07 نوفمبر 2024
فورد والثورة السورية في طور الانهزام
كتب الروائي السوري، مصطفى خليفة، في عام 2012، مقالاً تحليليّاً واستشرافيّاً للواقع السوري، وفيه بعدُ نظرٍ كبير، حيث خَبٍرَ الكاتب النظام والمعارضة، وكان سجيناً سنواتٍ طويلة في الثمانينيات، وروايته "القوقعة" عن سجن تدمر أكثر من مرعبة عن تلك الحقبة. المقال هو "ماذا لو انتصر بشار الأسد؟". الرجل لم تأخذه الأحلام ولا الأوهام، ووضع سيناريو لمرحلتنا هذه، أي مرحلة انتصار النظام وإخفاق الثورة والمعارضة. يقول أخيرا، السفير الأميركي السابق في سورية، روبرت فورد، وفي أكثر من تصريح: إن النظام انتصر، وعلى المعارضة أن تتعاطى مع الواقع الجديد، وهو ما يُلاحظ من التصريحات الدولية والإقليمية بصدد التصالح مع النظام.
هناك تطورات كبرى على استنتاجات خليفة، والتي أكدّ فيها أنّ نهاية الثورة ستكون بتغيير المجتمع مذهبياً، وانتصار الحلف الرباعي في كل من إيران والعراق ولبنان وسورية، أي الحلف "الشيعي". الجديد هو السيطرة الروسية على سورية واقتسام الأميركان لأنفسهم مساحات واسعة من شمال سورية وشرقها وجنوبها، مع ملاحظة أن هذه السيطرة الثنائية لا تُنهي النظام، لكنها بالتأكيد تؤسس لتغييرٍ فيه، بما يتوافق مع مصالح هذه الدول. وهنا لا يتفق صاحب هذه السطور مع الكاتب زياد ماجد، في دراسته "نحو تصفية تقنيّة روسية- أميركية للقضية السورية"، في أن روسيا أصبحت المتحكم الوحيد، وستصبح كل المقررات الدولية لاغية، ولا سيما "جنيف 1" وقرار مجلس الأمن 2254.
سيحاول النظام، وقد استقر الوضع، العمل وفق احتمالين: التحرّك بعيداً عن المحتل الروسي، وذلك لإعادة أجزاء من سلطته المنهارة. وهنا قد يحدث تناقض معين معه، يودي بتصفياتٍ
معينةٍ في النظام ذاته. الاحتمال الثاني، أن يتقبل النظام شروط السيطرة الروسية والأميركية وينصاع لها. ويرجح هذا الاحتمال نظراً لبراغماتية النظام. والبراغماتية هذه يمكن متابعتها عبر كيفية تعامله مع السيطرة الروسية، وكذلك مع الأميركان، حيث حَرِصَ على عدم إغضابهم بأيّة أفعالٍ قد تُصعّد من ضغوطهم عليه، وهذا لا يتناقض مع محاولته الدائمة لإعادة تثبيت نفسه لاعبا أساسيا في السيطرة على سورية من خلال ادعائه محاربة الإرهاب أو صمته على القواعد العسكرية الأميركية في شمال سورية وشرقها.
كان القصد من التوكيل الأميركي للروس بقيادة التغيير في سورية إنهاء الثورة، والتفرّد بتشكيل نظام سياسي يناسب مصالح الدولتين، فلهذا وجدنا الروس يسحقون المناطق الثائرة، وبعد الإضعاف الشديد تمّ تركُ مناطقٍ محدّدة، وهي مناطق خفض التوتر، والتي افتتحت روسيا الحديث عنها عبر مسار أستانة، لتكون عوناً للروس في مساوماتهم مع الإيرانيين على تخفيض وجودهم في سورية. وهذا يخالف رؤية مصطفى خليفة في أن الحلف الرباعي سيفرض سيطرته الكاملة على سورية ولبنان والعراق.
لم يعد من الثورة التي تعنينا أي شيءٍ؛ فالشعب مهجرٌ وبقايا الجيش "الحر" ستكون جزءًا من النظام المقبل، وفق المخطط الروسي. الأنكى أنّه سيتم توظيف هذه البقايا مع جيش النظام في الحرب على الإرهاب، وتحت السيطرة الروسية، وبقصد تعزيز الأخيرة. الفصائل تلك، وبعد أن أصبحت مصدّرة أمراء حرب ليست لديهم مشكلة كبيرة في هذا الالتحاق، سيما وأن الثورة وأهلها صاروا خارج المعادلة لأسباب متعدّدة.
صحيح أن الثورة في طور الانهزام، ويتم تشكيل النظام وفقاً لمصالح الاحتلال الروسي وضمان مصالح الأميركان، لكن ذلك سيكون على حساب المصالح الإيرانية، وستستفيد إسرائيل من ذلك، حيث لم تتوقف زيارة مسؤوليها إلى أميركا وروسيا، من أجل هذا الهدف تحديدا، وكذلك ما يجري من نقاشاتٍ متكرّرة في القيادة الأميركية بخصوص تحجيم إيران وإعادة "احتلال" العراق، وهو ما سيؤدي إلى "قصقصة" أجنحة إيران في العراق وسورية واليمن بشكل رئيسي. وبالتالي، ستكون قوة النظام بمقدار مطواعيته للسياسة الروسية بالتحديد.
سيكون السؤال الطبيعي هنا: النظام انتصر، فكيف سيتم الإعمار، ومن سيقوم به؟ معرفتنا لغياب الموارد الروسية ستدفع بالروس للاستعانة بأوروبا وأميركا والخليج، وهذا سيكون ثمنه سياسياً، أي مصالح سياسية وليست فقط اقتصادية/ وفي إعادة تشكيل نظام الحكم، وبالتالي لا يمكن إبقاء نظام الحكم في سورية على حاله.
نصل هنا إلى تسريباتٍ انتشرت أخيراً، وتقول إن تنظيم داعش سينتهي في أواخر 2017، وسيكون هناك نظام جديد، يحافظ فيه على رأس النظام الحالي لسنواتٍ مقبلة. التسريبات مستمرة بهذا الخصوص وضمن السياق ذاته. أي ضمن إطار انتصار النظام مع تعديله، وإدخال جزء من المعارضة وإعطاء بعض الحقوق للناس، بما يشكل نظاماً جديداً وبداية مرحلة جديدة في سورية.
الإدارة المحلية، أو المجالس المحلية، ستكون ممثلة لمناطقها بالمعنى الخدمي، وستكون
المعارضة ممثلة سياسيّةً لها في العاصمة، وبقايا الجيش الحر ستندمج بجيش النظام. هذه النتائج هي ما عملت له روسيا عبر تدمير المناطق الثائرة، ومن خلال مناطق خفض التوتر وإشراك الأميركان فيها، وسيستمر ذلك حتى الانتهاء من الرقة ودير الزور وإدلب، والبدء بمرحلة إعادة الإعمار، وهذا سيخضع لشروطٍ سياسيّةٍ إقليمية ودولية كما أوضحت.
ينصح فورد هذا، بخبث، المعارضة والأكراد مجدّداً، بأن يعترفوا بانتصار النظام الكامل. يريد القول إن الثورة انتهت ولن تتجدّد، وستعود الأوضاع إلى ما قبل 2011، ويدفع المعارضة السورية إلى الاعتراف بذلك، وبذلك يساهم بدوره في فك العزلة عن النظام وروسيا وإيران، ورفع العقوبات، وبالتالي تأمين بيئة مستقرة للمصالح الأميركية في كل من سورية والعراق؛ هذا هدفه المركزي، وستكون هذه بداية لتحجيم إيران بالضرورة.
الاستقرار في سورية والمرافق لوجود روسيا وأميركا فيها سيعني إلغاء أيّ سببٍ أو مبررٍ لوجود إيران فيها، والتصريحات المتتالية بخصوص العراق، والمتعلقة بإنصاف السنة، ورفض استفتاء الكرد وتحجيم دور إيران، تدعم فكرتنا هذه.
تنطلق الوصفات الروسية والأميركية مما شكّلوه من واقعٍ جديدٍ في هذه البلدان، أي من خلال الطائفية بالتحديد، وربما يستفيد الأكراد من ذلك في إقرار حكمٍ ذاتي لهم في سورية؛ القضية هنا بالتحديد، ربما لن يُطرح الشكل الطائفي للحكم، كما حال العراق ولبنان، نظراً لمخاطر ذلك الأمر على المصالح الروسية والأميركية تحديداً، ولكنه سيكون الأرضية "المعرفية" لشكل النظام.
رفض السوريين هذا المآل وتسييس المجالس المحلية وإعادة تفعيل العمل الوطني وكيفيه النهوض بسورية، ورفض كل ما ستسقر عليه الأوضاع الاحتلالية، يجب أن يكون الأساس بالنسبة للفاعلين السياسيين.
هناك تطورات كبرى على استنتاجات خليفة، والتي أكدّ فيها أنّ نهاية الثورة ستكون بتغيير المجتمع مذهبياً، وانتصار الحلف الرباعي في كل من إيران والعراق ولبنان وسورية، أي الحلف "الشيعي". الجديد هو السيطرة الروسية على سورية واقتسام الأميركان لأنفسهم مساحات واسعة من شمال سورية وشرقها وجنوبها، مع ملاحظة أن هذه السيطرة الثنائية لا تُنهي النظام، لكنها بالتأكيد تؤسس لتغييرٍ فيه، بما يتوافق مع مصالح هذه الدول. وهنا لا يتفق صاحب هذه السطور مع الكاتب زياد ماجد، في دراسته "نحو تصفية تقنيّة روسية- أميركية للقضية السورية"، في أن روسيا أصبحت المتحكم الوحيد، وستصبح كل المقررات الدولية لاغية، ولا سيما "جنيف 1" وقرار مجلس الأمن 2254.
سيحاول النظام، وقد استقر الوضع، العمل وفق احتمالين: التحرّك بعيداً عن المحتل الروسي، وذلك لإعادة أجزاء من سلطته المنهارة. وهنا قد يحدث تناقض معين معه، يودي بتصفياتٍ
كان القصد من التوكيل الأميركي للروس بقيادة التغيير في سورية إنهاء الثورة، والتفرّد بتشكيل نظام سياسي يناسب مصالح الدولتين، فلهذا وجدنا الروس يسحقون المناطق الثائرة، وبعد الإضعاف الشديد تمّ تركُ مناطقٍ محدّدة، وهي مناطق خفض التوتر، والتي افتتحت روسيا الحديث عنها عبر مسار أستانة، لتكون عوناً للروس في مساوماتهم مع الإيرانيين على تخفيض وجودهم في سورية. وهذا يخالف رؤية مصطفى خليفة في أن الحلف الرباعي سيفرض سيطرته الكاملة على سورية ولبنان والعراق.
لم يعد من الثورة التي تعنينا أي شيءٍ؛ فالشعب مهجرٌ وبقايا الجيش "الحر" ستكون جزءًا من النظام المقبل، وفق المخطط الروسي. الأنكى أنّه سيتم توظيف هذه البقايا مع جيش النظام في الحرب على الإرهاب، وتحت السيطرة الروسية، وبقصد تعزيز الأخيرة. الفصائل تلك، وبعد أن أصبحت مصدّرة أمراء حرب ليست لديهم مشكلة كبيرة في هذا الالتحاق، سيما وأن الثورة وأهلها صاروا خارج المعادلة لأسباب متعدّدة.
صحيح أن الثورة في طور الانهزام، ويتم تشكيل النظام وفقاً لمصالح الاحتلال الروسي وضمان مصالح الأميركان، لكن ذلك سيكون على حساب المصالح الإيرانية، وستستفيد إسرائيل من ذلك، حيث لم تتوقف زيارة مسؤوليها إلى أميركا وروسيا، من أجل هذا الهدف تحديدا، وكذلك ما يجري من نقاشاتٍ متكرّرة في القيادة الأميركية بخصوص تحجيم إيران وإعادة "احتلال" العراق، وهو ما سيؤدي إلى "قصقصة" أجنحة إيران في العراق وسورية واليمن بشكل رئيسي. وبالتالي، ستكون قوة النظام بمقدار مطواعيته للسياسة الروسية بالتحديد.
سيكون السؤال الطبيعي هنا: النظام انتصر، فكيف سيتم الإعمار، ومن سيقوم به؟ معرفتنا لغياب الموارد الروسية ستدفع بالروس للاستعانة بأوروبا وأميركا والخليج، وهذا سيكون ثمنه سياسياً، أي مصالح سياسية وليست فقط اقتصادية/ وفي إعادة تشكيل نظام الحكم، وبالتالي لا يمكن إبقاء نظام الحكم في سورية على حاله.
نصل هنا إلى تسريباتٍ انتشرت أخيراً، وتقول إن تنظيم داعش سينتهي في أواخر 2017، وسيكون هناك نظام جديد، يحافظ فيه على رأس النظام الحالي لسنواتٍ مقبلة. التسريبات مستمرة بهذا الخصوص وضمن السياق ذاته. أي ضمن إطار انتصار النظام مع تعديله، وإدخال جزء من المعارضة وإعطاء بعض الحقوق للناس، بما يشكل نظاماً جديداً وبداية مرحلة جديدة في سورية.
الإدارة المحلية، أو المجالس المحلية، ستكون ممثلة لمناطقها بالمعنى الخدمي، وستكون
ينصح فورد هذا، بخبث، المعارضة والأكراد مجدّداً، بأن يعترفوا بانتصار النظام الكامل. يريد القول إن الثورة انتهت ولن تتجدّد، وستعود الأوضاع إلى ما قبل 2011، ويدفع المعارضة السورية إلى الاعتراف بذلك، وبذلك يساهم بدوره في فك العزلة عن النظام وروسيا وإيران، ورفع العقوبات، وبالتالي تأمين بيئة مستقرة للمصالح الأميركية في كل من سورية والعراق؛ هذا هدفه المركزي، وستكون هذه بداية لتحجيم إيران بالضرورة.
الاستقرار في سورية والمرافق لوجود روسيا وأميركا فيها سيعني إلغاء أيّ سببٍ أو مبررٍ لوجود إيران فيها، والتصريحات المتتالية بخصوص العراق، والمتعلقة بإنصاف السنة، ورفض استفتاء الكرد وتحجيم دور إيران، تدعم فكرتنا هذه.
تنطلق الوصفات الروسية والأميركية مما شكّلوه من واقعٍ جديدٍ في هذه البلدان، أي من خلال الطائفية بالتحديد، وربما يستفيد الأكراد من ذلك في إقرار حكمٍ ذاتي لهم في سورية؛ القضية هنا بالتحديد، ربما لن يُطرح الشكل الطائفي للحكم، كما حال العراق ولبنان، نظراً لمخاطر ذلك الأمر على المصالح الروسية والأميركية تحديداً، ولكنه سيكون الأرضية "المعرفية" لشكل النظام.
رفض السوريين هذا المآل وتسييس المجالس المحلية وإعادة تفعيل العمل الوطني وكيفيه النهوض بسورية، ورفض كل ما ستسقر عليه الأوضاع الاحتلالية، يجب أن يكون الأساس بالنسبة للفاعلين السياسيين.