31 أكتوبر 2024
العبء السعودي
لا مبالغة في القول إن تصفية الكاتب والصحافي السعودي، جمال خاشقجي، بتلك الكيفية المروّعة، تُمثل أكبر أزمة تواجهها الرياض منذ تأسيس المملكة قبل ثمانية عقود ونيّف. ليس فقط بسبب تداعياتها السياسية والإعلامية التي لم يتوقعها النظام السعودي، ولكن أيضا بسبب الهزّة الكبيرة والدالّة التي أحدثتها هذه القضية داخل الرأي العام العربي والدولي، والتي ستكون لها، بالتأكيد، كلفةٌ سياسيةٌ ورمزيةٌ باهظةٌ سيدفعها هذا النظام على المدى البعيد.
وفضلا عن الطابع الوحشي والمرعب للواقعة، كشفت السلطات السعودية نقصا فادحا في إدارة الأزمة، وتدبير انعراجاتها المتسارعة، أمام تزايد الضغوط الوافدة من مختلف العواصم العالمية الكبرى؛ فقد قدّمت، منذ تفجر الأزمة، مطلع شهر أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، أكثر من رواية، وكلها كانت مليئةً بالتناقضات والمغالطات التي لم تُقنع أحدا. حتى حليفها القوي، دونالد ترامب، لم يستطع الاستمرار في تصديق تُرّهات المسؤولين السعوديين، ووجد نفسَه في موقفٍ محرجٍ أمام الدوائر الأميركية الأخرى المعنية، خصوصا داخل الكونغرس، بعد أن بات كثيرون من أعضائه، سواء في الحزب الجمهوري أو الديمقراطي، مقتنعين بأن محمد بن سلمان أصبح ورقةً محروقةً بالنسبة للولايات المتحدة.
جديد هذه الروايات ما قاله وزير الخارجية السعودي، عادل الجُبير، الذي لم يتحرّج في تحويل الجريمة البشعة إلى ''خطأ جسيم''، ونفى تهمة اغتيال خاشقجي عن ولي العهد ومساعديه. وهذه رواية لا يمكن أن يصدّقها العقل، بالنظر إلى أن عملية كهذه لا يمكن التخطيط لها وتنفيذها من دون ضوء أخضر من أعلى هرم السلطة، خصوصا وأنها على تراب دولةٍ إقليميةٍ كبرى بحجم تركيا.
دفع تضارب الروايات السعودية التجاذبات التي أفرزها اغتيال خاشقجي في اتجاهٍ لم يكن متوقعا، على اعتبار أن كل طرفٍ يحاول توسيع دائرة المكاسب التي في وسعه استخلاصها من الواقعة، أو على الأقل تقليص حجم الخسائر المترتّبة عنها. وهنا يمكن القول إن واقعة خاشقجي قد تدفع الإدارة الأميركية إلى إعادة النظر في رهانها على محمد بن سلمان، لتمرير مخطّطاتها في المنطقة.
على الصعيد الداخلي، لم يكن تعيين المذكور وليا للعهد محط إجماع داخل العائلة المالكة، خصوصا بعد اعتقاله مجموعة من الأمراء ورجال الأعمال، وإجبارهم على التخلي عن جزء من ممتلكاتهم، ناهيك بتضييقه الخناق على ناشطين وإعلاميين معارضين لسياسته، ما يعني افتقاده الشرعية السياسية والأخلاقية اللازمة التي تؤهله لخلافة والده، دونا عن بقية أفراد العائلة.
إقليميا، كان فشله صارخا، ففي اليمن تحوّل التدخل العسكري السعودي ورطةً كبرى تستخلص إيران عوائدَها بهدوء، هذا من دون الحديث عن التكلفة الباهظة لهذه الحرب في جانبها الإنساني. كما فشل في التأثير، ولو نسبيا، في مسار الأحداث في العراق وسورية. وفي الملف الفلسطيني، كان إخفاقه ذريعا في إدارة ما تُعرف بصفقة القرن، والتي كانت الولايات المتحدة وإسرائيل تعوّلان عليها لتسويقها وإقناع الفلسطينيين بجدواها للتنازل عن قضيتهم العادلة. وجاء الحصار الجائر على دولة قطر ليؤكّد، بالملموس، افتقاده رؤية استراتيجية متسقة، وقادرة على استيعاب تناقضات المشهد الإقليمي وتحوّلاته.
علاوة على ذلك، فإن تزايد الضغط الأوروبي في هذه الأزمة، وعدم اقتناع فرنسا وألمانيا وبريطانيا بما قدّمته الرياض من مغالطات بشأن مقتل خاشقجي، يُحوّلان ولي العهد السعودي إلى عبء ثقيل، قد لا تتحمله طبيعة التقاطبات الدولية الكبرى في منطقةٍ ملتهبةٍ مثل الخليج والشرق الأوسط.
وإذا كان دعمُ ترامب له يمثل أهم ورقةٍ بيده إلى حدود اللحظة، فإن الضغوط المتزايدة على الأخير داخل الكونغرس، قد تقلب هذه المعادلة رأسا على عقب، وتدفع واشنطن في اتجاه إحداث تغييرٍ في الرياض. ولعل ما يجعل هذا الاحتمال واردا طبيعة الملفات المطروحة على الإدارة الأميركية، خصوصا الملف الإيراني الذي يحتاج، حسب واشنطن، حلفاء قادرين على مواجهة طهران، والحد من تمدّدها في المنطقة، ولا يبدو أن السعودية ما زالت قادرة على ذلك بعد الزلزال الذي خلفته قضية خاشقجي.
لا يُستبعد أن تتراجع واشنطن في أي لحظةٍ عن مساندتها محمد بن سلمان، وحتى تذرُّعُ ترامب بالطابع الاستراتيجي لعلاقتها بالرياض، ربما يصبح بلا معنى في ظل ما قد يلحق المصالح الأميركية من أضرارٍ على المدى البعيد.
وفضلا عن الطابع الوحشي والمرعب للواقعة، كشفت السلطات السعودية نقصا فادحا في إدارة الأزمة، وتدبير انعراجاتها المتسارعة، أمام تزايد الضغوط الوافدة من مختلف العواصم العالمية الكبرى؛ فقد قدّمت، منذ تفجر الأزمة، مطلع شهر أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، أكثر من رواية، وكلها كانت مليئةً بالتناقضات والمغالطات التي لم تُقنع أحدا. حتى حليفها القوي، دونالد ترامب، لم يستطع الاستمرار في تصديق تُرّهات المسؤولين السعوديين، ووجد نفسَه في موقفٍ محرجٍ أمام الدوائر الأميركية الأخرى المعنية، خصوصا داخل الكونغرس، بعد أن بات كثيرون من أعضائه، سواء في الحزب الجمهوري أو الديمقراطي، مقتنعين بأن محمد بن سلمان أصبح ورقةً محروقةً بالنسبة للولايات المتحدة.
جديد هذه الروايات ما قاله وزير الخارجية السعودي، عادل الجُبير، الذي لم يتحرّج في تحويل الجريمة البشعة إلى ''خطأ جسيم''، ونفى تهمة اغتيال خاشقجي عن ولي العهد ومساعديه. وهذه رواية لا يمكن أن يصدّقها العقل، بالنظر إلى أن عملية كهذه لا يمكن التخطيط لها وتنفيذها من دون ضوء أخضر من أعلى هرم السلطة، خصوصا وأنها على تراب دولةٍ إقليميةٍ كبرى بحجم تركيا.
دفع تضارب الروايات السعودية التجاذبات التي أفرزها اغتيال خاشقجي في اتجاهٍ لم يكن متوقعا، على اعتبار أن كل طرفٍ يحاول توسيع دائرة المكاسب التي في وسعه استخلاصها من الواقعة، أو على الأقل تقليص حجم الخسائر المترتّبة عنها. وهنا يمكن القول إن واقعة خاشقجي قد تدفع الإدارة الأميركية إلى إعادة النظر في رهانها على محمد بن سلمان، لتمرير مخطّطاتها في المنطقة.
على الصعيد الداخلي، لم يكن تعيين المذكور وليا للعهد محط إجماع داخل العائلة المالكة، خصوصا بعد اعتقاله مجموعة من الأمراء ورجال الأعمال، وإجبارهم على التخلي عن جزء من ممتلكاتهم، ناهيك بتضييقه الخناق على ناشطين وإعلاميين معارضين لسياسته، ما يعني افتقاده الشرعية السياسية والأخلاقية اللازمة التي تؤهله لخلافة والده، دونا عن بقية أفراد العائلة.
إقليميا، كان فشله صارخا، ففي اليمن تحوّل التدخل العسكري السعودي ورطةً كبرى تستخلص إيران عوائدَها بهدوء، هذا من دون الحديث عن التكلفة الباهظة لهذه الحرب في جانبها الإنساني. كما فشل في التأثير، ولو نسبيا، في مسار الأحداث في العراق وسورية. وفي الملف الفلسطيني، كان إخفاقه ذريعا في إدارة ما تُعرف بصفقة القرن، والتي كانت الولايات المتحدة وإسرائيل تعوّلان عليها لتسويقها وإقناع الفلسطينيين بجدواها للتنازل عن قضيتهم العادلة. وجاء الحصار الجائر على دولة قطر ليؤكّد، بالملموس، افتقاده رؤية استراتيجية متسقة، وقادرة على استيعاب تناقضات المشهد الإقليمي وتحوّلاته.
علاوة على ذلك، فإن تزايد الضغط الأوروبي في هذه الأزمة، وعدم اقتناع فرنسا وألمانيا وبريطانيا بما قدّمته الرياض من مغالطات بشأن مقتل خاشقجي، يُحوّلان ولي العهد السعودي إلى عبء ثقيل، قد لا تتحمله طبيعة التقاطبات الدولية الكبرى في منطقةٍ ملتهبةٍ مثل الخليج والشرق الأوسط.
وإذا كان دعمُ ترامب له يمثل أهم ورقةٍ بيده إلى حدود اللحظة، فإن الضغوط المتزايدة على الأخير داخل الكونغرس، قد تقلب هذه المعادلة رأسا على عقب، وتدفع واشنطن في اتجاه إحداث تغييرٍ في الرياض. ولعل ما يجعل هذا الاحتمال واردا طبيعة الملفات المطروحة على الإدارة الأميركية، خصوصا الملف الإيراني الذي يحتاج، حسب واشنطن، حلفاء قادرين على مواجهة طهران، والحد من تمدّدها في المنطقة، ولا يبدو أن السعودية ما زالت قادرة على ذلك بعد الزلزال الذي خلفته قضية خاشقجي.
لا يُستبعد أن تتراجع واشنطن في أي لحظةٍ عن مساندتها محمد بن سلمان، وحتى تذرُّعُ ترامب بالطابع الاستراتيجي لعلاقتها بالرياض، ربما يصبح بلا معنى في ظل ما قد يلحق المصالح الأميركية من أضرارٍ على المدى البعيد.