24 يوليو 2024
في أغراض زيارة البشير الأسد
ضجيج وأسئلة كبرى ودهشة أثارتها زيارة الرئيس السوداني، عمر البشير، المفاجئة دمشق، ولقاؤه نظيره بشار الأسد. ضجة حرّكتها الدهشة أكثر منها القيمة الحقيقية من الزيارة بوصفها فعلا سياسيا. وأثارت هذه الضجة التساؤلات بحثا عن المعنى والغرض من خطوة الرئيس السوداني الذي لم يُعرف له دور أو موقف تجاه الأزمة السورية، سوى بعض المبادرات الباهتة، في فترة مبكرة من الثورة السورية التي اندلعت عام 2011. وأكثر ما قدمه السودان خلال سنوات الأزمة احتضانه سوريين كثيرين، ومعارضين منهم، وقد منح بعضهم جوازات سودانية.
وأغلب الظن أن الزيارة قفزة مغامرة لصاحبها، وبشكل فردي، والأرجح أنها فكرة روسية التصميم، نفذها البشير بطيب خاطر، طالما هو مولع بالمغامرات المثيرة، تماما كدوره في مغامرة الانقلاب الذي نظمته الحركة الإسلامية، واستيلائها على الحكم في السودان عام 1989. والفكرة البارزة من الزيارة كسر عزلة سورية عن محيطها العربي، وإطلاق ضربة البداية أمام تداول عربي علني واسع ومسموع، لفكرة عودة سورية لجامعة الدول العربية. وتأتي هذه الخطوة في تناغم مع الجهود الروسية التي تتجه إلى حسم الوضع العسكري لصالح حكم بشار الأسد، ومن ثم الاتجاه لعودة سورية لمحيطها العربي. والواضح أن الزيارة جاءت طارئة مفاجئة، ولم يرتب لها، بدليل أنها تمت في أثناء وجود وزير الخارجية السوداني، الدرديري محمد أحمد، في دولة قطر، مشاركا في منتدى الدوحة يوم الأحد الماضي (16 /12 /2018).
لم يتناول الرئيس السوداني نفسه، في أحاديثه الصحافية أو خطبه طوال سنوات، الأزمة
السورية، سوى في إشارات قليلة، بدا في غالبها متعاطفا مع المعارضة، بل كانت له آراء غير ودية تماما عن بشار الأسد، ومن ذلك قوله لصحيفة عكاظ السعودية، في مارس/ آذار الماضي، إن آخر اتصال له مع الرئيس السوري تم قبل ثلاث سنوات، وقوله إن الأسد لن يذهب بغير القوة، ولن يرحل، بل سيقتل.
ومن المهم هنا النظر للزيارة من منظورين، الأول مرتبط بالأزمة السياسية والاقتصادية الحادة الداخلية في السودان، وتبدو الصورة هنا أشبه بما قام به الرئيس السابق، جعفر نميري، والذي حينما حاصرت نظامه الأزمات المحلية، أصبح الرئيس العربي الوحيد الذي وقف إلى جانب الرئيس المصري، أنور السادات، مناصرا في اتفاقية كامب ديفيد عام 1978. واليوم يكرر البشير المسلك نفسه بالهروب من الداخل الملتهب إلى ضجيج خارجي، عسى أن يوفر له هذا الأمر الوقت اللازم لمعالجة الأزمة السودانية. ومن الناحية الأخرى، تبدو هذه الخطوة مصممة لإطلاق رسالة تجاه القوى الإقليمية، وخصوصا السعودية والإمارات، اللتين تنفذان تحرّكا في منطقة القرن الأفريقي، تدعمه بقوة الولايات المتحدة الأميركية، شمل كل الدول المحيطة بالسودان الذي استبعد منه. كما أن حكومة الخرطوم تتوجس من دعم إماراتي لقوى قبلية بارزة في شرق البلاد، تمثله قبائل الرشايدة والزبيدية، ويجد عمقا له في إريتريا المجاورة. وعلى ذلك، فإن الرئيس البشير يرمي من هذه الخطوة الإيجابية تجاه الأسد إلى إحراز مكسب شخصي، يتمثل في توفير دعم وتعاطف قوى عالمية، متمثلة في روسيا، وإقليمية مثل تركيا وإيران. بمعنى أنه نفذ خروجا معلنا من تحالف شعر تجاهه بالخذلان من السعودية والإمارات إلى تحالف موازن، يضم روسيا وتركيا وإيران. ويبدو أن الهواجس والشكوك متبادلة بين الرياض والخرطوم، فالسودان يدرك أنه غير موثوق به من السعودية، بدليل الترتيبات التي تتم من حوله حاليا وتطويقه بإريتريا وإثيوبيا اللتين أنهيتا سنوات من العداء، واستعادتا العلاقات الدبلوماسية بينهما بدعم قوي من السعودية. وعلى الرغم من مشاركة الخرطوم في الحرب على اليمن، إلا أنها لم تجد من السعودية سوى النكران
والصد، أبرزها إعادة السعودية آلافا من الأسر السودانية، وإنهاء خدمات آلاف من السودانيين مباشرة بعد مشاركة القوات السودانية في عملية عاصفة الحزم العسكرية في اليمن. كما أن السعودية والإمارات لم تقدما الدعم الاقتصادي والمالي المطلوب للسودان الذي يواجه أزماتٍ تخنق الحكم، وتهدد بانفجار الأوضاع. ولهذا، فالإحساس بالخذلان متجذر لدى الخرطوم. وفي المقابل، فإن موقف الخرطوم المتذبذب والمتأرجح تجاه الأزمة الخليجية، والحصار على قطر، يزيد من مشاعر عدم الثقة في الرياض وأبوظبي.
وعلى الرغم من ذلك كله، الأرجح أن البشير قد غامر بتوقيت الزيارة إلى سورية، فبعد أن تهدأ العاصفة التي أثارتها الزيارة المثيرة، عليه أن ينتظر ضغوطا داخلية، خصوصا في جبهة الشرق التي تزداد فيها الأمور سخونةً. وتشهد تحركات ونشاطا يسبب حاليا كثيرا من القلق للحكومة في الخرطوم. وهو ضغط يستمد زخمه من قوى خارجية، وخصوصا من الإمارات وإريتريا المجاورة. الأمر الآخر أن هذه الخطوة تجاه دمشق مقرونة بالانتقادات الدولية المتزايدة للحرب في اليمن، ستطاول السودان بالضرورة، ما يحتم على الخرطوم النظر بجدية في سحب قواتها من هناك، مع ما يعنيه هذا من تأثيراتٍ كبيرة ومباشرة على العلاقة بين الخرطوم والرياض.
يبقى السؤال الأهم: هل سيتبع عمر البشير مفاجآته بزيارة مماثلة إلى طهران، وإعلانه من هناك استئناف العلاقات السودانية الإيرانية، والتي قطعها طمعا في مقابل مادي يعينه على أزماته الداخلية؟ على كل حال، ستهدأ عاصفة الدهشة من المفاجأة التي تعد مكسبا مهما لبشار الأسد، فيما سيهبط البشير من عليائه، ليجد نفسه محاطا بأزمات داخلية عاصفة، ومتاهة تحالفات تتطاير فيها كل أوراقه.
وأغلب الظن أن الزيارة قفزة مغامرة لصاحبها، وبشكل فردي، والأرجح أنها فكرة روسية التصميم، نفذها البشير بطيب خاطر، طالما هو مولع بالمغامرات المثيرة، تماما كدوره في مغامرة الانقلاب الذي نظمته الحركة الإسلامية، واستيلائها على الحكم في السودان عام 1989. والفكرة البارزة من الزيارة كسر عزلة سورية عن محيطها العربي، وإطلاق ضربة البداية أمام تداول عربي علني واسع ومسموع، لفكرة عودة سورية لجامعة الدول العربية. وتأتي هذه الخطوة في تناغم مع الجهود الروسية التي تتجه إلى حسم الوضع العسكري لصالح حكم بشار الأسد، ومن ثم الاتجاه لعودة سورية لمحيطها العربي. والواضح أن الزيارة جاءت طارئة مفاجئة، ولم يرتب لها، بدليل أنها تمت في أثناء وجود وزير الخارجية السوداني، الدرديري محمد أحمد، في دولة قطر، مشاركا في منتدى الدوحة يوم الأحد الماضي (16 /12 /2018).
لم يتناول الرئيس السوداني نفسه، في أحاديثه الصحافية أو خطبه طوال سنوات، الأزمة
ومن المهم هنا النظر للزيارة من منظورين، الأول مرتبط بالأزمة السياسية والاقتصادية الحادة الداخلية في السودان، وتبدو الصورة هنا أشبه بما قام به الرئيس السابق، جعفر نميري، والذي حينما حاصرت نظامه الأزمات المحلية، أصبح الرئيس العربي الوحيد الذي وقف إلى جانب الرئيس المصري، أنور السادات، مناصرا في اتفاقية كامب ديفيد عام 1978. واليوم يكرر البشير المسلك نفسه بالهروب من الداخل الملتهب إلى ضجيج خارجي، عسى أن يوفر له هذا الأمر الوقت اللازم لمعالجة الأزمة السودانية. ومن الناحية الأخرى، تبدو هذه الخطوة مصممة لإطلاق رسالة تجاه القوى الإقليمية، وخصوصا السعودية والإمارات، اللتين تنفذان تحرّكا في منطقة القرن الأفريقي، تدعمه بقوة الولايات المتحدة الأميركية، شمل كل الدول المحيطة بالسودان الذي استبعد منه. كما أن حكومة الخرطوم تتوجس من دعم إماراتي لقوى قبلية بارزة في شرق البلاد، تمثله قبائل الرشايدة والزبيدية، ويجد عمقا له في إريتريا المجاورة. وعلى ذلك، فإن الرئيس البشير يرمي من هذه الخطوة الإيجابية تجاه الأسد إلى إحراز مكسب شخصي، يتمثل في توفير دعم وتعاطف قوى عالمية، متمثلة في روسيا، وإقليمية مثل تركيا وإيران. بمعنى أنه نفذ خروجا معلنا من تحالف شعر تجاهه بالخذلان من السعودية والإمارات إلى تحالف موازن، يضم روسيا وتركيا وإيران. ويبدو أن الهواجس والشكوك متبادلة بين الرياض والخرطوم، فالسودان يدرك أنه غير موثوق به من السعودية، بدليل الترتيبات التي تتم من حوله حاليا وتطويقه بإريتريا وإثيوبيا اللتين أنهيتا سنوات من العداء، واستعادتا العلاقات الدبلوماسية بينهما بدعم قوي من السعودية. وعلى الرغم من مشاركة الخرطوم في الحرب على اليمن، إلا أنها لم تجد من السعودية سوى النكران
وعلى الرغم من ذلك كله، الأرجح أن البشير قد غامر بتوقيت الزيارة إلى سورية، فبعد أن تهدأ العاصفة التي أثارتها الزيارة المثيرة، عليه أن ينتظر ضغوطا داخلية، خصوصا في جبهة الشرق التي تزداد فيها الأمور سخونةً. وتشهد تحركات ونشاطا يسبب حاليا كثيرا من القلق للحكومة في الخرطوم. وهو ضغط يستمد زخمه من قوى خارجية، وخصوصا من الإمارات وإريتريا المجاورة. الأمر الآخر أن هذه الخطوة تجاه دمشق مقرونة بالانتقادات الدولية المتزايدة للحرب في اليمن، ستطاول السودان بالضرورة، ما يحتم على الخرطوم النظر بجدية في سحب قواتها من هناك، مع ما يعنيه هذا من تأثيراتٍ كبيرة ومباشرة على العلاقة بين الخرطوم والرياض.
يبقى السؤال الأهم: هل سيتبع عمر البشير مفاجآته بزيارة مماثلة إلى طهران، وإعلانه من هناك استئناف العلاقات السودانية الإيرانية، والتي قطعها طمعا في مقابل مادي يعينه على أزماته الداخلية؟ على كل حال، ستهدأ عاصفة الدهشة من المفاجأة التي تعد مكسبا مهما لبشار الأسد، فيما سيهبط البشير من عليائه، ليجد نفسه محاطا بأزمات داخلية عاصفة، ومتاهة تحالفات تتطاير فيها كل أوراقه.