25 نوفمبر 2019
الحكومة العراقية.. التحالفات المريبة وشكوك المستقبل
مهما قيل عن الشراكة في السلطة من الكتل والمكونات المختلفة في العراق، ومهما تم الادّعاء أن الحكومات الأربع التي هيمن فيها هذا الحزب على السلطة، فإن الواقع كان يفيد بأن رئيس مجلس الوزراء هو الذي أمسك بأدوات السلطة، وهي القوة المسلحة والأغلبية السياسية والمال والهيمنة والتأثير على استقلالية السلطة القضائية، والشواهد على هذا كثيرة، لعل من أوائلها استصدار أمر القبض على نائب الرئيس الأسبق، طارق الهاشمي.
دخل اختيار الرئاسات الثلاث مخاضاً عسيراً لم تغب عن واجهته وخلف كواليسه ما تراكم على المشهد السياسي العراقي، وشكل سماته الرئيسة منذ الاحتلال، من حيث تغليب التفاهمات المصلحية الجانبية، وفي مقدمتها مصالح الأفراد بالدرجة الأولى، ومصالح الأحزاب التي يمثلونها، والتي وسمت العملية السياسية وأحزابها الطائفية الإسلاموية في القطاع العربي من العراق، والأحزاب الإثنية في القطاع الكردستاني منه، فالكل يسعى إلى تعظيم موارده على حساب الشعب والوطن، حتى أضحى العراق مثلاً يضرب في تمكّن الفساد من الآلة الحكومية، وتجذّره مؤسساتياً، بحيث أصبح من الصعوبة بمكان التحرّر من ربقته. لا يزال الفساد متمكّناً من البلد بقوة، على الرغم من أن رئيس الوزراء المنصرف، حيدر العبادي، حاول من دون إحراز نتائج ملموسة في محاربته، بعد أن انتشر في حقبتي سلفه نوري المالكي، واستشرى بقوة، بحيث اكتشفه العبادي أول أيام استلامه مسؤولية قيادة الحكومة وجهازها الأمني، القوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي، حيث وجد رواتب بعشرات الألوف تصرف لمن سماهم الفضائيين. ووجد بلداً تحتل "داعش" الإرهابية ما يقارب نصفه.
ليس الفساد الآفة الوحيدة التي تضرب خاصرة العراق بعمق، فالطائفية السياسية التي تمثلها أحزاب الإسلام الشيعي المتمكّنة من السلطة منذ 2003، والحزب الإسلامي السنّي الذي يعد الشريك الأوهن في معادلة سلطة ما بعد 2003، هي الآفة التي ضربت بعمق في تلافيف المجتمع العراقي، ومزّقت عرب العراق أي ممزق، وأسهمت بتهجير الملايين من دورهم، وسبب ممارساتها، تمكّن التنظيم الإرهابي داعش من الهيمنة على مقدرات المحافظات الست ذات الأغلبية العربية السنية، فضلاً عن حزام بغداد، بضع سنين. تعمّقت الممارسات الطائفية ومظاهرها الغريبة عن المجتمع العراقي، بحيث أضحى الفكاك منها أملاً بعيد المنال، وتحدّياً كبيراً أمام السلطة الحكومية الجديدة المنبثقة عن انتخاباتٍ يشكّ في نتائجها، وسط مقاطعة واسعة النطاق.
ومن المفيد الإشارة إلى أن المرجعية الشيعية في النجف أقحمت إقحاماً في العملية السياسية، بل شجعتها الأحزاب الإسلاموية الشيعية للاستظلال بظلالها، بحيث نشأ ما يمكن توصيفه نمطا جديدا من ولاية الفقيه، حيث لا يتصدّر الفقيه المشهد، لكنه هو، أو المؤسسة الدينية، يتحكّم بشكل موارب، فهذه المؤسسة تضع التوصيفات والشروط، وتسارع الأحزاب السياسية الشيعية إلى التظاهر بالتمسّك بها، طالما أن هذه الشروط لن تنال من مزاياها، أما إذا ما شعرت مؤسسة الفساد بأن مزاياها وحصانتها ستتأثر فهي عندئذ ستضرب عنها صفحاً، وهو ما نشهده حالياً.
وإذا كان انتخابات رئيس مجلس النواب نتيجة صفقة مالية سياسية كما قيل، فإن انتخاب رئيس الجمهورية الذي جرى العرف بأن يكون كرديا من الاتحاد الوطني، باعتبار أن منصب رئيس إقليم كردستان يستحوذ عليه مسعود البرزاني، لكن هذه المعادلة كسرها أخيرا إلغاء منصب رئيس الإقليم، بعد فشل الاستفتاء على الانفصال، فقام البرزاني بترشيح مدير مكتبه، فؤاد حسين، للرئاسة منافساً لمرشح الاتحاد الوطني الكردستاني برهم صالح. احتدمت بنتيجة هذه المنافسة معركة مريرة بين الحزبين وأنصارهما، لكنها حسمت لصالح برهم صالح في الجولة الثانية من التصويت الذي انسحب منه مرشّح الديمقراطي الكردستاني الذي قاطع ممثلوه ال25 التصويت في الجولة الثانية، وأصدروا بياناً يعلل انسحابهم بالخروج عن اتفاقات ملزمة، ملمحين لتداعيات مستقبلية تنبئ بخلافات ساخنة في الإقليم بين كتلتي أربيل والسليمانية، وهي الحقيقة الوحيدة التي فشل الشكل الزائف لوحدة الجناحين في الإقليم في تقديمها، ما ينبئ عن انقسام محتمل لإقليم شمال العراق إلى إقليمين. وأصبح الإقليم أمام تحدٍّ مهم، وهو إثبات انحيازه لعراقيته. وأقسم الرئيس الفائز وتعهد بأنه رئيس لكل العراقيين، وليس رئيساً كردياً للعراق ينحاز لمصلحة الإقليم إذا ما تعارضت مع مصلحة العراق.
هنالك خصائص إيجابية تميّز برهم صالح، وتبعث على تفاؤلٍ اتضح من الترحيب الإيجابي الذي حظي به من قطاعاتٍ من المجتمع العراقي، وبضمنهم نواب خرجوا على توجيه كتلهم وقياداتهم وصوتوا له. والأمر الثاني الإيجابي تمكّنه معرفياً فهو يحمل الدكتوراه من جامعة بريطانية، وعمل في الولايات المتحدة سنوات، ما جعله، وانطلاقاً من كونه مسيساً يفهم طبيعة العلاقات الدولية والميكانيزمات الفاعلة في القرار، مطلعا على مواقف الدول المختلفة من قضايا العلاقات الدولية، ومنها موقف الولايات المتحدة حيال العراق والقضية الكردية. الموضوع الثالث إنه مع ازدهار إقليم كردستان بوصفه جزءا فيدراليا من العراق، وليس استقلاله عن العراق، الأمر الذي بات واضحاً الرفض الإقليمي والدولي له.
من القضايا الشائكة التي حكمت مسيرة العملية السياسية في العراق هيمنة رئيس مجلس الوزراء على الشأنين الداخلي والخارجي، وتحييد موقع رئاسة الجمهورية، بحيث أضحى كأنه منصب بروتوكولي، بلا صلاحيات تنفيذية تذكر، وهذا ليس صحيحا، إذ تنص المادة 63 من الدستور أن السلطة التنفيذية تتألف من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء، ويمارسان صلاحياتهما وفقاً للقانون والدستور، كما منحته المادة صلاحياتٍ لا يمكن اعتبارها بروتوكولية تماماً، فتسمية رئيس مجلس الوزراء، ودعوة البرلمان إلى الانعقاد، ومسؤوليته عن سلامة الدولة ووحدتها الترابية واعتماد المعاهدات الدولية وإصدار المراسيم الجمهورية، وتسمية السفراء لا يمكن عدها صلاحيات بروتوكولية بحتة.
مارس برهم صالح مهامه الدستورية فور أدائه قسم المنصب، وكلف عادل عبد المهدي رئيساً لمجلس الوزراء الذي قبل التكليف، في بادرة جديدة لم يتم التعارف عليها في التكليفات السابقة التي كانت تعتمد على تسمية ما دعيت الكتلة البرلمانية الأكبر لمرشحها الذي يمر في تصويت البرلمان أمرا واقعا، وكان هذا يعني احتكار التكتل الشيعي لتسمية رئيس مجلس الوزراء. ما حدث في هذه المرة أمران، تسبب بهما الفشل في تسمية الكتلة الكبرى: تشتت الصوت الشيعي وعدم الالتزام بقائمة محددة تمثله. نشوء قوائم نيابية عابرة للولاء الطائفي والإثني، تمثلت في تحالف الشيوعيين وفئات من اليسار مع التيار الصدري وقائمة النصر التي يتزعمها رئيس الوزراء المنصرف.
فشلت أي من الكتلتين في إحراز عدد كافٍ من النواب (النصف +1) الذي يؤهلها للتكليف بتسمية رئيس مجلس الوزراء، ولذلك لجأت أكبر قائمتين فائزتين، وهما سائرون (54 مقعداً) والفتح (48 مقعداً) للتوافق على شخصية وسطية لتسميته رئيساً لمجلس الوزراء، وهكذا تم الاتفاق على تسمية عادل عبد المهدي، السياسي المخضرم ذي الطبيعة الانطوائية والشخصية غير الحاسمة رئيساً لمجلس الوزراء. كما أنه شخصيته تتوارى خلف حجب، وتبتعد عن المجابهة، ففي الحالة التي اختلف فيها مع الوسط الطائفي الشيعي الذي انتمى إليه، بعد جولات مع البعث والماركسية والماوية، نراه انزوى من دون أن يوظف إمكاناته، لبناء تجمع عابر للطائفية من الانتلجينسيا الموجودة في الحركات الشيعية، إذ انزوى بعد استقالته من منصب نائب رئيس الجمهورية كدرويش صوفي، يقيم العزاء ويوزّع الطعام خدمة للمناسبات الطائفية التي كان عليه الانعتاق منها.
تشكّل هذه السمة نقطة ضعف كبيرة في البناء الشخصي لشخصية عادل عبد المهدي، فمنصبه يحتاج إلى الحزم والحسم، وهي سمات لا يتوفر عليها إلا ببعدها السلبي، فهو حدّد نقاطاً طالباً التعهد من الكتل السياسية بالالتزام بها، وإلا سيستقيل، لا أن يلزم الجميع بقبول رؤيته للحل، وأول متطلباتها إقرار هيبة الدولة، الأمر الذي يتطلّب منه كفّ يد التدخل الإيرانية عن التدخل في الشأن الداخلي العراقي، وكفّ يد المليشيات وحلها، وإقرار الأمن الداخلي في العراق، ثم محاربة الفساد وسوْق عرابيه إلى القضاء، ولربما عليه أن يبدأ بأكبر الفاسدين لردع الآخرين.
دخل اختيار الرئاسات الثلاث مخاضاً عسيراً لم تغب عن واجهته وخلف كواليسه ما تراكم على المشهد السياسي العراقي، وشكل سماته الرئيسة منذ الاحتلال، من حيث تغليب التفاهمات المصلحية الجانبية، وفي مقدمتها مصالح الأفراد بالدرجة الأولى، ومصالح الأحزاب التي يمثلونها، والتي وسمت العملية السياسية وأحزابها الطائفية الإسلاموية في القطاع العربي من العراق، والأحزاب الإثنية في القطاع الكردستاني منه، فالكل يسعى إلى تعظيم موارده على حساب الشعب والوطن، حتى أضحى العراق مثلاً يضرب في تمكّن الفساد من الآلة الحكومية، وتجذّره مؤسساتياً، بحيث أصبح من الصعوبة بمكان التحرّر من ربقته. لا يزال الفساد متمكّناً من البلد بقوة، على الرغم من أن رئيس الوزراء المنصرف، حيدر العبادي، حاول من دون إحراز نتائج ملموسة في محاربته، بعد أن انتشر في حقبتي سلفه نوري المالكي، واستشرى بقوة، بحيث اكتشفه العبادي أول أيام استلامه مسؤولية قيادة الحكومة وجهازها الأمني، القوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي، حيث وجد رواتب بعشرات الألوف تصرف لمن سماهم الفضائيين. ووجد بلداً تحتل "داعش" الإرهابية ما يقارب نصفه.
ليس الفساد الآفة الوحيدة التي تضرب خاصرة العراق بعمق، فالطائفية السياسية التي تمثلها أحزاب الإسلام الشيعي المتمكّنة من السلطة منذ 2003، والحزب الإسلامي السنّي الذي يعد الشريك الأوهن في معادلة سلطة ما بعد 2003، هي الآفة التي ضربت بعمق في تلافيف المجتمع العراقي، ومزّقت عرب العراق أي ممزق، وأسهمت بتهجير الملايين من دورهم، وسبب ممارساتها، تمكّن التنظيم الإرهابي داعش من الهيمنة على مقدرات المحافظات الست ذات الأغلبية العربية السنية، فضلاً عن حزام بغداد، بضع سنين. تعمّقت الممارسات الطائفية ومظاهرها الغريبة عن المجتمع العراقي، بحيث أضحى الفكاك منها أملاً بعيد المنال، وتحدّياً كبيراً أمام السلطة الحكومية الجديدة المنبثقة عن انتخاباتٍ يشكّ في نتائجها، وسط مقاطعة واسعة النطاق.
ومن المفيد الإشارة إلى أن المرجعية الشيعية في النجف أقحمت إقحاماً في العملية السياسية، بل شجعتها الأحزاب الإسلاموية الشيعية للاستظلال بظلالها، بحيث نشأ ما يمكن توصيفه نمطا جديدا من ولاية الفقيه، حيث لا يتصدّر الفقيه المشهد، لكنه هو، أو المؤسسة الدينية، يتحكّم بشكل موارب، فهذه المؤسسة تضع التوصيفات والشروط، وتسارع الأحزاب السياسية الشيعية إلى التظاهر بالتمسّك بها، طالما أن هذه الشروط لن تنال من مزاياها، أما إذا ما شعرت مؤسسة الفساد بأن مزاياها وحصانتها ستتأثر فهي عندئذ ستضرب عنها صفحاً، وهو ما نشهده حالياً.
وإذا كان انتخابات رئيس مجلس النواب نتيجة صفقة مالية سياسية كما قيل، فإن انتخاب رئيس الجمهورية الذي جرى العرف بأن يكون كرديا من الاتحاد الوطني، باعتبار أن منصب رئيس إقليم كردستان يستحوذ عليه مسعود البرزاني، لكن هذه المعادلة كسرها أخيرا إلغاء منصب رئيس الإقليم، بعد فشل الاستفتاء على الانفصال، فقام البرزاني بترشيح مدير مكتبه، فؤاد حسين، للرئاسة منافساً لمرشح الاتحاد الوطني الكردستاني برهم صالح. احتدمت بنتيجة هذه المنافسة معركة مريرة بين الحزبين وأنصارهما، لكنها حسمت لصالح برهم صالح في الجولة الثانية من التصويت الذي انسحب منه مرشّح الديمقراطي الكردستاني الذي قاطع ممثلوه ال25 التصويت في الجولة الثانية، وأصدروا بياناً يعلل انسحابهم بالخروج عن اتفاقات ملزمة، ملمحين لتداعيات مستقبلية تنبئ بخلافات ساخنة في الإقليم بين كتلتي أربيل والسليمانية، وهي الحقيقة الوحيدة التي فشل الشكل الزائف لوحدة الجناحين في الإقليم في تقديمها، ما ينبئ عن انقسام محتمل لإقليم شمال العراق إلى إقليمين. وأصبح الإقليم أمام تحدٍّ مهم، وهو إثبات انحيازه لعراقيته. وأقسم الرئيس الفائز وتعهد بأنه رئيس لكل العراقيين، وليس رئيساً كردياً للعراق ينحاز لمصلحة الإقليم إذا ما تعارضت مع مصلحة العراق.
هنالك خصائص إيجابية تميّز برهم صالح، وتبعث على تفاؤلٍ اتضح من الترحيب الإيجابي الذي حظي به من قطاعاتٍ من المجتمع العراقي، وبضمنهم نواب خرجوا على توجيه كتلهم وقياداتهم وصوتوا له. والأمر الثاني الإيجابي تمكّنه معرفياً فهو يحمل الدكتوراه من جامعة بريطانية، وعمل في الولايات المتحدة سنوات، ما جعله، وانطلاقاً من كونه مسيساً يفهم طبيعة العلاقات الدولية والميكانيزمات الفاعلة في القرار، مطلعا على مواقف الدول المختلفة من قضايا العلاقات الدولية، ومنها موقف الولايات المتحدة حيال العراق والقضية الكردية. الموضوع الثالث إنه مع ازدهار إقليم كردستان بوصفه جزءا فيدراليا من العراق، وليس استقلاله عن العراق، الأمر الذي بات واضحاً الرفض الإقليمي والدولي له.
من القضايا الشائكة التي حكمت مسيرة العملية السياسية في العراق هيمنة رئيس مجلس الوزراء على الشأنين الداخلي والخارجي، وتحييد موقع رئاسة الجمهورية، بحيث أضحى كأنه منصب بروتوكولي، بلا صلاحيات تنفيذية تذكر، وهذا ليس صحيحا، إذ تنص المادة 63 من الدستور أن السلطة التنفيذية تتألف من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء، ويمارسان صلاحياتهما وفقاً للقانون والدستور، كما منحته المادة صلاحياتٍ لا يمكن اعتبارها بروتوكولية تماماً، فتسمية رئيس مجلس الوزراء، ودعوة البرلمان إلى الانعقاد، ومسؤوليته عن سلامة الدولة ووحدتها الترابية واعتماد المعاهدات الدولية وإصدار المراسيم الجمهورية، وتسمية السفراء لا يمكن عدها صلاحيات بروتوكولية بحتة.
مارس برهم صالح مهامه الدستورية فور أدائه قسم المنصب، وكلف عادل عبد المهدي رئيساً لمجلس الوزراء الذي قبل التكليف، في بادرة جديدة لم يتم التعارف عليها في التكليفات السابقة التي كانت تعتمد على تسمية ما دعيت الكتلة البرلمانية الأكبر لمرشحها الذي يمر في تصويت البرلمان أمرا واقعا، وكان هذا يعني احتكار التكتل الشيعي لتسمية رئيس مجلس الوزراء. ما حدث في هذه المرة أمران، تسبب بهما الفشل في تسمية الكتلة الكبرى: تشتت الصوت الشيعي وعدم الالتزام بقائمة محددة تمثله. نشوء قوائم نيابية عابرة للولاء الطائفي والإثني، تمثلت في تحالف الشيوعيين وفئات من اليسار مع التيار الصدري وقائمة النصر التي يتزعمها رئيس الوزراء المنصرف.
فشلت أي من الكتلتين في إحراز عدد كافٍ من النواب (النصف +1) الذي يؤهلها للتكليف بتسمية رئيس مجلس الوزراء، ولذلك لجأت أكبر قائمتين فائزتين، وهما سائرون (54 مقعداً) والفتح (48 مقعداً) للتوافق على شخصية وسطية لتسميته رئيساً لمجلس الوزراء، وهكذا تم الاتفاق على تسمية عادل عبد المهدي، السياسي المخضرم ذي الطبيعة الانطوائية والشخصية غير الحاسمة رئيساً لمجلس الوزراء. كما أنه شخصيته تتوارى خلف حجب، وتبتعد عن المجابهة، ففي الحالة التي اختلف فيها مع الوسط الطائفي الشيعي الذي انتمى إليه، بعد جولات مع البعث والماركسية والماوية، نراه انزوى من دون أن يوظف إمكاناته، لبناء تجمع عابر للطائفية من الانتلجينسيا الموجودة في الحركات الشيعية، إذ انزوى بعد استقالته من منصب نائب رئيس الجمهورية كدرويش صوفي، يقيم العزاء ويوزّع الطعام خدمة للمناسبات الطائفية التي كان عليه الانعتاق منها.
تشكّل هذه السمة نقطة ضعف كبيرة في البناء الشخصي لشخصية عادل عبد المهدي، فمنصبه يحتاج إلى الحزم والحسم، وهي سمات لا يتوفر عليها إلا ببعدها السلبي، فهو حدّد نقاطاً طالباً التعهد من الكتل السياسية بالالتزام بها، وإلا سيستقيل، لا أن يلزم الجميع بقبول رؤيته للحل، وأول متطلباتها إقرار هيبة الدولة، الأمر الذي يتطلّب منه كفّ يد التدخل الإيرانية عن التدخل في الشأن الداخلي العراقي، وكفّ يد المليشيات وحلها، وإقرار الأمن الداخلي في العراق، ثم محاربة الفساد وسوْق عرابيه إلى القضاء، ولربما عليه أن يبدأ بأكبر الفاسدين لردع الآخرين.