04 نوفمبر 2024
أميركا الضعيفة أمام الأقوياء
بعد أن حبس العالم أنفاسه، فاجأ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، العالم، وقرّر استمرار العمل بالاتفاق النووي الإيراني، وتمديد "تعليق" العقوبات ضد طهران. خالف ترامب التوقعات، والمخاوف التي سادت العالم، خشية اندفاعه نحو الانسحاب من الاتفاق النووي. تزامن مع تراجع ترامب أمام إيران، تراجع آخر أمام كوريا الشمالية، ما أضفى على المشهد صبغة درامية مثيرة. في غضون أيام قليلة، انقلب الموقف الأميركي مع الدولتين، من تصعيد وتهديد بالحرب، واستخدام كل الأدوات المتاحة، إلى النقيض تماماً. إلى حد تصريح ترامب إنه ربما تجمعه مستقبلاً علاقات جيدة جداً مع رئيس كوريا الشمالية!
الدلالة الأولى في تراجع ترامب المفاجئ، أن الرجل ليس مطلق اليد في إدارة السياسة الخارجية لبلاده، كما يبدو ظاهرياً، فالمؤسسات ودوائر القرار التي لا يحترمها ترامب، ويقلل من شأنها، لا تزال تلعب دوراً في تحديد الأولويات والبدائل، وترشيد اندفاعات ترامب.
وكثيراً ما كان وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، يسارع إلى ترشيد عشوائية مواقف ترامب، وتخفيف حدة تصريحاته، لكن محاولات أركان الإدارة إصلاح ما يفسده ترامب لم تكن دائماً ناجحة. بل كانت سبباً في انتقام ترامب منهم، بالتهميش أو بالإقصاء تماماً واستدعاء أشخاص أكثر موالاة وانصياعاً لتوجهاته غير المدروسة، وغير المتوقعة.
لذا فإن دور وزارة الخارجية، أو مستشاريه وفريقه الشخصي، لا يفسر وحده ذلك التصرّف العقلاني الاستثنائي من ترامب، فقضيتا إيران وكوريا الشمالية تمثلان أهمية بالغة، بل خطورة وحساسية ليس لواشنطن فقط، وإنما للقوى العالمية الكبرى، وبالتالي للعالم ككل. فطريقة إدارة العلاقة مع طهران تنعكس مباشرة على الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط، وبالتبعية على الأمن العالمي ككل، ولو بشكل غير مباشر. كذلك الأمر بالنسبة لكوريا الشمالية التي وصل الأمر معها إلى حد التهديد بإشعال حرب نووية. وليس واضحا بالطبع إذا كان ترامب صادقاً في تهديداته أم لا، لكن المؤكد أن بيونغ يانغ أخذت تهديداته على محمل الجد، وسادت هناك قناعة أن واشنطن بدأت تستعد فعلياً لمواجهة عسكرية، وربما شاملة.
وواضح أن بيونغ يانغ تفهم جيداً عقلية ترامب التي لا تعرف الدبلوماسية ولا تفهم سوى لغة القوى وأدوات الإجبار أو الردع، لذا لم تتراجع أمام تهديداته، وتجاوبت معه في التصعيد والتهديد. تماماً كما فعلت إيران، طوال الأشهر الماضية، أمام توالي تهديدات ترامب، وتلويحه بالانسحاب من الاتفاق النووي. فجمعت في ردودها عليه بين تأكيد تمسكها بالاتفاق والتزامها بنوده، خصوصاً أمام الطرف الأوروبي الشريك في الاتفاق، وإظهار عدم الاكتراث، إذا تم فسخ الاتفاق، سواء من جانب واحد بانسحاب أميركي أو إنهائه كلياً.
لو لم تتعامل إيران وكوريا الشمالية مع سلوك ترامب وتصريحاته بندية، وبإظهار الاستعداد لكل الخيارات، لرفع ترامب مستوى التهديد والتصعيد، ولربما شرع بالفعل في إجراءاتٍ عقابيةٍ لتطويع سياساتهما.
لكنْ ثمة أساس واقعي لتلك المناطحة الإيرانية والكورية مع واشنطن، هو امتلاك الدولتين أدوات قوة وأوراق ضغط، يمكن استخدامها في مواجهة اندفاع ترامب وغشمه. ولولا هذا، لما استمع ترامب إلى صوت العقل، سواء من داخل إدارته أو من حلفاء واشنطن الأوروبيين.
فعلى الرغم من كل العوامل التي دفعته إلى التراجع بشدة، وبشكل ملفت واستثنائي، يظل العامل الأقوى، وربما الحاسم، في قفزة ترامب إلى الوراء، أنه بوصفه رجلا لا يفهم سوى لغة القوة، أمام طرفين يملكان هما أيضاً قوة كافية، إن لم تكن مكافئة. والأهم أن لديهما الجرأة والإرادة لاستخدام هذه القوة، ومواجهته بأسلوبه وبلغته التي يفهمها.
هذه حقيقة ترامب، إنه رجل لا يستمد اندفاعه وعنفوانه مما لديه من قوة فقط، بل أيضاً من انسحاق الآخرين أمامه. ليس لافتقاد أدوات أو مقومات، وإنما لغياب الجرأة وضعف الإرادة.
الدلالة الأولى في تراجع ترامب المفاجئ، أن الرجل ليس مطلق اليد في إدارة السياسة الخارجية لبلاده، كما يبدو ظاهرياً، فالمؤسسات ودوائر القرار التي لا يحترمها ترامب، ويقلل من شأنها، لا تزال تلعب دوراً في تحديد الأولويات والبدائل، وترشيد اندفاعات ترامب.
وكثيراً ما كان وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، يسارع إلى ترشيد عشوائية مواقف ترامب، وتخفيف حدة تصريحاته، لكن محاولات أركان الإدارة إصلاح ما يفسده ترامب لم تكن دائماً ناجحة. بل كانت سبباً في انتقام ترامب منهم، بالتهميش أو بالإقصاء تماماً واستدعاء أشخاص أكثر موالاة وانصياعاً لتوجهاته غير المدروسة، وغير المتوقعة.
لذا فإن دور وزارة الخارجية، أو مستشاريه وفريقه الشخصي، لا يفسر وحده ذلك التصرّف العقلاني الاستثنائي من ترامب، فقضيتا إيران وكوريا الشمالية تمثلان أهمية بالغة، بل خطورة وحساسية ليس لواشنطن فقط، وإنما للقوى العالمية الكبرى، وبالتالي للعالم ككل. فطريقة إدارة العلاقة مع طهران تنعكس مباشرة على الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط، وبالتبعية على الأمن العالمي ككل، ولو بشكل غير مباشر. كذلك الأمر بالنسبة لكوريا الشمالية التي وصل الأمر معها إلى حد التهديد بإشعال حرب نووية. وليس واضحا بالطبع إذا كان ترامب صادقاً في تهديداته أم لا، لكن المؤكد أن بيونغ يانغ أخذت تهديداته على محمل الجد، وسادت هناك قناعة أن واشنطن بدأت تستعد فعلياً لمواجهة عسكرية، وربما شاملة.
وواضح أن بيونغ يانغ تفهم جيداً عقلية ترامب التي لا تعرف الدبلوماسية ولا تفهم سوى لغة القوى وأدوات الإجبار أو الردع، لذا لم تتراجع أمام تهديداته، وتجاوبت معه في التصعيد والتهديد. تماماً كما فعلت إيران، طوال الأشهر الماضية، أمام توالي تهديدات ترامب، وتلويحه بالانسحاب من الاتفاق النووي. فجمعت في ردودها عليه بين تأكيد تمسكها بالاتفاق والتزامها بنوده، خصوصاً أمام الطرف الأوروبي الشريك في الاتفاق، وإظهار عدم الاكتراث، إذا تم فسخ الاتفاق، سواء من جانب واحد بانسحاب أميركي أو إنهائه كلياً.
لو لم تتعامل إيران وكوريا الشمالية مع سلوك ترامب وتصريحاته بندية، وبإظهار الاستعداد لكل الخيارات، لرفع ترامب مستوى التهديد والتصعيد، ولربما شرع بالفعل في إجراءاتٍ عقابيةٍ لتطويع سياساتهما.
لكنْ ثمة أساس واقعي لتلك المناطحة الإيرانية والكورية مع واشنطن، هو امتلاك الدولتين أدوات قوة وأوراق ضغط، يمكن استخدامها في مواجهة اندفاع ترامب وغشمه. ولولا هذا، لما استمع ترامب إلى صوت العقل، سواء من داخل إدارته أو من حلفاء واشنطن الأوروبيين.
فعلى الرغم من كل العوامل التي دفعته إلى التراجع بشدة، وبشكل ملفت واستثنائي، يظل العامل الأقوى، وربما الحاسم، في قفزة ترامب إلى الوراء، أنه بوصفه رجلا لا يفهم سوى لغة القوة، أمام طرفين يملكان هما أيضاً قوة كافية، إن لم تكن مكافئة. والأهم أن لديهما الجرأة والإرادة لاستخدام هذه القوة، ومواجهته بأسلوبه وبلغته التي يفهمها.
هذه حقيقة ترامب، إنه رجل لا يستمد اندفاعه وعنفوانه مما لديه من قوة فقط، بل أيضاً من انسحاق الآخرين أمامه. ليس لافتقاد أدوات أو مقومات، وإنما لغياب الجرأة وضعف الإرادة.