خاشقجي في الملعب الأخطر
على الرغم من أن الكاتب والصحافي السعودي الراحل، جمال خاشقجي، رحمه الله، لم يملّ من تكرار التأكيد على أنه ليس معارضا لسلطات بلاده، وإنما يدعو إلى الإصلاح والتصحيح، ومحاربة الفساد، وعلى الرغم من أنه كان يتحدث بلغة الناصح المشفق، وليس الناقم الساخط، وعلى الرغم من حرصه الشديد على انتقاء عباراته في توجيه النقد، بعيدا عن التجريح والشماتة
وعلى الرغم من حرصه على تهدئة الشباب الساخط، وترشيد خطابهم، وحثّهم على عدم التصادم وتعريض أنفسهم للسجن، وعلى الرغم من تأكيده على حسن نياته، وسلامة مقاصده فيما كان يسعى إليه، لرؤية وطن أفضل في مختلف المجالات... على الرغم من ذلك كله، لا يمكن التقليل من قوة النشاطات التي كان يقوم بها الراحل، بل يمكن القول إنها كانت أكثر فاعليةً من أغلب ما يقوم به المعارضون التقليديون في العالم العربي، فجمال اختار ملعبا يكاد ينفرد باللعب فيه، وأسلوبا لم يُعهد من قبل في مجال المعارضة السياسية، ولو قدّر الله أن يستمر لرأينا تأثيرا نوعيا يفتح آفاقا جديدة للعاملين في حقل الإصلاح السياسي في العالم العربي.
اختار جمال خاشقجي أن يوجه خطابا إلى الداخل في العربية السعودية، وآخر إلى الخارج. كان يبني خطابه إلى الداخل على الاعتراف بشرعية الدولة، وشرعية النظام السياسي القائم، ويؤكد أنه لا يسعى إلى إسقاط هذا النظام ونزع الشرعية عنه، وإنما إصلاحه وتطويره بما يحقّق المشاركة الشعبية، وتقليل هامش التفرّد في القرار، والانفتاح القائم على حرية التعبير، والابتعاد عن سياسة الفرض.
لا يمكن تجاهل أن لهذا الخطاب خطورته في الأوساط التي كان خاشقجي يخاطبها، لأنه يجد
آذانا صاغية، وقدرةً كبيرة على تفهمه والتفاعل معه، ويحقق تعاطفا ملموسا، ويلقى احتراما عند فئاتٍ عديدة، لما يحمله من هدوءٍ وواقعيةٍ ومعقوليةٍ تبدّد مخاوف الناس من سقوط الدولة، وهاجس انهيار النظام الذي لا تُؤمن عواقبه. ومن هنا، وجدت الأطراف المناوئة لخطابه صعوبةً في تخوينه أو شيطنته، حيث إنه قطع الطريق على كل من يحاول أن يصف المطالبات الإصلاحية بأنها دعوة إلى الفوضى والفتنة والخروج والمروق وزعزعة الأمن.. إلى آخره من الأوصاف المعلبة والمصنعة في أجهزة المخابرات العربية، والتي تعمّمها في الأجهزة الإعلامية للسلطات الحاكمة ليتم نشرها وتوزيعها.
أما تواصل خاشقجي مع العالم الخارجي فكان بواسطة أدواتٍ نوعيةٍ أكثر فاعلية، والتي تخاطب الرأي العام الغربي، ونخبه، وأصحاب القرار، بالإضافة إلى تواصله مع المنظمات الدولية، فمن خلال كتابته في الصحيفة الأميركية الكبرى، واشنطن بوست، وإلقائه محاضرات في الجامعات والمؤتمرات، ومشاركته في حلقاتٍ نقاشية مع أكبر مراكز الدراسات ومجموعات الضغط، والتي لها أثر في صناعة القرار، استطاع خاشقجي أن يختط لنفسه مسارا من النادر أن نجد من العرب من يسير فيه باحترافٍ وتميز، وموطن التميز في أنه حافظ أمام العالم الخارجي على جوهر القضايا العربية والإسلامية، وذلك بتأكيده المستمر على حق الشعوب العربية بالحرية والمشاركة السياسية، ودفاعه عن الربيع العربي، بل تبنيه، باعتباره محاولةً صادقةً من الجماهير العربية للتخلص من الاستبداد الداخلي والهيمنة الخارجية. والأهم دفاعه المستمر عن قضية فلسطين، وأنها تقع في منطقة المركز من بين قضايا العرب والمسلمين. ولعل هذا ما جعل التعاطي الإسرائيلي مع قضية اغتياله في غاية السلبية، حيث أعادت وسائل إعلامية إسرائيلية نشر بعض تغريداته المناهضة للاحتلال الصهيوني، في إشارة إلى أن قضيته لا تستحق التعاطف، وأن الانسياق خلف تداعياتها لن يكون في صالح الكيان الصهيوني.
خطورة أنشطة جمال خاشقجي الخارجية أنها كانت تقع في الملعب نفسه الذي حرصت بعض الأنظمة الخليجية أخيرا على الوجود واللعب فيه بقوة، فقد أصبحت ساحة جماعات الضغط ومراكز الدراسات والصحف الغربية الميدان الذي دخلته تلك الأنظمة بقوة المال، وبواسطة شركات العلاقات العامة، لمحاولة التأثير على الرأي العام الغربي، وعلى أصحاب القرار، وقد أنفقت ملايين الدولارات للحصول على وجودٍ مؤثّرٍ في تلك الأوساط، بينما جاء خاشقجي بقوته الذاتية، وبشبكة علاقاته المتميزة، ليخترق تلك الأوساط، من دون أن يدفع دولارا واحدا، لينافس تلك الأنظمة في الملعب نفسه.. وهنا خطورته.
وعلى الرغم من حرصه على تهدئة الشباب الساخط، وترشيد خطابهم، وحثّهم على عدم التصادم وتعريض أنفسهم للسجن، وعلى الرغم من تأكيده على حسن نياته، وسلامة مقاصده فيما كان يسعى إليه، لرؤية وطن أفضل في مختلف المجالات... على الرغم من ذلك كله، لا يمكن التقليل من قوة النشاطات التي كان يقوم بها الراحل، بل يمكن القول إنها كانت أكثر فاعليةً من أغلب ما يقوم به المعارضون التقليديون في العالم العربي، فجمال اختار ملعبا يكاد ينفرد باللعب فيه، وأسلوبا لم يُعهد من قبل في مجال المعارضة السياسية، ولو قدّر الله أن يستمر لرأينا تأثيرا نوعيا يفتح آفاقا جديدة للعاملين في حقل الإصلاح السياسي في العالم العربي.
اختار جمال خاشقجي أن يوجه خطابا إلى الداخل في العربية السعودية، وآخر إلى الخارج. كان يبني خطابه إلى الداخل على الاعتراف بشرعية الدولة، وشرعية النظام السياسي القائم، ويؤكد أنه لا يسعى إلى إسقاط هذا النظام ونزع الشرعية عنه، وإنما إصلاحه وتطويره بما يحقّق المشاركة الشعبية، وتقليل هامش التفرّد في القرار، والانفتاح القائم على حرية التعبير، والابتعاد عن سياسة الفرض.
لا يمكن تجاهل أن لهذا الخطاب خطورته في الأوساط التي كان خاشقجي يخاطبها، لأنه يجد
أما تواصل خاشقجي مع العالم الخارجي فكان بواسطة أدواتٍ نوعيةٍ أكثر فاعلية، والتي تخاطب الرأي العام الغربي، ونخبه، وأصحاب القرار، بالإضافة إلى تواصله مع المنظمات الدولية، فمن خلال كتابته في الصحيفة الأميركية الكبرى، واشنطن بوست، وإلقائه محاضرات في الجامعات والمؤتمرات، ومشاركته في حلقاتٍ نقاشية مع أكبر مراكز الدراسات ومجموعات الضغط، والتي لها أثر في صناعة القرار، استطاع خاشقجي أن يختط لنفسه مسارا من النادر أن نجد من العرب من يسير فيه باحترافٍ وتميز، وموطن التميز في أنه حافظ أمام العالم الخارجي على جوهر القضايا العربية والإسلامية، وذلك بتأكيده المستمر على حق الشعوب العربية بالحرية والمشاركة السياسية، ودفاعه عن الربيع العربي، بل تبنيه، باعتباره محاولةً صادقةً من الجماهير العربية للتخلص من الاستبداد الداخلي والهيمنة الخارجية. والأهم دفاعه المستمر عن قضية فلسطين، وأنها تقع في منطقة المركز من بين قضايا العرب والمسلمين. ولعل هذا ما جعل التعاطي الإسرائيلي مع قضية اغتياله في غاية السلبية، حيث أعادت وسائل إعلامية إسرائيلية نشر بعض تغريداته المناهضة للاحتلال الصهيوني، في إشارة إلى أن قضيته لا تستحق التعاطف، وأن الانسياق خلف تداعياتها لن يكون في صالح الكيان الصهيوني.
خطورة أنشطة جمال خاشقجي الخارجية أنها كانت تقع في الملعب نفسه الذي حرصت بعض الأنظمة الخليجية أخيرا على الوجود واللعب فيه بقوة، فقد أصبحت ساحة جماعات الضغط ومراكز الدراسات والصحف الغربية الميدان الذي دخلته تلك الأنظمة بقوة المال، وبواسطة شركات العلاقات العامة، لمحاولة التأثير على الرأي العام الغربي، وعلى أصحاب القرار، وقد أنفقت ملايين الدولارات للحصول على وجودٍ مؤثّرٍ في تلك الأوساط، بينما جاء خاشقجي بقوته الذاتية، وبشبكة علاقاته المتميزة، ليخترق تلك الأوساط، من دون أن يدفع دولارا واحدا، لينافس تلك الأنظمة في الملعب نفسه.. وهنا خطورته.