20 أكتوبر 2024
نتنياهو رئيس حكومة لا يُقهر؟
لوهلةٍ، خُيل لمتابعي الشأن الإسرائيلي أن سقوط رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، بات وشيكاً، إثر إعلان وزير الأمن، أفيغدور ليبرمان، استقالته من منصبه احتجاجاً على موافقة نتنياهو على قرار وقف إطلاق النار مع حركة حماس، وتلميح وزيري حزب البيت اليهودي اليميني المتطرّف إلى أنهما يعتزمان تقديم استقالتَيهما. وبدأ الجميع في إسرائيل يعدّون العدة لحل الكنيست والمضي نحو انتخاباتٍ مبكرة. ولكن هذا كله تحول فجأة بعد خطاب نتنياهو في مركز قيادة أركان الجيش في تل أبيب، بمناسبة توليه حقيبة وزارة الدفاع، وقوله إن حساسية المرحلة الحالية تفرض استمرار الحكومة في عملها، لمواجهة خطر محدق كبير، رفض الكشف عنه، معتبراً الخطر الذي تشكله جبهة غزة بالمقارنة بهذ الخطر هامشياً جداً.
بعد هذا الكلام التهويلي الغامض لنتنياهو، تغيرت فجأة صورة الوضع، فأعلن زعيم حزب البيت اليهودي، نفتالي بينيت، عن بقائه إلى جانب نتنياهو، وتراجع الحديث عن الانتخابات المبكرّة. وعلى الرغم من الاستياء العام من قراره وقف إطلاق النار في غزة، عاد نتنياهو ليمسك بمقاليد اللعبة السياسية، ونجح حتى الآن في أن يحكم إسرائيل بائتلافٍ حكوميٍّ ضيق، يقتصر على أكثرية برلمانية لا تتعدى 61 نائباً.
كيف استطاع نتنياهو حماية نفسه وحكومته من السقوط؟ هناك الأسلوب التحريضي الذي يبرع فيه، في تصويره حل الكنيست، والدعوة إلى انتخابات مبكرة بأنه فرصة نادرة، ستستخدمها "حماس" لتصوير نفسها الرابح الأكبر سياسياً من جولة التصعيد. كما برزت براعة نتنياهو الخطابية في إيقاظ مخاوف الإسرائيليين على وجودهم من خلال حديثه الواثق عن مرحلة مصيرية، تمر بها إسرائيل، تتطلب التعالي على الخلافات ورص الصفوف.
ولكن ثمّة أسباب أخرى أكثر عمقاً وجدّية، تفسّر صمود نتنياهو في رئاسة الحكومة، وتغلبه على العاصفة التي أثارها قراره وقف إطلاق النار مع "حماس". السبب الأول اقتناع جميع السياسيين والعسكريين بأن خوض عملية عسكرية جديدة ضد "حماس" في قطاع غزة سيحصد ثمناً كبيراً من الطرفين. وفي نهايتها، سيعود الطرفان إلى نقطة البداية. من جهة أخرى، برزت هذه المرة بوضوح كبير المقاربة التي ينتهجها نتنياهو حيال حركة حماس التي تقوم على أساس أن المصلحة الإسرائيلية تقتضي الإبقاء على الانفصال بين قطاع غزة والضفة الغربية، وإضعاف "حماس" من دون كسرها، ومحاولة تدجينها من خلال تخفيف الحصار، وتسهيل مرور المال القطري إليها، ومساعدة مصر في جهودها مع الموفد الأممي للتوصل إلى تهدئةٍ بعيدة الأمد.
ثمة سبب آخر مهم، وهو الجهود التي يبذلها نتنياهو للتقرب من الدول العربية السنية المعتدلة، وتشكل جبهةً معها ضد إيران. وتجلى ذلك في زيارته عُمان الشهر الماضي (أكتوبر/ تشرين الأول 2018)، والحديث عن زيارة قريبة له إلى البحرين، وعن دوره في التوسط مع الولايات المتحدة لإيجاد حل لمساعدة السعودية على الخروج من فضيحة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، فليس من مصلحة نتنياهو حالياً في وقتٍ يخطب ود الزعماء العرب، أن يكون جيشه يسفك دماء الفلسطينيين من سكان غزة.
وهناك أيضاً صفقة القرن، فهناك احتمال كبير أن محاولة الحكومة الإسرائيلية وقف التصعيد والسعي إلى تهدئة بعيدة الأمد مع حركة حماس مدخل كي تطرح أخيراً إدارة ترامب مبادرتها للسلام، والتي في حال قبول مختلف الأطراف بها ستفتح الباب واسعاً لتطبيع العلاقات رسمياً بين إسرائيل والدول العربية.
هناك المعركة السرية التي تخوضها إسرائيل ضد الوجود العسكري الإيراني في سورية، والذي منذ إسقاط الطائرة الروسية في سورية تواجه صعوباتٍ حقيقية، نظراً للقيود التي فرضتها روسيا على حرية التحليق الإسرائيلي في الأجواء السورية، وتوقف التنسيق العسكري بينهما.
ويرى محللون إسرائيليون أن نتنياهو استطاع، في ولايتيه المتتاليتين، إعادة رسم ملامح اليمين الجديد في إسرائيل، من خلال جعله أقرب إلى مواقف الوسط في إسرائيل منه إلى مواقف اليمين المتطرّف، فعلى الرغم من عرقلته حل الدولتين، وتشجيعه عملياً توسيع الاستيطان في الضفة الغربية، فهو لم يستجب قط لمطالب اليمين المتشدّد بضم منطقة ج إلى إسرائيل؛ وهو، على الرغم من تصريحاته النارية ضد "حماس" ينتهج سياسة براغماتية واقعية في التعاطي مع التصعيد في غزة، ويرفض الدخول في مغامراتٍ عسكريةٍ لا تخدم مصلحة إسرائيل في الوقت الراهن، ولا تؤدي إلى تحقيق أهدافٍ تخدم أهدافها. وفي موقفه هذا، يتفق تماماً مع مواقف قيادة الجيش الإسرائيلي في كيفية التعامل مع التصعيد في قطاع غزة.
بهذا المعنى، يكاد نتنياهو يشكل ظاهرة في تاريخ رؤساء الحكومات الإسرائيلية في أنه استطاع أن يتولى منصب رئاسة الحكومة أكثر من 11 عاماً، وبذلك يأتي في المرتبة الثانية بعد بن غوريون الذي أمضى 14 عاماً في هذا المنصب.
ولم تنجح تهم الفساد والتحقيقات مع نتنياهو وعائلته، ولا استقالة وزير أمنه، وتقلص الائتلاف الحكومي في زعزعة مكانته وسقوط حكومته. وعلى الأرجح، يعود هذا إلى عدم وجود زعامة بديلة حقيقية وسط الأحزاب المنافسة لحزب الليكود، وإلى الضعف الكبير الذي يعانيه معسكر حزب العمل، واليسار عموما.
بعد هذا الكلام التهويلي الغامض لنتنياهو، تغيرت فجأة صورة الوضع، فأعلن زعيم حزب البيت اليهودي، نفتالي بينيت، عن بقائه إلى جانب نتنياهو، وتراجع الحديث عن الانتخابات المبكرّة. وعلى الرغم من الاستياء العام من قراره وقف إطلاق النار في غزة، عاد نتنياهو ليمسك بمقاليد اللعبة السياسية، ونجح حتى الآن في أن يحكم إسرائيل بائتلافٍ حكوميٍّ ضيق، يقتصر على أكثرية برلمانية لا تتعدى 61 نائباً.
كيف استطاع نتنياهو حماية نفسه وحكومته من السقوط؟ هناك الأسلوب التحريضي الذي يبرع فيه، في تصويره حل الكنيست، والدعوة إلى انتخابات مبكرة بأنه فرصة نادرة، ستستخدمها "حماس" لتصوير نفسها الرابح الأكبر سياسياً من جولة التصعيد. كما برزت براعة نتنياهو الخطابية في إيقاظ مخاوف الإسرائيليين على وجودهم من خلال حديثه الواثق عن مرحلة مصيرية، تمر بها إسرائيل، تتطلب التعالي على الخلافات ورص الصفوف.
ولكن ثمّة أسباب أخرى أكثر عمقاً وجدّية، تفسّر صمود نتنياهو في رئاسة الحكومة، وتغلبه على العاصفة التي أثارها قراره وقف إطلاق النار مع "حماس". السبب الأول اقتناع جميع السياسيين والعسكريين بأن خوض عملية عسكرية جديدة ضد "حماس" في قطاع غزة سيحصد ثمناً كبيراً من الطرفين. وفي نهايتها، سيعود الطرفان إلى نقطة البداية. من جهة أخرى، برزت هذه المرة بوضوح كبير المقاربة التي ينتهجها نتنياهو حيال حركة حماس التي تقوم على أساس أن المصلحة الإسرائيلية تقتضي الإبقاء على الانفصال بين قطاع غزة والضفة الغربية، وإضعاف "حماس" من دون كسرها، ومحاولة تدجينها من خلال تخفيف الحصار، وتسهيل مرور المال القطري إليها، ومساعدة مصر في جهودها مع الموفد الأممي للتوصل إلى تهدئةٍ بعيدة الأمد.
ثمة سبب آخر مهم، وهو الجهود التي يبذلها نتنياهو للتقرب من الدول العربية السنية المعتدلة، وتشكل جبهةً معها ضد إيران. وتجلى ذلك في زيارته عُمان الشهر الماضي (أكتوبر/ تشرين الأول 2018)، والحديث عن زيارة قريبة له إلى البحرين، وعن دوره في التوسط مع الولايات المتحدة لإيجاد حل لمساعدة السعودية على الخروج من فضيحة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، فليس من مصلحة نتنياهو حالياً في وقتٍ يخطب ود الزعماء العرب، أن يكون جيشه يسفك دماء الفلسطينيين من سكان غزة.
وهناك أيضاً صفقة القرن، فهناك احتمال كبير أن محاولة الحكومة الإسرائيلية وقف التصعيد والسعي إلى تهدئة بعيدة الأمد مع حركة حماس مدخل كي تطرح أخيراً إدارة ترامب مبادرتها للسلام، والتي في حال قبول مختلف الأطراف بها ستفتح الباب واسعاً لتطبيع العلاقات رسمياً بين إسرائيل والدول العربية.
هناك المعركة السرية التي تخوضها إسرائيل ضد الوجود العسكري الإيراني في سورية، والذي منذ إسقاط الطائرة الروسية في سورية تواجه صعوباتٍ حقيقية، نظراً للقيود التي فرضتها روسيا على حرية التحليق الإسرائيلي في الأجواء السورية، وتوقف التنسيق العسكري بينهما.
ويرى محللون إسرائيليون أن نتنياهو استطاع، في ولايتيه المتتاليتين، إعادة رسم ملامح اليمين الجديد في إسرائيل، من خلال جعله أقرب إلى مواقف الوسط في إسرائيل منه إلى مواقف اليمين المتطرّف، فعلى الرغم من عرقلته حل الدولتين، وتشجيعه عملياً توسيع الاستيطان في الضفة الغربية، فهو لم يستجب قط لمطالب اليمين المتشدّد بضم منطقة ج إلى إسرائيل؛ وهو، على الرغم من تصريحاته النارية ضد "حماس" ينتهج سياسة براغماتية واقعية في التعاطي مع التصعيد في غزة، ويرفض الدخول في مغامراتٍ عسكريةٍ لا تخدم مصلحة إسرائيل في الوقت الراهن، ولا تؤدي إلى تحقيق أهدافٍ تخدم أهدافها. وفي موقفه هذا، يتفق تماماً مع مواقف قيادة الجيش الإسرائيلي في كيفية التعامل مع التصعيد في قطاع غزة.
بهذا المعنى، يكاد نتنياهو يشكل ظاهرة في تاريخ رؤساء الحكومات الإسرائيلية في أنه استطاع أن يتولى منصب رئاسة الحكومة أكثر من 11 عاماً، وبذلك يأتي في المرتبة الثانية بعد بن غوريون الذي أمضى 14 عاماً في هذا المنصب.
ولم تنجح تهم الفساد والتحقيقات مع نتنياهو وعائلته، ولا استقالة وزير أمنه، وتقلص الائتلاف الحكومي في زعزعة مكانته وسقوط حكومته. وعلى الأرجح، يعود هذا إلى عدم وجود زعامة بديلة حقيقية وسط الأحزاب المنافسة لحزب الليكود، وإلى الضعف الكبير الذي يعانيه معسكر حزب العمل، واليسار عموما.
دلالات
مقالات أخرى
06 أكتوبر 2024
21 سبتمبر 2024
06 سبتمبر 2024