسيا وعلاقتها المتوترة مع الدول الأوروبية. هذا ما نشرته مجلة فوربس العالمية من مقترح لحل الأزمة الليبية، طرحه الكاتب المتخصص في الشأن الليبي، إثان كورين، بشأن خطة مارشال توجهها أوروبا لليبيا.
استمرار تدفق اللاجئين، وبينهم متطرفون، واستمرار تأثير الكتائب المسلحة على مصالح الدول الأوروبية، وتجار البشر المنتشرون في الجنوب الليبي، ذلك كله يجعل البحث عن حل جذري لفشل الدولة الليبية، والبحث عن مؤسساتٍ قادرةٍ على تحقيق الاستقرار والأمان للدول الأوروبية أولوية قصوى.
يجعل هذا السياق البحث في ليبيا عن مؤسساتٍ قادرة على قيادة المرحلة هو النموذج الحاكم للقادة في الاتحاد الأوروبي أو أفريقيا، لأن الأمر لم يعد يحتمل المماحكة السياسية. وهذا لن يتأتى إلا بدعم حقيقي على غرار خطة مارشال لليبيا، ويقتضي أن تتوقف دول عربية، خصوصا دولة الإمارات ومصر، عن المقامرة بالشأن الليبي، فهذا قد يجعلها في تناقضٍ واضح مع المصالح الأوروبية، خصوصا مصالح إيطاليا وفرنسا. تزايد عدد المهاجرين في ظل الأزمة المصرفية التي تعانيها إيطاليا، والانقسام بين أعضاء الاتحاد الأوروبي، سيضاعفان من جهود الاتحاد الأوروبي لوضع حل جذري للمسأله الليبية، قد يكون بوضع مجموعة أصدقاء لليبيا، تعمل على وقف تدفق السلاح، وتراقب الالتزام بقرارات مجلس الأمن، فيبدأ البحث عن حل مناطقي، يغير المقاربة من أسفل إلى أعلى. وهذا يعني أن تجاوز المشهد الحالي، المتمثل في مسار الصخيرات، أو الحكم العسكري الذي يريد بعضهم فرضه، لا يجدي في السياق الليبي حسب هذه المقاربات. هل يكون ذلك بدايةً لمشروع أوروبي متكامل تجاه ليبيا؟ أو يكون بداية لحكم مناطقي في الجنوب، أو في مصراتة، أو بعض المدن التي شهدت استقراراً يحقق مصالح
الحكم المناطقي هو أحد السيناريوهات التي يقدمها بعض الاستراتيجيين في العالم بديلا عن الدولة القومية. وفي ليبيا عدة مناطق قد تصلح لذلك الحكم، وقد يكون الجنوب محطاً لأنظار الدول الأفريقية، إذا ما توفرت مشاريع تنموية كبرى بمشاركة أوروبية، في مصراتة ودرنة وبنغازي والخمس وزوارة مثلا. وسيجلب الاستقرار مزيداً من الاستقرار، وقد يؤثر تراكم النجاحات في ليبيا كلها. هل هذا التصور واقعي؟ وهل يمكن تحقيقه من دون إطار سياسي؟ وكيف ستتغير القوانين الليبية، لتواكب هذه التغيرات الكبرى؟ وكذلك النظام المصرفي كيف سيتغير؟ والأهم من ذلك هل ستهضم ثقافة الليبيين هذه التغيرات؟ أم أن قدَرَ هذا البلد سيكون محطاً للتجارب والنظريات الكبرى؟
هل سيعيد التاريخ نفسه، وتأتي ليبيا بالجديد؟ هل سيكون هذا الجديد تجربةً غارقةً في الوهم، كتجربة القذافي، أم أنها ستلامس مسارات المستقبل الذي ينتظر العالم؟ هل ستكون الانتخابات التي يبدو أنها ستنعقد في العام المقبل مسرحاً لمشاريع وشخصيات سياسية، بدأت تطفو على السطح، بدعم من دول مختلفة؟ هذا ما تنبغي مراقبته، لكن التغيرات التاريخية التي تعبر عن مسار التاريخ الخطّي يمكن أن تنجح، إذا كانت القراءة صحيحة، وسيكون المسار الأكبر لليبيا نحو المقاربات الجديدة، كالحكم المناطقي، إن وجد من يدعم ذلك التحول، كالاتحاد الأوروبي، أو ما تشير إليه مشاريع يقدمها ساسة ومهتمون سيكون هو المسار المستقبلي، وإلا كانت حلماً مثل غيرها من الأحلام.
مقالات أخرى
07 نوفمبر 2017
04 أكتوبر 2017
26 سبتمبر 2017