09 نوفمبر 2024
الانتخابات الرئاسية في الجزائر.. أين الحقيقة؟
لم يفهم الجزائريون، إلى الآن، هل سيذهبون إلى صناديق الاقتراع في إبريل/ نيسان المقبل، كما لم يفهموا، أيضا، دلالات بعض مفاهيم القاموس السياسي الجديد الذي يروّجه ساسة البلاد، حيث تتم الإشارة إلى الاستمرارية على أنها بمعان دستورية، تتضمن خيارين: التمديد أو التأجيل؟ إنها أسئلة تطرح نفسها، ولا تجد لها إلا تخمينات، في غياب الأخبار الرسمية، لتكون هي قناة تمرير الرسائل السياسية ومن كلّ الفاعلين موالاة و"معارضة" من خلال مبادرات كثيرة، لأن الوضع حساس جدّا.
كان أمين عام جبهة التحرير الوطني (الحزب الحاكم)، جمال ولد عباس، والغائب، حديثا، بداعي المرض، أوّل من أرسى الفكرة، في تصريحه إن عام 2019 عنوانه الأكبر الاستمرارية، ليتطوّر الأمر، بعد ذلك، إلى تفكيكٍ للمفهوم إلى معنيين يتضمنان، كلاهما، الإشارة إلى بقاء دار لقمان على حالها، وهو المعنى الوحيد للاستمرارية، بعيدا عن أية فلسفة أو محاولة للتفسير، ومن رحم ذلك ولدت مبادراتٌ عديدة.
وسواء كان المعنى التمديد أو التأجيل، فإن مجرد اتفاق من أسماهم السياسي، عبد الكريم طابو، القيادي السابق لحزب جبهة القوى الاشتراكية، الناخبين الكبار، أي صانعي القرار أو هيئة القرار في البلاد، على ذلك لا يعني، في الحقيقة، إلا إدامة منظومة حكم من دون العودة إلى الشعب، بل ابتعادا عن خيار التغيير الذي تملك الجزائر، الآن، مفاتيحه، بتوفر موارد اقتصادية ووفاق وطني، أو ما يصطلح على تسميته، في الجزائر، الاستقرار.
انشغلت مقالات سابقة لكاتب هذه السطور في "العربي الجديد" عن الانسداد، وجاء فيها أن
خيار الاستمرارية مرادف للجمود والفشل، وكلاهما وضع نحتاج معه، في جزائر 2019، بعد تقييم الحالة العامة للبلاد، مقاربةً للتقويم، منطلقها التغيير وإقرار التحول باعتماد دورة النّجاعة (الرّشادة) الانعكاسات من خلال مبادئ السياسة العامة المتضمنة خطوات: الفكرة، التّخطيط، التّنفيذ، التّقييم، التّقويم، ثم التعلّم والاستشراف.
لماذا يصرّ أصحاب القرار والسّاسة عندنا على خيارات استمرارية منظومةٍ ثبُث بالدليل (مؤشرات الاقتصاد، بقاء البلاد في دائرة الريع، الوضع الاجتماعي المتأزم، إلخ...)؟. مجرد التّشخيص لتلك الحالة المزرية نحتاج معها إلى رؤية، وإن تضمنت الاستمرارية في معطى الاستقرار في بيئة جوارية وإقليمية متفجرة، إلا أن المعنى لا يمكن أن يكون بالمضمون الذي يُروّجه هذه الأيام.
يضغط اقتراب الموعد الانتخابي لإقرار خيار الذهاب نحو التغيير بأدوات الوفاق الوطني، وهي موجودة، بل دعا إليها بعض من الساسة، وإن بأغراض ومقاصد غير التي تعنيها هذه المقالة. لا يمكن، ألبتة، إنكار أن بعض المقاصد تمّ الوصول إلى تحقيقها في العشرين سنة الماضية، ولعلّ أكبرها، على الإطلاق، ضمان الاستقرار في بيئة جوارية وإقليمية شديدة التفاعل الصراعي. ولكن، بالنظر إلى الفرص الضائعة والمنعرجات التي لم نعرف كيف نستغلها تحقيقا لهدفين هما: تبوؤ مكانة القاطرة لتجمع اقتصادي إقليمي كبير (اتحاد المغرب العربي)، أو بناء مشروع قوة إقليمية في غرب المتوسط والمنطقة الساحلية الصحراوية بمقومات ومؤهّلات كبيرة وهائلة، فإن الاستقرار كان ناقصا، ويحتاج، في المستقبل المنظور، مضمونا جديدا عنوانه التغيير بأدواتٍ توفّرها المقاربة الديمقراطية، كما يوفّرها منعرج رئاسيات إبريل/ نيسان 2019، باعتبار ذلك فرصة وتحديا للجزائر، ومثال تركيا ماثل أمامنا، فقد حقق هذا البلد من رحم فشل الانضمام إلى الاتّحاد الأوروبي مشروعا للقوة الإقليمية في عقدين (انطلق مشروع حزب العدالة والتنمية في 1999).
هذا هو المضمون الحقيقي للاستمرارية، وهناك فرص للعمل على تبنيه في سياق المفاهيم التي ضمّنها السّاسة القاموس السياسي الجديد، وهو يشير إلى ثراء المبادرات، من ناحية، وإمكانية تجاوز الجمود والفشل، من ناحية أخرى، وصولا إلى وفاقٍ بشأن شكل التغيير المراد ومضمونه، والذي يتحدث عنه الجزائريون، ويتمنون حدوثه، بل أن السلطة نفسها، في سياق الخيار الذي تريد أن تستقر عليه في أفق رئاسيات العام المقبل، تبحث عمن يدلها عليه، خصوصا أن ثمة وفاقا وُلد من رحم ذاكرة الوطن، بشأن التحول العنفي، وما جره من الويلات والمآسي على الوطن.
جاءت تحليلاتٌ على تعدّد المبادرات بشأن مقاربة المستقبل السياسي المنظور للبلاد، وأكّدت، جميعها على أن رهان الجزائر الحقيقي هو الخروج من دائرة الريع التي أوردتها هذا الوضع المتردي، وأن ذلك لا يمكن أن يتم إلا بمشروع متكامل، يضمن الأخذ بأيدي الجزائريين إلى مستقبل آخر.
الأحزاب وإن اختلفت توجهاتها الأيديولوجية، فإن هدفها هو الوصول إلى الحكم بمشاريع
يختارها الناخبون. وينتظر الجزائريون أن تُمنح لهم فرصة التعبير عن خيار آخر، وتوجه آخر، بمضمون آخر. ولعل توفر فرصة التجربة، وبلوغ التحول في البلاد مرحلةً يمكن وصفها بالناضجة، وإنْ بمؤشرات حرية الصحافة فقط، منعرجٌ يمكن التعويل عليه للعمل على زرع وعي المناداة بالتغيير العاجل إجرائيا مع تحديد مراحل التجسيد عمليا من خلال مبادئ السياسة العامة المومأ إليها أعلاه.
إذا تضمن معنى الاستمرارية هذا فإن المعنى يكون، عندها، صحيحا، والبوصلة تكون قد وجهت نحو وجهة صحيحة، ويتحمل الجميع، سلطة ومجتمعا مدنيا، أو ناخبين كبارا وشعبا، هيئة قرار ومواطنين، مسؤولية تجسيد هذا المعنى، بل ندعو إلى إثراء مفاهيم القاموس السياسي بتلك المعاني، مع التأكيد عليها، مضافا إليها مفاهيم الوعي، الإصغاء، العقد الاجتماعي الجديد، المواطنة، الكرامة، التغيير والمستقبل.
هنا، وهنا فقط، يمكن شكر جمال ولد عباس، أنه منحنا فرصة إبداع قاموس سياسي بجدلية الفكرة والفكرة الأخرى المعاكسة لها. إن إدلاءه بتلك الكلمة يفتح أمامنا فهما آخر، ولعلّ الدعوة إليه، بمضمونه الجديد، هو معنى آخر لاستمرارية بلد بحجم الجزائر، بحجم تاريخها، وبحجم رجالاتها، التاريخيين منهم والآملين في مستقبل واعد. وإنّ غدا لناظره لقريب.
كان أمين عام جبهة التحرير الوطني (الحزب الحاكم)، جمال ولد عباس، والغائب، حديثا، بداعي المرض، أوّل من أرسى الفكرة، في تصريحه إن عام 2019 عنوانه الأكبر الاستمرارية، ليتطوّر الأمر، بعد ذلك، إلى تفكيكٍ للمفهوم إلى معنيين يتضمنان، كلاهما، الإشارة إلى بقاء دار لقمان على حالها، وهو المعنى الوحيد للاستمرارية، بعيدا عن أية فلسفة أو محاولة للتفسير، ومن رحم ذلك ولدت مبادراتٌ عديدة.
وسواء كان المعنى التمديد أو التأجيل، فإن مجرد اتفاق من أسماهم السياسي، عبد الكريم طابو، القيادي السابق لحزب جبهة القوى الاشتراكية، الناخبين الكبار، أي صانعي القرار أو هيئة القرار في البلاد، على ذلك لا يعني، في الحقيقة، إلا إدامة منظومة حكم من دون العودة إلى الشعب، بل ابتعادا عن خيار التغيير الذي تملك الجزائر، الآن، مفاتيحه، بتوفر موارد اقتصادية ووفاق وطني، أو ما يصطلح على تسميته، في الجزائر، الاستقرار.
انشغلت مقالات سابقة لكاتب هذه السطور في "العربي الجديد" عن الانسداد، وجاء فيها أن
لماذا يصرّ أصحاب القرار والسّاسة عندنا على خيارات استمرارية منظومةٍ ثبُث بالدليل (مؤشرات الاقتصاد، بقاء البلاد في دائرة الريع، الوضع الاجتماعي المتأزم، إلخ...)؟. مجرد التّشخيص لتلك الحالة المزرية نحتاج معها إلى رؤية، وإن تضمنت الاستمرارية في معطى الاستقرار في بيئة جوارية وإقليمية متفجرة، إلا أن المعنى لا يمكن أن يكون بالمضمون الذي يُروّجه هذه الأيام.
يضغط اقتراب الموعد الانتخابي لإقرار خيار الذهاب نحو التغيير بأدوات الوفاق الوطني، وهي موجودة، بل دعا إليها بعض من الساسة، وإن بأغراض ومقاصد غير التي تعنيها هذه المقالة. لا يمكن، ألبتة، إنكار أن بعض المقاصد تمّ الوصول إلى تحقيقها في العشرين سنة الماضية، ولعلّ أكبرها، على الإطلاق، ضمان الاستقرار في بيئة جوارية وإقليمية شديدة التفاعل الصراعي. ولكن، بالنظر إلى الفرص الضائعة والمنعرجات التي لم نعرف كيف نستغلها تحقيقا لهدفين هما: تبوؤ مكانة القاطرة لتجمع اقتصادي إقليمي كبير (اتحاد المغرب العربي)، أو بناء مشروع قوة إقليمية في غرب المتوسط والمنطقة الساحلية الصحراوية بمقومات ومؤهّلات كبيرة وهائلة، فإن الاستقرار كان ناقصا، ويحتاج، في المستقبل المنظور، مضمونا جديدا عنوانه التغيير بأدواتٍ توفّرها المقاربة الديمقراطية، كما يوفّرها منعرج رئاسيات إبريل/ نيسان 2019، باعتبار ذلك فرصة وتحديا للجزائر، ومثال تركيا ماثل أمامنا، فقد حقق هذا البلد من رحم فشل الانضمام إلى الاتّحاد الأوروبي مشروعا للقوة الإقليمية في عقدين (انطلق مشروع حزب العدالة والتنمية في 1999).
هذا هو المضمون الحقيقي للاستمرارية، وهناك فرص للعمل على تبنيه في سياق المفاهيم التي ضمّنها السّاسة القاموس السياسي الجديد، وهو يشير إلى ثراء المبادرات، من ناحية، وإمكانية تجاوز الجمود والفشل، من ناحية أخرى، وصولا إلى وفاقٍ بشأن شكل التغيير المراد ومضمونه، والذي يتحدث عنه الجزائريون، ويتمنون حدوثه، بل أن السلطة نفسها، في سياق الخيار الذي تريد أن تستقر عليه في أفق رئاسيات العام المقبل، تبحث عمن يدلها عليه، خصوصا أن ثمة وفاقا وُلد من رحم ذاكرة الوطن، بشأن التحول العنفي، وما جره من الويلات والمآسي على الوطن.
جاءت تحليلاتٌ على تعدّد المبادرات بشأن مقاربة المستقبل السياسي المنظور للبلاد، وأكّدت، جميعها على أن رهان الجزائر الحقيقي هو الخروج من دائرة الريع التي أوردتها هذا الوضع المتردي، وأن ذلك لا يمكن أن يتم إلا بمشروع متكامل، يضمن الأخذ بأيدي الجزائريين إلى مستقبل آخر.
الأحزاب وإن اختلفت توجهاتها الأيديولوجية، فإن هدفها هو الوصول إلى الحكم بمشاريع
إذا تضمن معنى الاستمرارية هذا فإن المعنى يكون، عندها، صحيحا، والبوصلة تكون قد وجهت نحو وجهة صحيحة، ويتحمل الجميع، سلطة ومجتمعا مدنيا، أو ناخبين كبارا وشعبا، هيئة قرار ومواطنين، مسؤولية تجسيد هذا المعنى، بل ندعو إلى إثراء مفاهيم القاموس السياسي بتلك المعاني، مع التأكيد عليها، مضافا إليها مفاهيم الوعي، الإصغاء، العقد الاجتماعي الجديد، المواطنة، الكرامة، التغيير والمستقبل.
هنا، وهنا فقط، يمكن شكر جمال ولد عباس، أنه منحنا فرصة إبداع قاموس سياسي بجدلية الفكرة والفكرة الأخرى المعاكسة لها. إن إدلاءه بتلك الكلمة يفتح أمامنا فهما آخر، ولعلّ الدعوة إليه، بمضمونه الجديد، هو معنى آخر لاستمرارية بلد بحجم الجزائر، بحجم تاريخها، وبحجم رجالاتها، التاريخيين منهم والآملين في مستقبل واعد. وإنّ غدا لناظره لقريب.